متظاهرو ساحة التحرير: الفساد ينخر في جسد الحكومة والبرلمان

شكوا من أنه بعد مرور عام على حملتهم «لم يتحقق أي شيء»

متظاهرو ساحة التحرير: الفساد ينخر في جسد الحكومة والبرلمان
TT

متظاهرو ساحة التحرير: الفساد ينخر في جسد الحكومة والبرلمان

متظاهرو ساحة التحرير: الفساد ينخر في جسد الحكومة والبرلمان

مر عام على خروج مئات الآلاف من العراقيين في مظاهرات ساحة التحرير وسط بغداد احتجاجا على فساد المسؤولين، والمطالبة بإجراء إصلاحات حكومية حقيقية. وتصاعدت حدة هذه المظاهرات قبل أكثر من شهر وقادت المتظاهرين لدخول بنايتي مجلسي النواب والوزراء في المنطقة الخضراء شديدة التحصين.
«الشرق الأوسط» استطلعت آراء قيادات ونشطاء مدنيين شاركوا في هذا الحراك المدني منذ عام وبلا كلل أو تأخير، حول ما تحقق من نتائج بسبب هذه المظاهرات، حيث قالت انتصار جبار، وهي ناشطة مدنية وقيادية في حركة (مستمرون)، إن «النتائج التي تحققت لا ترتقي إلى حجم مطالب المتظاهرين أو الضغوط التي يشكلها هذا الحراك المدني الشعبي». وأضافت: «نعترف أن رئيس الحكومة حيدر العبادي، قد أقال نوابه ونواب رئيس الجمهورية، لكن هذه الإجراءات ليست طموحات العراقيين، نحن نريد القضاء على المحاصصة الطائفية والسياسية ووصول كفاءات وطنية إلى المناصب الحكومية»، مشيرة إلى أن «أحد أبرز فوائد المظاهرات توعية الناس بدورهم في الاحتجاج والتظاهر للمطالبة بحقوقهم، لهذا نرى أن المظاهرات تعم جميع المحافظات العراقية ولم يعد العراقي يخشى الإجراءات الأمنية ضد المتظاهرين، فالناس عرفت من سرق أموالهم وصادر فرصهم».
وأضافت انتصار جبار، التي تتصدر المظاهرات المدنية كل يوم جمعة، أن «الحكومة تراوغ وتطلق الوعود دون تنفيذها، لكننا مستمرون في مظاهراتنا حتى تتحقق مطالبنا»، مشيدة بخطوة خالد العبيدي، وزير الدفاع الذي كشف فساد البرلمانيين في عقر دارهم، «فنحن لم نجد مسؤولا في الحكومة يكشف عن فساد الوزراء أو البرلمانيين، ونحن في انتظار القضاء لكشف التحقيقات عن ملفات الفساد التي تحدث عنها العبيدي، مع أننا لا نثق بالقضاء العراقي ولا برئيس مجلس القضاء الأعلى مدحت المحمود الذي يجعل الأبيض أسود وبالعكس تبعا لما تريده بعض الجهات السياسية المتنفذة».
وعن الانقسامات التي حدثت بين الحركات المدنية المتظاهرة، قالت انتصار جبار: «ليست هناك انقسامات، الساحة للجميع، وأي عراقي يتظاهر ضد الفساد ومن أجل حقوق العراقيين مرحب به، لكن ما حدث أن حركة (مدنيون) اعترضت على وجود التيار الصدري الذي يعتقدون بأنه يريد مصادرة هذه المظاهرات، لهذا تظاهروا في ساحة الفردوس القريبة من ساحة التحرير، بينما نحن - حركة (مستمرون) - لا نجد أي مانع في أن يتظاهر التيار الصدري أو أي حزب أو تيار آخر ما دامت أهدافنا مشتركة وهي محاربة الفساد».
بدوره، انتقد الناشط المدني، عدنان جميل، مجلس النواب العراقي «الذي لا يفكر بأوضاع العراقيين بقدر التفكير بامتيازات البرلمانيين ومصالحهم الشخصية»، مشيرا إلى أن «ما تسمى جبهة الإصلاح في البرلمان العراقي هي وجه من وجوه ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي المطالب بالولاية الثالثة في رئاسة الحكومة». وقال إن «كل ما يجري من حراك حكومي وبرلماني إنما هو بتدبير من المالكي الذي لا يزال المتنفذ الأول باعتباره زعيم الحزب الحاكم (حزب الدعوة)، والعبادي لا يستطيع الخروج من عباءة حزب الدعوة، في حين كانت هناك أكثر من فرصة ثمينة أمام رئيس الوزراء لتحقيق إنجازات تاريخية بعد أن حصل على دعم شعبي واسع».
المحامية نادية سعيد، وهي ناشطة مدنية دأبت على التظاهر منذ عام، قالت من جهتها إنه «رغم أننا نعرف أن الوضع العراقي معقد والعملية السياسية قائمة على المحاصصة والمصالح، وأن الفساد ينخر بجسد البلد، فإننا مستمرون في مظاهراتنا لأننا نؤمن بحقنا في ممارسة الديمقراطية لنيل حقوقنا»، مشيرة إلى أن «العراقيين لا يثقون بالبرلمانيين ولا بالحكومة ولا بالقضاء، وأن غالبية المتنفذين متورطون بملفات فساد، والغريب أنهم يعترفون على شاشات التلفزيون بفسادهم ويتحدثون عن الوطن والروح الوطنية».
واستغرب الناشط المدني، إحسان الدليمي، من تصرفات السياسيين العراقيين «الذين لم يتعلموا كيف يديرون البلد بل تعلموا السرقات فقط». وقال إن «السياسيين العراقيين بدلا من أن ينتقدوا أنفسهم وتصرفاتهم فهم يلقون باللوم على الدول والحكومات الأخرى باعتبارها سبب خراب العراق منطلقين من أجندات طائفية ومنفذين سياسات دول إقليمية تتحكم بالملفات السياسية والأمنية في العراق».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.