من يخلف الكبار حين يرحلون؟

يوسف شاهين
يوسف شاهين
TT

من يخلف الكبار حين يرحلون؟

يوسف شاهين
يوسف شاهين

سيترك رحيل المخرج محمد خان فراغًا كبيرًا في السينما المصرية على الأقل، بمعنى أنه من غير المحتمل أن يقدم سينمائي جديد على التقاط ما تركه المخرج الرائع من أسلوب بصري ومن لغة فنية ليطور، أو ليكمل إذا لم يستطع التطوير، الرحلة الإبداعية للمخرج الراحل.
هذا ناتج عن عاملين مهمين. الأول أن هناك حقبة من السينما المصرية انتهت قبل سنوات كثيرة تميّزت بسعي السينمائيين للعمل تحت مظلة واحدة. في السبعينات، انطلقت مجموعة سمّت نفسها بـ«السينما الجديدة»، وتألفت من كتاب ومخرجين من بينهم علي عبد الخالق وغالب شعث. في الثمانينات، انتقلت «أفلام الصحبة» التي كانت الغطاء لعدد أكبر من السينمائيين الشبّان (حينها) ومن فايز غالي وبشير الديك ومحمد خان وخيري بشارة وسعيد الشيمي.
معظم من ورد اسمه غائب عن العمل أو مغيّب. هناك من رحل (فايز غالي)، وهناك من اتجه للتلفزيون تبعًا للظروف الصعبة التي يجد فيها السينمائي العريق نفسه فيها هذه الأيام (علي عبد الخالق، وخيري بشارة)، وهناك من انقطع عن العمل، مفضلاً النأي عن التنافس على فرص هي في الأصل نادرة لأبناء جيله (غالب شعث على سبيل المثال).
أتاحت تلك الموجة الثنائية للسينما المختلفة عن السائد الوجود وأثراها عمل مخرجيها خصوصًا محمد خان وخيري بشارة وبشير الديك، و(من خارج المجموعة) الراحلين سعيد مرزوق ورأفت الميهي من بين آخرين.
بوصول السينما المصرية إلى عثرة التسعينات ومطلع القرن الحالي، حيث أصر المنتجون على التعامل مع إبداع المخرجين بشروطهم وعبر رؤيتهم الخاصة (غاب الغطاء الإنتاجي المستقل الذي كان وفّره المنتج حسين القلاّ)، انتهى التأثير المباشر لتلك المجموعة، ثم انفرط العقد (وإن لم تنفرط الصداقة) وتولّى كل سينمائي العمل منفصلاً ومتتبعًا مصيره المنفرد.

تأثير سابق

العامل الثاني، بالنتيجة، هو أن غياب التيار المستقل (وبقاء أفلام مستقلة قليلة من حين لآخر)، ترك المخرج الجديد القادم للمرّة الأولى أمام اختيارين: طريق طويل يسلكه بلا نهاية في الأفق، وطريق مختصر ينجز فيه ما يحلم بإنجازه، إنما بطبعة شعبية يمولها المنتج الذي يعرف كل شيء.
معظم هؤلاء اختار الطريق الثاني حتى يبرهن لنفسه ولمن حوله بأنه لم يصرف سنوات دراسته على مستقبل مهدور.
والغريب في الموضوع ولو إلى حد، أن التأثير المنتقل من جيل إلى آخر كان باديا على رعيل السينما المصرية في سنوات نضرتها الأولى في الخمسينات والستينات. والحقيقة أنه كان لكل مخرج في تلك الفترة مرجعه المفضل: صلاح أبو سيف والواقعية التي نشأت على الساحل الجنوبي لإيطاليا في الأربعينات. كمال الشيخ وفيلمه التشويقي ذو اللمسة الهيتشكوكية، نيازي مصطفى وتأثره بالأفلام الهوليوودية، كما حسن الإمام ومشواره مع الأدب الفرنسي، وحسام الدين مصطفى والأسلوب الأميركي العام.
وسواء أنجح البعض (أبو سيف والشيخ) في شق أسلوبه الخاص وتمصير الحكايات على نحو ناجح، أو سقط خلال المحاولة، إلا أن الجميع كان رائدًا، فيما اختار وشهد أتباعًا ساروا في الدروب ذاتها خلال الخمسينات والستينات.
وعلى نحو منفرد، شاهدنا كيف انطلق المخرج يوسف شاهين تدريجيًا من سينما شعبية (كوميدية ومعارك) إلى سينما فنية، مدركًا حاجته إلى التعبير الذاتي، وطرح ذلك على الشاشات العالمية، ثم كيف تأثر به عدد من المخرجين الآخرين ومنهم يسري نصر الله وخالد الحجر وخالد يوسف.
هذا لم يحدث مع تياري «السينما الجديدة» و«أفلام الصحبة»، ولا حتى عندما فرط التحالف الوثيق بين سينمائيي التيارين. فالآتون من بعد، حتى المشتغلون منهم في السينما الفنية، مثل داوود عبد السيد وإبراهيم البطوط، لم يتأثروا بل عمدوا إلى مناهجهم الخاصّة بأساليب تعبير ورؤى غير متّصلة بما وضعه المخرجون السابقون لهم مباشرة ولا حتى بمخرجي الخمسينات والستينات.
لذلك كله، لن يوجد بديل يكمل مشوار أحد. بل هو سينمائي لديه خياران أحدهما قد يضعه في سدة العمل بوصفه معبرا عن جيل حاضر، والآخر سيعود عليه بالنجاح التجاري وحده.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.