الوساطة الأفريقية تعلق مفاوضات السلام السودانية لأجل غير مسمى

حكومة الخرطوم والمسلحون يتبادلون اتهامات التسبب بانهيار المفاوضات

الوساطة الأفريقية تعلق مفاوضات السلام السودانية لأجل غير مسمى
TT

الوساطة الأفريقية تعلق مفاوضات السلام السودانية لأجل غير مسمى

الوساطة الأفريقية تعلق مفاوضات السلام السودانية لأجل غير مسمى

تبادل كل من الحكومة السودانية والحركات المسلحة الأخرى الاتهامات حول مسؤولية فشل المفاوضات وانهيار جولة التفاوض التي جرت بينهما في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أخيرًا.
واعتبر وفد الحكومة المفاوض توقيع الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال، وحركات دارفور المسلحة على خريطة الطريق الأفريقية، مجرد استجابة للضغط الدولي وليس رغبة في السلام، فيما قالت الحركة الشعبية إن الحكومة غير راغبة في رفع معاناة الشعب وغير جادة في تحقيق السلام.
وأعلن رئيس الوساطة الأفريقية رفيعة المستوى التي تتوسط بين الفرقاء السودانيين ثابو مبيكي، تعليق المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية - شمال وحركتي العدل والمساواة وحركة تحرير السودان إلى أجل غير مسمى في وقت متأخر من ليل الأحد، إثر فشل الأطراف في الوصول لاتفاق بوقف العدائيات وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب.
وقال رئيس وفد التفاوض الحكومي مساعد الرئيس إبراهيم محمود في مؤتمر صحافي بمطار الخرطوم أمس بعيد عودته من أديس أبابا، إن الحركة الشعبية لتحرير السودان - الشمال تتحمل مسؤولية انهيار جولة المفاوضات الثالثة عشر.
ووصف محمود توقيع من أطلق عليهم «المتمردين» على خريطة الطريق الأفريقية والتي على ضوئها دخلت الأطراف المفاوضات، بأنه محاولة لرفع الضغط الدولي والإقليمي عليهم وليس رغبة في السلام ولا الالتزام بما تم توقيعه، مشيرًا إلى تصريحات رئيس وفد الحركة التفاوضي ياسر عرمان، وقال إنها اتسمت بالمماطلة منذ بداية الجولة، وكان مقصودا بها تسميم الأجواء.
واتهم محمود الحركة الشعبية بتعطيل تنفيذ خريطة الطريق بإصرارها على إيصال المساعدات الإنسانية من خارج السودان، عن طريق جسر جوي ينطلق من (لوكو شيكو) الكينية، و(جوبا) بجنوب السودان، و(أصوصا) الإثيوبية، تحت ذريعة عدم ثقتها في حكومة السودان، وقال: «من الواضح أن هناك اتفاقا مسبقا فيما بينهم بالتوقيع على خريطة الطريق دون المضي في تنفيذها».
وجدد محمود التأكيد على جدية حكومته في الوصول لسلام وإيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، وقال: «لن نيأس من أجل تحقيق ذلك رغم أن أمراء الحرب لا يريدون لها أن تقف، وإنما يريدون كسب الزمن حتى تتغير الظروف». وأكد استعداد وفده للعودة للتفاوض متى دعت الوساطة الأفريقية لاستئنافه.
من جهته، قال كبير مفاوضي الحركة الشعبية لتحرير السودان ياسر عرمان في مؤتمر صحافي بأديس أبابا عقب انهيار جولة التفاوض ليلة الأحد، إن الحكومة السودانية فقدت أكبر فرصة لتحقيق السلام، ورد لها الصاع بتحميلها مسؤولية انهيار التفاوض بإصرارها على عدم تقديم أي تنازلات رغم جهود الوسيط، وأضاف: «انتهت الجولة بالفشل ومبيكي أبلغنا بتأجيل الجلسة لأجل غير مسمى».
وأشار عرمان إلى تمسك الحكومة طوال أربع سنوات بمسارات داخلية للإغاثة، فيما تتمسك حركته بمسارات أخرى خارجية من جنوب السودان إثيوبيا وكينيا، وإلى أنهم عرضوا على الوفد الحكومي مسارات داخلية من مدن الأبيض والدمازين وكادقلي لإيصال المعينات الإنسانية، على أن تكون هناك ثلاثة مسارات خارجية عبر أصوصا وجوبا ولوكو شيكو، بيد أن وفد الحكومة رفض تقديم أي تنازلات بمقابل التنازلات التي قدمتها حركته. وأضاف عرمان أن حركته تنازلت، بحيث تأتي ثمانون في المائة من الاحتياجات الإنسانية من داخل السودان، مقابل عشرين في المائة تأتي من الخارج لكن الحكومة رفضت.
وانتقد عرمان الحكومة السودانية، وقال إنها لا تريد رفع المعاناة عن الشعب وغير جادة في السلام، واتهمها باستخدام الطعام كسلاح، وبعدم الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، وأن الصمت الدولي الكامل شجعها على التعامل مع المدنيين بـ«هذه الطريقة».
واتهم عرمان الحكومة بممارسة حرب عنصرية في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور، وقال إن ما شهدته جولة التفاوض يؤكد عدم رغبتها في الالتزام بخريطة الطريق، وأن توقيعها لها مجرد «دعاية رخيصة»، وأضاف: «خريطة الطريق انهارت ودخلت غرفة الإنعاش، ودقت الحكومة آخر مسمار في نعش الحوار الوطني، لن نشارك في الحوار الوطني لأنه حوار مغشوش».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.