كيري في أنقرة 24 أغسطس وملف تسليم غولن في انتظاره

جاويش أوغلو: غولن اشترى مستشار النمسا بالمال

كيري في أنقرة 24 أغسطس وملف تسليم غولن في انتظاره
TT

كيري في أنقرة 24 أغسطس وملف تسليم غولن في انتظاره

كيري في أنقرة 24 أغسطس وملف تسليم غولن في انتظاره

أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سيقوم بزيارة لتركيا في 24 أغسطس (آب) الحالي تستمر يومين.
وكان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال مساء الخميس إن كيري سيزور تركيا في 21 أغسطس.
وكرر جاويش أوغلو في مقابلة أجراها مع قناة «تي جي رتي» التركية أمس الجمعة أنه يمنح تركيزه واهتمامه لمطالبة تركيا للولايات المتحدة بتسليم الداعية فتح الله غولن المتهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو (تموز) الماضي، وأنه أبلغ الولايات المتحدة طلب بلاده وتوقعاتها في هذا الصدد.
وحول منع السلطات النمساوية في وقت سابق مواطنين أتراكا ونمساويين من رفع أعلام تركية للتنديد بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، أوضح وزير الخارجية التركي أن الدولة التركية على اطلاع بأسماء السياسيين الأوروبيين الذي يدلون بتصريحات معينة تجاه تركيا، مقابل حصولهم على المال من قبل منظمة فتح الله غولن أو (الكيان الموازي)، واصفًا تصريحات المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، الذي اتهم في وقت سابق الأتراك بأنهم «راديكاليون» بـ«القبيحة والكاذبة»، وأضاف: «نحن نعي غايته من هذه التصريحات، ونعرف مدى انزعاجه من خروج آلاف المواطنين الأتراك في النمسا بمظاهرات لدعم تركيا ورئيسها رافعين الأعلام التركية. إن النمسا اليوم تمثل عاصمة العنصرية والتطرف حول العالم».
وأضاف جاويش أوغلو أن الاتحاد الأوروبي فقد خلال العقد الأخير القدرة على القيام بمسؤولياته تجاه الشعوب الأوروبية وشعوب الدول المحيطة به، حيث فشل في سياسات الدمج التي اتبعها، ولم يصل إلى أهدافه كاتحاد، ما أدى فيما بعد إلى خروج المملكة المتحدة من منظومته.
وواصل: «تعرضت سياسات أوروبا تجاه الشرق والسياسة الخارجية وتوسعة الاتحاد خلال العقد الأخير لفشل كبير، لوجود رؤية منقوصة لدى الاتحاد حيال تلك الملفات، فضلاً عن تزايد العنصرية ووصولها إلى درجات خطيرة، لا سيما تلك التي تتسم بمعاداة الأجانب، والمهاجرين، والخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) وبالتالي معاداة الأتراك، ومعاداة السامية، في ظل صمت الجميع تجاه تلك الانزلاقات الخطيرة، وللأسف فإن هذه التيارات أدت إلى ترجيح كفة الشعبوية في أوروبا، مقابل المنطق والحكمة، وكذلك الابتعاد عن الحقيقة».
وعن وسائل الإعلام الغربية قال وزير الخارجية التركي: «في ظل الظروف الطبيعية، تتوخى وسائل الإعلام عادة أن تكون أكثر حساسية تجاه حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وحرية الاعتقاد والفكر، أما اليوم فنجد وسائل الإعلام في أوروبا فقدت للأسف الحيادية والموضوعية، وباتت منحازة تمامًا لمن يملك القوة المادية أو المعنوية، وتدعم تلك التيارات المتطرفة، وتحفزها أيضًا، لذا نستطيع القول إن وسائل الإعلام في الكثير من معظم البلدان الأوروبية ليست حرة، لا سيما في ألمانيا، فكثير من الصحف التي تحمل رؤى ووجهات نظر مختلفة، اتحدت تحت عناوين متطابقة، تجاه تركيا ورئيسها، وهذا لم يأت بمحض الصدفة».
كانت تركيا عبرت عن رفضها لتصريحات المستشار النمساوي كريستيان كيرن التي دعا فيها الاتحاد الأوروبي إلى وقف المفاوضات مع تركيا التي قال فيها إن هذه المفاوضات باتت ضربا من الخيال. ووصف وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي عمر جليك، الخميس، تصريحات المستشار النمساوي بأنها معادية لتركيا واستخدمت لغة قريبة من لغة اليمين المتطرف.
وقال جليك: «إنه أمر مقلق أن تكون تصريحات المستشار النمساوي مثل تلك التي يقولها اليمين المتطرف.. النقد حق ديمقراطي بالتأكيد، ولكن يجب أن نفرق بين أن ننتقد تركيا أو نكون ضدها».
وكان المستشار النمساوي قال إنه سيستثمر انعقاد القمة الأوروبية الشهر المقبل ليطرح مناقشة وقف المفاوضات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد. ووصف كيرن المفاوضات مع تركيا بأنها نوع من التخييل الدبلوماسي، وليست شيئا واقعيا، مضيفا أن على الاتحاد الأوروبي أن يضغط على زر الإيقاف، لأن تركيا لا تمتلك المعايير الديمقراطية التي تؤهلها لعضوية الاتحاد الأوروبي. وأشار كيرن إلى أن ثمة «مؤشرات لا تقبل الخطأ» على أن تركيا تسير نحو الديكتاتورية تحت حكم الرئيس رجب طيب إردوغان. وكان نحو ستين ألف تركي اعتقلوا أو طردوا من وظائفهم بتهمة الارتباط بحركة الخدمة التي يتزعمها رجل الدين التركي فتح الله غولن، والتي تتهمها تركيا بتشكيل كيان مواز داخل الدولة والوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت منتصف يوليو الماضي. وفرضت تركيا حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، كما جمدت العمل ببنود المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان وتحدث الرئيس رجب طيب إردوغان وحكومته عن احتمال إعادة العمل بعقوبة الإعدام لأنها باتت مطلبا شعبيا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟