مئات الأسرى الفلسطينيين يبدأون إضرابًا مفتوحًا عن الطعام

تحول إلى سلاحهم الأقوى في الاحتجاج على السياسات الإسرائيلية

مسيرة ضد الاعتقال الإداري في القدس ترفع صورا للأسير بلال كايد المضرب عن الطعام (أ.ف.ب)
مسيرة ضد الاعتقال الإداري في القدس ترفع صورا للأسير بلال كايد المضرب عن الطعام (أ.ف.ب)
TT

مئات الأسرى الفلسطينيين يبدأون إضرابًا مفتوحًا عن الطعام

مسيرة ضد الاعتقال الإداري في القدس ترفع صورا للأسير بلال كايد المضرب عن الطعام (أ.ف.ب)
مسيرة ضد الاعتقال الإداري في القدس ترفع صورا للأسير بلال كايد المضرب عن الطعام (أ.ف.ب)

انضم نحو 250 أسيرا فلسطينيا في السجون الإسرائيلية، إلى الإضراب المفتوح عن الطعام الذي يخوضه زملاء لهم احتجاجا على ظروف اعتقالهم وزجهم في السجن، تحت بند الاعتقال الإداري الذي يتيح سجن الفلسطينيين من دون محاكمات ولفترات مفتوحة.
وقال نادي الأسير الفلسطيني بأن أكثر من 300 أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، يخوضون الآن إضرابات مفتوحة عن الطعام، احتجاجا على قضايا مختلفة.
وجاء في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة عنه: «إن 285 أسيرا شرعوا بالإضراب المفتوح في سجني (ايشل) و(نفحة)، احتجاجا على الممارسات التنكيلية التي تمارسها إدارة سجون الاحتلال، وقوّات القمع بحقهم، ومنها: الاقتحامات، والتفتيشات اليومية، بالإضافة إلى نقل عدد من زملائهم الأسرى تعسفيا إلى سجون أخرى».
وكانت إدارة مصلحة السجون نقلت 135 أسيرا من سجن ايشل إلى سجن اوهلي كيدار مساء الأربعاء الماضي، ودخلوا أمس إضرابا عن الطعام احتجاجا على نقلهم بطريقة تعسفية، إلى جانب 120 من سجن نفحة احتجاجا على اقتحام غرفهم وتعرضهم للتنكيل.
وقالت هيئة شؤون الأسرى أمس، بأن موجات جديدة ستنضم للإضراب ردا على السياسات الإسرائيلية في السجون.
ووصف عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، الأوضاع في مختلف السجون الإسرائيلية، بأنها صعبة وتتجه بتسارع نحو التأزم والانفجار: «جراء استمرار السياسات الإسرائيلية الإجرامية والعنجهية بحق الأسرى الفلسطينيين ومن بينها سياسات القمع والتنكيل والتفتيشات المهينة والعزل والاقتحامات المتكررة لعدد من الأقسام والسجون ونقل الأسرى منها لسجون أخرى دون مبررات والتنكيل بهم». وقال قراقع: «إن الأوضاع تشتد سخونة وتوترا، وإن استمرار إسرائيل في سياستها القمعية وحرمان الأسرى من حقوقهم سيؤدي إلى انفجار الوضع، وهذا يتطلب موقفا رسميا وعربيا ودوليا ودعما شعبيا إلى جانب الأسرى».
وقالت إسرائيل بأن الإجراءات الجديدة استهدفت تفكيك جماعات منظمة داخل السجون تعطي توجيهات للخارج، بما في ذلك تنفيذ عمليات.
وينضم المضربون الجدد إلى مجموعة أخرى من الأسرى يضربون عن الطعام منذ فترات متفاوتة، أقدمهم الأسير بلال كايد، الذي يواصل إضرابه لليوم 52 على التوالي، احتجاجا على تحويله للاعتقال الإداري في يوم الإفراج عنه، وذلك بعد قضائه 14 عاما ونصف العام في الأسر، ويتضامن معه 40 أسيرا من الجبهة الشعبية، التي ينتمي إليها، والطبيب محمد البلبول وشقيقه الملازم محمود المضربان منذ الرابع من الشهر الماضي، والأسيران مالك القاضي وعياد الهريمي المضربان منذ 15 يوليو (تمّوز)، إضافة إلى أحمد البرغوثي، ومحمود سراحنة، وزياد البزار، وأمين كميل المضربون منذ 18 يوليو احتجاجا على قرار الصليب الأحمر بتقليص الزيارات إلى زيارة واحدة شهريا، والأسير وليد ملوح مسالمة المضرب منذ 18 يوليو احتجاجا على عزله، منذ أكثر من 10 أشهر، والصحافي عمر نزال من جنين، الذي بدأ إضرابه أمس.
ومع دخول أعداد متزايدة من الأسرى «معركة الأمعاء الخاوية» كما يطلق عليها المعتقلون، يتحول الإضراب إلى السلاح المفضل لدى الكثير من المعتقلين لإنهاء احتجازهم أو تغيير ظروفهم الحياتية.
ونجح معتقلون سابقون في وقف سياسة الاعتقال الإداري بحقهم، إثر دخولهم إضرابا مفتوحا عن الطعام.
والاعتقال الإداري هو نظام بريطاني قديم لا يخضع للإجراءات القانونية ويتيح للمحاكم العسكرية الإسرائيلية اعتقال الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى، لفترات قابلة للتجديد، من دون إبلاغهم الأسباب. وهناك قرابة 700 فلسطيني معتقلين إداريا لدى إسرائيل.
لكن تبعات الإضراب المفتوح تكون أحيانا صعبة على الصعيد الصحي لبعض المعتقلين.
وقدمت هيئة شؤون الأسرى والمحررين إلى محكمة الاحتلال المركزية في مدينة القدس المحتلة، أمس طلبا عاجلا بنقل الأسيرين الشقيقين محمد ومحمود البلبول إلى المستشفى، بسبب تردي حالتيهما، جراء إضرابهما المتواصل عن الطعام منذ 32 يوما.
وقال مدير الوحدة القانونية في الهيئة إياد مسك، إن الوضع الصحي للأسيرين أصبح مأساويا، حيث نزل من وزنهما 22 كلغم، ويتعرضان لفقدان التوازن، والدوخة، والتعب الشديد، وقد سقطا على الأرض أكثر من مرة، إضافة إلى التقيؤ بمادة صفراء، وآلام شديدة في المعدة، والمفاصل، والرأس.
وأوضح مسك أن الأسيرين البلبول يقبعان في زنازين عزل سجن «عوفر» العسكري ذات ظروف سيئة جدا، مليئة بالأوساخ والرطوبة، ومعاملة السجانين لهما سيئة جدا، حيث تعرضا للضرب أكثر من مرة، إضافة إلى التعمد بإرهاقهما، وأهانتهما باستمرار، من خلال التفتيشات ليل نهار لزنازينهما، وعدم تقديم الماء البارد لهما.
والشقيقان البلبول هما أبناء أحمد البلبول الذي اغتالته إسرائيل بعملية خاصة في بيت لحم.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم