«القاهرون» يعودون للسينما والتلفزيون

من فيلم برايان دي بالما {القاهرون}
من فيلم برايان دي بالما {القاهرون}
TT

«القاهرون» يعودون للسينما والتلفزيون

من فيلم برايان دي بالما {القاهرون}
من فيلم برايان دي بالما {القاهرون}

«القاهرون» هو الاسم الذي اتفقت عليه محطات التلفزيون العربية القليلة التي عرضت هذا المسلسل البوليسي في الستينات. الكلمة في الأصل هي The Untouchables ومفادها «الأشخاص الذين لا يمكن مسّهم لا بالرشوة ولا بالقوّة أو الدهاء». «القاهرون» كانت كلمة من الصعب تجاوز قوّة مدلولاتها وتم اعتمادها والمسلسل نجح في عروضه العربية كما الأميركية والعالمية إلى حد بعيد.
حاليًا، هناك عودة إلى ذلك المسلسل بعدما قامت شركة باراماونت بوضع حلقاته (من العام 1959 وحتى العام 1963) على أسطوانات وبدأت بيعها لهواة النوستالجيا في مجموعة واحدة ثمينة.
في الوقت نفسه، وقبل ثلاثين سنة، بدأ العمل على النسخة السينمائية التي أرادتها باراماونت مجرد اقتباس لبعض حلقات البرنامج ممتزجة في قصّة واحدة، لكن المخرج برايان دي بالما، الذي كان في أوج نجاحه، أوصى ديفيد ماميت كتابة سيناريو يحتفظ بالشخصيات ويبتعد عن الاستنساخ. النتيجة «القاهرون» في نحو ساعتين من الإخراج المتين والحكاية الجوهرية حول تاريخ صراع التحري الشهير إيليوت نس ضد المافياوي الأشهر آل كابوني.
النسخة السينمائية كانت إنتاجًا كبيرًا بميزانية لم تتعد الـ25 مليون دولار، نتيجة أن متوسط تكلفة الأفلام الكبيرة في ذلك الحين كان في حدود 25 - 35 مليون دولار، والضخمة قد تصل إلى 60 و70 مليون دولار. لكن عائدات هذا الفيلم بلغت نحو 200 مليون دولار، ما يوازي 600 مليون دولار حاليًا بعد حسبان التضخم المالي.
كَڤن كوستنر فاز بدور التحري نس، لكن باراماونت ودي بالما جالا بين أسماء كثيرة قبل اختيار كوستنر للبطولة من بينها دون جونسون، وتوم برنجر، وجين هاكمان، ومل غيبسون، ومايكل دوغلاس. أما دور عدوّه اللدود آل كابوني، والذي فاز به روبرت دي نيرو، فقد عرض على جاك نيكولسون ونك نولتي والبريطاني بوب هوسكينز. كل من كوستنر ودي نيرو والممثل شون كونيري قادوا الفيلم صوب أجواء ليست، في جوهرها، بعيدة عن أفضل أفلام العصابات مثل «العرّاب» و«مذبحة يوم فالنتاين»، لكن دي بالما هو الذي صنع كل تلك القرارات التنفيذية المهمة، ومن بينها المشهد المستوحى من «البارجة بوتمكين» عندما تفلت عربة تقل طفلاً فوق مدرج محطة قطارات شيكاغو، ومثل مشهد القتال الذي يواجه فيه كوستنر عدوّه الثاني فرانك نيتي فوق سطح إحدى العمارات واختيار الثاني رمي نفسه من فوق سطح المبنى ضاحكًا.
المشهد الثالث في قوته هو لآل كابوني (دي نيرو في الفيلم)، وقد اكتشف خيانة أحد رجاله، فأقام دعوة غداء كبيرة لكل أعوانه، وخلالها قام من مكانه وأمسك بعصا بايسبول وانقض على رأس الخائن حتى قتله. هذه حادثة واقعية تختلف فقط في العدد، إذ إن كابوني اكتشف خائنين اثنين من رجاله وأعدمهما بهذه الطريقة.
المسلسل التلفزيوني في حينه اعتبر عنيفًا وإن لم يظهر القتل بهذه الطريقة. جل ما جاءت به حلقات المسلسل، كما قام الممثل روبرت ستاك ببطولته، كانت القتل باستخدام المسدسات أو الرشاشات، وذلك تماثلاً مع وسيلة الإعدام أو القتل المثلى في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. والتأثير كان واسعًا وشديدًا خصوصًا وأن عددًا من المخرجين المشهورين بقدراتهم التنفيذية السينمائية آنذاك، مثل فل كارلسون وبد بوويتيكر وستيوارت روزنبيرغ وسواهم.
أما روبرت ستاك فوجد فرصة رائعة لتجسيد شخصية إليوت نس على نحو صعب: من ناحية هو إنسان أخلاقي عادل و(في بعض الحلقات) يعكس بعينيه حنانًا صوب الضحايا، لكنه دومًا الرجل القوي الذي يحافظ على وجه صارم وهدوء مثالي يشبه هدوء قطعة فولاذ باردة.
أمر آخر برع «القاهرون» فيه آنذاك، هو التخلص من خوف الجالية الإيطالية، كونها تمثل في المسلسل، غالبية أشراره، وذلك بزرع أشرار من اليونانيين والآيرلنديين واليهود من حين لآخر، ومن بين الفئة الأخيرة قدّم بعض الأسماء الحقيقية في عالم الجريمة ومنهم لَغز دياموند ولبكي بوكالتر وذلك للتنويع، ولو أن العصابات المتأصلة في صقلية بقيت الأكثر ورودًا في هذا المسلسل.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز