النجيفي لـ «الشرق الأوسط»: طهران تعمل على تأجيج الصراع العربي ـ الكردي

محافظ نينوى السابق يكشف عن الخطة الإيرانية للسيطرة على الموصل وأربيل ودهوك

محافظ نينوى السابق وقائد «الحشد الوطني» أثيل النجيفي («الشرق الأوسط»)
محافظ نينوى السابق وقائد «الحشد الوطني» أثيل النجيفي («الشرق الأوسط»)
TT

النجيفي لـ «الشرق الأوسط»: طهران تعمل على تأجيج الصراع العربي ـ الكردي

محافظ نينوى السابق وقائد «الحشد الوطني» أثيل النجيفي («الشرق الأوسط»)
محافظ نينوى السابق وقائد «الحشد الوطني» أثيل النجيفي («الشرق الأوسط»)

كشف قائد «الحشد الوطني» ومحافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، أن إصرار النظام الإيراني على الزج بميليشيات «الحشد الشعبي» في معركة تحرير الموصل تُبين الخطة الإيرانية للسيطرة على الموصل وأربيل ودهوك، وبالتالي إنهاء آخر القلاع الصامدة أمام المد الإيراني في العراق. محذرا في الوقت ذاته من محاولات طهران تأجيج الصراع العربي الكردي في المنطقة.
وقال قائد قوات «الحشد الوطني» من متطوعي محافظة نينوى، أثيل النجيفي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك استعدادات لعملية تحرير الموصل المرتقبة، والقوات الموجودة في المنطقة كافية لتحرير المدينة من (داعش)، والتحالف الدولي موجود لتنسيق العمل بين القوات المشاركة في العملية»، وتساءل النجيفي: «لكن هل استكملت الخطة الحقيقية لتحرير الموصل؟ بحسب معلوماتي، حتى الآن ليست لكل هذه القوات الموجودة في المنطقة، ما عدا التحالف الدولي، خطة حقيقية لتحرير مدينة الموصل، وإنما خططها هي للاقتراب من مدينة الموصل، والتواجد في أطرافها، أما كيف سيُتعامل مع (داعش) داخل الموصل، فهذه القضية لا تزال تبدو غير واضحة حتى الآن».
ويعتبر النجيفي عدم وجود خطة حتى الآن من الأمور الجيدة لأهالي الموصل؛ لأن هذه الحالة، وبحسب رأيه، تعطي الفرصة للأهالي كي ينفذوا أمرا ما، يساعد في عملية التحرير، وبالتالي يجعل عملية تحرير المدينة من الداخل وليس من الخارج. مبينا بالقول: «العملية العسكرية لتحرير وسط الموصل ستنطلق خلال الخريف القادم».
وحدد النجيفي القوات المشاركة في عملية تحرير الموصل، بالجيش العراقي وقوات البيشمركة والحشد الوطني من متطوعي الموصل، وبعض الحشود العشائرية، إلى جانب قوات التحالف الدولي، مستبعدا في الوقت ذاته مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران والحكومة العراقية.
وأضاف النجيفي: «بالنسبة لميليشيات الحشد الشعبي، فلا يزال هناك جدل حول مشاركتها في معارك منطقة تلعفر، هذه الميليشيات تسعى للوصول إلى منطقتين، هما تلعفر وسهل نينوى، أكثر من سعيها إلى مدينة الموصل، وهذا الأمر لم يُحسم بعد من الناحية العملية، وليس من ناحية النوايا؛ لأن دخول ميليشيات الحشد إلى سهل نينوى يحتاج موافقة إقليم كردستان، وأعتقد أن مصلحة إقليم كردستان تتضارب مع وجود هذه الميليشيات في المنطقة، أما بالنسبة لموضوع دخولها إلى تلعفر، فيحتاج إلى تأمين الخط بين ناحية القيارة (جنوب الموصل) وتلعفر، وهذا أيضا ليس سهلا».
وجدد النجيفي رفضه وأهالي الموصل مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، وبين بالقول: «بالنسبة لنا نحن سكان محافظة نينوى، نرى أن ابتعاد هذه الميليشيات عن محافظتنا هو الأفضل؛ لأن هذه الميليشيات ستكون لها تدخلات في أوضاع المنطقة بعد عملية التحرير، وستعقّد المشهد، فالمنطقة أساسا فيها كثير من الصراعات، وإن لم تكن هناك عقلانية في حل هذه الصراعات، فدخول الميليشيات الشيعية فيها يعني إدخالها إلى مرحلة جديدة من الصراع ما بعد (داعش)».
وتابع النجيفي: «هناك قوى سياسية شيعية تريد من خلال مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي أن تفرض أجندات سياسية لبناء وضع جديد لها في المنطقة، وهذا يدخل في إطار المحاولات الإيرانية للسيطرة على الطريق البري الواصل بين سوريا والعراق»، وأضاف النجيفي: «هناك إلحاح كبير وغير مبرر من قبل طهران لإشراك الميليشيات الشيعية في معركة الموصل، ونحن نرى أنه لا توجد حاجة عسكرية لمشاركة هذه الميليشيات، فقد لا تكون هناك معركة كبيرة في الموصل، ونتوقع أن يفر (داعش) منها قبل دخول القوات المحررة إليها، وأن أهل المدينة سيتمكنون من القضاء على من يتبقى من مسلحي التنظيم»، متسائلا: «إذن لماذا الزج بهذه الميليشيات في المعركة؟».
وكشف النجيفي أسباب الضغوطات الإيرانية لإشراك الميليشيات الشيعية في معركة الموصل، قائلاً: «محاولات إيران لزج الحشد الشعبي في المعركة تعود إلى كون الموصل آخر قلاع السنة في العراق التي لم تسيطر عليها إيران، وفي الوقت نفسه طهران لا تريد السيطرة على الموصل وحدها، بل ستتوسع بعد ذلك باتجاه أربيل ودهوك، فالموصل مجرد مرحلة للنظام الإيراني ليستكمل سيطرته في هذه المنطقة، وعليه أن يتوسع بهذا الاتجاه، ونرى الآن المشكلات الموجودة داخل الإقليم أيضا، والدور الإيراني واضح في تهييج المشكلات الداخلية في الإقليم، إذن فالموصل وإقليم كردستان هي القلاع الأخيرة التي إذا أنهتها طهران فستحكم سيطرتها على العراق».
وأزاح محافظ نينوى السابق، الستار عن محاولات الميليشيات الشيعية المستمرة للمشاركة في المعركة المرتقبة، وأوضح بالقول: «هناك وعود دولية بعدم السماح للميليشيات الشيعية بالمشاركة في معركة الموصل، الضمان الذي نطمئن إليه في عدم مشاركتها في معركة الموصل هو بعدها الجغرافي عن المحافظة، وأن (الحشد الشعبي) بحاجة إلى تأمين منطقة كبيرة قبل أن تصل إلى الموصل، لكن هذا لا يمنع أن تستغل هذه الميليشيات بعض المجموعات التابعة لها من أهل المنطقة، وهذا بالفعل ما تعمل عليه حاليا، من خلال التواصل مع بعض شيوخ العشائر غير المعروفين في المحافظة للدخول عن طريقهم إلى المدينة، والمشاركة في المعركة».
وطرح النجيفي، خلال حديثه، مشروع إنشاء إقليم نينوى لإدارة المحافظة في مرحلة ما بعد التنظيم، لتفادي المشكلات التي أشار إليها، وأوضح تفاصيل المشروع، قائلاً: «نحن نقدم مقترحا لحل هذه المشكلات كافة، ومقترحنا يحتاج إلى النقاش مع الآخرين، وأول جهة نحتاج إلى أن يكون لنا معها توافق ونقاش، إقليم كردستان، ولا نقصد كل إقليم كردستان، بل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني (الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود بارزاني)، الطرف الكردي المتنفذ في محافظة نينوى وصاحب الثقل الأكبر، وبالتالي لا بد من أن يكون هناك اتفاق ما بين الأطراف العربية القوية والطرف الكردي القوي، وهذا الاتفاق هو الذي يضع المظلة لكي تحتوي الآخرين. المقترح الذي نتقدم به هو أننا نحتاج إلى تشكيل إقليم نينوى الجغرافي في محافظة نينوى، كي نتفادى المركزية التي كانت تدار بها المحافظة قبل سقوطها بيد (داعش)، ونستطيع من خلالها أن نوزع هذه اللامركزية والصلاحيات على مناطق المحافظة»، لافتا إلى أن الإقليم المقترح يجب أن يُدار بإدارة لا مركزية مع بغداد، وبإدارة لا مركزية في داخله أيضا.
وكشف النجيفي عن تفاصيل أكثر من تفاصيل إنشاء إقليم نينوى، وقال: «يحتاج هذا الإقليم إلى إنشاء محافظات، وكل محافظة يجب أن تكون لديها سلطة لا مركزية في داخلها، حتى تستطيع أن تتعامل مع المشكلات التي تنتج بعد (داعش). إقليم نينوى سيتألف من 6 - 8 محافظات. وستحمي كل قوة من القوات الموجودة والتابعة للمكونات المختلفة في المحافظة مناطقها، مع وجود تدريب مشترك لجميعها، لكي يكون هناك رابط بين هذه القوات كي لا تذهب إلى الصراعات الداخلية، وإنما تستطيع أن تتعاون فيما بينها لمكافحة الإرهاب وفرض الأمن».
ويرى النجيفي أن مشروع إنشاء الإقليم الذي طرحه بحاجة إلى حسم بعض الموضوعات مع إقليم كردستان، أو على الأقل تأجيل حسمها، حسبما يصل إليه الاتفاق مع إقليم كردستان، وخصوصا فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها وكيف ستنظم إدارتها في هذا الوضع، مستدركا بالقول: «هذه الأمور يجب أن نتفق عليها نحن أهالي محافظة نينوى مع إقليم كردستان وحدنا، فهذه المناطق النفوذ الأكبر فيها هو لإقليم كردستان، وسيكون النفوذ الكردي مشاركا في إدارة الإقليم».
وعما إذا كانت الأطراف العراقية والدولية قد رحبت بالمشروع أم عارضته، بين النجيفي: «عرضنا هذا المقترح على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولم يعترض على تشكيل إقليم نينوى بعد تحرير المحافظة من (داعش)، كذلك وافقت بعض الأحزاب الشيعية على هذا المقترح، مع ضمانات لكيفية التعامل مع المكون الشيعي في تلعفر وسهل نينوى، في حين أن هذه الأحزاب ترفض إقامة الإقليم السني».
ومضى النجيفي بالقول: «طرحنا المشروع على بعض قيادات إقليم كردستان، وعلى الرغم من أننا لم نتلق منهم حتى الآن أي إجابة، فإن فكرة تشكيل الإقليم في محافظة نينوى مقبولة لديهم وهناك اتفاق عليها تقريبا، لكن الموضوعات المتعلقة بكيف ستكون أوضاع المناطق المتنازع عليها وكيفية إدارتها، هي التي لم تُحسم بعد، ونحن في محافظة نينوى لا نستطيع أن ندخل في نقاش ذي جدوى إلا بعد أن يكون لنا إقليم. كذلك قدمنا المشروع للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، وهو لا يزال قيد الدراسة من قبلهم، أما تركيا فليس لديها مانع».
وعن المخاوف من مواجهة إقليم نينوى نفس ما يواجهه إقليم كردستان اليوم من مشكلات مع الحكومة الاتحادية في بغداد، أعرب النجيفي بالقول: «الوضع في نينوى يختلف عن إقليم كردستان، أولاً من ناحية الموارد هناك موارد داخلية لنينوى قد تكون أكثر من موارد إقليم كردستان، مثلا نينوى تعتمد على الزراعة وتضم هذه المحافظة 43 في المائة من الأراضي الزراعية في العراق، وبالتالي العمل والإنتاج الزراعي سيمكن أهالي نينوى من العيش حتى ولو لم تكن هناك روافد كثيرة تأتي من بغداد، فإلى جانب الزراعة لدينا كثير من حقول النفط وحقول الغاز والكبريت، ولدينا منتجات صناعية. بالتأكيد نحن نحتاج إلى أن يكون هناك حل للمشكلات من بغداد، وأن يكون هناك توزيع عادل للثروات، وشراكة حقيقية، حتى لا تتأخر هذه الشراكة وتكون هناك معوقات في تنفيذها. الموصل لديها قدرة اقتصادية ذاتية، لهذا نجد أن الحياة مستمرة في الموصل على الرغم من عزلها عن العالم من قبل (داعش) منذ أكثر من عامين، وحتى الآن لم يمت أي شخص داخل المدينة من الجوع، على الرغم من أن التنظيم لا يقدم لهم أي شيء».
وشدد النجيفي بالقول: «إقليم كردستان خرج بتجربة ناجحة بعد عام 2003، قد تكون التجربة الناجحة الوحيدة في العراق، وهذه التجربة بالإمكان أن تسوق عربيا داخل العراق بما يؤدي إلى تقوية العلاقات العربية الكردية، وإلى منع أي محاولة لإعادة الصراع العربي الكردي، الذي يسعى الجانب الإيراني إلى بثه في هذه الفترة».



«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماعه، الأحد، التزامه بالمضي في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز الشفافية واستعادة مؤسسات الدولة، بالتوازي مع إشادته بالدعمين الإقليمي والدولي المتواصل، ولا سيما الموقف الحازم لمجلس الأمن تجاه الانتهاكات الحوثية.

وركّز الاجتماع، الذي عقد في الرياض برئاسة رشاد العليمي وغاب عنه ثلاثة من أعضاء المجلس «بعذر» - بحسب الإعلام الرسمي - على أبرز التحديات الاقتصادية والخدمية، ومستوى تنفيذ خريطة الإصلاحات الحكومية، وسط تأكيدات على أهمية العمل المشترك، وتكامل الجهود لتخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استقرار اقتصادي وخدمي أوسع في المحافظات المحررة.

وذكرت وكالة «سبأ» أن المجلس استعرض، بحضور رئيس الوزراء سالم بن بريك، آخر التطورات على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مع تقييم مستوى التقدّم في تنفيذ قرار المجلس رقم (11) لعام 2025، المتعلق بأولويات الإصلاحات والإجراءات اللازمة لمعالجة الاختلالات في تحصيل الموارد العامة مركزياً ومحلياً.

وقدم رئيس الوزراء - وفق الوكالة - إحاطة شاملة حول ما أنجزته الحكومة في مجال ضبط الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة، وتحسين الأداء المالي والإداري، مشدداً على التزام الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة، والسعي إلى معالجة التحديات التي تواجه المؤسسات العامة ورفع كفاءتها.

طلاب يمنيون يمشون في ممر مدرسة بتمويل سعودي في مدينة عدن (أ.ف.ب)

وأكد مجلس القيادة دعمه الكامل لإجراءات الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الشاملة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، والعمل بمعايير الشفافية والمساءلة. وعدّ المجلس أن هذه المنهجية تمثل أساساً لتعزيز الثقة مع المانحين والشركاء الدوليين، وضمان قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ورواتبهم وخدماتهم الأساسية.

كما شدّد المجلس على ضرورة تعزيز العمل المؤسسي بروح الفريق الواحد، والالتزام بتنفيذ المصفوفة الكاملة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، بوصفها المسار الأكثر فاعلية لإحداث تغيير ملموس في المحافظات المحررة، وتمكين الدولة من الاضطلاع بدورها في استعادة مؤسساتها وإنهاء معاناة اليمنيين.

إشادة بالإنجازات والدعم الدولي

أبدى مجلس القيادة ارتياحه للتقدم المحرز في مسار الإصلاحات، موجهاً الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الواردة في القرار رقم (11)، وضمان وصول الدولة إلى كامل إيراداتها السيادية بما يمكّنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وصرف الرواتب.

كما ثمّن المجلس الدعم السعودي والإماراتي لخطة التعافي وبرنامج الإصلاحات، مشيداً خصوصاً بإجراءات الحكومة السعودية المتعلقة بتسريع إيداع الدفعتين الأولى والثانية من منحتها المخصصة لدعم الموازنة العامة، الأمر الذي أسهم مباشرة في تسريع صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع إعطاء الأولوية لأسر الشهداء والجرحى.

مسلحون حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة خاضعة للجماعة شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وفي السياق السياسي، رحّب مجلس القيادة بقرار مجلس الأمن بتجديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، مؤكداً أهمية هذه الخطوة في ردع الممارسات الحوثية التي تهدد استقرار اليمن والمنطقة. كما أشاد المجلس بما تضمنه تقرير فريق الخبراء من «دلائل حاسمة» حول الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، وارتباطها بالأنشطة العابرة للحدود ودعم النظام الإيراني.

وأشاد مجلس الرئاسة اليمني أيضاً بما ورد في إحاطات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من انتقادات واضحة للممارسات الحوثية، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الملاحة الدولية. وأكد أهمية استمرار الموقف الدولي الموحد إلى جانب الحكومة الشرعية لدعم جهود إحلال السلام وحماية الأمن الإقليمي والدولي.


برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.