«النصرة» و«القاعدة».. ودلالات الانشقاق المنسية

تعليقًا على إعلان «الجولاني»

عناصر من «جبهة النصرة» قبل الانشقاق عن «القاعدة» في سوريا («الشرق الأوسط»)
عناصر من «جبهة النصرة» قبل الانشقاق عن «القاعدة» في سوريا («الشرق الأوسط»)
TT

«النصرة» و«القاعدة».. ودلالات الانشقاق المنسية

عناصر من «جبهة النصرة» قبل الانشقاق عن «القاعدة» في سوريا («الشرق الأوسط»)
عناصر من «جبهة النصرة» قبل الانشقاق عن «القاعدة» في سوريا («الشرق الأوسط»)

دلالات كثيرة يحملها انشقاق التنظيمات المتشددة - والأصولية عمومًا - بعضها عن بعض، منها ما هو مرتبط بالواقع وضغوطه والتكيف معه، لكن الأهم والأعمق - والمنسي للأسف - هو المدلول الفكري والآيديولوجي لعلاقة هذه التنظيمات بالتاريخ والواقع واضطرارها في النهاية للتكيف معه، بقدرة التاريخ النافذة على كسر جمود التشدد وتكييفه مع حركته. بل تمثل هذه الدلالات المنسية للانشقاق وغيره سندًا في نقد أسس فكرية تتصور التاريخ «يوتوبيا» لا مكان لها، تستطيع كسر الواقع وتغييره دون اعتبار لقواه وقوانينه، وتتعالى عليه بدعاوى الاقتدار والانتصار وتكفير المنطق والعقل، ليثبت التاريخ والواقع في النهاية أنه لا شيء يعمل خارج قانونه وناموسه، وهو يتحرك في زمانه لا خارجه.

الانشقاقات والمراجعات والمواءمات التنظيمية والفردية، لدى تيارات التطرف العنيف، ملامح ثلاثة بارزة على هذا التكييف التاريخي، بعيدًا عن دعوى الاقتدار وصناعة التاريخ التي تدعيها باستقامة وصلابة عند تأسيساتها وبيعاتها الأولى، واضطرارها في مسارها للتكيف معه. وينطبق هذا بدءًا من مراجعات «الجماعة الإسلامية المصرية»، كبرى الجماعات المصرية المتشددة أواخر التسعينات القرن الماضي، التي استمرت عقدًا كاملاً تصحيحًا واعتذارًا عن تصوراتها السابقة.. ووصولاً إلى مراجعات «الجماعة الليبية المقاتلة»، التي صدرت بعنوان «دراسات تصحيحية» عام 2009، مرورًا بمراجعات كلية وجزئية لمنظرين، كان بعضهم الأبرز والأهم في الساحة الراديكالية الإسلامية، شأن عبد القادر بن عبد العزيز (د. فضل)، أو القيادي الجزائري الراديكالي حسن حطاب، الذي تحولت الحركة التي أسسها للدعوة والقتال في الجزائر فيما بعد إلى «قاعدة المغرب العربي» عام 2007، وغيرهما كثيرون. وهذا يدلل على عدم يقينية الوعي وخطأ ما يدّعونه في بداياتهم من حقائق مطلقة ومسار لا يعرف الانعطافات.
ومن المواءمات كذلك - التي تمثل مراجعات جزئية بدرجة ما - قبول كثير من المتشددين والراديكاليين بالحزبية والعمل السياسي، بعد تكفيرهم إياها، فشاهدنا تأسيس عدد من الراديكاليين والمتشددين ومشاركتهم في تأسيس عدد من الأحزاب السياسية عقب زلزال الانتفاضات العربية عام 2011 في مصر وليبيا وغيرهما، ممن كانوا يكفّرون الانتماء لها كما يكفّرون الديمقراطية وسبلها، ويعتبرونها دينًا مناقضًا للإسلام يكفّر من انتمى إليه أصلاً.
وتشمل الانشقاقات كل الحركات الأصولية المتشددة، وتنشط عند الأزمات والمغانم، وتخفت عند المكاسب والمغارم، لكنها تظل حاضرة وممكنة دائمًا، ويكشف ظهورها وبزوغها مساحات الاختلاف الكامنة بين عناصر التنظيم وقياداته، ويضرب في مقتل دعوى التطابق والانتماء الصلب الذي لا يعرف اللين أو المرونة، ويدّعي استقامة خط رفيع للطائفة المنصورة التي تنسبها كل جماعة لنفسها وفكرها وأميرها، يبدع ويتهم كل مخالف لها، قريبًا كان أو بعيدًا. ولكنها تحتمل كذلك الصراع والقتال فيما بينها، ليتحولوا لصفين متحاربين بعد أن كانوا في صف واحد ضد غيرهم.
هذا ما حدث بين المختلفين في صفوف «الجماعة الإسلامية المصرية»، وهو ما حدث بين قادة «الجهاد المصري» من مؤيدي مراجعات فضل ومعارضيها، وهو ما حدث بشكل أوضح بين «داعش» و«القاعدة» ومعها «جبهة النصرة» بشكل أوضح، بعد خلافهما في أبريل (نيسان) 2012، حول بيعة «النصرة» لأبو بكر البغدادي أمير «داعش» أم أيمن الظواهري أمير «القاعدة».. التنظيم الأم!
بل إن جدل البيعة والانشقاق نفسه لا يخلو من براغماتية ظاهرة في كثير من الأحيان. فكثير من التنظيمات الفرعية والصغيرة تبايع حسب المتوقع لصالحها من التنظيم الأم الذي تبايعه، ولم تكن بيعات «ولاية سيناء المصرية» أو «بوكو حرام» النيجيرية أو بعض المجموعات المتشددة في اليمن وغيرها، لتنظيم «داعش» بعد إعلانه خلافته وتصدره المشهد العالمي، إلا رغبة فيما يملكه هذا التنظيم الأم من قدرة على التمويل والدعم الإعلامي واللوجيستي للتنظيم الفرع.
وفي الإطار البراغماتي نفسه كانت البيعات تتوالى لـ«القاعدة» في فترة زعامة أسامة بن لادن لها، قبل مقتله في مايو (أيار) 2011، لما امتلكه من حضور في صفوف المتشددين وقدرته على التمويل والدعم اللوجيستي والاجتماع حوله من مختلف القيادات، وهو ما كان عكسه أثناء فترة خليفته أيمن الظواهري، الذي لا يتمتع بنفس الحضور والتأثير، ويبدو محاصرًا مأزومًا بعد مقتل سلفه.. وهو بالتالي عاجز عن دعم حلفائه بما يحتاجونه، بل إنه يعجز أحيانًا عن التعليق على أحداث مهمة يتعرضون لها، نظرًا لظروف التنظيم، الذي سحب «داعش» فعليًا البساط من تحت قدميه في كثير من المناطق.
من هنا تبدو الانشقاقات والخلافات، دلالة بينة على خطأ ما تدعيه هذه التنظيمات وعناصرها من صلابة، وما تكرره وتدعو إليه من دعوة الوحدة والتوحّد والبيعة، تنظيمًا وأمة، لأمير بعينه، وهشاشة كامنة في مبدأ «السمع والطاعة» و«الولاء والبراء» لدى هذه التنظيمات تؤكده صراعاتها وقتالاتها النظرية والميدانية، رغم التطابق في الإطار الفكري المؤسس، وهو في حالتنا الراديكالية المقاتلة التي تجمع بين «النصرة» و«القاعدة»، كما تجمع بينهما وبين تنظيم «داعش»، مع اختلافات جزئية أو تفصيلية وتأويلية صغيرة فيما بينها، كما تجمع الثلاثة بتنظيمات غيرها في الساحة السورية والعراقية وغيرهما، إلا أن الانشقاق والاختلاف وإمكانية الفصل والانفصال، عناصر أكثر من ادعاءات الوحدة والاتحاد، أو الوصل والاتصال.
يوم الخميس 28 يوليو (تموز) الماضي، جاء انشقاق «جبهة النصرة» في سوريا، وفك ارتباطها بشبكة «القاعدة»، على لسان زعيمها أبو محمد الجولاني، وإعلان الجولاني عن تشكيل جماعة جديدة تحت اسم «جبهة فتح الشام». وهو ما قوبل بشماتة من تنظيم داعش وعناصرها، وكذلك تشكيك في زعامتها وطلبه للانفراد بالقيادة.
لكن زعيم «جبهة النصرة» - أو «جبهة فتح الشام» - أبو محمد الجولاني حاول مسبقًا نفي ذلك، معلنًا في خطاب تلفزيوني مسجل بثته قناة الجزيرة القطرية، في أول ظهور علني له، قبول تنظيم «القاعدة» وقيادته قرار «النصرة» بفك الارتباط، وتفهمهم قرار فك الارتباط وشكرهم على ذلك. إذ قال الجولاني إن قرار فك الارتباط جاء «نزولاً عند رغبة أهل الشام في دفع الذرائع التي يتذرع بها المجتمع الدولي، وعلى رأسه أميركا وروسيا، في قصفهم وتشريدهم عامة المسلمين في الشام، بحجة استهداف جبهة النصرة التابعة لتنظيم قاعدة الجهاد، فقد قررنا إلغاء العمل باسم جبهة النصرة، وإعادة تشكيل جماعة جديدة ضمن جبهة عمل تحمل اسم جبهة فتح الشام».
وتابع الجولاني كلامه معلنًا أن «هذا التشكيل الجديد ليست له علاقة بأي جهة خارجية»، في إشارة غير مباشرة منه إلى تصحيح صورة جماعته وعلاقتها بـ«الإرهاب المعولم»، وتصحيح وضعيتها في الساحة السورية، سواءً من قبل قوات التحالف الدولي التي استمرت في تصنيفها جماعة إرهابية، أو سائر الفصائل الموجودة في سوريا.
وازداد هذا الإلحاح على وطنية حركيته ومركزية القضية السورية فيها بشكل واضح، حين عدّد الجولاني أهداف هذه الخطوة، قائلاً إن أبرزها «العمل على التوحد مع الفصائل لرص صف المجاهدين، ولنتمكن من تحرير أرض الشام من حكم الطواغيت والقضاء على النظام وأعوانه».
وقد أتى إعلان الجولاني قبول «القاعدة» وتفهمها قراره تأكيدًا من كلا الجماعتين على تكيفهما مع الأوضاع الجديدة، خصوصًا مع ظهور الغلو الداعشي الشقيق لهما، والمقاتل لكليهما معًا، ومع التصنيف الدولي المساوي بينهما، تأكيدًا على الفروق بين «داعش» وكليهما لدى مختلف المراقبين والمتابعين والمشاركين في الشأن السوري. لكن يظهر أن إعلان فك الارتباط كان منسقًا بين الطرفين بشكل واضح، لمنع شبهة أي انتصار داعشي حين إعلانه في صراعها مع «القاعدة» على قيادة العنف الأصولي عالميًا أو سوريًا، ويضعها في حرج الجمود مقابل قدرتهما معًا على التكيف والتوافق.
من ناحية ثانية، رغم مطالبة مختلف الفصائل على الساحة السورية، «جبهة النصرة»، بإعلان انفصالها عن «القاعدة» منذ وقت مبكر في أبريل 2012، بعد إعلانها بيعتها منفصلة عن «القاعدة في العراق» - «داعش» فيما بعد - فإن الاستجابة جاءت متأخرة جدًا ومدفوعة بظروف الواقع وتحدياته في أعقاب تقدم روسيا وبقايا نظام الأسد والميليشيات الإيرانية على جبهة حلب، بشمال سوريا، وعدد من المناطق التي كانت في حوزتها، كما أتى منسقًا كما ذكرنا بما لا يبدو معه خلافات بين «النصرة» و«القاعدة»، ويعطي فرصة أكبر لـ«داعش»، لاستثمارها.
كانت الإشارة أو المباركة الأولى من المنظر المتشدد أبو محمد المقدسي يوم الثلاثاء 19 يوليو الماضي، حين دعا «جبهة النصرة» للاستجابة لمطالب الشعب والعلماء والناصحين، وتغيير اسمها وفك ارتباطها بـ«القاعدة». وقال المقدسي في تغريدات له على «تويتر»: «مراعاة المطلب إن صار مطلبًا للشعب أو العلماء والناصحين، مهم ويدل على مرونة وفطنة المجاهدين، خصوصًا إن كان مطلبًا مشروعًا ليس فيه أي تنازل عن ثوابت».
وعن التسمية الجديدة يبدو الإرهاص بها في تغريدة للمقدسي في التاريخ نفسه، حين دعا «جبهة النصرة» لتغيير اسمها قائلاً: «وكذلك اسم (جبهة النصرة) أو غيره، إن صار عائقًا أو سببًا لاستهداف أهله، فتغييره أو التنازل عنه ليس تنازلاً عن قرآن، وفك الارتباط ليس ردة عند الحاجة إليه». وأضاف: «من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فلا يهمه الاسم، إنما يهمه وضوح هذه الغاية ومن جاهد لأجل اسم، وفارق لتغيره، فلا يحزن عليه». وبيّن: «نعلم أن اسم النصرة والارتباط ليس هو السبب الحقيقي لاستهداف الجبهة وأمثالها، بل السبب هو الراية والغاية وعدم الخضوع لمشاريع الأميركان وأذنابهم».
وتابع في تأكيد وتبرير هذا التحوّل بضغوط التحالف الدولي وقصفه مواقع «النصرة» واستهدافه لها بقوله: «أكثر أعداء الجبهة يدّعي أن المسمى والارتباط سبب مشاركة أميركا بالقصف، وانطلى هذا على الناس، فالإجراء الذي نصحت به إن لم يكف بأس أميركا، أبطل الدعوى».
أما الإشارة الثانية فكانت قبل إعلان الجولاني بساعات عبر تسجيل صوتي نشره تنظيم القاعدة، وتوجّه فيه أحمد حسن أبو الخير، «نائب» أيمن الظواهري وفق التسجيل، إلى «جبهة النصرة» بالقول: «نوجه قيادة جبهة النصرة إلى المضي قدمًا بما يحفظ مصلحة الإسلام والمسلمين ويحمي جهاد أهل الشام، ونحثهم على اتخاذ الخطوات المناسبة تجاه هذا الأمر».
وهكذا يجبر التاريخ والواقع، الانغلاق والتصلب الظاهر لجماعات التطرف العنيف على تغيير ارتباطاتها وهوياتها، بل وأسمائها، وإن كان اسم «جبهة النصرة» نفسه نابعًا من تنظيم داعش لوليده «النصرة»، حين أرسله «نصرة للشعب السوري» ضد الميليشيات الطائفية والإيرانية المساندة لنظام بشار الأسد ضد شعبه، وما زالت تسانده بدعم روسي.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».