أبحاث رائدة للحصول على أطفال أصحاء

عالم أميركي من أصول كازاخستانية يهز أميركا بأهدافه لإزالة التشوهات الوراثية

أبحاث رائدة للحصول على أطفال أصحاء
TT

أبحاث رائدة للحصول على أطفال أصحاء

أبحاث رائدة للحصول على أطفال أصحاء

لغالبية الناس فإن كلمة «ميتوكوندريا» «mitochondria»، أي الحبيبات الخيطية، أو «المتقدرات» لا تعني شيئا. وقد تجد الجواب في أحد صفوف علم الأحياء في مدرسة ثانوية. لكن بالنسبة إلى البروفيسور شهرت مطاليبوف فإن هذه المنتجات الغامضة للطاقة الموجودة داخل الخلية البشرية، هي هاجس يمتلك حياته.
وللعلم فإن المتقدرات تتوارث من الأم. ويقول مطاليبوف وهو يجلس على مكتبه المتواضع المرتب في جامعة أوريغون للصحة والعلوم في أميركا في حديث إلى سابرينا تافيرنايس من «نيويورك تايمز»: «رفاقي يقولون عني إنني مدمن (ميتوكوندريا)، ولا أرى شيئا غيرها، وقد يكونون على حق».

* نجاحات رائدة
هذا العالم الذي يبلغ من العمر 52 سنة، ولا تستطيع غالبية الأميركيين لفظ اسمه، الذي يشبه أحد أسماء الأشرار في أفلام جيمس بوند، تمكن من هز علم الوراثة عن طريق إتمام وإتقان نسخة من أصغر وأدق عملية جراحية في العالم، ألا وهي إزالة نواة من بويضة بشرية ووضعها في بويضة أخرى. وهو بعمله هذا أثار سخط المدافعين عن الأخلاقيات في المجالات الطبية، وموجة من التدقيق والتمحيص من قبل الهيئات التنظيمية التابعة للسلطات الاتحادية الأميركية.
والقصد من هذه العملية هو مساعدة النساء على ولادة أطفال من دون المرور بالعيوب الوراثية الموجودة في الـ«ميتوكوندريا» الخليوية التي نكرر أنها تتوارث من الأم. ومثل هذه التحويرات نادرة، لكن قد تنشأ عنها مصاعب ومشكلات كثيرة، بما فيها تلف الأعصاب، وقصور القلب، وفقدان النظر. ويولد طفل بين كل 4000 طفل في أميركا مصابا بأمراض «ميتوكوندريا» موروثة، إذ لا يوجد علاج لها، والقليل فقط من المصابين يعيشون حتى سن البلوغ.
وتملك «ميتوكوندريا» مجموعاتها الخاصة من المورثات الموروثة بدورها من الأم فقط. والأمهات اللواتي يحملن مثل هذه التحويرات والتغيرات يكن متشوقات بأن لا يمررنها إلى أطفالهن. ويكمن أسلوب مطاليبوف في إتاحة المجال لهؤلاء النسوة حمل أطفال عن طريق وضع النواة من بويضة الأم في بويضة المتبرعة التي انتزعت منها النواة، وبذلك تتخلف الـ«ميتوكوندريا» المعطوبة التي تعوم خارج النواة في حشوة (سيتوبلازم) البويضة هذه.
«لقد كان هذا اختراقا علميا كبيرا»، وفقا إلى دوغلاس والاس أستاذ علم الأوبئة والأمراض في جامعة بنسلفانيا الذي وصف مطاليبوف بـ«أنه شخص استثنائي وموهوب».

* طفل لأمّين
لكن الطفل الذي يولد نتيجة هذا الأسلوب سيكون حاملا مورثات من ثلاثة أشخاص، هم الأم والمرأة المتبرعة ببويضتها، والأب. وهذا ما يشجبه الأخلاقيون.
وقد أثارت هذه المسألة انتقادات واسعة من جميع إرجاء البلاد، عندما كان مطاليبوف في فندق في أطراف ولاية ماريلاند، حيث حاول هناك إقناع هيئة من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (إف دي إيه) بأن الأسلوب هذا الذي جرب أولا على القردة بات جاهزا لاختباره على البشر.
وكان البعض قد أبلغ المسؤولين في الإدارة هذه أن الأسلوب قد يدخل تشوهات وتمسخات وراثية جديدة في مجموعة المورثات البشرية، في حين حذر الآخرون من أنه قد يستخدم لاحقا ربما في أمور أخلاقية أكثر ضبابية، وفقا لمارسي دارنوفسكي المديرة التنفيذية لمركز «جينيتكس أند سوسياتي»، «بغية هندسة أطفال تكون لهم صفات ومميزات محددة».
وحال عودته إلى مكتبه رفض مطاليبوف هذه التحذيرات، لكون الحمض النووي الميتوكوندري مؤلفا من 37 جينا فقط تقوم بالإشراف على إنتاج الإنزيمات والجزيئات التي تحتاجها الخلية للطاقة، كما لاحظ. وهي ليست لها أي علاقة بالصفات، مثل لون العيون والشعر المشفرة رموزها في النواة. وتابع هذا العالم الذي ولد وترعرع فيما يسمى دولة كازاخستان حاليا، والذي أصبح اليوم مواطنا أميركيا، قائلا «هنالك دائما أشخاص يحاولون البلبلة وإثارة الأمور، والكثير منهم يحاولون بناء مستقبلهم عن طريق توجيه النقد لي».
والولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تزن احتمالات تطبيق هذا الأسلوب، ففي بريطانيا أصدرت الحكومة مشروع مسودة لوائح وتنظيمات التي من شأنها أن تتحكم بالتجارب والاختبارات السريرية التي يخضع لها الأفراد، فإذا مر هذا المشروع في البرلمان وأصبح قانونا، أمكن الشروع بهذه الاختبارات شرط الحيازة على ترخيص رسمي.

* أبحاث معمقة
وكان العلماء قد أجروا اختبارات تناولت مادة وراثية مجمعة من ثلاثة أشخاص لتكوين طفل، فقد قام الباحثون في ولاية نيوجيرسي قبل 15 سنة بحقن جزء من سائل خلية من بويضات متبرعة في بويضات نساء كن يشكون من مشكلات في الخصوبة. وقد أثارت هذه الاختبارات التي أعقبت استنساخ النعجة دولي بوقت قصير، موجة من الصخب، مما دفع «إف دي إيه» إلى إبلاغ الباحثين بالتوقف عن اختباراتهم، ما لم يحصلوا على ترخيص خاص مسبق.
لكن مطاليبوف ثابر على تجاربه في المركز الوطني لأبحاث فصائل القردة العليا التابع لجامعة الصحة والعلوم في ولاية أوريغون، الذي هو واحد من ثمانية مراكز تعتني بهذا الشأن في البلاد، وأمضى سنوات في استكمال وإتقان أسلوب لإنتاج بويضات قرود بـ«ميتوكوندريا» جرى التبرع بها. وأقنع مطوري البرمجيات الكومبيوترية اعتماد برنامج يتيح مشاهدة العمليات الجراحية الدقيقة بالزمن الحقيقي.
كما جرى تطوير مجهر خاص يتيح للأيادي البشرية البليدة إجراء العملية عن طريق عصا قيادة.
وجاء النجاح في عام 2008 في غرفة مختبر مظلمة ساخنة. وفي 24 أبريل (نيسان) 2009 ولد قردان هما «ميتو» و«تراكر» عن طريق «ميتوكوندريا» مستبدلة. وقام مطاليبوف في وقت لاحق، مع بعض التعديلات، بتقليد الأسلوب، ولكن على بويضات بشرية، لكن لم يسمح لهذه البويضات أن تنضج نظرا لأن القوانين الاتحادية في أميركا تمنع استغلال مثل هذه الأمور الخاصة بالمورثات.
وقد أثار بحثه الكثير من الانتقادات أيضا، «لكن لو قدر لهذه الإجراءات أن تستمر وتنفذ، لكانت قد وصلت إلى نتيجة براقة»، وفقا إلى دارنوفسكي من مركز الأبحاث الوراثية. وأضافت أن الهدف الحالي، أي استبدال الـ«ميتوكوندريا» قد يكون إجراء ضيقا، لكن أساليب مطاليبوف الوراثية قد تؤدي إلى تطبيقات أوسع، وفي نهاية المطاف إلى وضع يستطيع فيه العلماء والحكومات التنافس لتعزيز قدرات الأجيال المقبلة، مثل إنتاج جنود لا يحتاجون إلى النوم مطلقا.



طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب
TT

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب

طفرة جينية تغيّر فهمنا لعلاقة السمنة بأمراض القلب

كشفت دراسة علمية رائدة أن السمنة لا تؤدي دائماً إلى نفس مخاطر أمراض القلب، إذ توصل باحثون بريطانيون إلى أن تغيرات جينية معينة في الدماغ قد تحمي بعض الأشخاص الذين يعانون من السمنة الشديدة من ارتفاع الكوليسترول والمشكلات القلبية المرتبطة به.

نُشرت الدراسة في مجلة Nature Medicine في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2025 وأشرفت عليها البروفسورة صدف فاروقي بمعهد علوم التمثيل الغذائي جامعة كمبريدج المملكة المتحدة. وتركزت أبحاث الفريق العلمي على مستقبل دماغي يُعرف باسم «مستقبل الميلانوكورتين 4» (MC4R) melanocortin 4 receptor وهو مستقبل مرتبط ببروتين G يشارك في تنظيم توازن الطاقة والشهية والوزن والوظيفة الجنسية.

السمنة من دون ارتفاع الكوليسترول

عادة ما ترتبط السمنة بارتفاع مستويات الكوليسترول الضار (LDL) والدهون الثلاثية وانخفاض الكوليسترول النافع (HDL) وهي عوامل تزيد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكنّ الآليات البيولوجية التي تربط السمنة بهذه التغيرات في الدهون ظلت غير واضحة.

> طفرات نادرة. ولفهم العلاقة بشكل أفضل درس الفريق أكبر مجموعة في العالم من الأشخاص الذين لديهم طفرات نادرة تؤدي إلى تعطّل وظيفة جين أو مستقبل الميلانوكورتين، وهي حالة تسبب السمنة المفرطة منذ الطفولة.

وبشكل مفاجئ وجد الباحثون أن البالغين الذين يعانون من نقص مستقبل الميلانوكورتين لديهم مستويات أقل من الكوليسترول الكلي و الكوليسترول الضار والدهون الثلاثية حتى عند مقارنتهم بأكثر من 300 ألف شخص من نفس العمر وبمؤشر كتلة الجسم من قاعدة بيانات البنوك الحيوية في المملكة المتحدة يمتلكون جيناً طبيعياً.

وقالت فاروقي كانت هذه مفاجأة، فعلى الرغم من السمنة بدا أن الأشخاص الذين لديهم طفرات في مستقبل الميلانوكورتين محميون من ارتفاع الكوليسترول والدهون الذي نراه عادة مع زيادة الوزن.

> إشارات الدماغ تتحكم في تمثيل الدهون. وأظهرت تحليلات إضافية أن حاملي طفرات مستقبل الميلانوكورتين لديهم مستويات أقل من الكوليسترول والدهون الثلاثية ولم تكن هناك أي علاقة بين النقص في هذا المستقبل وزيادة خطر أمراض القلب.

وعند دراسة كيفية استجابة الجسم للدهون بعد وجبة غنية بالدهون لاحظ الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون من نقص في ذلك المستقبل أظهروا ارتفاعاً أقل في البروتينات الدهنية الغنية بالدهون الثلاثية/ وتغيرات تشير إلى زيادة كفاءة تخزين الدهون في الأنسجة الدهنية بدلا من بقائها في الدم.وتشير هذه النتائج إلى أن إشارات الدماغ عبر مستقبل الميلانوكورتين تلعب دوراً رئيسياً في تنظيم عملية التمثيل الغذائي للدهون. وقد يسهم فهم هذه الآلية في تطوير علاجات جديدة لمشكلات الكوليسترول المرتبطة بالسمنة وأمراض القلب.

خفض «الوزن العنيد»

> «مونجارو» يمنح أملاً جديداً. وفي دراسة مرافقة نُشرت أيضاً في Nature Medicine في 18 سبتمبر (أيلول) 2025 تعاون فريق فاروقي مع شركة ليلي Lilly (وهي شركة أدوية أميركية متعددة الجنسيات) المصنعة لدواء تيرزيباتايد المعروف تجارياً باسم مونجارو Mounjaro لعلاج السكري وإنقاص الوزن.

وبتحليل بيانات التجارب وجد الباحثون أن دواء مونجارو أدى إلى انخفاض في الوزن بنسبة 19 في المائة لدى الأشخاص الذين يعانون من نقص في مستقبل الميلانوكورتين وهي مجموعة كانت تواجه صعوبة في إنقاص الوزن حتى مع الحميات أو الأدوية الأخرى.

وقالت فاروقي إن هذا اكتشاف مهم، إذ واجه الأشخاص المصابون بسمنة مرتبطة بمستقبل الميلانوكورتين خيارات علاج محدودة لسنوات. وتُظهر نتائجنا أن المونجارو أو (تيرزيباتايد) يمكن أن يكون فعالاً حتى مع وجود هذه الطفرة الجينية.

> اتجاه جديد في أبحاث السمنة وصحة القلب. تسلط الدراستان الضوء على أهمية فهم الآليات الجينية والدماغية للسمنة والتي قد تغير طريقة تعامل الأطباء مع إدارة الوزن وصحة القلب. وبينما تبقى معظم حالات السمنة مرتبطة بمضاعفات أيضية تشير النتائج إلى أن ليست كل أنواع السمنة تحمل المخاطر نفسها وأن دور الدماغ في تنظيم تخزين الدهون والتمثيل الغذائي أعقد مما كان يُعتقد سابقاً.

ويأمل الباحثون أن يساعد فهم كيفية حماية إشارات مستقبل الميلانوكورتين من ارتفاع الكوليسترول في تحديد أهداف علاجية جديدة لاضطرابات الدهون في الدم مما قد يقلل من خطر أمراض القلب لدى الملايين حول العالم.


ابتكار علمي يُخفض استهلاك الطاقة في معالجة البيانات

المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)
المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)
TT

ابتكار علمي يُخفض استهلاك الطاقة في معالجة البيانات

المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)
المادة الجديدة فائقة الرقة تدمج قوى مغناطيسية متعاكسة لتقليل استهلاك شرائح الذاكرة عشرة أضعاف (جامعة تشالمرز للتكنولوجيا)

مع الارتفاع الهائل في حجم البيانات الرقمية والتوسع المتسارع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يزداد الضغط على أنظمة تخزين ومعالجة المعلومات بشكل غير مسبوق. وتشير تقديرات علمية إلى أن تشغيل مراكز البيانات وشبكات الحوسبة المتقدمة قد يصل، خلال العقود القليلة المقبلة، إلى نحو 30 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي.

هذا الواقع يطرح تساؤلاً محورياً: هل يمكن أن يشكّل استهلاك الطاقة عقبة حقيقية أمام مستقبل الذكاء الاصطناعي ومعالجة البيانات المتطورة؟

يرتبط الجواب بالقدرة على تطوير تقنيات أكثر كفاءة في التعامل مع المعلومات؛ إذ تُعد شرائح الذاكرة القلب النابض لكل الأجهزة الذكية، بدءاً من الهواتف المحمولة والحواسيب وصولاً إلى السيارات ذاتية القيادة والمعدات الطبية. غير أن هذه الشرائح تعتمد على مواد تقليدية تستهلك طاقة كبيرة عند تبديل اتجاهات الإلكترونات لتخزين البيانات، وهو ما يفتح المجال أمام أبحاث مكثفة لإيجاد بدائل تحقق الكفاءة ذاتها بسرعة أعلى وبطاقة أقل.

اختراق علمي

في السياق، برز اختراق علمي من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد، حيث طوّر الباحثون مادة ثنائية الأبعاد فائقة الرقة تجمع بين قوتين مغناطيسيتين متعاكستين داخل بلورة واحدة. وبحسب الفريق البحثي، فإن المادة الجديدة، وهي سبيكة مكوّنة من عناصر مغناطيسية وغير مغناطيسية (الكوبالت والحديد والجرمانيوم والتيلوريوم)، قادرة على دمج حالتي المغناطيسية الحديدية والمغناطيسية المضادة في بنية بلورية ثنائية الأبعاد واحدة.وأوضح الباحثون أن هذه الميزة النادرة تولّد ما أطلقوا عليه «المغناطيسية المائلة»، حيث تنشأ قوة تبادل داخلية تسمح للإلكترونات بتغيير اتجاهها بسهولة وسرعة من دون الحاجة إلى مجالات مغناطيسية خارجية. وكانت النتيجة انخفاضاً في استهلاك الطاقة داخل شرائح الذاكرة بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف مقارنة بالمواد التقليدية، ونُشرت النتائج بعدد 29 سبتمبر (أيلول) 2025 من دورية (Advanced Materials).

يقول الدكتور بينغ تشاو، الباحث الرئيسي بالدراسة من قسم تكنولوجيا النانو والعلوم الدقيقة في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا، إن المغناطيس يلعب دوراً جوهرياً في الشرائح الإلكترونية، وخاصة في الذاكرة، إذ يعتمد عملها على حركة الإلكترونات واتجاهها؛ فعندما تصطف الإلكترونات في اتجاه واحد (كما في حالة المغناطيسية الحديدية)، يمكن استخدام ذلك لتخزين المعلومات في الحواسيب.

وأوضح: «من خلال التحكم في هذه الاتجاهات باستخدام مجالات مغناطيسية أو تيارات كهربائية، تستطيع الشرائح تخزين البيانات واسترجاعها بسرعة وكفاءة، مما يجعل المغناطيس الأساس الذي يسمح بتحويل الظواهر الفيزيائية إلى بيانات رقمية قابلة للاستخدام».

وأشار تشاو إلى أن ما توصّل إليه الفريق البحثي يمثل مساراً جديداً كلياً في تصميم شرائح الذاكرة، من خلال دمج قوتين مغناطيسيتين متعاكستين (المغناطيسية الحديدية والمغناطيسية المضادة) داخل بلورة ذرية رقيقة ثنائية الأبعاد.

الشرائح والذكاء الاصطناعي

وعلى خلاف الأنظمة التقليدية متعددة الطبقات، التي تتطلب تصنيعاً معقداً وتعاني غالباً من مشكلات في نقاط التقاء الطبقات، فإن المادة الجديدة تبسّط عملية الإنتاج وتوفر موثوقية أعلى بكثير. والأهم أنها تتيح تقليل استهلاك الطاقة في أجهزة الذاكرة بمعدل يصل إلى عشرة أضعاف، وهو ما قد يغيّر مستقبل تكنولوجيا الذاكرة بجعل الشرائح أسرع وأكثر كفاءة واستدامة، مع انعكاسات مباشرة على الحواسيب، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والهواتف الذكية.

ونوه تشاو بأن بساطة عملية التصنيع تُعد ميزة إضافية بارزة، إذ إن تجنّب التكديس متعدد الطبقات ومشكلاته يسمح بتسريع تبني التقنية صناعياً وخفض تكاليف الإنتاج. كما أن الخصائص المغناطيسية الفريدة للمادة قد تفتح الباب أمام تطبيقات جديدة تتجاوز حدود الذاكرة التقليدية، مثل تطوير أجهزة كمومية، وحساسات متقدمة، وهياكل حوسبة مبتكرة.

ويرى الباحث بقسم تكنولوجيا النانو والعلوم الدقيقة في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا، أن كفاءة استخدام الطاقة عامل أساسي لاستمرار النمو السريع للذكاء الاصطناعي، في ظل النمو المتسارع للبيانات الرقمية، ومن دون ابتكارات في تكنولوجيا الذاكرة الموفرة للطاقة، سيواجه التوسع السريع في الذكاء الاصطناعي والأنظمة المستقلة والتقنيات المعتمدة على البيانات تحديات استدامة كبيرة، وبالتالي، فإن خفض استهلاك الطاقة في أجهزة الذاكرة يعد شرطاً ضرورياً لضمان استمرارية تطور هذه المجالات.

ويضيف تشاو أن نهج خفض استهلاك الطاقة في الذاكرة يمثل استجابة مباشرة لأحد أكبر التحديات في تطوير الذكاء الاصطناعي، وهو الطلب الهائل على الطاقة، وإذا ما جرى تطبيق هذه المواد على نطاق واسع، فإنها ستؤدي لتقليص كبير في احتياجات الطاقة للبنية التحتية الحاسوبية المستقبلية، وهذا لن يجعل نمو الذكاء الاصطناعي أكثر استدامة فحسب؛ بل سيسمح أيضاً بانتشاره على نطاق أوسع وبقدرات أقوى، من دون أن يشكّل استهلاك الطاقة ضغطاً على النظم العالمية.


«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد
TT

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

«نيو»... روبوت بشري منزلي متطور جديد

بحركة واحدة، رفع دار سليبر الروبوت البشري عن الأرض، وقد أسنده من ظهره بذراع، ومن ساقيه بالذراع الأخرى، ثم حمله بلطف عبر الغرفة ووضعه على أريكة، حيث استلقي كما لو أنه يحصل على قيلولة سريعة.

روبوت «نيو» المنزلي

كان المشهد برمته سريالياً بعض الشيء، لكنه حمل رسالة جادة. كنت في زيارة للمقر الرئيس لشركة «وان إكس تكنولوجيز»، في بالو ألتو. وكان سليبر، نائب رئيس الشركة لشؤون النمو، يستعرض أمامي كيف أن روبوتهم المنزلي «نيو» (Neo) خفيف الوزن، إذ لا يتجاوز وزنه 66 رطلاً (نحو 30 كيلوغراماً). وهذه ميزة تصميمية بالغة الأهمية، لأن روبوتاً منزلياً ثقيلاً قد يشكل خطراً إذا سقط بالقرب من إنسان، أو حيوان أليف، حتى مزهرية باهظة الثمن.

ومن المقرر أن يخوض «نيو»، قريباً، التحدي الحقيقي لأي روبوت منزلي: الاستخدام في البيوت الفعلية. وأعلنت الشركة أنها بدأت في تلقي الطلبات المسبقة، وتخطط لشحن الوحدات إلى أوائل زبائنها، العام المقبل. يبلغ سعر الروبوت 20000 دولار، أو 499 دولاراً شهرياً كخدمة اشتراك، بحد أدنى 6 أشهر. ومثل الهواتف الذكية، سيُطرح الروبوت بعدة ألوان: البيج، والرمادي، والبني الداكن.

مهلاً، 20,000 دولار؟ لا يوجد كثير من المنتجات الاستهلاكية في هذا النطاق السعري. ربما السيارات، بالطبع (فمتوسط سعر السيارة الجديدة تجاوز حديثاً 50,000 دولار). وربما القوارب؟ حتى إن استطعت أن تضيف مثالاً أو اثنين آخرين، تظل القائمة قصيرة.

تنفيذ كل المهمات البيتية

ومع ذلك، نجد أنه من جهة أخرى، تتجاوز أهداف مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي بيرند بورنيش، المتعلقة بالروبوتات التي تنتجها شركته، ما حققته معظم الاختراعات في التاريخ من فائدة؛ إذ يسعى إلى تعليم «نيو» تنفيذ كل مهمة منزلية يضطلع بها الإنسان، لأنه مضطر، وليس لأنه يريد ذلك. حتى إن كان الوقت الموفر لا يزيد عن دقائق متفرقة (5 دقائق لتفريغ غسالة الصحون، أو 15 دقيقة لطيّ الغسيل)، فإن هذا لدى تجميعه في النهاية يتحول إلى ساعات كثيرة متاحة لأشياء أكثر جدوى ومتعة.

الآن، اضرب ذلك في مئات الآلاف من روبوتات «نيو»، الرقم الذي يتحدث عنه بورنيش عند عرض خطط «وان إكس تكنولوجيز» طويلة الأمد لسعة التصنيع. وخلال مقابلة عبر تطبيق «زوم»، قال لي بعد زيارتي للشركة: «من المحتمل أن يكون هذا أعظم شيء على الإطلاق، من حيث زيادة الإنتاجية على مستوى المجتمع». ولا يعد بورنيش الوحيد من رواد الأعمال الذين ينسجون رؤى لعالم يتعايش فيه البشر مع جيوش من الروبوتات المصممة على شاكلتهم. جدير بالذكر هنا أن شركات مثل «أجيليتي روبوتكس» و«أبترونيك» و«فيغر إيه آي»، تعكف جميعها على تطوير روبوتات بشرية خاصة بها. وكذلك تفعل شركة «تسلا»، التي كان يعمل لديها سليبر من قبل، والتي يبدو أن الروبوت الخاص بها، «أوبتيمس»، قد جذب اهتماماً كبيراً من جانب إيلون ماسك، بعيداً عن السيارات الكهربائية «المملة».

اللافت أن معظم تركيز هذه الفئة الناشئة من الروبوتات يدور حول البيئات الصناعية، مثل المصانع والمخازن، حيث يمكن للروبوتات أن تتولى أعمالاً خطيرة أو متكررة، دون الحاجة إلى دفع أجر. أما شركة «وان إكس تكنولوجيز»، فهي تركز حالياً على الاستخدام المنزلي، إلا أنها ذكرت أنها «تخطط لتقديم روبوتات بشرية بيئية لمواقع العمل في وقت لاحق».

وبحسب تقرير صادر عن مؤسسة «مورغان ستانلي» في مايو (أيار)، فإنه بحلول عام 2050 قد يكون هناك أكثر من مليار روبوت بشري قيد الخدمة بالفعل، غالبيتهم العظمى في البيئات التجارية والصناعية. ويتوقع التقرير كذلك أن يكون من بينهم 80 مليوناً فقط في المنازل. ومع ذلك، فإن هذا الرقم يعني 80 مليون روبوت منزلي بشري تقريباً أكثر مما هو موجود اليوم.

روبوت مرن

ورغم روعة خطة «وان إكس تكنولوجيز» لتحويل الطريقة التي نقضي بها أوقاتنا، تعترف الشركة صراحة بأن «نيو» ليست على استعداد بعد لتحمل كل المهام الشاقة التي قد ترغب في تفويضها لروبوت منزلي. على سبيل المثال، فإن بعض المهام التي يستطيع أداءها تجري من خلال تحكم موظفي الشركة به عن بُعد فقط، الذين ينسقون حركته وكأنه دمية متحركة.

قد تكون هذه المساعدة البشرية مجرد حلّ مؤقت، علاوة على أنها في الوقت نفسه تزوّد الشركة ببيانات تدريب للذكاء الاصطناعي يمكن استخدامها لاحقاً لجعل «نيو» أكثر استقلالية. من ناحيتي، دفعتني تجربتي مع «نيو» داخل مقر «وان إكس تكنولوجيز» نحو خفض سقف توقعاتي بشأن قدراته الحالية بقدر ما زادت إعجابي بها

. في أثناء اللقاء، كان الروبوت يتجول بعزيمة، بمشية لا تشبه كثيراً مشية الإنسان، لكنها كانت أكثر مرونة مما كنت أتوقع. كما استعرض الروبوت قوته بحمل كيس أرز ضخم، وقدّم لي زجاجة ماء باردة، رغم أن هذه المهمة جمعت بين الاستقلالية (المشي إلى الثلاجة) والتحكم عن بُعد (فتح الثلاجة وإخراج الزجاجة)، لكنها استغرقت وقتاً أطول مما لو قمت بها بنفسي.

لكي ينجح «نيو»، لن تحتاج شركة «وان إكس تكنولوجيز» إلى مجرد إكمال بناء مهارات الروبوت فحسب، بل سيتعين عليها كذلك أن ترتقي إلى مستوى التوقعات التي لطالما ارتبطت بأفلامٍ بارزة، مثل «ذا جيتسونز» و«ستار وورز».

ويكمن جزء كبير من ابتكار «نيو» تحت بذلته المحبوكة ذات الياقة المدورة. وابتكرت «وان إكس تكنولوجيز» محركاتها الخاصة، التي تقول إنها تتمتع بعزم دوران أكبر 5 مرات من أي محرك آخر في العالم، وتساعد الروبوت على رفع ما يصل إلى 154 رطلاً، وحمل ما يصل إلى 50 رطلاً.

وجرى تزويد الروبوت بنظام نقل حركة وتريّ، يهدف إلى تقليل الوزن مع زيادة السلامة وتوفير سعر في المتناول. كما صُمّمت الأيدي بحيث تتمتع بحرية حركة 22 درجة، أي أقل 5 درجات فقط من الأيدي البشرية، ورُبطت بأذرع أطول من أذرع الإنسان، لأن الروبوتات لا تحتوي على شفرات كتف.

كما صممت الشركة بطارياتها الخاصة. يذكر أن «نيو» يعمل رسمياً لمدة 4 ساعات بالشحنة الواحدة، مع إمكانية شحن بطاريته عند الحاجة. وهنا، أطلق سليبر وعداً: «لن تضطر أبداً للتفكير في الأمر».

يبلغ طول «نيو» «170 سنتيمتراً»، أي أطول بـ«6.5 سنتيمتر» من متوسط طول المرأة الأميركية، وأقصر بـ« 7.5 سنتيمتر» من متوسط طول الرجل.

واللافت أن بنيته الجسدية ليست أنثوية ولا ذكورية عن عمد. وبغضّ النظر عن مدى كفاءة أجهزة «نيو»، ستحدد منصة الذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة «وان إكس تكنولوجيز» «ما يمكنه فعله فعلياً داخل المنزل». وتتضمن عناصره الرؤية الآلية، والتعرف على الصوت، وبرنامج إدارة التعلم المدمج، مع ذاكرة توفر سياقاً مستمراً. وسيسمح دمجها جميعاً للروبوت بالاستماع إلى التعليمات، والتنقل في محيطه والأشياء الموجودة فيه، وأداء مهام مفيدة.

كما سيعزز برنامج «النموذج اللغوي الكبير» شخصية «نيو». وسيظهر ذلك عندما يتحدث الناس إليه، الأمر الذي تعتقد «وان إكس تكنولوجيز» أنه قد يفعّله كثيراً. من جهته، قال سليبر إنه بدلاً من تقليد الرفقة البشرية، تهدف الشركة إلى جعل الروبوت رفيقاً محبوباً يشبه الحيوانات الأليفة.

• مجلة «فاست كومباني»،

خدمات «تريبيون ميديا».