الصراع بين الإكسسوارات والأزياء يزداد سخونة

أهمية حقائب اليد الموسمية تراجعت لصالح الازياء بسبب ذهنية الاستثمار

من عرض «شانيل» لخريف 2016 - من عرض «لويس فويتون» لخريف 2016 - من خط «كروز» 2017 لـ«غوتشي» - من عرض «ديور»
من عرض «شانيل» لخريف 2016 - من عرض «لويس فويتون» لخريف 2016 - من خط «كروز» 2017 لـ«غوتشي» - من عرض «ديور»
TT

الصراع بين الإكسسوارات والأزياء يزداد سخونة

من عرض «شانيل» لخريف 2016 - من عرض «لويس فويتون» لخريف 2016 - من خط «كروز» 2017 لـ«غوتشي» - من عرض «ديور»
من عرض «شانيل» لخريف 2016 - من عرض «لويس فويتون» لخريف 2016 - من خط «كروز» 2017 لـ«غوتشي» - من عرض «ديور»

في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، كانت حقائب اليد الدجاجة التي تبيض ذهبًا لبيوت الأزياء، إلى حد أن بعض المصممين لمع نجمهم عالميًا بفضل حقيبة حققت مبيعاتها رقمًا قياسيًا.
إلى جانب مستحضرات التجميل والعطور، كانت الإكسسوارات عمومًا والحقيبة اليد خصوصًا، بمثابة الأكسجين الذي تتنفس من خلاله بيوت الأزياء وتضمن بقاءها واستمراريتها، بينما كانت الأزياء، «هوت كوتير» تحديدًا، مجرد «بريستيج» يُلمع صورة هذه البيوت وينصب دوره على استقطاب زبونات جديدات لها. فمن لم تتوفر لها الإمكانيات لشراء قميص أو فستان يقدر بآلاف الدولارات بإمكانها اقتناء حقيبة يد بألف دولار أو أحمر شفاه بـ15 دولارًا، يُشعرها بأنها عضو في نادي الموضة.
بيد أن كل هذا تغير في السنوات القليلة الأخيرة. صحيح أن الإكسسوارات ومنتجات التجميل والعطور لا تزال العملة الذهبية والمنجم الأهم، إلا أن الأزياء اكتسبت قوة تجارية تؤكدها أرقام مبيعاتها المتزايدة، أحيانًا على حساب الحقيبة. فالملاحظ أن الاهتمام بحقائب اليد تراجع في الآونة الأخيرة، بسبب المنافسة الشديدة وتسابق بيوت الأزياء والمصممين على طرحها بشكل موسمي ومكثف جعل العرض أكثر من الطلب عليها من جهة، وبسبب الأزمة الاقتصادية، التي جعلت أغلبية الزبائن يبحثون عن الفريد والمتميز من جهة أخرى. والمقصود هنا، الحقيبة التي يمكن الاستثمار فيها، وليس فقط الحقيبة ذات التصميم المبتكر والمكرر. بيوت قليلة حافظت على مكانتها وحققت المعادلة الصعبة بين التجاري والفني، نذكر منها «هيرميس» و«شانيل». فالدراسات تشير إلى أن حقائبهما استثمار طويل المدى وليس مجرد موضة موسمية، تحقق نجاحًا في موسم واحد أو اثنين، على الأكثر، لتختفي وتحل محلها أخرى.
وهكذا أفاق عالم الموضة من حلمه العذب واكتشف أن شهر العسل بينه وبين التصاميم الموسمية انتهى إلى أجل غير مسمًّى. الحل بالنسبة لها كان تعزيز وتقوية جانب الأزياء، لأن الوصفة الناجحة التي توصلت إليها كل من «هيرميس» و«شانيل»، يمكن الاقتداء بها لكن من الصعب تكرارها. حتى «لويس فويتون» التي كانت إلى عهد قريب تعتمد أساسًا على منتجاتها الجلدية وتحقق أرباحًا تثير الحسد بسبب تعطش السوق الآسيوية وإقبالها عليها، غيرت الدفة وبدأت تولي جانب الأزياء أهمية أكبر، تارة بتنظيم عروض ضخمة في موسم باريس أو عروض «الكروز» السنوية، وتارة بتنظيم معارض فنية كبيرة، تحتفل فيها بمصممها نيكولا غيسكيير وابتكاراته في مجال الأزياء والإكسسوارات على حد سواء. فهي تُدرك أنه بات لزامًا عليها تسويق نفسها دار أزياء شاملة، وليس مجرد دار متخصصة في الجلود، إن أرادت تجنب الخسارة.
وربما هذا ما يُحسب للموضة، قدرتها على أن تغير جلدها واستراتيجياتها حتى تواكب التغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعيشها. وبما أن كل الدلائل تشير إلى أن زبون اليوم يريد أزياء تُشعره بالتميز والراحة في الوقت ذاته، كان ردها عليه هو «شبيك لبيك» واجتهادها في طرح الفني و«الكاجوال» بالقدر ذاته من الحرفية والأناقة وبتصاميم تبرز رشاقته وتبرر الساعات الطويلة التي يقضيها في النوادي الرياضية لصقل عضلاته أو إنقاص وزنه. الشيء نفسه تم تطبيقه على جانب «الهوت كوتير». فزبونته لا تريد تصاميم درامية أو سريالية بقدر ما تريدها عصرية متشبعة بثقافة الشارع حتى تتميز بها عن أسلوب الجيل السابق وما قبله، وهو ما حققه لها مصمم دار «ديور» السابق راف سيمونز بتقديمه أزياء راقية لكن بلمسات سبور استعمل فيها البلاستيك حينا وألوان النيون حينا آخر. غني عن القول إن هذه الاستراتيجية لمست وترا حساسا بداخل هذه الزبونة الشابة، وسرعان ما أعطت نتائج إيجابية ترجمتها أرقام المبيعات المتزايدة.
مثل راف سيمونز، لعب المصمم الجورجي الأصل ديمنا فازاليا، دورًا في تغيير اتجاه الموضة من الإكسسوارات إلى الأزياء. فقد يكون اسمه برز في الساحة العالمية بعد التحاقه بدار «بالنسياجا» فقط، إلا أن تأثيره كان ملموسًا منذ انطلاق ماركة «فيتمون» التي يعتبر واحدا من بين عدة مصممين فيها. مصممون يفضلون أن يعملوا في الظل جنودًا مجهولين، واقترحوه لكي يكون وجهها الرسمي.
انصبت الخطة التي اتبعتها الماركة على التوجه إلى شرائح الشباب مستغلة تعطشهم للموضة فقدمت لهم قطعا منفصلة يسهل تنسيقها مع بعض. فـ«تي - شيرت» يحمل توقيع «فيتمون»، مثلاً، قد يبدو للوهلة الأولى كما لو كان من «زارا» أو «إيتش أند إم» لكن يقدر سعره بـ300 دولار، بينما قد يصل سعر بنطلون من الجينز مطعم بنكهة «الفينتاج» إلى 1400 دولار. صحيح أن جهدًا كبيرًا بُذل في تصميم كل قطعة وتنفيذها، إلا أن هذا لا يمنع من التساؤل عما إذا كان يبرر أسعارها. المهم هنا أن هذه القطع المنفصلة خاطبت جانبا مهما بداخل زبون لا يتمتع بمقاسات العارضين والعارضات. فـ«تي - شيرت» من القطن ينسدل على الجسم، مثلا، لا تتحكم فيه مقاسات الموضة الصارمة، وبالتالي يناسب شخصًا بمقاس 0 كما يناسب آخر بمقاس 8، الأمر الذي يجعل الموضة ممتعة بالنسبة للكل، وليس لفئة واحدة، وهو ما كانت تقوم به الإكسسوارات ولا تزال.
إلى جانب راف سيمونز وديمنا، هناك مصممون آخرون لعبوا دورا مهما في تغيير دفة الموضة وموازينها، مثل أليساندرو ميشال، الذي منذ أن تسلم مقاليد «غوتشي» من فريدا جيانيني، والإقبال يزيد على أزياء الدار. كذلك الأمر بالنسبة لـ«سان لوران» في عهد مصممها السابق هادي سليمان، حيث سجلت في عام 2015، أرباحا بنسبة 38 في المائة، أي ما يعادل 1.1 مليار دولار. الوصفة التي اعتمدها هادي سليمان، أنه ركز على قطع منفصلة مثل الجاكيت الجلدي و«التي - شيرتات» وما شابههما. وهذا أيضًا ما اتبعه ميشال، وكأنهما اتفقا على إعادة الاعتبار للأزياء قبل أن تدخل الإكسسوارات على الخط في ثمانينات القرن الماضي وتسرق منها الأضواء.
«فالنتينو» أيضًا شهدت ارتفاعا في مبيعاتها من الأزياء الجاهزة. فقد سجلت ارتفاعا بنسبة 48 في المائة في عام 2015 مقارنة بعام 2014، علما بأن الدار لم تطرح لحد الآن تلك الحقيقة «النجمة» التي تكسر السوق، وكل اعتمادها لحد الآن ينصب على الأزياء الجاهزة التي تشكل ثلث مبيعاتها. لكن بما أنها دخلت زمن العولمة وتوسعت بشكل كبير في أسواق جديدة، أصبح لزامًا عليها الاهتمام بالإكسسوارت والمنتجات الجلدية. وبالفعل حققت «خبطة» العمر عندما طرحت حذاء «روكستاد» الذي أصبح جوازها لكل نساء العالم، والذي على الرغم من مرور عدة سنوات عليه، لا يزال يظهر في كل موسم بلون وصورة جديدة. فهي الأخرى دخلت ماراثون تحقيق المعادلة بين الفني فيما يتعلق بالأزياء، والتجاري فيما يتعلق بالإكسسوارات، لأنها تعرف أنها دون أرباح لا يمكن أن تقاوم التيار وتبقى في الواجهة.
مجموعة «كيرينغ» المالكة لـ«غوتشي» و«بوتيغا فينيتا»، و«سان لوران» وغيرها، لا تنكر أنها لا تزال تعتمد على منتجاتها الجلدية عمودًا أساسيًا لتحقيق الربح. فهي تشكل 53 في المائة من مبيعاتها، أي نحو 9 مليارات دولار أميركي حسبما أعلنته في سنتها المالية 2015، وإن كانت الأزياء الجاهزة تتقدم بخطى واثقة وتُكون كيانها التجاري الخاص، حيث جاءت في المرتبة الثانية بنسبة 16 في المائة، أي قبل الأحذية، التي قُدرت أرباحها بـ12 في المائة، وأخيرًا وليس آخِرًا الجواهر والساعات، التي سجلت 10 في المائة.



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.