تباين في أداء القطاع الخاص في الشرق الأوسط

تحسن كبير في الخليج.. وانكماش في مصر ولبنان

اتساقًا مع «رؤية 2030» السعودية تشهد زيادات في الإنتاج والأعمال الجديدة وعودة الصادرات  إلى النمو وأسرع معدل خلق للوظائف منذ أكتوبر الماضي رغم انخفاض أسعار النفط ({الشرق الأوسط})
اتساقًا مع «رؤية 2030» السعودية تشهد زيادات في الإنتاج والأعمال الجديدة وعودة الصادرات إلى النمو وأسرع معدل خلق للوظائف منذ أكتوبر الماضي رغم انخفاض أسعار النفط ({الشرق الأوسط})
TT

تباين في أداء القطاع الخاص في الشرق الأوسط

اتساقًا مع «رؤية 2030» السعودية تشهد زيادات في الإنتاج والأعمال الجديدة وعودة الصادرات  إلى النمو وأسرع معدل خلق للوظائف منذ أكتوبر الماضي رغم انخفاض أسعار النفط ({الشرق الأوسط})
اتساقًا مع «رؤية 2030» السعودية تشهد زيادات في الإنتاج والأعمال الجديدة وعودة الصادرات إلى النمو وأسرع معدل خلق للوظائف منذ أكتوبر الماضي رغم انخفاض أسعار النفط ({الشرق الأوسط})

تباين أداء القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط، حيث تسارع نموه إلى أعلى مستوياته في دولة الإمارات، وزادت وتيرة التحسن في المملكة العربية السعودية، بينما تواصل الانكماش في مصر، واستمر التدهور في لبنان ولكن بوتيرة أقل.
وازدادت سرعة توسع القطاع الخاص غير المنتج للنفط في السعودية في شهر يوليو (تموز)، حسبما أشار التحسن القوي في الظروف التجارية منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كما شهد الإنتاج على وجه التحديد نموًا حادًا، في حين ازدادت الطلبات الجديدة بوتيرة أسرع، وشهدت قاعدة عريضة من الأسواق المحلية والدولية تحسنًا في الطلب، حيث ارتفعت الصادرات للمرة الأولى في أربعة أشهر. وكان خلق فرص العمل وارتفاع مخزون مستلزمات الإنتاج من بين العوامل الأخرى التي دعمت النمو الكلي، في الوقت ذاته أدى غياب ضغوط التكلفة القوية إلى استقرار عام في أسعار المنتجات التي ارتفعت بشكل هامشي في الشهر السابق، وهذا وفقا للدراسة التي يرعاها بنك الإمارات دبي الوطني، والمُعدَّة من جانب شركة أبحاث «IHS Markit»، الصادرة أمس الأربعاء، والمعتمدة على بيانات أصلية جمُعت من دراسة شهرية للظروف التجارية في القطاع الخاص السعودي.
وفي تعليقه على مؤشر مديري المشتريات، قال جان بول بيجات، كبير الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي الوطني: «تعتبر نتائج مؤشر شهر يوليو مشجعة والتي أشارت إلى مواصلة الاقتصاد غير النفطي في المملكة العربية السعودية التوسّع بوتيرة صحية، وعلى الرغم من أن زخم النمو جاء بوتيرة أبطا من العام الماضي، فإنه بقي محافظًا على مستوياته بشكل أفضل مما توقعه كثيرون في بيئة تعاني من انخفاض أسعار النفط».
وكانت النتائج الأساسية للمؤشر هي ملاحظة زيادات أسرع في الإنتاج والأعمال الجديدة، وعودة الصادرات إلى النمو بعد تراجع لمدة ثلاثة أشهر، وأسرع معدل خلق للوظائف منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وارتفعت قيمة مؤشر مديري المشتريات من 54.4 نقطة في شهر يونيو (حزيران) إلى 56.0 نقطة في يوليو .
ومؤشر مديري المشتريات مؤشر مركب تم إعداده ليقدم نظرة عامة دقيقة على ظروف التشغيل في اقتصاد القطاع الخاص غير المنتج للنفط، وسجل في المملكة أعلى قراءة في ثمانية أشهر خلال شهر يوليو، ما يعني تسارع ملحوظ في النمو، ومع ذلك، فقد ظل معدل تحسن الظروف التجارية أقل من المتوسط العام لسلسلة «قيمة المؤشر» على المدى الطويل.
وذكر التقرير أن هناك زيادة حادة في الإنتاج في بداية الربع الثالث تقف وراء نمو القطاع الخاص غير المنتج للنفط، وكان معدل التوسع هو الأسرع منذ شهر سبتمبر (أيلول) 2015. وأرجع أعضاء اللجنة زيادة النشاط إلى الأعمال الجديدة الواردة الناتجة عن مبادرات التسويق.
وكانت تقارير تشير إلى تحسن الطلب مدعومة ببيانات الدراسة التي أظهرت ارتفاع الأعمال الجديدة إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر خلال شهر يوليو، وأشارت الشركات إلى أن الجهود الترويجية وارتفاع جودة السلع والخدمات قد أسهما في زيادة الطلب، علاوة على ذلك، فقد كان نمو إجمالي الأعمال الجديدة مدعومًا بزيادة في الصادرات للمرة الأولى في أربعة أشهر
وقد شجعت قوة نمو الإنتاج والأعمال الجديدة الشركات على الاستعانة بموظفين إضافيين في شهر يوليو، وكان معدل خلق الوظائف هو الأسرع منذ شهر أكتوبر الماضي، رغم أنه كان متواضعًا في مجمله.
وارتفع النشاط الشرائي أيضًا بشكل أسرع، ووفقًا للشركات المشاركة في الدراسة، فقد ارتفعت فقط مشتريات مستلزمات الإنتاج لتستوعب المشروعات الجديدة، ونتيجة لذلك فقد ازداد مخزون مستلزمات الإنتاج، وتسارع معدل تراكم المخزون إلى أعلى مستوياته في عشرة أشهر.
في الوقت نفسه، تراجع حجم الأعمال غير المنجزة للشهر الثاني على التوالي، وأشار أعضاء اللجنة إلى أن كفاءة الإنتاج قد مكّنتهم من إتمام الطلبات في الموعد المحدد.
أما على صعيد الأسعار، فلم يتغير معدل تضخم تكاليف مستلزمات الإنتاج، وقد انعكس غياب ضغوط التكلفة على أسعار المنتجات والخدمات، حيث لم تتغير بشكل عام، وقدمت بعض الشركات خصومات لمواجهة زيادة المنافسة.
وفي دولة الإمارات أظهر مؤشر مديري المشتريات الرئيسي ارتفاع نمو الإنتاج إلى أسرع معدلاته في قرابة عام، حيث تسارع نمو القطاع الخاص غير المنتج للنفط في الإمارات إلى أعلى مستوياته في عشرة أشهر خلال شهر يوليو، وقد ساعدت التوسعات الحادة في الإنتاج والطلبات الجديدة القطاع على اكتساب مزيد من الزخم، إلى جانب زيادات أسرع في النشاط الشرائي والتوظيف.
وجدير بالذكر أن معدل خلق الوظائف كان الأسرع في أكثر من عام، في الوقت نفسه، استمرت زيادة تكاليف المشتريات بقوة، ومع ذلك، فقد ظل معدل التضخم متواضعًا بشكل نسبي، ولم يكن كافيًا لوقف استمرار تراجع أسعار المنتجات والخدمات، وغلبت الضغوط التنافسية على ارتفاع التكاليف عند تحديد الشركات لأسعار البيع.
وفي تعليقه على مؤشر مديري المشتريات للإمارات قال جان بول بيجات: «تشير نتائج الدراسة لشهر يوليو إلى أن اقتصاد القطاع الخاص غير النفطي في دولة الإمارات استهل النصف الثاني من عام 2016 بأداء قوي، وعلى الرغم من ضعف حجم الصادرات نسبيًا، إنه لأمر مشجّع أن نرى زخما في الاقتصاد مدعومًا بطلب محلي أقوى».
وكانت النتائج الأساسية لنسخة الإمارات من المؤشر أن الدولة الخليجية شهدت زيادة حادة في النشاط، أسهمت في تسجيل أعلى قراءة للمؤشر في عشرة أشهر، كما تسارع نمو إجمالي الأعمال الجديدة رغم انخفاض الصادرات، وشهدت الإمارات أعلى معدل توظيف منذ شهر مايو (أيار) 2015.
وسجل مؤشر مديري المشتريات الرئيسي 55.3 نقطة، وبهذا يأتي متسقًا مع التحسن القوي في الظروف التجارية في شهر يوليو، كما أشار المؤشر إلى تعافي النمو بعد أن هبط إلى 53.4 نقطة في شهر يونيو. علاوة على ذلك، فقد كانت القراءة الأخيرة هي الأعلى في عشرة أشهر، وكانت أعلى من المتوسط العام للسلسلة «54.5» نقطة.
وكانت زيادة الإنتاج أحد العوامل الرئيسية التي أسهمت في نمو القطاع الخاص غير المنتج للنفط، كما كان معدل التوسع هو الأقوى فيما يقرب من عام، وجاء مدعومًا بدوره بزيادة حادة في الأعمال الجديدة، وقد عززت استراتيجيات التسويق الناجحة من معدلات الطلب، وذلك وفقًا لما ذكره أعضاء اللجنة.
وأشارت البيانات إلى أن نمو إجمالي الأعمال الجديدة قد ارتكز بشكل كبير على السوق المحلية، كما هبطت طلبات التصدير الجديدة للمرة الأولى في ثلاثة أشهر، وبوتيرة قياسية في تاريخ الدراسة، وأفادت بعض التقارير بهشاشة الظروف الاقتصادية في الأسواق العالمية.
وقد عكس النشاط الشرائي زيادة المتطلبات التجارية في شهر يوليو، وكانت الزيادة الأخيرة هي الأسرع في أربعة أشهر، حيث أشارت الشركات إلى البدء في مشروعات جديدة، كما ارتفع أيضًا معدل تراكم المخزون، وأشارت بعض الشركات المشاركة في الدراسة إلى تراكم المخزون استجابة للمبيعات المستقبلية.
وجاء خلق الوظائف كعامل مصاحب لنمو الطلبات الجديدة في شهر يوليو، وتسارع معدل التوظيف إلى أعلى مستوياته في 14 شهرًا، وذلك على عكس التوجه الذي شهده الربع الثاني من العام، حيث كان التوظيف راكدا أو لم يشهد سوى ارتفاع ضئيل جدا، ورغم ذلك، لم تنجح زيادة القوة العاملة في تخفيف الضغط على القدرة التشغيلية، حيث ارتفع حجم الأعمال غير المنجزة للشهر السابع على التوالي، ولو بشكل متواضع.
أما على صعيد الأسعار، فلم يتغير معدل تضخم التكاليف الإجمالية كثيرًا منذ شهر يونيو في بداية الربع الثالث من العام، وكانت الزيادة قوية في مجملها، وجاءت مدفوعة بالأساس بارتفاع أسعار المشتريات، ومع ذلك، فقد كانت أضعف قليلاً من متوسط السلسلة، واستمر هبوط أسعار المنتجات على الرغم من ذلك، ولجأ البعض إلى تقديم خصومات استجابة لزيادة المنافسة، بينما فعل آخرون الأمر نفسه في محاولة لجذب عملاء جدد.

10 أشهر من الانكماش في مصر

استمر انكماش نشاط شركات القطاع الخاص غير المنتجة للبترول في مصر خلال شهر يوليو، وذلك للشهر العاشر على التوالي، وإن كانت وتيرة الانكماش قد تباطأت.
وبحسب بيان البنك على موقعه الإلكتروني، ارتفع المؤشر إلى 48.9 نقطة في يوليو من 47.5 نقطة في يونيو، ليظل دون مستوى 50 نقطة الذي يفصل بين النمو والانكماش، ويسجل المؤشر معدلات أقل من 50 نقطة منذ أكتوبر الماضي.
وتكافح مصر لإنعاش اقتصادها منذ ثورة يناير 2011 وما أعقبها من اضطرابات سياسية أدت إلى عزوف المستثمرين والسياح وهو ما حرم البلاد من مصدرين رئيسيين للعملة الصعبة التي تحتاجها لاستيراد المواد الخام.
وقال كبير الخبراء الاقتصاديين لدى بنك الإمارات دبي الوطني: «رغم أن مؤشر مديري المشتريات لا يزال يشير إلى ضعف في القطاع الخاص في مصر، فإن تقرير يوليو يشعر ببعض الارتياح مع بدء تباطؤ وتيرة الانكماش».
وأضاف أن «معالجة نقص السيولة الأجنبية مطلب أساسي لإحداث مزيد من الاستقرار في نتائج مؤشر مديري المشتريات للنصف الثاني من العام الحالي».
وأظهر المسح أن الظروف التجارية للقطاع الخاص تدهورت لأدنى مستوى لها منذ بدء الانكماش في شهر أكتوبر 2015.
وقال بنك الإمارات دبي في تقريره عن نتائج المسح إن التباطؤ في معدل تراجع الإنتاج والطلبات الجديدة في يوليو يشير إلى أن الاضطرابات الاقتصادية قد تراجعت، وذلك على الرغم من استمرار المشكلات في جوانب أخرى.
وأظهر المسح أن إنتاج القطاع الخاص غير النفطي في مصر واصل تراجعه في يوليو للشهر العاشر على التوالي ولكن بوتيرة أبطأ ليسجل مؤشره 48.8 نقطة ارتفاعا من 46 نقطة في يونيو.
وأشار التقرير إلى أنه «صدرت بعض التقارير التي تشير إلى تحسن في الطلب الأساسي لكن ذلك طغى عليه الحديث عن النقص في السيولة وارتفاع التكاليف وضعف إقبال العملاء». وأضاف أن الصادرات هبطت بشدة في يوليو بمعدل هو الأسرع في 3 أشهر، وقالت شركات مشاركة في المسح إن الصادرات عانت من عدم الاستقرار سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.
وتعاني مصر من أزمة في العملة عزاها خبراء اقتصاديون إلى أن الجنيه المصري مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية، وخفض البنك المركزي قيمة الجنيه إلى 8.78 جنيه للدولار من 7.73 جنيه في مارس (آذار) وأعلن أنه سيتبنى سياسة أكثر مرونة لسعر الصرف.
وأظهر المسح أن قوة الدولار أمام الجنيه كانت عاملا أساسيا في ارتفاع تكاليف شراء مستلزمات الإنتاج، وهو مما أدى إلى استمرار ارتفاع أسعار منتجات شركات القطاع الخاص في يوليو.
كما تسارع معدل فقدان الوظائف في يوليو للشهر الرابع عشر على التوالي، وتعهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بخفض معدل البطالة إلى 10 في المائة على مدى السنوات الخمس القادمة.
وأظهرت بيانات رسمية أن معدل البطالة بلغ 12.7 في المائة في الربع الأول من 2016 لكن محللين يعتقدون أنه أعلى من ذلك بكثير.
وتباطأ النمو إلى 4.5 في المائة في النصف الأول من العام المالي الماضي مقابل 5.5 في المائة قبل عام والذي يقول خبراء إنه معدل بطيء جدا بالنسبة لسكان البلاد الذين زادوا مليونا في الستة أشهر الأخيرة إلى نحو 91 مليون نسمة.
من ناحية أخرى أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في القاهرة يوم أمس انخفاض عجز الميزان التجاري بنحو «الرُبع»، ووفقا للبيان الرسمي للنشرة الشهرية لبيانات التجـارة الخـارجية فقد بلغت قيمة العجز في الميــزان التجاري 25.2 ملـيار جنيه «2.8 مليار دولار»، خلال شهر مايو الماضي مقابل 33.4 مليار جنيه «3.8 مليار دولار» للشـهر نفسه من العام السابق بنسبة انخفاض قدرها 24.6 في المائة.
وهذا نتيجة انخفاض قيمة الواردات خاصة المنتجات البترولية، والمواد الأولية من حديد أو صلب، وسيارات الركوب.

التدهور مستمر في لبنان

ارتفع مؤشر الأعمال في لبنان لكنه ما زال يشير إلى تدهور حاد في الظروف التجارية، ووفقا لنتائج التقرير الذي تم جمع بياناته من 12 إلى 25 يوليو، فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات الرئيسي بعد أن حقق مستوى قياسيا أدنى في الربع الثاني، وظهرت تراجعات قوية، وإن كانت أبطأ، في الإنتاج والطلبيات الجديدة، وارتفعت أسعار المشتريات ما سبب زيادة طفيفة في ضغوط التكلفة.
في تعليقها على نتائج المؤشر، قالت ميرنا شامي، الخبيرة الاقتصادية لدى «BLOMINVESTBank»: «على الرغم من استمرار المخاوف المتعلقة بالجمود السياسي المسيطر على البلاد، شهد شهر يوليو تباطؤًا في الانكماش الذي يعاني منه اقتصاد القطاع الخاص اللبناني، ولعلّ التعافي النسبي للقطاعين السياحي والعقاري قد أسهم في تراجع وتيرة التدهور في مستويات الإنتاج والطلبيات الجديدة، من الممكن أن يستمر هذا النهج الإيجابي في حال انعدام الصدمات السلبية أو في حال التوصل إلى انفراج سياسي لملء الفراغ الرئاسي».
وسجل المؤشر الرئيسي في لبنان 45.5 نقطة، مظهرًا بذلك تدهورًا في الظروف التجارية العامة على مستوى اقتصاد القطاع الخاص خلال شهر يوليو، وعلى الرغم من أن المؤشر كان أعلى من متوسطه في الربع الثاني من العام «44.4 نقطة»، والذي كان الأدنى في تاريخ الدراسة، فقد ظل أدنى بكثير من مستوى توجه السلسلة التاريخي «47.6 نقطة».
وتراجع النشاط التجاري بحدة في لبنان خلال شهر يوليو، حيث برّر أعضاء اللجنة ذلك بانعدام استقرار البيئة التشغيلية في ظل استمرار المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ومع ذلك، فقد تراجع معدل التدهور إلى أدنى مستوياته في خمسة أشهر.
وكان هناك توجه مماثل في الأعمال التجارية، وكان الانخفاض الأخير - للشهر الثامن والثلاثين على التوالي هو الأقل منذ شهر فبراير (شباط) لكنه ظل حادًا في مجمله، وظل معدل التراجع في إجمالي الطلبيات الجديدة أكثر حدة بكثير من معدل الأعمال الجديدة الواردة من الخارج، رغم أن الأخير تسارع بشكل طفيف منذ شهر يونيو.
واستمرت شركات القطاع الخاص في تقليص عدد الموظفين خلال شهر يوليو، لتمتد بذلك سلسلة تراجع معدلات التوظيف الحالية إلى خمسة أشهر، وجاء الانخفاض المتواضع في أعداد الموظفين ليعكس نقص النشاط في مكان العمل، وهو الأمر الذي أشار إليه أيضًا الانخفاض الحاد في حجم الأعمال الحالية «سواءً الجاري العمل عليها أو التي لم يبدأ العمل فيها بعد (لدى الشركات اللبنانية)».
وشهد الشهر انخفاضا في النشاط الشرائي للشركات للشهر السادس على التوالي، ومع ذلك، فقد ارتفعت مستويات المخزون بشكل طفيف، تماشيا مع الاتجاه المسجل منذ شهر أكتوبر العام الماضي، ولم يتغير متوسط مواعيد تسليم الموردين للمشتريات، لتنتهي بذلك سلسلة تحسن في أداء الموردين امتدت لثلاثة أشهر.
كما انخفض متوسط أسعار السلع والخدمات بوتيرة متواضعة كانت أسرع قليلاً من شهر يونيو، وجاء ذلك على الرغم من زيادة أعباء التكلفة للمرة الأولى في ستة أشهر في ظل مواجهة الشركات لزيادة في أسعار المشتريات، في الوقت نفسه، تراجع متوسط تكاليف التوظيف بشكل طفيف.



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.