البادية الغربية.. ملاذ «داعش» الأخير في العراق بعد هزائمه الأخيرة

وعورة المنطقة المترامية الأطراف تجعلها عصية على سيطرة القوات الأمنية

جندي عراقي يراقب الوضع في منطقة دولاب غرب الرمادي أول من أمس (أ.ف.ب)
جندي عراقي يراقب الوضع في منطقة دولاب غرب الرمادي أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

البادية الغربية.. ملاذ «داعش» الأخير في العراق بعد هزائمه الأخيرة

جندي عراقي يراقب الوضع في منطقة دولاب غرب الرمادي أول من أمس (أ.ف.ب)
جندي عراقي يراقب الوضع في منطقة دولاب غرب الرمادي أول من أمس (أ.ف.ب)

تسعى القوات الأمنية العراقية إلى تحرير وتطهير مناطق جزيرة الخالدية وجزيرة الرمادي وجزيرة هيت من سيطرة تنظيم داعش قبل دخولها في المرحلة الأخيرة من تحرير المدن الثلاث التابعة لمحافظة الأنبار، التي ما زالت خاضعة لسيطرة التنظيم المتطرف، وهي راوه وعنه ومدينة القائم الحدودية مع سوريا، لما تمثله هذه الجزر الثلاث من عمق استراتيجي لتنظيم داعش، فتلك المناطق تربط الأنبار عبر الصحراء الغربية بالأراضي السورية الممتدة عبر الشريط الحدودي بين العراق وسوريا وصولا إلى مدن الرقة والحسكة في سوريا ومدينة الموصل في شمال العراق. وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات ومنذ دخول تنظيم داعش إلى العراق قادما من الأراضي السورية لم تستطع الحكومة العراقية والقوات الأمنية السيطرة على مناطق الصحراء الغربية الممتدة بين العراق وسوريا بسبب المساحة الشاسعة جدًا التي لا يمكن السيطرة عليها إلا بوجود المئات من المراكز والمقرات العسكرية التي تتطلب قدرات عالية جدًا من أجل السيطرة عليها، وهذا الأمر غير ممكن حاليًا، حسب ما ذكره مسؤولون حكوميون وخبراء وقادة عسكريون. وقد استخدم تنظيم داعش هذه المساحات الصحراوية الشاسعة في إقامة معسكرات لمسلحيه وتدريبهم، ونقطة انطلاق لشن عمليات مسلحة لمهاجمة المدن ومراكز السكان والمحاور الاقتصادية.
المتحدث الرسمي باسم قيادة العمليات المشتركة، العميد يحيى رسول الزبيدي، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «القوات الأمنية العراقية لطالما رصدت تحركات مكثفة لتنظيم داعش قادمة من الأراضي السورية باتجاه مدينة الموصل ومرور كثير من القوافل التي تقل عناصر وقيادات التنظيم من مناطق الرقة والحسكة باتجاه الأراضي العراقية وصولاً إلى مدينة الموصل وبالعكس». وأضاف الزبيدي: «إن طائرات التحالف الدولي وطيران سلاح الجو العراقي قامت بشن كثير من الضربات الجوية التي استهدفت تلك المجاميع التي تسلك طرقًا جديدة في تحركاتها وعبر الصحراء والتلال والطرق الوعرة وصولاً إلى مدينة الموصل المعقل الأكبر لتنظيم داعش في العراق بعد تحرير الطريق الذي كان يسلكه في السابق من أجل إيصال الإمدادات لمسلحيه بين العراق وسوريا، خصوصًا بعد تحرير سنجار، الأمر الذي تسبب في قطع الشريان الحيوي لتنظيم داعش في الموصل». ويضيف: «لذا عكف التنظيم على إيجاد طرق بديلة للوصول إلى داخل المدينة، منها استخدام جزر الأنبار مثل جزيرة الخالدية وجزيرة الرمادي وجزيرة هيت من أجل ديمومة خطوط الإمدادات لمسلحيه». وقال: «بعد خسارة التنظيم الإرهابي كثيرا من المدن التي كانت خاضعة لسيطرته في محافظتي الأنبار وصلاح الدين أصبحت الصحراء ملاذه الأخير».
وأشار الزبيدي إلى أن «هناك مساحات شاسعة من الأراضي تقدر بنحو 600 كلم، هي امتداد الشريط الحدودي بين العراق وسوريا بدأ من الأنبار وصولاً إلى محافظة نينوى، وهذه المسافات الشاسعة وقعت منذ أكثر من سنتين بيد مسلحي تنظيم داعش، مما يسهل عملية دخول وخروج عناصره بين العراق وسوريا وسهولة نقل الإمدادات العسكرية، وهروب قياداته وعائلاتهم ومن يواليهم في حالة حدوث أي طارئ».
وأكد الزبيدي أن «قيادة العمليات المشتركة وبالتعاون مع جهاز مكافحة الإرهاب ومقاتلي العشائر وبقية الصنوف في القوات المسلحة وضعت استراتيجية ورؤية عسكرية ستعمل عليها في الأيام المقبلة، حيث بدأت قواتنا في الانطلاق بشكل متزامن من مناطق غرب الفلوجة وشمال جزيرة الخالدية وجنوب مدينة الموصل في عمليات متزامنة من أجل قضم المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش وصولاً إلى صحراء الأنبار والشريط الحدودي مع سوريا وتحرير مدن عنه وراوه والقائم والقضاء على تنظيم داعش بشكل نهائي في الأنبار ثم التوجه إلى مدينة الموصل وتحريرها من قبضة التنظيم الإرهابي والإعلان عن تحرير كل الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش».
من جانبه، أكد عضو مجلس محافظة الأنبار، أركان خلف الطرموز، أن تنظيم داعش قام بنقل قياداته ومسلحيه وعائلاتهم إلى مناطق في غرب الأنبار بعد تكثيف الضربات الجوية لطائرات التحالف الدولي على معاقل المسلحين في الأراضي السورية. وقال الطرموز إن «مدينة القائم الحدودية مع سوريا شهدت في الآونة الأخيرة دخول أعداد كبيرة من قيادات ومسلحي التنظيم برفقة عائلاتهم ومناصريهم هربًا من ضربات التحالف الدولي». وأضاف: «لقد تأكدنا من مصادرنا الخاصة أن التنظيم يعيش حالة خوف وقلق وارتباك شديد في قياداته الكبرى نتيجة الهزائم التي يتلقاها على الأرض والضربات الموجعة التي تستهدفهم بشكل يومي سواء في العراق وسوريا، الأمر الذي دفع مسلحوه ومن يرافقهم من المدنيين والمناصرين لهم إلى الهروب من المدن السورية باتجاه صحراء الأنبار ومن ثم الوصول إلى مدينة الموصل التي يعتبرونها المكان الأكثر أمنًا لهم ولعائلاتهم». وتعتبر البادية الغربية ملاذا طبيعيا لتنظيم داعش، ومن المتوقع أن يلجأ إليها مجددًا بعد تحرير مدينة الموصل ليعود إلى مقاراته القديمة في عمق الصحراء الواسعة، التي تقدر مساحتها بثلث مساحة العراق تقريبًا، وتمتد على طول الشريط الحدودي للعراق مع سوريا والأردن والمملكة العربية السعودية.
وتعد البادية جزءا من هضبة الجزيرة العربية، وسطحها متموج، تظهر عليه بعض التلال الصغيرة وعدد كبير من الوديان مثل وادي حوران. ويصل أعلى ارتفاع للهضبة الغربية بالقرب من الحدود الأردنية إلى ما يزيد على 800 متر فوق مستوى سطح البحر وتنخفض في مناطق الحبانية إلى 75 مترا فوق مستوى سطح البحر.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».