رفع «راية سوداء» فوق أحد الفنادق يعيد إلى الأذهان الهجمات الدموية في باماكو

ارتفاع خسائر جيش مالي بسبب الهجمات الإرهابية في الشمال.. واستنفار أمني في العاصمة

جانب من قوات الأمم المتحدة في مالي إثر الاعتداء الذي نفذه إرهابيون في يونيو الماضي وأدى إلى مقتل 4 أشخاص (أ.ف.ب)
جانب من قوات الأمم المتحدة في مالي إثر الاعتداء الذي نفذه إرهابيون في يونيو الماضي وأدى إلى مقتل 4 أشخاص (أ.ف.ب)
TT

رفع «راية سوداء» فوق أحد الفنادق يعيد إلى الأذهان الهجمات الدموية في باماكو

جانب من قوات الأمم المتحدة في مالي إثر الاعتداء الذي نفذه إرهابيون في يونيو الماضي وأدى إلى مقتل 4 أشخاص (أ.ف.ب)
جانب من قوات الأمم المتحدة في مالي إثر الاعتداء الذي نفذه إرهابيون في يونيو الماضي وأدى إلى مقتل 4 أشخاص (أ.ف.ب)

عثر الجيش المالي، أمس، على جثث 5 جنود فقدوا خلال هجوم نفذته جماعة «أنصار الدين» منذ أيام ضد ثكنة عسكرية تقع وسط مالي، لترتفع بذلك خسائر الجيش بسبب تصاعد الهجمات الإرهابية التي تنفذها جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة سبق أن سيطرت على شمال مالي عام 2012، وطردت من طرف قوات فرنسية وأفريقية مطلع 2013.
وأعلن الجيش المالي في تصريح للصحافة في باماكو، أمس (الأربعاء)، أنه تمكن من العثور على جثث 5 جنود كانوا قد اختفوا خلال هجوم نفذه الإرهابيون يوم الاثنين الماضي ضد ثكنة عسكرية في منطقة موبتي، وسط مالي، وأضاف المتحدث باسم الجيش: «4 جثث عثرنا عليها يوم الثلاثاء، والخامسة صباح الأربعاء» على ضفة نهر النيجر، ولكن المسؤول العسكري المالي لم يفصح عن سبب وفاة الجنود الخمسة، وقال: «في هذه المرحلة لا يمكننا تحديد سبب الوفاة، مصالحنا تعمل الآن على فحص الجثث».
وكانت جماعة «أنصار الدين» التي تسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في مالي، قد صعدت من هجماتها ضد الجيش في شمال ووسط البلاد، ونفذت الشهر الماضي أعنف هجوم مسلح ضد ثكنة عسكرية في مدينة نامبالا أسفر عن مصرع 17 جنديًا ماليًا، وجرح 37 آخرين، قبل أن تعلن مطلع الشهر الحالي أنها تمكنت من أسر 5 جنود ماليين.
وتأسست جماعة أنصار الدين عام 2012 من طرف الزعيم الطوارقي إياد أغ غالي، وسيطرت على شمال مالي بالتحالف مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ولكن رغبة «أنصار الدين» في احتلال العاصمة باماكو واجتياح الجنوب جعلت فرنسا تتدخل مطلع شهر يناير (كانون الثاني) 2013 لتطرد الجماعات المسلحة من المدن في الشمال.
إلا أن التنظيمات المسلحة بدأت استراتيجية حرب العصابات ضد الجيش المالي والقوات الفرنسية والأفريقية، وشنت هجمات في قلب العاصمة باماكو استهدفت فنادق يقيم فيها مواطنون غربيون.
وكانت العاصمة المالية باماكو قد عاشت حالة استنفار قصوى أول من أمس (الثلاثاء) بعد بلاغ كاذب بهجوم إرهابي استهدف فندق «رويال» في قلب المدينة التي شهدت فنادقها خلال العامين الماضيين عدة هجمات إرهابية تبناها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة «المرابطون» التي يقودها الجزائري مختار بلمختار المعروف ببلعوار.
وزارة الدفاع المالية أعلنت عبر حسابها الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن الأمر يتعلق براية سوداء رفعها مروج أحد الفنادق وقد تم اعتقاله من طرف الأمن، وقالت الوزارة: «لا وجود لهجوم في فندق (رويال)، إن الأمر يتعلق براية سوداء كتبت عليها مطالب رفعها مروج الفندق وهو معتقل لدى الدرك».
وبحسب المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من العاصمة المالية، فإن الأمن تمكن من توقيف شخص يتهم بأنه هو من رفع راية سوداء «شبيهة براية تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» فوق بناية فندق «رويال».
وقد تسبب تصرف هذا الشخص في حالة من الذعر والفوضى اجتاحت السكان القاطنين في محيط الفندق المذكور بحي فالادي، في قلب العاصمة باماكو، بعد أن شاهدوا الراية السوداء وهي ترفرف فوق بناية الفندق، وهو تصرف يحرص مقاتلو تنظيم القاعدة عادة على القيام به خلال الهجمات التي يستهدفون فيها فنادق أو مطاعم في العواصم الأفريقية.
وقامت قوات خاصة من الأمن المالي بتطويق المنطقة على الفور، وتم اعتقال مروج الفندق المتهم برفع الراية السوداء، وأعلنت الحكومة أن الأمر مجرد بلاغ كاذب، ولا وجود لهجوم ولا لرهائن محتجزين في الفندق، فيما كتبت وزارة الدفاع على «فيسبوك»: «الأمر بكل بساطة هو مجرد مطالب شخصية لدى مروج الفندق كتبها على راية سوداء ورفعها فوق واجهة البناية»، قبل أن تضيف الوزارة: «المعني موقوف الآن لدى الدرك ويخضع للتحقيق».
وكانت العاصمة المالية قد تعرضت لهجمات استهدف عدة فنادق ومطاعم شهيرة، في مقدمتها هجوم دموي استهدف فندق «راديسون بلو» شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وتم خلاله احتجاز قرابة 170 رهينة ينحدرون من 15 جنسية، وأسفر عن مصرع أزيد من عشرين شخصًا بالإضافة إلى منفذي الهجوم الذي تبنته جماعة «المرابطون» بتنسيق مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
في غضون ذلك، تزايدت الهجمات الإرهابية في شمال ووسط البلاد، التي تشنها جماعات إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة، وتستهدف عناصر الجيش المالي والقوات الفرنسية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ووقع آخر هجوم أول من أمس الاثنين وأسفر عن وقوع خمس جنود ماليين رهائن لدى جماعة «أنصار الدين».
وأصبحت الفنادق والمنتجعات السياحية واحدًا من الأهداف المفضلة لدى التنظيمات الإرهابية النشطة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، وقد اتضح ذلك من خلال الاستراتيجية المعتمدة من طرف هذه التنظيمات خلال العامين الأخيرين (2015 - 2016).
وعلى الرغم من أن هذه الهجمات تتركز في دولة مالي، حيث يزداد نفوذ هذه التنظيمات، إلا أنها في العام الحالي استطاعت شن هجمات دموية في كل من بوركينا فاسو وكوت ديفوار.
وبسبب هذه الهجمات تحولت العواصم في غرب أفريقيا، والمناطق السياحية التي يرتادها رعايا غربيون، إلى مناطق عسكرية تخضع لرقابة عالية مخافة تعرضها لهجمات إرهابية، وقد ألحق ذلك ضررًا اقتصاديًا كبيرًا بعدد من البلدان مثل السنغال وكوت ديفوار.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟