نوافذ التاريخ المفتوحة على الشعبوية

نوافذ التاريخ المفتوحة على الشعبوية
TT

نوافذ التاريخ المفتوحة على الشعبوية

نوافذ التاريخ المفتوحة على الشعبوية

كيف استطاع الخطاب الشعبوي اختراق مجتمع «أم البرلمانات» وعزلها عن محيطها الأوروبي؟ كنا نتصور سابقًا أن مثل الخطاب البائس، المليء بالأكاذيب والتضليل، لا ينجح إلا في مجتمعاتنا المتأخرة اجتماعيًا وثقافيًا، حيث التربة الصالحة، التي لا تحتاج إلى حرث كثير. ولكن أن ينجح هذا الخطاب في مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة، التي تحقق فيها قدر هائل من التقدم العلمي والثقافي، فهو أمر خطير، لا شك أن علماء الاجتماع سيتوقفون عنه كثيرًا.
لقد نجح هتلر وموسوليني في خطابهما الشعبوي في الثلاثينات من القرن الماضي، في ظل خلخلة اقتصادية واجتماعية وثقافية كبرى، أنتجتها أزمة الرأسمالية عام 1929. لكن كيف يمكن أن نفسر صعود أحفادهما بعد كل هذا الزمن الطويل، والتغيرات الإيجابية الكبرى التي حصلت بعد هزيمتهما، بعدما كلفا البشرية ثمنًا ربما لم تدفعه طوال تاريخها الطويل؟ كيف يمكن أن نفهم إعادة إنتاج خطابهما الشعبوي، بالجوهر نفسه، وبالكلمات نفسها تقريبًا؟ ماذا يعني الصعود الحالي لليمين المتطرف في أوروبا، التي صدّرت للبشرية قيم الحرية والحب والتسامح منذ عصر التنوير قبل قرون؟
في علم السياسة، كما يذكر لنا جون لانتشتر، في مقال أخير له منشور في مجلة «لندن ريفيو أوف بوكس»، هناك مصطلح جديد يسمى «نافذة افرتون»، نسبة إلى جوزيف أفرتون، المنظر الأميركي اليميني، الذي كان أول من استخدمه. ويعني هذا المصطلح قبول قدر من «النظرية» السياسية في ثقافة ما، في لحظة معينة. ولكن هذه النافذة من المقبولية يمكن تحريكها، بمعنى أن فكرة ما تبدأ خارج الاتجاه السياسي السائد، ولكن حالما يبدأ التصريح بها، وصياغتها، والنقاش حولها، حتى يصبح ممكنًا التفكير بها: إنها تنتقل من غرف المنظرين اليمينيين إلى الصحافة، ثم إلى السياسيين، ثم تصبح شيئًا يبدأ الناس بالتفكير فيه بجدية، والدفاع عنه كسياسة محتملة. لقد تحركت النوافذ، حسب تعبير لانتشتر، وأتت الوحوش الهائجة تنفخ في البطون حتى يولد وحش جديد على شاكلتها.
يطبق لانتشتر ذلك على وطنه بريطانيا، حين تحولت الفكرة، التي كان من المستبعد التفكير فيها، وهي فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى فكرة مقبولة، ثم إلى شعار هلامي، أقرب إلى التجريد، ثم إلى واقع ملموس على يد مجموعة صغيرة تشكلت على هامش الواقع السياسي والثقافي، ولكنها سرعان ما احتلت الصدارة فيه، وشكلت دعاواها، على الرغم من هشاشتها، الرأي العام في بلد ومجتمع، بلغا، كما يتفق الجميع تقريبا، مرحلة متقدمة جدا في الرقي الاجتماعي والثقافي والسياسي أيضا. أهي، إذن، «نافذة أوفرتون»، كما يذهب لانتشتر؟ لا نعتقد ذلك. فنحن لم نعد نعيش في العصر الذي تؤخذ فيه الأمم على حين غرة، كما أخذ لويس بونابرت الثامن عشر فرنسا عام 1851 على حين غرة، وكما أخذ هتلر ألمانيا على حين غرة، في ثلاثينات القرن العشرين.
نعتقد أن هناك نكوصا مريعا في الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي، خلقته الأنظمة الرأسمالية نفسها، ليست له أية علاقة بعامل خارجي كالهجرة أو غيرها، فالهجرة موجودة منذ زمن طويل، واستطاعت أن تستوعبها أوروبا، كما تفعل ألمانيا الآن، بل استفادت منها أيما استفادة، وخصوصا بعد الحرب العالمية الثانية. وينتج هذا النكوص عن القلق، وفقدان الهوية، وانسحاق الذات، مما يشكل فئة اجتماعية كبرى - يسميها لانتشتر طبقة، وهو تعريف غير دقيق - من «المتقلقلقين»، المعتمدين على ما يقرره الآخرون، وهؤلاء هم تربة اليمين الخصبة، التي أجاد استغلالها أكثر من الأطراف السياسية الأخرى، وضمنها حتى اليمين المعتدل. أما بالنسبة لليسار الأوروبي، فإنه شبه غائب عن ساحة المعركة.
هل يمكن «تحريك النوافذ» باتجاه آخر؟ هذا الأمر يعتمد على العامل الذاتي الخاص بكل بلد، وقد يحتاج ذلك إلى زمن طويل، قد يكون طويلاً جدًا، لإعادة إنتاج عملية ثقافية كبرى، تضع مهمات التنوير، مرة أخرى، في جدول أعمال التاريخ.



«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة
TT

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية» تُعلن قائمتها الطويلة

أعلنت «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في الكويت، اليوم (الأحد)، عن القائمة الطويلة لدورتها السابعة (2024 - 2025)، حيث تقدَّم للجائزة في هذه الدورة 133 مجموعة قصصية، من 18 دولة عربية وأجنبية. وتُعتبر الجائزة الأرفع في حقل القصة القصيرة العربيّة.

وقال «الملتقى» إن جائزة هذا العام تأتي ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية، والإعلام العربي لعام 2025، وفي تعاون مشترك بين «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، و«جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية»، في دورتها السابعة (2024 - 2025).

وتأهَّل للقائمة الطويلة 10 قاصّين عرب، وهم: أحمد الخميسي (مصر) عن مجموعة «حفيف صندل» الصادرة عن «كيان للنشر»، وإيناس العباسي (تونس) عن مجموعة «ليلة صيد الخنازير» الصادرة عن «دار ممدوح عدوان للنشر»، وخالد الشبيب (سوريا) عن مجموعة «صوت الصمت» الصادرة عن «موزاييك للدراسات والنشر»، وزياد خدّاش الجراح (فسطين) عن مجموعة «تدلّ علينا» الصادرة عن «منشورات المتوسط»، وسامر أنور الشمالي (سوريا) عن مجموعة «شائعات عابرة للمدن» الصادرة عن «دار كتبنا»، وعبد الرحمن عفيف (الدنمارك) عن مجموعة «روزنامة الأغبرة أيام الأمل» الصادرة عن «منشورات رامينا»، ومحمد الراشدي (السعودية) عن مجموعة «الإشارة الرابعة» الصادرة عن «e - Kutub Ltd»، ومحمد خلفوف (المغرب) عن مجموعة «إقامة في القلق» الصادرة عن «دار إتقان للنشر»، ونجمة إدريس (الكويت) عن مجموعة «كنفاه» الصادرة عن «دار صوفيا للنشر والتوزيع»، وهوشنك أوسي (بلجيكا) عن مجموعة «رصاصة بألف عين» الصادرة عن «بتانة الثقافية».

وكانت إدارة الجائزة قد أعلنت عن لجنة التحكيم المؤلّفة من الدكتور أمير تاج السر (رئيساً)، وعضوية كل من الدكتور محمد اليحيائي، الدكتورة نورة القحطاني، الدكتور شريف الجيّار، الدكتور فهد الهندال.

النصّ والإبداع

وقال «الملتقى» إن لجنة التحكيم عملت خلال هذه الدورة وفق معايير خاصّة بها لتحكيم المجاميع القصصيّة، تمثّلت في التركيز على العناصر الفنية التي تشمل جدة بناء النصّ، من خلال طريقة السرد التي يتّخذها الكاتب، ومناسبتها لفنّ القصّ. وتمتّع النصّ بالإبداع، والقوّة الملهمة الحاضرة فيه، وابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنيّة للنصّ على طرح القيم الإنسانيّة، وكذلك حضور تقنيّات القصّ الحديث، كالمفارقة، وكسر أفق التوقّع، وتوظيف الحكاية، والانزياح عن المألوف، ومحاكاة النصوص للواقع. كما تشمل تمتّع الفضاء النصّي بالخصوصيّة، من خلال محليّته وانفتاحه على قضايا إنسانية النزعة.

وقالت إن قرارها باختيار المجموعات العشر جاء على أثر اجتماعات ونقاشات مستفيضة ومداولات متعددة امتدت طوال الأشهر الماضية بين أعضاء اللجنة، للوصول إلى أهم المجاميع القصصيّة التي تستحق بجدارة أن تكون حاضرة في القائمة الطويلة للجائزة، المكوّنة من 10 مجاميع، بحيث تقدّم مشهداً إبداعياً قصصياً عربياً دالّاً على أهمية فن القصة القصيرة العربية، ومعالجته لأهم القضايا التي تهم المواطن العربي، ضمن فضاء إبداعي أدبي عالمي.

وستُعلن «القائمة القصيرة» لجائزة «الملتقى» المكوّنة من 5 مجاميع قصصيّة بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2025، كما ستجتمع لجنة التحكيم في دولة الكويت، تحت مظلة «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب»، في منتصف شهر فبراير (شباط) 2025، لاختيار وإعلان الفائز. وسيُقيم المجلس الوطني احتفالية الجائزة ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025. وستُقام ندوة قصصية بنشاط ثقافي يمتد ليومين مصاحبين لاحتفالية الجائزة. وذلك بمشاركة كوكبة من كتّاب القصّة القصيرة العربيّة، ونقّادها، وعدد من الناشرين، والمترجمين العالميين.