أكدت دار الإفتاء المصرية أن النموذج الداعشي لا يولد إلا حالة من الإكراه الذي ينتج عنها حالات من السخط الاجتماعي، الذي يصل أحيانا إلى حد النفاق الاجتماعي، مضيفة: «هذا النفاق الاجتماعي يظهر فيه أفراد المجتمع الواقع تحت سطوة التنظيم المتطرف وكأنهم راضون بما فرضه التنظيم عليهم من أحكام وأوامر، وهم في قرارة أنفسهم على غير ذلك، بما يخالف مقتضى قول الله تعالى: (لا إكراه في الدين)».
جاء تأكيدات الإفتاء في مصر عقب احتفالات سكان مدينة «منبج السورية» بعد تحريرها من «داعش»، وتدفق سكان المدينة إلى الطرقات والشوارع مستمتعين ببعض الحقوق التي كانوا محرومين منها على مدى عامين، مثل حلق اللحى والتدخين.
وقالت دار الإفتاء في تقرير أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتطرفة، إن حالة الفرح والاحتفالات التي عمت شوارع مدينة «منبج السورية» إثر تحريرها من قبضة تنظيم داعش الإرهابي، تؤكد أن انصياع أهالي المدن والقرى لأوامر التنظيم الدينية ومنهجه المتطرف، إنما هو بفعل الخوف من بطش عناصر التنظيم الدموية، وأنه بمجرد فقدان التنظيم لسيطرته على تلك المدن، يهرع أهلها إلى إزالة كل ما فرضه التنظيم من ملامح وتقاليد غريبة، فُرضت باسم الدين، والإسلام منها بريء.
وأشار تقرير مرصد الإفتاء إلى أن مدينة «منبج السورية» قد شهدت مؤخرا كثيرا من الاحتفالات الشعبية بتخليصها من تنظيم داعش، وقد شهدت الاحتفالات قيام بعض السيدات بحرق البرقع (النقاب) الذي فرضه التنظيم على المرأة في المدن الواقعة تحت سيطرته، حيث اعتبرها التنظيم المتطرف فرضا دينيا واجبا على كل امرأة بالغة.
وأضافت دار الإفتاء في تقريرها، أن التنظيم فرض نمطه المتطرف على المدن والمجتمعات الخاضعة له بالقوة، مما انعكس على سلوك الناس فور هروب عناصر التنظيم من المدينة السورية، حيث هرع كثير من الرجال إلى حلق اللحى باعتبارها من فرائض «داعش».
ويقول مراقبون إن «داعش» كان يذبح المدنين من سكان «منبج السورية» بقطع الرأس، وكانت أقل عقوبة هي الجلد وكانت تستخدم لعقاب من يدخنون، وعلى سبيل المثال وعاقب التنظيم الرجال الذين ضبطوا يدخنون ببتر أصابعهم، ووفقا لتقرير للأمم المتحدة عام 2014 أعدمت طبيبة أسنان بقطع الرأس، لأنها كانت تعالج الرجال.
وأوضحت دار الإفتاء في تقريرها التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه أمس، أن التطرف الفكري الذي يصاحبه تطرف سلوكي يفرض على الناس بالقوة تكون عواقبه شديدة الخطر على موقف المجتمع من كثير من القضايا التي يطالها التشويه على أيدي خوارج العصر ومتطرفيه، وقد يصل بعضها إلى حد الإلحاد والخروج من الدين.
ويشار إلى أنه يمر الطريق إلى حلب ثاني المدن السورية وإلى الرقة عاصمة التنظيم المتطرف عبر «منبج» وقال مراقبون إن «نحو500 سيارة غادرت منبج محملة بأعضاء التنظيم والمدنيين، وكانت السيارات تتجه نحو جرابلوس، وهي بلدة تحت سيطرة التنظيم على الحدود التركية».
من جانبها، أكدت مصادر مصرية أن هزائم «داعش» في منبج السورية سوف تحد من قدرة التنظيم على اختراق الغرب، وحرمانه من ممر حيوي اعتادوا من خلاله تسهيل مرور مقاتلين أجانب إلى داخل سوريا أو مغادرتهم باتجاه أوروبا.
وأضاف المراقبون أن التحالف الدولي يعتزم بعد «منبج» التوجه إلى الرقة، التي يقدر عدد سكانها ما بين 250 ألفا و500 ألف شخص، وأصبحت عاصمة ما يعرف بالـ«خلافة المزعومة» التي أعلنها التنظيم منذ عامين، بعد أن سيطر على مساحات واسعة من سوريا والعراق.
في السياق ذاته، التزم تنظيم داعش الصمت بعد خسارته في معركة «منبج» على يد قوات سوريا الديمقراطية، بعد معارك عنيفة مع التنظيم دامت لأكثر من شهرين، ولم تعقب المواقع الرسمية التابعة للتنظيم على الحدث، كما لم يصدر بيان رسمي، أو تعليقات لناشطيه تبرر أو تشرح أسباب هزيمته أمام القوات التي هاجمت منبج.
وخسر «داعش» مساحات واسعة منذ مطلع العام الحالي في العراق وسوريا وليبيا، حيث أعلنت الحكومة العراقية في فبراير (شباط) الماضي، أنها تمكنت من استعادة السيطرة على مدينة الرمادي الواقعة على بعد مائة كيلومتر غرب العاصمة بغداد والتي كانت تحت سيطرة التنظيم منذ مايو (أيار) عام 2015. كما أعلنت الحكومة العراقية في يونيو (حزيران) الماضي استعادة السيطرة على كامل مدينة الفلوجة. واستعاد جيش النظام السوري في مارس (آذار) الماضي مدينة تدمر التاريخية الواقعة بريف حمص الشرقي.
وأوضح تقرير الإفتاء أنه لا يمكن بحال من الأحوال إجبار الناس على تبني المناهج المتطرفة والمتشددة، وأن قبول الناس بها لا يعدو كونه خضوعا للقوة والبطش المفروض من قبل تيار بعينه، وأنه بمجرد زوال تلك القوة أو ضعفها، ينفض الناس تلك الشوائب والمناهج الشاذة والغريبة.
وتابعت دار الإفتاء أن هذا الحدث في المدينة السورية وأمثالها، يظهر بوضوح يوما بعد يوم أن النموذج الأمثل للتعامل مع المجتمعات المعاصرة، هو السعي الحثيث في البيان والبلاغ مع رعاية الضبط الاجتماعي وعدم الخروج على النظام العام، والتوسع في الاهتمام بعمليتي التربية والتعليم، في إطار من رعاية الإنسانية والمقاصد الشرعية.
«الإفتاء المصرية»: النموذج الداعشي لا يولد إلا الكره والسخط الاجتماعي
قالت إن احتفالات منبج السورية بهروب التنظيم تؤكد أن «العقائد لا تفرض بالقوة»
«الإفتاء المصرية»: النموذج الداعشي لا يولد إلا الكره والسخط الاجتماعي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة