ميليشيات تشترط تعيين رئيس لجهاز المخابرات الليبية مقابل إنهاء احتلالها لمقراته

«داعش» يصعد هجماته الانتحارية في سرت على الرغم من استمرار الغارات الأميركية

عنصر جريح من القوات التابعة للحكومة الشرعية يتلقى العلاج في أحد المستشفيات (رويترز)
عنصر جريح من القوات التابعة للحكومة الشرعية يتلقى العلاج في أحد المستشفيات (رويترز)
TT

ميليشيات تشترط تعيين رئيس لجهاز المخابرات الليبية مقابل إنهاء احتلالها لمقراته

عنصر جريح من القوات التابعة للحكومة الشرعية يتلقى العلاج في أحد المستشفيات (رويترز)
عنصر جريح من القوات التابعة للحكومة الشرعية يتلقى العلاج في أحد المستشفيات (رويترز)

في مؤشر جديد على الصعوبات التي تواجهها حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج المدعوم من بعثة الأمم المتحدة، في فرض سيطرتها على العاصمة الليبية طرابلس، اشترطت «كتيبة ثوار طرابلس» أمس تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات الليبية بدلاً من رئيسه الحالي مصطفى نوح، واعترفت للمرة الأولى رسميا باحتلالها مقرات الجهاز في أحد ضواحي طرابلس.
وأوضحت الكتيبة التي هاجمت مقر جهاز المخابرات الرئيسي واستولت عليه بقوة السلاح، إثر اشتباكات مسلحة دامت لبضع ساعات قبل يومين، أنها مستعدة لتسليم جميع مقار الجهاز التي بحوزتها، شريطة تعيين خليفة لنوح الذي اتهمته في المقابل بالتحالف مع مجموعات مسلحة وتزويدها بالمال والسلاح وتكليفها بأعمال إجرامية، على حد تعبيرها. وقالت الكتيبة في بيان رسمي بثته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، إنها أعلنت حالة الاستنفار لدى جميع عناصرها في العاصمة طرابلس، ردا على محاولة استهداف رئيسها هيثم التاجوري، مشيرة إلى أن أحد أعضاء جهاز المخابرات الليبية يقوم بأعمال جاسوسية لصالح جهات أجنبية. ورأت أن جهاز المخابرات الليبية «يجب أن يتولاه ضباط محترفون من داخل الجهاز»، الذي قالت إنه يجب أن يبقى «بعيدا عن أي تجاذبات سياسية أو جهوية».
وكانت «كتيبة ثوار طرابلس» التي تهيمن على عدة مقرات حكومية ورسمية في العاصمة الليبية، قد نجحت مؤخرا في طرد عناصر الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي كانت تتولى حماية مقر جهاز المخابرات الليبية في منطقة الفرناج جنوب شرقي المدينة. والتزمت حكومة السراج الصمت حيال هذه التطورات، فيما لم يصدر أي تعليق رسمي من جهاز المخابرات الليبية أو رئيسه مصطفى نوح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين.
إلى ذلك، أعلنت القوات الموالية لحكومة السراج أن تنظيم داعش نفذ 9 هجمات انتحارية بسيارات مفخخة ودراجات نارية وأحزمة ناسفة، في محاولة منه لتجنب خسارته الحي رقم 2 في مدينة سرت الساحلية الواقعة على بعد 450 كيلومترا شرق العاصمة طرابلس.
وقال المركز الإعلامي لـ«البنيان المرصوص»، إنه خلال معارك جرت أول من أمس، لجأ التنظيم المتطرف إلى سلاح الانتحاريين بكثرة، إذ إنه أرسل «5 سيارات مفخخة، ودراجة نارية مفخخة هي الأخرى، و3 انتحاريين بأحزمة ناسفة». وسيطرت القوات الموالية لحكومة السراج على كامل الحي رقم 2 في سرت، وهو أحد ثلاثة أحياء يتحصن فيها متطرفو تنظيم داعش في مسقط رأس العقيد الراحل معمر القذافي. وتمكنت القوات التي تتشكل في الأساس من كتائب من مدينة مصراتة في غرب البلاد، الأسبوع الماضي من دحر المتطرفين من معقلهم الأساسي في سرت، بفضل سلاح الجو الأميركي الذي بدأ بطلب من حكومة السراج تنفيذ غارات ضد المتطرفين في سرت.
وقال العميد محمد الغصري الناطق باسم عملية «البنيان المرصوص»، إن الإسناد الجوي الأميركي أدى إلى تقليل الخسائر البشرية في صفوف القوات الموالية الحكومية. وقال الغصري إنه «قبل التدخل الأميركي كان الهجوم يكلفنا بين 35 و40 شهيدا، أما الآن فأصبحت خسائرنا أقل بكثير، واليوم تحديدا سقط لنا في المعركة 3 شهداء فقط». وطبقا لحصيلة قدمتها القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا «أفريكوم»، فإن المقاتلات الأميركية نفذت 48 غارة في سرت منذ بدأت تدخلها ضد المتطرفين في المدينة الساحلية في مطلع الشهر الجاري.
إلى ذلك، قال العقيد رضا عيسى قائد القطاع الأوسط للبحرية الليبية المشاركة في عملية «البنيان المرصوص»، إنه يستبعد إمكانية هروب عناصر تنظيم داعش عبر البحر، حتى كمهاجرين غير شرعيين رفقة عائلات إلى أي دول أو مناطق. وأوضح أن قواته تطوق وتحاصر بالكامل ساحل مدينة سرت لمنع عناصر التنظيم من الهرب عن طريق البحر، بعد السيطرة على مبنى إذاعة سرت ومجمع قاعات واجادوجو والعمارات المعروفة بـ«الهندية»، وجامعة سرت ومقرات أخرى كانت تتمركز فيها عناصر التنظيم. وتابع أن «هناك قوة بحرية دولية خارج المياه الليبية تراقب الساحل، وهي مستعدة للتعاون إذا ما طلبنا منها ذلك، لكن حتى الآن لم تطلب قوات خفر السواحل الليبية الدعم، وذلك لأنها تسيطر على كامل الساحل المحاذي لمدينة سرت».
وسيطر تنظيم داعش على سرت العام الماضي، ليحولها إلى قاعدة للمقاتلين الليبيين والأجانب ويمد نفوذه على 250 كيلومترا من الساحل الليبي على البحر المتوسط، حيث فر جميع سكان سرت تقريبا وعددهم 80 ألف نسمة، مع فرض التنظيم حكمه على المدينة أو خلال القتال في الشهور الثلاثة الماضية. لكن التنظيم واجه صعوبات في توسيع نطاق تأييده أو سيطرته على الأراضي في ليبيا، حيث ستكون خسارة سرت انتكاسة كبيرة لمقاتليه الذين يتعرضون بالفعل لضغوط من حملات تدعمها الولايات المتحدة في العراق وسوريا.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.