«طور الباحة».. الخط الدفاعي الأول لعدن تقترب من «كارثة إنسانية»

مديرها العام لـ «الشرق الأوسط» : الفراغ الأمني تسبب في انهيار الاقتصاد

طفل يتأمل كيس غذاء حصلت عليه عائلته من منسقية الإغاثة لأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
طفل يتأمل كيس غذاء حصلت عليه عائلته من منسقية الإغاثة لأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

«طور الباحة».. الخط الدفاعي الأول لعدن تقترب من «كارثة إنسانية»

طفل يتأمل كيس غذاء حصلت عليه عائلته من منسقية الإغاثة لأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)
طفل يتأمل كيس غذاء حصلت عليه عائلته من منسقية الإغاثة لأسبوع الماضي («الشرق الأوسط»)

تعاني مديرية طور الباحة، التي وصفها مديرها العام علوان العطري بالخط الدفاعي الأول عن العاصمة المؤقتة عدن، الفقر والبطالة وشح الموارد الغذائية بعد المواجهات العسكرية العنيفة بين قوات المقاومة الشعبية والانقلابيين منذ مطلع العام الماضي.
وبعد أن عرفت طور الباحة تاريخيا بهدوئها البعيد عن تعقيدات العالم واحتياجاته العصرية، أصبحت اليوم أرضا تسقيها دماء المقاومين الذين ضحوا بأرواحهم لصد تقدم ميليشيات الحوثي وقوات الانقلاب. فعند الحدود الشمالية للمديرية، تتمركز الميليشيات الانقلابية في كل من القبيطة وحيفان، ساعية إلى الوصول إلى مركز المديرية الذي يبعد عن هذه المواقع بضعة كيلومترات فقط، لكنها تجد مقاومة شرسة من قبل المقاومة في طور الباحة.
وفي جوانب الطريق الذي يبدو كثعبان أسطوري، تلمح عينا الزائر بعض التجمعات السكانية للبدو والرحل الذين وجدوا من البيئة الصحراوية القاسية مكانا مناسبا لرعي ماشيتهم ونشر خلايا نحلهم، خاصة في موسم تساقط الأمطار من السنة. وكلما توغلت غربا في تلك الأرض المنبسطة، تختفي خلفك رويدا رويدا تلك الصحراء التي رويت بدماء ما يقارب الأربعين «شهيدا» من أبناء طور الباحة، وهم يتصدون لقطعان البغي والدمار من ميليشيات الحوثي، لتقف أمامك سلسلة جبال الخرف والجليدة، وجبل أرف ورشاش غربا، وجبال الفرشة والغول وتقار شرقا، وشعب والبيضاء شمالا، مشكلة حائطا جبليا هائلا بين لحج وتعز، لتترك ممرات ضيقة في بطون الأودية حفرتها مياه السيول الموسمية المنحدرة من جبال حيفان.
تعد مديرية طور الباحة إحدى مديريات محافظة لحج، التي يربطها ببقية مديرياتها الـ14 خط إسفلتي يزيد طوله عن 89 كيلومترا، يبدأ من تقاطع صبر الوهط، ليمر مخترقا منتصف الصحراء المسماة بخبت الرجاع، التي تشكل ثلثي مساحتها المترامية الأطراف، لينتهي ملتقيا الخط الإسفلتي الذي يربط المديرية بتعز في المنفذ التاريخي المسمى بالمرصد في قرية البيضاء الحدودية. ويعد هذا الممر الذي شهد حركة تجارية هائلة للشاحنات والقاطرات الكبيرة من ميناء عدن في الشهور المنصرمة، أهم ممر تجاري بين الشمال والجنوب بعد إغلاق طريق كرش والخط الساحلي باب المندب، قبل أن يتوقف بسبب المعارك المحتدمة في منطقة حيفان لتصبح طور الباحة محطة «ترانزيت» لإعادة نقل البضائع بوسائل النقل الصغيرة من وإلى تعز.
ويعتبر وادي معادن شمالي طور الباحة، بحسب مدير عام المديرية علوان العطري، أبرز الممرات الاستراتيجية التاريخية التي تربط بين محافظات الجنوب وتعز، الذي يتصل بنقيل حيفان الجبلي، وصولا إلى مدينة الراهدة. ويأتي في المرتبة الثانية وادي معبق إلى الغرب الذي يتصل بنقيل هيجة العبد، التي تؤدي إلى مدينة التربة الواقعة على سفوح جبلية ترتفع قرابة 2000 متر فوق سطح البحر، ومن الشرق طريق شعب المغنية القبيطة تعز.
وتقع مديرية طور الباحة إلى الغرب من الحوطة عاصمة محافظة لحج، وهي تشكل موقعا جغرافيا وسطا؛ حيث يحدها من الشرق مديرية تبن بحدود صحراوية تمتد من الوهط، جنوب شرقي المديرية، إلى أن تلتقي بسلسلة جبال المشاريج ما وراء قاعدة العند (شمال شرق)، ومن الغرب مديرية المضاربة، ومن الجنوب العاصمة عدن، ومن الشمال محافظة تعز بحدود جبلية طويلة تبدأ من القبيطة وصولا إلى المقاطرة شمال غربي المديرية.
وطور الباحة هي ثاني أكبر المديريات بعد مديرية المضاربة، حيث تبلغ مساحتها 1883 كلم مربعا، وتقع فلكيا عند تقاطع دائرة العرض 13 وخط الطول 44.5833، ما يجعل موقعها مميزا ويتيح تنوعا مناخيا فريدا. أما عدد سكانها، فيفوق حسب الإسقاطات السكانية لتعداد عام 2004 77420 نسمة، ينتشرون بكثافة في سفوح المنحدرات والجبال في الجزء الشمالي منها.
وتعتبر بيوت المواطنين المبنية من الأحجار والطوب الإسمنتي المصنوع بقوالب يدوية، جزءا من التراث الوطني للمنطقة، عاكسة بساطة حياة سكانها وظروف معيشتهم الصعبة.
من جهته، يقول علوان العطري مدير عام المديرية، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن طور الباحة وبقية مناطق الصبيحة تشكل «خطا دفاعيا أوليا للدفاع عن العاصمة المؤقتة عدن»، حيث تبدأ طور الباحة حدودها مع محافظة تعز من حدود قاعدة العند شرقا إلى منطقة العطيرة غربا بسلسلة جبلية، مشكلة طوقا أمنيا يمتد بمسافة تقدر 100 كيلومتر لتلتحم مع المضاربة، مستكملة للطوق الجبلي الذي يصل طوله المتعرج إلى ما يقارب 200 كيلومتر، وصولا إلى باب المندب في أقصى الغرب.
وتشهد هذه السلسلة الجبلية أعمالا عسكرية وقتالا مستمرا منذ بداية العام 2015 حتى اللحظة، ففي حدود طور الباحة الشمالية تتمركز الميليشيات وجيش المخلوع في كل من القبيطة وحيفان في محاولة للوصول إلى مركز المديرية الذي يبعد عن هذه المواقع بضعة كيلومترات فقط، ولكنها تجد مقاومة شرسة من قبل رجال طور الباحة. وصدت المقاومة محاولة الانقلابيين التقدم رغم خسارتها المستمرة لبعض المواقع الاستراتيجية، التي كان آخرها جبال منطقة ضبي القريبة من حدود المديرية إلى حد كبير. ويرجع ذلك إلى سوء القيادة وضعف التنسيق وظهور المصالح المتضاربة التي جعلت المقاومة معزولة عن محيطها الاجتماعي الحاضن.
ونتيجة للحرب الدائرة هناك، شهدت المناطق الجنوبية من تعز وخاصة بعض قرى حيفان حالة نزوح كبيرة لتتموضع في مركز المديرية، حيث تنتشر الخيام وبيوت القش في ظروف غاية في التعقيد، كما أن جزءا كبيرا من الأسر النازحة استقرت في بعض مساكن المواطنين.
وبالحديث عن الوضع الإنساني في المديرية، يقول المدير العام علوان العطري إن استمرار الحرب وطول أمدها سبب الكثير من الانهيارات الاقتصادية وظهور البطالة والمتسولين، وأصبح وضع المواطنين يقترب من الكارثة الإنسانية في ظل غياب فرص العمل، وتأخر الرواتب لعدة أشهر، وانهيار العملة، واختفاء المشتقات النفطية التي تسببت في انهيار الورش، وتوقف وسائل النقل، وتوقف آلات ضخ المياه في المزارع.
وأكد العطري في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن أغلب السكان يعتمدون على الرواتب والأعمال بالأجر اليومي والزراعة ورعي الأغنام، لكن «ظهور العصابات المنظمة وقطاع الطرق وغياب الأمن والمؤسسات الحكومية شكل وضعا إنسانيا وأمنيا معقدا، في ظل مطالبات بتحرك عاجل لتحريك عجلة التنمية وإعادة تفعيل المؤسسات الحكومية والأمنية بصورة عاجلة»، على حد تعبيره.
تاريخيا، عرفت طور الباحة بنضالها العريق بحسب الباحث السياسي باسم فضل الشعبي. ذلك حيث يعد رجلاها قحطان الشعبي وفيصل عبد اللطيف الشعبي، من مؤسسي حركة القوميين العرب في الجنوب والجبهة القومية التي قادت الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني حتى تحقق الاستقلال في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1967، وأصبح قحطان الشعبي أول رئيس لجمهورية «اليمن الجنوبية»، ثم عين فيصل عبد اللطيف، رئيسا للوزراء. ومن أبرز رجالاتها أيضا الدكتور ياسين سعيد نعمان، رئيس الوزراء في الجنوب، وأول رئيس لبرلمان دولة الوحدة، وهناك الكثير من المناضلين والقادة من أبناء هذه المديرية التي كان لهم أدوار في المراحل كافة.
وأوضح الشعبي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن طور الباحة عانت الظلم والتهميش في المراحل كافة، فأهلها يعانون عدم وجود مشاريع المياه والكهرباء والمشاريع الصحية، وما تزال كثير من مناطقها خارج اهتمام الدولة، مشيرا إلى أن ما تقدمه هذه المديرية، التي تعد عاصمة لمناطق قبائل الصبيحة، من تضحيات كبيرة في سبيل التصدي للميليشيات الانقلابية «بحاجة إلى لفتة من قبل رجال السياسة والإعلام، فمن من غير المعقول أن تكون هذه التضحيات منسية أو ينالها الجحود والنكران». وأوضح أن الحرب الدائرة في المديرية منذ ما يقارب العام خلفت معاناة كبيرة في الصبيحة، لا سيما في عاصمتها طور الباحة؛ بسبب جرائم الميليشيات واستمرار موجة النزوح إليها من مناطق ومديريات تعز (القبيطة والوازعية والتربة وذباب).
وأكد الشعبي أن عدم قيام المنظمات الدولية بدور في معالجة أضرار الحرب والنزوح ودعم الجانب الإنساني أثر بشكل كبير في المديرية التي تعيش تحت ضغط الحرب منذ عام بعد تحرير عدن؛ لأن المعركة «انتقلت من عدن إلى المناطق الحدودية مع الشمال».
ولفت الشعبي إلى أن غياب الإغاثة ضاعف معاناة أهل المديرية، إذ «لم تحظ المنطقة بدعم إغاثي كما كان متوقعا»، مطالبا المجتمع الدولي للاهتمام بهذا الجانب لرفع معنويات المقاتلين، ومشيرا إلى ضرورة الدعم بالسلاح والعتاد ليستمر الدفاع عن الجنوب وعدن وقهر الميليشيات التي تهدف إلى التوغل ناحية محافظة لحج الاستراتيجية التي دحرتهم منها في أغسطس (آب) من العام الماضي.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.