سكان المناطق الغربية في العراق.. إما نازحون في العراء أو أسرى لدى «داعش»

عمليات النزوح تمثل مشكلة كبرى بسبب قلة الإمكانات وغياب الاهتمام الحكومي

عراقيات هربن من معارك الشرقاط جنوب الموصل يصلن إلى مخيم للنازحين (رويترز)
عراقيات هربن من معارك الشرقاط جنوب الموصل يصلن إلى مخيم للنازحين (رويترز)
TT

سكان المناطق الغربية في العراق.. إما نازحون في العراء أو أسرى لدى «داعش»

عراقيات هربن من معارك الشرقاط جنوب الموصل يصلن إلى مخيم للنازحين (رويترز)
عراقيات هربن من معارك الشرقاط جنوب الموصل يصلن إلى مخيم للنازحين (رويترز)

أعلنت محافظة صلاح الدين عن استقبالها موجة جديدة من نازحي الشرقاط ومكحول والقيارة، الهاربين من استمرار المعارك عند تخوم مناطقهم، في إطار الاستعدادات لمعركة الموصل، فيما ينتظر نحو مليون ونصف مليون مواطن داخل المدينة التي يحتلها «داعش» منذ عام 2014 مصيرًا مجهولاً بين البقاء في منازلهم، طبقًا لنصيحة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي، ودعوات الحكومة العراقية لهم بالنزوح عبر ممرات آمنة سيتم توفيرها أسوة بما جرى لنازحي الفلوجة والرمادي وسواها من المدن التي جرى تحريرها خلال الشهور الماضية.
وقال محافظ صلاح الدين، أحمد الجبوري، في بيان، إن «مدينة تكريت وأقضية المحافظة القريبة منها استقبلت خلال اليومين الماضيين، أكثر من 120 ألف نازح»، مبينًا أنه «تم توجيه أمر للجهات المعنية في المحافظة بفتح فنادق المجمع السكني ومجمع الري في قضاء الدور أمام العائلات النازحة، وتقديم المساعدات الغذائية والإغاثية لهم». وأضاف الجبوري، أن «عملية استقبال العائلات النازحة وتدقيق أسمائها من شأن الجانب الأمني المتمثل بقيادة عمليات صلاح الدين والشرطة والحشد الشعبي والاستخبارات»، لافتًا إلى أن «إدارة المحافظة لا تسمح بدخول المندسين، وواجبنا الأهم حماية المحافظة وتفعيل دور الأمن ودحر الإرهاب الداعشي».
لكنه وفي موازاة هذه الدعوة، فإن مأساة أخرى يعيشها أبناء تلك المناطق، وغالبيتهم من العرب السنة، لا تقل بشاعة وسوءًا إن لم تزد، وهي الحياة في المدن التي يحكمها التنظيم المتطرف. وتعد الحويجة التابعة لمحافظة كركوك مدخلاً مهما في معادلة تحرير الموصل، نظرًا لقربها منها. وطبقًا لما رواه الناشط المدني في الحويجة غياث العبيدي في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، فإن «تنظيم داعش يفرض قوانينه، التي يرى أنها شرعية، على أهالي المنطقة، ومن خلال عملية التزام صارم وسطحي بتعاليم الدين، وهو ما يتناقض مع قناعات المثقفين والفنانين والناشطين الذين يحاولون التخلص من القيود التي يفرضها هذا التنظيم». ويقول العبيدي إن «تنظيم داعش يحتجز كل أهالي القضاء من الناحية العملية، وهو يرفض عمليات النزوح الجماعي، لا سيما مع اقتراب المعارك؛ لأنه يحتاج السكان لاستخدامهم دروعًا بشرية، أو لكي يجبر القوات الأمنية على تأخير عملية التقدم بسبب وجود المدنيين».
من جهته، أكد القيادي في الحشد الوطني في صلاح الدين، يزن الجبوري، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «عمليات النزوح بدأت تمثل مشكلة كبرى بسبب قلة الإمكانات، وعدم وجود اهتمام من قبل الجهات الرسمية»، مبينًا أنه «وبجهود فردية نقوم بإيواء وإطعام نحو 86 ألف نازح من هؤلاء الذين ذكرهم محافظ صلاح الدين، علمًا بأن عملية إيصال الأغذية والأدوية لهم تتم بصعوبة بالغة، بسبب مشكلة الطرق والمخاوف التي تترتب على ذلك». وأشار إلى أن «هؤلاء النازحين يعانون مشكلات كثيرة، أبرزها أنه لا توجد أماكن لإيوائهم بسبب عدم وجود مخيمات تكفي لهم، وهو ما يجعل مهمتنا توفير الطعام والأدوية بالقدر المتيسر، ومن ثم يواجهون هم مصيرهم على صعيد السكن».
من جانبها، أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين، أن الحكومة خصصت مبلغ 3 مليارات دينار (نحو مليونين ونصف مليون دولار أميركي)، لإنشاء مخيمات إيواء للنازحين في صلاح الدين. وقال وكيل وزارة الهجرة والمهجرين، جاسم العطية، إن «الوزارة قررت صرف مبلغ 3 مليارات دينار عراقي لإنشاء مخيمات لإيواء الأسر النازحة في محافظة صلاح الدين»، مبينا أنه «تمت المباشرة بإنشاء مخيم للنازحين في ناحية العلم يتضمن 1000 خيمة، إضافة إلى إنشاء مخيم كرفانات لإيواء العائلات النازحة من محافظة نينوى». وأشار العطية إلى أن «الوزارة خصصت 350 مليون دينار أخرى، لتأهيل مجمع القادسية السكني الجديد في المحافظة». وتوقع وكيل الوزارة «نزوح أعداد كبيرة من العائلات الموصلية خلال عمليات التحرير الجارية في المحافظة»، معتبرًا «الإسراع بتحرير قضاء الشرقاط والمناطق المحيطة بمدينة الموصل من الضروريات، لتهيئتها وإعادة العائلات النازحة إليها».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.