حلب.. «مدينة مفتوحة» للأجانب بعد طرد «داعش»

السكان يهجرون مناطق النظام للحصول على العلاج.. وأكثر من 20 ألفا فقدوا منازلهم

جانب من وسط مدينة حلب حيث تبدو المدينة خالية ومدمرة بشكل كبير (تصوير: هانا سميث)
جانب من وسط مدينة حلب حيث تبدو المدينة خالية ومدمرة بشكل كبير (تصوير: هانا سميث)
TT

حلب.. «مدينة مفتوحة» للأجانب بعد طرد «داعش»

جانب من وسط مدينة حلب حيث تبدو المدينة خالية ومدمرة بشكل كبير (تصوير: هانا سميث)
جانب من وسط مدينة حلب حيث تبدو المدينة خالية ومدمرة بشكل كبير (تصوير: هانا سميث)

كان هناك الكثير من الأشياء التي شعرنا بأنها تسير على نحو خاطئ طوال الطريق إلى حلب. كانت السيارة التي تقلنا تسير بأقصى سرعة على ذلك الطريق، وكانت كثيرا ما تنحرف لتجنب الحفر التي انتشرت على الطريق، ثم تنحرف مرة أخرى لتفادي السيارة المقبلة في الاتجاه المعاكس، حيث تمر بجانب أشجار النخيل المحروقة وهياكل السيارات الأخرى التي تذكر السيارات التي تستخدم هذا الطريق بالمصير الذي ربما تلقاه إذا لم تسر بالسرعة المطلوبة، أو كان الأمر يتعلق فقط بسوء الحظ في هذا اليوم.
كانت السيارة تمر بجانب بعض القطط هزيلة الجسم التي تعبث في أنقاض المباني السكنية، التي دُمرت واجهاتها فبرزت أحشاؤها إلى شوارع المدينة، وليظهر ما بداخل الشقق من ورق حائط ذي ألوان زاهية وبقايا أواني الشاي والأثاث. كما مررنا بجانب الأكشاك، المقامة في الشوارع، والتي تحولت بسبب القصف إلى مجرد هياكل ملتوية، وأكوام القمامة التي تتصاعد منها الأدخنة بسبب شمس ما بعد الظهيرة. غير أنه وعندما رصدنا أخيرا مجموعات قليلة من الناس في الشوارع، كان مرآهم هو ما أحدث الاختلاف في ذلك المشهد. كانوا جميعا يميلون برؤوسهم لأعلى ويستعملون أكفهم لحماية عيونهم من وهج أشعة الشمس، ويشاهدون، وهم لا حول لهم ولا قوة، أسراب الطائرات المروحية وطائرات ميغ وهي تمخر عباب السماء.
لم يكن باستطاعة الصحافيين الأجانب أو نشطاء المعارضة دخول حلب منذ الخريف الماضي بسبب حملة الاختطاف والترهيب التي كان يمارسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) المتشدد التابع لتنظيم القاعدة. غير أنه وخلال الأسابيع الأخيرة، استطاع تحالف جديد من المتمردين يسمى «الجبهة الإسلامية» طرد تنظيم داعش من المدينة والمناطق الريفية التي تمتد غربا حتى الحدود السورية - التركية. وعليه، كنا من بين أوائل الصحافيين الذين استطاعوا دخول حلب مرة أخرى.
لقد ذهب أولئك الذين كانوا ينشرون الرعب والإرهاب في المدينة، غير أنه لم تبق مدينة واحدة لا تختبر الرعب في أنحاء سوريا. ومنذ شهر ديسمبر (كانون الأول)، ما برحت قوات الأسد تمطر المدينة بوابل من البراميل المتفجرة والقنابل الحارقة المليئة بمادة «تي إن تي» والأدوات المتفجرة المتشظية. وتقوم المروحيات، التي تحلق بشكل دائم في سماء المدينة، بإلقاء تلك البراميل والقنابل بشكل يومي وعشوائي على المناطق المدنية التي يسيطر عليها المتمردون. وقد فر معظم السكان من مدينة حلب، وانتقل الذين بقوا هناك إلى المناطق القريبة من خطوط المواجهة الأمامية. وعليه، فقد أصبحت تلك الأحياء الآن، ويا للسخرية، هي المناطق الأكثر أمانا في المدينة، حيث إن عملية إلقاء القنابل والبراميل لا تتم بشكل دقيق، بحيث نادرا ما يجري استهداف خطوط المواجهة الأمامية خوفا من أن تسقط تلك البراميل على المدن التي تسيطر عليها قوات النظام.
في ذروة عمليات القصف التي كانت تتم في نقس الوقت الذي كان يحضر فيه ممثلون عن نظام الأسد مؤتمر جنيف 2، كانت المروحيات تلقي نحو 30 برميلا متفجرا يوميا على مدينة حلب. يقول خالد حجو «إذا سقط برميل متفجر في إحدى المناطق التي تضم مباني ذات طابق واحد أو طابقين، يدمر هذا البرميل الشارع عن بكرة أبيه. أما إذا سقط البرميل على مبنى سكني يتألف من ثمانية طوابق، فسيلحق الضرر بمبنيين آخرين». وخالد هو عضو في فريق الدفاع المدني، الذي يضم ثلاثين شخصا ويعتبر الجهة الوحيدة التي تستطيع الحضور إلى مسرح التفجيرات لتساعد الضحايا وتستخرج الجرحى من تحت الأنقاض.
يضع فريق خالد معداته القليلة على أريكة صغيرة. لا يمتلك الفريق معدات ثقيلة للحفر أو أجهزة اتصالات. وعندما تسقط البراميل المتفجرة، يتوجب على أعضاء الفريق أن يذهب مسرعا إلى مسرح الأحداث من خلال اتباع الأصوات وأعمدة الدخان المنبعثة من مكان الحادث، وبمجرد وصولهم إلى هناك يبدأون في الحفر باستخدام أيديهم حتى ينقذوا ما يمكن إنقاذه. وبسبب نقص المعدات اللازمة، يمكن أن يستغرق الأمر أسبوعا كاملا للبحث في أنقاض مبنى واحد. يقول خالد «هناك الكثيرون يفقدون ببساطة تحت الأنقاض، لأننا لا نستطيع الوصول إليهم».
ومنذ أن خلت المدينة من سكانها، قلت عمليات إلقاء البراميل المتفجرة، غير أن قوات النظام ما زالت تقصف حلب بما يقرب من 20 برميلا يوميا. وفي الوقت نفسه، ما زالت الغارات، التي تشنها الطائرات، وعمليات القصف، التي حاصرت سكان المدينة خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية، مستمرة بلا هوادة. أما الذين بقوا في المناطق، التي يسيطر عليها المتمردون في حلب، فهم أشد الناس فقرا، حيث لا يملكون المال للخروج من المدينة، كما أنه ليست هناك أي أماكن أخرى يمكنهم الفرار إليها. ويقدر المجلس المحلي لمدية حلب عدد الأسر، التي فقدت منازلها منذ بداية إلقاء البراميل المتفجرة، بـ20 ألف أسرة. وقد هرب البعض إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة نظام الأسد، غير أنه يُعتقد أن نحو 7 آلاف و500 أسرة ما زالوا يعيشون تحت نيران القصف في المناطق التي يسيطر عليها المتمردون. يقول أحد المتطوعين، الذي يقوم بتوزيع الملابس «هناك نحو 500 أسرة تأتي إلى هنا كل يوم للحصول على ملابس جديدة. هرب معظم السكان من منازلهم من دون أن يحملوا أي شيء معهم، باستثناء الملابس التي كانوا يرتدونها».
أم مصطفى، أم لثلاثة أولاد يعيشون في حي فكدوس، تشرح لماذا بقيت أسرتها في حلب. تقول أم مصطفى «ليست هناك أماكن أخرى نذهب إليها، فقد جرى إغلاق جميع المدارس قبل شهرين عندما بدأت قوات النظام في استهدافها. لا توجد كهرباء، ولا يمكننا تحمل نفقات الوقود لتشغيل مولدات الطاقة». عند معبر حي بستان القصر، الذي كان في يوم من الأيام سوقا مزدحمة والمكان الوحيد الذي يمكن أن تعبر الأسر من خلاله بين مناطق المتمردين والنظام في المدينة، يبدو الشارع مهجورا وخاليا تماما. توقف المتمردون، الذين يسيطرون على المنطقة، عن السماح للناس بعبور المعبر منذ شهر مضى. يقول أبو يعقوب (18 عاما)، أحد المتمردين الذين يعملون في النقطة الطبية قرب المعبر «منعنا الناس من العبور بسبب القناصة، حيث يسمح النظام للناس بالعبور من هنا، غير أن قواته تبدأ في استهدافهم بعدما يمرون مباشرة. وقبل زيارتنا للمدينة بساعات قليلة تجاهلت إحدى الأمهات المتمردين وحاولت عبور بستان القصر مع أطفالها الثلاثة، لكنها أصيبت بطلق ناري في قدمها ويدها».
ولا يزال الطعام يصل إلى المناطق، التي تقع تحت سيطرة المتمردين، من المناطق الريفية الواقعة غرب حلب، لكن المدينة تعاني نقصا في الأدوية. يضيف أبو يعقوب «لا توجد أي أدوية هنا، سواء في المستشفيات الميدانية أو الصيدليات. ويحاول الكثير من المرضى، الذين يحتاجون أدوية أو علاجات خاصة، العبور إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام، لكن سرعان ما يستهدفهم القناصة ويفتحون نيرانهم عليهم، وعليه يتوجب عليهم العودة مرة أخرى». أما السبيل الوحيد للعبور بين شطري المدينة المقسمة فهو عن طريق ركوب حافة تسير في طريق قريبة من هنا، لكن الأمر يتطلب ألفي ليرة في كل اتجاه، مما يجعل الأمر مكلفا للغاية بالنسبة لمعظم الناس هنا.
وعلى الرغم من أن خطوط المواجهة الأمامية في الأحياء كثيفة السكان تغيرت مواقعها قليلا، فقد استعادت قوات الأسد سيطرتها على حي نوركرين وتوغلت في حي الشيخ نجار، وهو حي صناعي كبير يقع الضواحي الشمالية للمدينة. وقد أدى ذلك إلى تطويق قوات الأسد لمناطق المتمردين، الذين لم يتبق لهم سوى طريقين تحت سيطرتهما يؤديان إلى المدينة، أحدهما يقع في الغرب باتجاه معبر باب الهوى الحدودي والآخر إلى الشمال باتجاه معبر باب السلامة.
وتقوم قوات النظام بقصف الطريقين يوميا، مما يجعل الطريقين من وإلى المدينة سبيلا سهلا للموت. وقد أخبرنا الأطباء العاملون في أحد المستشفيات الميدانية بأنهم ليس لديهم خيار سوى نقل المرضى ذوي الإصابات الأشد خطورة إلى تركيا، لكن سيارات الإسعاف تتعرض أيضا للقصف في طريقها إلى الحدود. يقول أحد الأطباء «ليس من السهل إيصال الجرحى إلى الحدود، فالشوارع ليست آمنة بما فيه الكفاية. كما أن الطريق المؤدي إلى حلب غالبا ما يجري استهدافه من قبل مقاتلات النظام».
يقول أطباء المدينة إنهم ليست لديهم إحصائيات دقيقة عن عدد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم أو أصيبوا بجروح جراء قصف حلب بالبراميل المتفجرة على مدى الأشهر الأربعة الماضية. يقول أحد الأطباء «ليست لدينا أي عمليات توثيق للإصابات، وكثير من الناس لقوا حتفهم في الشوارع بسبب عدم نقلهم إلى المستشفيات». غير أن تقريرا حديثا صدر عن منظمة «هيومان رايتس ووتش» قدر عدد المدنيين الذين قُتلوا حتى الآن بسبب البراميل المتفجرة بنحو 2.321 مدنيا، غير أنه ومع الوضع في الاعتبار الأشخاص الذين ما زالوا في عداد المفقودين، فمن المرجح أن يكون عدد المصابين أعلى بكثير من هذا الرقم.
وقد وجد الذين استطاعوا الهروب من المدينة أن غالبية مخيمات اللاجئين، التي تقع على الحدود مع تركيا، ممتلئة عن آخرها. ففي بلدة مارع، وهي قرية قريبة من تل رفعت على الطريق الذي يمتد بين حلب ومعبر باب السلامة، هناك أكثر من ألف شخص يعيشون في مخيم جرت إقامته على وجه السرعة بتمويل من مجلس الإغاثة المحلي والمتبرعين من القطاع الخاص. تقول نسرين، وهي أم شابة لأربعة أطفال «لن أعود إلى حلب، لقد فقد اثنان من أبنائي بالفعل ولا أريد أن أفقد الباقين». وتضيف نسرين أنها تكافح من أجل الحفاظ على النظافة الشخصية لأطفالها، وأن زوجها يجد من الصعوبة الحصول على عمل، لكنها لا تستطيع أن تتنبأ بما إذا كانوا سينتقلون إلى أي مكان آخر في المستقبل القريب أم لا، مضيفة «يضم المخيم أربعة حمامات فقط، كما لا توجد كهرباء. وقد أخبرنا المتطوعون المحليون، الذين يعملون في المخيم، بأنهم يخشون من انتشار الأمراض مع اقتراب فصل الصيف».
وأعرب العديد من الأشخاص، الذين تحدثنا إليهم في حلب، عن غضبهم، ليس فقط تجاه النظام، لكن أيضا تجاه وحدة تنسيق الدعم (الجهة الإغاثية التابعة للائتلاف الوطني السوري) وكذلك منظمات الإغاثة الدولية، بسبب فشلها في إرسال المساعدات للمتضررين من عمليات القصف. وفي الوقت الذي تقوم فيه المنظمات غير الحكومية بضخ الأموال والقوى العاملة في مخيمات اللاجئين، المقامة على طول الحدود، قليلون هم الذين على استعداد للدخول إلى المدينة لتقديم المساعدة لسكانها، الذين ما زالوا محاصرين هناك. وقد تُركت المهمة الشاقة في التعامل مع الأزمة الإنسانية الضخمة والمستمرة في حلب للمتبرعين من القطاع الخاص والمتطوعين المحليين. يقول عبد العزيز، رئيس المجلس المحلي في حلب «لا أحد يدعم الذين يعملون في سوريا، فالدعم يتوافر فقط لمن يعملون في مخيمات اللاجئين في تركيا. إننا بحاجة إلى أدوية ومعدات لفريق الدفاع المدني من أجل تنظيف الشوارع، لا سيما مع اقتراب فصل الصيف».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.