لقاء بوتين وإردوغان في صدارة اهتمامات الإعلام الروسي

تداعيات التقارب التاريخي بين البلدين سيطرت على صفحات الرأي والاقتصاد والسياحة

بوتين وإردوغان.. وفي الإطار تغطية صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» للقاء الزعيمين
بوتين وإردوغان.. وفي الإطار تغطية صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» للقاء الزعيمين
TT

لقاء بوتين وإردوغان في صدارة اهتمامات الإعلام الروسي

بوتين وإردوغان.. وفي الإطار تغطية صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» للقاء الزعيمين
بوتين وإردوغان.. وفي الإطار تغطية صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» للقاء الزعيمين

لم تعد العناوين حول محاولة الانقلاب في تركيا والخطوات التي اتخذها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تحتل صدارة العناوين الرئيسية في الصحف الروسية ونشرات الأخبار على القنوات الرئيسية، ذلك أن لقاء بوتين - إردوغان يوم التاسع من أغسطس (آب) في بطرسبورغ، أزاح بعيدًا عن الصدارة في العناوين كل القضايا الأخرى.
ولم يقتصر الأمر على شغل الحدث المساحات الأكبر في الصفحات الرئيسية، بل وهيمنت العناوين حول ذلك اللقاء على صفحات الرأي والاقتصاد والسياحة. وبدا واضحًا تركيز الإعلام الروسي في تغطيته للقاء بين الرئيسين التركي والروسي على جملة من جوانب ذلك اللقاء، أولها وصف المشهد لحظة اللقاء، وتداعيات التقارب بين البلدين على العلاقات المتوترة حاليا بين أنقرة والغرب، واحتمالات العودة إلى مستوى التبادل التجاري ما قبل الأزمة، فضلا عن إشارة الإعلام الروسي إلى تجنب بوتين وإردوغان الغوص في تفاصيل حادثة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا والتي كانت سبب قطيعة سبعة أشهر بين البلدين.
في تقرير لها تحت عنوان «استمعوا وطبعوا: كيف أعاد الرئيسان التركي والروسي بناء علاقات البلدين»، أشارت صحيفة «كوميرسانت» إلى أن «الجانبين الروسي التركي استعدا بشكل دقيق للقاء الذي وصفه رجب طيب إردوغان بالتاريخي»، وتضع الصحيفة في سياق الاستعدادات لذلك اللقاء «الاعتذار الذي قدمه الرئيس التركي لنظيره الروسي عن حادثة إسقاط مقاتلات تركية لقاذفة روسية من طراز (سو – 24) يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015». وأشارت إلى أن «الاعتذار جاء بعد سبعة أشهر على الحادثة، وكان شرطًا رئيسيًا من جانب روسيا للتطبيع مع تركيا». وتنتقل «كوميرسانت» بعد ذلك إلى وصف أجواء اللقاء وتقول إن «الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دخل أولاً إلى الصالة اليونانية في قصر بطرسبورغ حيث جرى اللقاء. ومن ثم وبعد أقل من دقيقة ظهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، وفي اللحظات التي كان يعبر فيها الممر متجها إلى الصالة أدار الرئيس الروسي ظهره للحظات للمدخل، وكان ظهر بوتين أول ما شاهده إردوغان عند دخوله الصالة. وبعد أجزاء من الثانية وقف الرئيسان وجها لوجه، تصافحا بحرارة، وتبادلا ابتسامات قصيرة، قبل أن تنطلق محادثاتهما».
وكان لافتا خلال المؤتمر الصحافي المشترك عقب المحادثات استخدام إردوغان أكثر من مرة لكلمة «صديقي» مخاطبا بوتين، وهو ما توقفت عنده «كوميرسانت» وأشارت إلى أن «الرئيس التركي خاطب بوتين بعبارات مثل صديقي العزيز، وصديقي المقرب، وكأنه ينشد بهذا الخطاب العودة إلى الماضي ويتعهد بآفاق واعدة للعلاقات الثنائية». أما الرئيس الروسي حسب «كوميرسانت»، فقد كان يستمع لعبارات إردوغان باهتمام «لكن لم يبد ظاهريا أي رد فعل. وقد لاحظ الرئيس التركي هذا الأمر، وكان القلق باديا عليه بعض الشيء، على عكس بوتين الذي كان يبدو بمنتهى الهدوء، ولم يبتسم إلا عندما أخذ يتحدث عن إلغاء روسيا القيود تدريجيا على المنتجات التركية، وابتسامته سببها أنه نطق في البداية بعبارة (عقو) أراد أن يقول (عقوبات)، لكنه حبذ استخدام تعبير (قيود تجارية)».
من جانبها توقفت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» عند الخطوات التي تُوجت أخيرا بإعلان التطبيع بين البلدين وعقد لقاء بين الرئيسين بوتين وإردوغان، وتقول إن «عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين جاءت في توقيت غير متوقع كما يظن المتابع عن بعد للتطورات»، وتضيف أن «لقاء بطرسبورغ بين بوتين وإردوغان جاء في الواقع نتيجة نشاط دبلوماسي سري لعب الدور الرئيسي فيه رجل الأعمال التركي جاويد تشاغلار، الذي تربطه علاقات طيبة مع شخصيات مهمة في داغستان، العضو في الاتحاد الروسي. وساهم في تلك الجهود الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار بايف». وتضيف الصحيفة أن «الغرب يشعر بقلق كبير جراء التقارب بين بوتين وإردوغان، لا سيما على ضوء التوتر الحالي في العلاقات بين أنقرة والعواصم الغربية»، إلا أن الخبراء وفق ما تشير «نيزافيسمايا غازيتا» يدعون إلى عدم إطلاق أحكام مبكرة على «الدفء» بين موسكو وأنقرة. وتنقل الصحيفة عن آنا غلازوفا، نائبة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية قولها: «إن تلك التعقيدات التي تمر بها علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، تعود لأسباب ترتبط بالوضع الداخلي في تركيا، ولا تمت بأي صلة للعلاقات التركية مع روسيا، كما أن المواجهة بين روسيا والغرب لا تمت بصلة للعلاقات الروسية مع تركيا، وسبب المواجهة الحالي هو الوضع في القرم وأوكرانيا». وتضع الصحيفة لقاء بوتين - إردوغان في بطرسبورغ ضمن سياق «استعادة العلاقات التي كانت بين البلدين على مدار 15 عامًا وتضررت بعد تدمير تركيا للقاذفة الروسية»، إلا أن «نيزافيسمايا غازيتا» لا تستبعد أن يستغل إردوغان تقاربه مجددا مع بوتين في خطابه المعادي للغرب، بأن يعلن، مثلما فعل من قبل، عن استعداد بلاده للانضمام إلى منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون، والاتحاد الأوراسي.
أما صحيفة «أر بي كا» الروسية، فقد أثار اهتمامها، في مطلع تقريرها الموسع حول لقاء بوتين - إردوغان، أن «الرئيسين في أول لقاء لهما منذ عام لم يتوقفا مليا ولم يوليا الاهتمام للسبب الذي أدى إلى قطيعة بينهما، أي إسقاط الطائرة الروسية» وتقول إنهما «اتفقا على إطلاق التعاون الاقتصادي على مراحل، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بينهما حيال الملف السوري». وبعد توصيفها الدقيق للقاء الحار بين الرئيسين وكيف تصافحا، تعود «أر بي كا» إلى الماضي القريب لتذكر بأن الرئيس الروسي كان قد وصف إسقاط تركيا للقاذفة الروسية بأنه «طعنة في الظهر». وفي خطابه السنوي أمام مجلس الاتحاد في ديسمبر (كانون الأول) 2015، توعد الرئيس الروسي بأن عقاب تركيا لن يقتصر على «الطماطم» (البندورة) وحدها، وأضاف أنه لدى موسكو ما يدفعها للاعتقاد بأن ما قام به الشريك السابق (أي إردوغان) جاء مدفوعا برغبته في ضمان أمن صادرات النفط الذي يستخرجه إرهابيو «داعش». إلا أن تلك الصفحة طويت على ما يبدو، وتضيف الصحيفة أن الرئيسين حرصا على تناول القضايا التوافقية لا الخلافية خلال الحديث أمام الكاميرات، ولم يدخلا في تفاصيل حادثة إسقاط الطائرة، حيث اكتفى إردوغان في الحديث عنها باستخدام عبارات مثل «الحادثة المأساوية» أو «المأساة التي نعرفها جميعنا». وبينما تشير كل المعطيات إلى استمرار خطوات التطبيع بين البلدين بعد لقاء بطرسبورغ بزخم في المجال الاقتصادي، فإن ملفات في مقدمتها الأزمة السورية ستبقى محط خلاف بين البلدين، ولعل لقاء بطرسبورغ «التاريخي» سيساهم أخيرًا في التوصل إلى تفاهمات وسط في هذا الشأن ترضي جميع الأطراف، وفق ما تقول الصحيفة الروسية.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».