«دواعش الأفغان» في ورطة

الهجوم على «الهزارة» أفقدهم الأرض الخصبة.. وله انعكاسات سلبية على وجودهم

عناصر من «داعش» أفغانستان في تخوم ولاية ننجرهار («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» أفغانستان في تخوم ولاية ننجرهار («الشرق الأوسط»)
TT

«دواعش الأفغان» في ورطة

عناصر من «داعش» أفغانستان في تخوم ولاية ننجرهار («الشرق الأوسط»)
عناصر من «داعش» أفغانستان في تخوم ولاية ننجرهار («الشرق الأوسط»)

في 12 من المديريات التابعة لولاية ننجرهار شرقي أفغانستان القريبة من الحدود الباكستانية حيث تنشط فيها الجماعات المسلحة ثمة أرض خصبة ينشط فيها مسلحو «داعش»، ونسخته الأفغانية على أرض «ولاية خراسان»، حيث بات دواعش الأفغان أكثر دموية بعد أن شنوا هجمات قوية ضد مقاتلي حركة طالبان وباتت ولاية خراسان تتمدد على حساب طالبان بعد أن قامت بتصفية العشرات منهم في ولاية «اتشين» شرق البلاد، وتحولت ننجرهار شرق البلاد إلى معقل أساسي وثابت لدواعش الأفغان، إلا أنه خلال الأيام الماضية بعد الهجوم على مسيرة سلمية لعرقية الهزارة في كابل، بدأوا في خسارة الأرض الخصبة المؤيدة لهم في شرق أفغانستان.
وحظرت السلطات الأفغانية أي دعم أو تمويل أو مساعدة للتنظيم، الذي ينشط في منطقة الحدود الباكستانية - الأفغانية، فيما صنفت الولايات المتحدة «ولاية خراسان» منظمة إرهابية، بعد أن أجرت مشاورات مع وزارتي العدل والخزانة الأميركيتين بشأن إدراج التنظيم الذي تكوّن عام 2015 على لائحة المنظمات الإرهابية، وفرضت عقوبات أميركية على الجماعة حيث ترى الولايات المتحدة أنه عامل مهم في استراتيجية أميركا لمكافحة الإرهاب. ولفضح تلك التنظيمات وأفرادها وعزلهم ومنعهم من الوصول إلى النظام المالي الأميركي، وجاء إدراج ولاية خراسان ضمن الجماعات الإرهابية بعد أن نفذت تفجيرات وهجمات مسلحة وانتحارية وعمليات خطف في أفغانستان ضد المدنيين وقوات الأمن والجيش الأفغانية، كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن الهجمات بحق المدنيين في مدينة كراتشي الباكستانية في مايو (أيار) 2015.
وخلال الشهور الماضية تمدد «داعش» في أفغانستان على حساب حركة طالبان، متجاوزا حدود قواعده في سوريا والعراق، وهدد بذلك وجود طالبان المسيطرة على أجزاء من أفغانستان منذ عام 1996، وكانت لجنة «القاعدة وطالبان» التابعة للأمم المتحدة كشفت في تقرير أن عدد المنضوين تحت لواء «داعش» والمبايعين للتنظيم يزداد في عدة ولايات أفغانية. وجاء في التقرير نقلا عن مصادر حكومية أفغانية أن هناك على ما يبدو توسعا كبيرا لتنظيم داعش، موضحا أن المجموعات المرتبطة بالتنظيم تنشط في 25 ولاية بأفغانستان من أصل 34. ومعظم المنضمين الجدد هم أفراد تم تجنيدهم من مجموعات مسلحة، بعضهم على خلاف مع القيادة المركزية لحركة «طالبان» أو يسعون إلى هوية مختلفة من خلال ابتعادهم عن حركة طالبان «التقليدية». وأشار التقرير أيضا إلى أن بين المنضمين لمتشددي «داعش» عددا قليلا من غير الأفغان قدموا مباشرة من العراق وسوريا، ويشكلون حسب حكومة كابل النواة الصلبة لتنظيم داعش في هذا البلد.
وحسب تقديرات قوات الأمن الأفغانية، فإن نحو 10 في المائة من أعضاء حركة طالبان الأفغانية النشطين يؤيدون تنظيم داعش لكنه رقم غير ثابت نظرا لتغير التحالفات على الأرض. وجاء أيضا في تقديرات السلطات الأفغانية أن المجموعات الموالية لـ«داعش» تقاتل القوات الحكومية الأفغانية بانتظام، لكنها نادرا ما تقاتل التنظيمات المسلحة الأخرى. ويقدر عدد مقاتلي دواعش الأفغان وفق التقديرات بأكثر من ثلاثين ألف مسلح مدربين بشكل جيد ويملكون الأسلحة المتطورة وتمويلهم أفضل بكثير من حركة طالبان.
غير أن رئيس جهاز الاستخبارات الأفغاني الأسبق أمر الله صالح وبعد هجوم «داعش» على عرقية الهزارة في كابل أكد: «لا وجود لتنظيم الدولة في أفغانستان، كل ما يجري هو لعبة إقليمية يخطط لها من أجل تنفيذ أجندات خطيرة وأن داعش شماعة ترفع من أجل إسكات الأصوات المعارضة».
وكان تنظيم داعش وعبر موقع التنظيم «أعماق» أعلن تبنيه الهجوم الدموي في كابل. واستهدف مظاهرة سلمية لأقلية الهزارة الشيعة في كابل أوقع 80 قتيلا السبت الماضي في أحد أكثر الاعتداءات دموية في العاصمة.
ووقع الاعتداء الهادف كما يبدو إلى إثارة النعرات الطائفية فيما كان الآلاف من الهزارة يحتجون على استثناء مناطقهم من مشروع خط كهرباء القادم من تركمانستان عبر الأراضي الأفغانية وصولا إلى الجارة باكستان بقيمة ملايين الدولارات. وانتشرت الجثث المتفحمة في مكان الهجوم فيما كانت سيارات الإسعاف تحاول بصعوبة شق طريقها إلى الموقع بعدما عمدت السلطات ليلا إلى إغلاق مفترقات طرق رئيسية بحاويات من أجل ضبط حركة المحتجين. وأعلنت وزارة الداخلية الأفغانية في بيان: «نتيجة الهجوم قتل 80 شخصا وأصيب 231 بجروح». وأضاف البيان: «بناء على معلومات أولية، نفذ الهجوم ثلاثة انتحاريين، وقامت قوات الأمن بقتل المهاجم الثالث». وكانت وكالة أعماق التابعة لتنظيم داعش قالت إن «اثنين من مقاتلي الدولة الإسلامية فجرا حزاميهما الناسفين ضد تجمع للشيعة في منطقة دهمزتك في كابل». وقالت أجهزة الاستخبارات الأفغانية إن «ثلاثة مهاجمين شاركوا في الهجوم لكن واحدا منهم نجح»، ما يعني أن الحصيلة كان يمكن أن تكون أكبر بكثير. وأوضحت السلطات الأفغانية أن الانتحاري «الأول فجر نفسه ونجح الثاني جزئيا لكن الانفجار قتله فيما قتل عناصر الاستخبارات (الانتحاري) الثالث». وكانت وزارة الداخلية أفادت في وقت سابق أن «انتحاريا» فجر حزامه وسط حشد، إلا أن الرئيس أشرف غني أشار في بيان باللغتين الإنجليزية والدارية إلى «الكثير من الانفجارات» من دون إعطاء تفاصيل. ووقع التفجير في نهاية مظاهرة شارك فيها آلاف الأشخاص غالبيتهم من الشيعة وكانت مستمرة بشكل سلمي منذ الصباح. والاعتداء وهو الأول في العاصمة منذ 30 حزيران (حزيران) يبدو أنه الأول بهذا الحجم الذي يتبناه التنظيم في العاصمة منذ بدء نشاطه في البلاد خصوصا في الشرق منذ عام 2015.
وأظهرت صور تناقلتها شبكات التواصل الاجتماعي جثث ضحايا شبه عارية ممددة على الأرض وسط الركام.
وقال رضا جعفري أحد منظمي المظاهرة والشاهد في المكان «سمعت دويا بالقرب مني»، وأضاف: «هناك الكثير من القتلى والجرحى سقطوا من حولي». وكان المتظاهرون يسيرون في موكب تقدمته نساء بينما شارك آخرون على دراجات هوائية احتجاجا على استثناء مناطقهم في ولاية باميان (وسط) من مشروع لخط التوتر العالي.
ويرى مسؤولون من أقلية الهزارة أن ترسيم خط التوتر العالي دليل جديد على التمييز الذي تعاني منه طائفتهم ومحافظتهم التي تعتبر الأكثر فقرا في البلاد.
يقول أحمد بهزاد وهو عضو سابق في البرلمان الأفغاني وواحد من منظمي المظاهرة المطلبية التي تحولت إلى أكبر مجزرة بحق عرقية الهزارة «إن مشكلتنا ليست الكهرباء، مشكلتنا هي النظرة الدونية واعتبارنا مواطني الدرجة الثانية أو الثالثة في البلد، ومع الأسف تستمر هذه النظرة في ظل حكومة الوحدة الوطنية، وهذا أمر غير مقبول»، ويؤكد بهزاد أن المطالب بالحق الأساسي لعرقية الهزارة لن تتوقف وسنستمر في مطالبتنا بحقوقنا المشروعة حتى لو هاجمونا مرات عدة. وفي بيان، أعرب الرئيس الأفغاني أشرف غني عن «حزنه» وندد بـ«الإرهابيين الذين تغلغلوا داخل مظاهرة سلمية لقتل الكثير من المواطنين»، مضيفا أن بين الضحايا عناصر من قوات الأمن. ونفت حركة طالبان في بيان مسؤوليتها ونددت بالمحاولات «لإحداث انقسامات» في صفوف الشعب الأفغاني.
وتعرضت أقلية الهزارة التي يقارب عدد أفرادها ثلاثة ملايين نسمة للاضطهاد طيلة عقود، وقتل منهم على مدى التاريخ الأفغاني الحديث والقديم الآلاف من أفرادها أواخر تسعينات القرن الماضي بأيدي تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
وتعرضت هذه الأقلية في البلد ذي الغالبية السنية لأعمال عنف مجددا في الأشهر الأخيرة من بينها عمليات خطف واغتيالات أثارت موجة من الاستنكار على شبكات التواصل الاجتماعي. وتدهور الوضع الأمني في أفغانستان في الأشهر الأخيرة بعد انسحاب غالبية القوات الأجنبية ما حمل الولايات المتحدة على تمديد فترة انتشارها العسكري. وسيظل ما مجمله 8500 جندي أميركي منتشرين حتى مطلع 2017 بدلا من 5500، كما كان مقررا في البدء، وقدم الجنرال الأميركي نيكولسون قائد العملية العسكرية لحلف شمال الأطلسي «تعازيه» إلى أسر الضحايا، ومثله فعلت السفارة الأميركية.
واعتبرت الاستخبارات الأفغانية أن مقاتلي تنظيم داعش الذين تعرضوا لضربات جوية عدة قادتها القوات الأميركية في الأسابيع الأخيرة أرادوا إثبات حضورهم مجددا عبر اعتداء كابل لكنهم باتوا اليوم في ورطة كبيرة بعد ذلك الهجوم، موضحة أنه تم التخطيط للعملية «من جانب القيادي أبو علي في اتشين بمحافظة ننغرهار» المحاذية لباكستان التي تشهد مواجهات.
في المقابل، يخشى مراقبون أن يكون المتطرفون عازمين على إضفاء بعد طائفي على النزاع.
من جهته، قال المحلل الأفغاني إسحاق بويا بخصوص الهجوم الذي تعرضت له عرقية الهزارة بأن كل شيء يظهر أن هذا الهجوم كان يهدف إلى إثارة توترات طائفية عبر استهداف تجمع الشيعة الهزارة، لافتا إلى أن «تنظيم داعش الذي يتعرض لضغوط في الشرق الأوسط وأفغانستان يسعى الآن إلى إثارة نزاع إثني عبر هذا النوع من الهجمات».
ويرى كثيرون أن هجوم «داعش» على عرقية الهزارة سيكون له انعكاسات سلبية على وجود تنظيم الدولة في أفغانستان خصوصا أن مقاتلي «داعش» يتعرضون لهجوم شرس من قبل حركة طالبان التي سبق وأعلنت أنها لن تسمح لـ«داعش» بالتمدد في أفغانستان.
وكانت الحركة أرسلت خطابا إلى تنظيم داعش المتشدد لحثه على الكف عن تجنيد المقاتلين في أفغانستان. وقالت الحركة إن المجال لا يتسع سوى لعلم واحد وقيادة واحدة للقتال في أفغانستان.
ويأتي الخطاب الرسمي وسط اشتباكات عنيفة شهدتها مناطق في شرق أفغانستان بين طالبان وجماعات منشقة بايعت تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات كبيرة في سوريا والعراق خلال العام الماضي.
وأدى وجود تنظيم داعش - رغم قلة عدد مقاتليه - إلى تعقيد الحرب المتصاعدة في أفغانستان، بعد انسحاب معظم القوات الأجنبية من البلاد في نهاية عام 2014، هزة قوية تلك التي تعرض لها تنظيم الدولة في أفغانستان وهو في طور الانتشار والتوسع، خصوصا في مناطق الشرق بعد أن قام بذبح شيوخ وزعماء من قبائل الباشتون التي تنحدر منها طالبان الأصولية فوجد التنظيم غضبا عارما في أوساط الباشتون الذين انقلبوا ضد التنظيم في مناطقهم، والآن جاء الهجوم ضد عرقية الهزارة التي تسكن في وسط أفغانستان وتسيطر على كثير من المناطق الحيوية لتنقلب الصورة بشكل كامل ضد تنظيم داعش ومخططاته في أفغانستان على الأقل ويفشل قبل أن يثبت دعائمه في البلد الذي دمره الحرب المستمرة منذ أكثر من أربعين عاما. إضافة إلى العامل الشعبي الأفغاني الغاضب من تصرفات «داعش»، فالأوضاع الإقليمية تبدو غير مساعدة لانتشار «داعش» في أفغانستان بسبب مخاوف دول آسيا الوسطى الحليفة لروسيا الاتحادية التي أعلنت أنها ستساعد أفغانستان في حربها ضد تمدد «داعش».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».