روسيا تكثّف حملتها الجوية للتصدي للمرحلة الثالثة من كسر حصار حلب

الهدنة التي تسعى إليها موسكو وواشنطن في المدينة لا تلقى تجاوبًا من الفصائل

مقاتلون من الجيش السوري الحر يطلقون النار على مواقع النظام والقوات الموالية له في الراموسة جنوب غربي حلب أول من أمس (رويترز)
مقاتلون من الجيش السوري الحر يطلقون النار على مواقع النظام والقوات الموالية له في الراموسة جنوب غربي حلب أول من أمس (رويترز)
TT

روسيا تكثّف حملتها الجوية للتصدي للمرحلة الثالثة من كسر حصار حلب

مقاتلون من الجيش السوري الحر يطلقون النار على مواقع النظام والقوات الموالية له في الراموسة جنوب غربي حلب أول من أمس (رويترز)
مقاتلون من الجيش السوري الحر يطلقون النار على مواقع النظام والقوات الموالية له في الراموسة جنوب غربي حلب أول من أمس (رويترز)

حاولت قوات النظام السوري وحلفاؤها، بدعم جوي روسي مكثّف، أمس (الأربعاء)، استعادة النقاط التي كانت قد خسرتها في الساعات الماضية، جراء الهجوم الكبير الذي بدأته فصائل المعارضة قبل 4 أيام، في محاولة لكسر الحصار عن الأحياء الشرقية لمدينة حلب. إلا أن احتدام الاشتباكات لم يثنِ «غرفة عمليات حلب» عن إعلان دخول المعركة مرحلتها الثالثة، وتأكيد أكثر من قيادي فيها على الرفض المطلق للمسعى الروسي - الأميركي لفرض هدنة في المدينة تتراوح بين 5 و7 أيام.
وفي حين تحدث ناشطون عن بدء فصائل المعارضة للمرة الأولى منذ إطلاق معركة فك حصار حلب شن هجمات من داخل الأحياء الشرقية المحاصرة على مواقع للنظام جنوب المدينة، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن قوات النظام، بغطاء جوي روسي، حققت أمس تقدما جديدا على حساب الفصائل المقاتلة في جنوب غربي مدينة حلب، لتخسر الأخيرة مناطق كانت قد سيطرت عليها قبل أيام معدودة.
وأشار «مكتب أخبار سوريا» إلى استعادة القوات النظامية والميليشيات الأجنبية المساندة لها السيطرة على قريتي العامرية والحويز، وكتلة المباني جنوب حي الراموسة، بريف حلب الجنوبي، التي كان جيش الفتح المعارض قد تقدم إليها مساء الثلاثاء، وذلك بعد قصف جوي عنيف، لافتا إلى أن الطيران الحربي الروسي شن أكثر من 75 غارة على أطراف الراموسة التي تعد الخطوط الخلفية للمعارضة في المنطقة.
ويُشارك بمعركة كسر الحصار عن حلب ما يزيد عن 25 فصيلا معارضا، أبرزها «جيش الفتح» و«جبهة فتح الشام» (أي جبهة النصرة سابقا)، وقال ناشطون إن هذه الفصائل سيطرت على ما مجموعه حوالي 40 كيلومترا مربعا منذ بدء العملية العسكرية.
وأوضح الناشط، عضو «مجلس محافظة حلب الحرة»، منذر سلال، أن التقدم الذي أحرزته المعارضة شمل النقاط الأكثر تحصينا للنظام في حلب، وأبرزها كلية المدفعية في الراموسة والتسليح والأكاديمية، واصفا ما تحقق حتى الساعة بـ«التقدم الممتاز».
وأضاف سلال لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن القول إنه لا يزال هناك 1 كلم ويتم فك الحصار عن المدينة، فالمعارك حاليا على أشدها، وهي تمتد على مساحة 20 كلم، في ظل قصف جوي هائل ودفاع شرس من قوات النظام».
كذلك تحدث سلال عن «عرض تقدم به النظام يقول باستعادة المعارضة طريق الكاستيلو شرط وقف الهجمة على الطرف الجنوبي»، لافتا إلى أنّه «لن يتم السير بهذا الطرح، باعتبار أنه لا نية على الإطلاق لدى الثوار لتهدئة الوضع»، مضيفا: «لم يعد طموحهم يقتصر على فك الحصار، بل بات أكبر، وهو يُختصر بتحرير المدينة بالكامل».
من جهته، اعتبر سمير نشار، عضو الائتلاف السوري المعارض، أن «الشروط الميدانية الحالية، كما الوضع العسكري، لا يسمحان بإعلان أي هدنة في حلب بالوقت الراهن»، لافتا إلى أن «المعارك على أشدها، والاشتباكات محتدمة في أكثر من منطقة، بمشاركة أكثر من 25 فصيلا معارضا»، مشددا على أن معركة حلب مفصلية ومصيرية، وستحدد المسار الذي ستسلكه الأوضاع السورية في المرحلة المقبلة.
ونفى زاهر أبو حسان، القيادي في «جيش الفتح» (أكبر فصائل المعارضة السورية)، ما أشيع عن اقتراب التوصل إلى هدنة في مدينة حلب، مؤكدا على رفض تطبيق إعلان هدنة «شاملة» في المدينة، خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك على خلفية تسريبات عن اتفاق روسي أميركي بهذا الشأن. وأكد أبو حسان، في تصريح لقناة «أورينت»، عدم وجود أي حديث عن هدنة مع النظام في حلب، مشددًا على أن «المعارك مستمرة حتى تحرير كامل المدينة».
وأضاف أبو حسان أن النظام حاول نشر شائعات حول اقتراب التوصل إلى هدنة شاملة في حلب، بهدف تخفيف الصدمة عن مؤيديه، ورفع معنوياتهم، عقب التقدم الكبير الذي حققته فصائل «جيش الفتح» و«فتح حلب» في محيط مدينة حلب، واقتراب فك الحصار عن الأحياء الشرقية.
بدورها، قالت مصادر عسكرية في «غرفة عمليات فتح حلب» إن المقاتلين لن يوقفوا المعارك التي أطلقوها في حلب، مشيرة إلى اتفاق واسع بين الفصائل المقاتلة على هذا القرار. وردا على تسريبات بشأن اتفاق روسي - أميركي بفرض إعلان «هدنة شاملة» في مدينة حلب، خلال الأيام القليلة المقبلة، أكدت المصادر أن فصائل «جيش الفتح» لا تنظر إلى طلبات الدول وقراراتها، وأن معارك حلب «لن تتوقف حتى تحريرها».
وذكرت شبكة «شام» الإخبارية السورية المعارضة أن المقاتلين المناهضين للنظام باشروا، أمس، المرحلة الثالثة من معركة فك الحصار عن مدينة حلب، محققين تقدما كبيرا على حساب قوات الأسد والميليشيات المساندة لها من الجهة الغربية والجنوبية الغربية وداخل مدينة حلب. وقال ناشطون إن مقاتلي المعارضة تمكنوا من السيطرة على مناشر منيان، بالريف الغربي لحلب، بالإضافة لسيطرتهم على كتلة مبانٍ في حي الراموسة، واقترابهم أكثر من كلية المدفعية التي تعتبر الحد الفاصل لفك الحصار عن المدينة.
في المقابل، أفادت قناة «روسيا اليوم» بتقدم وحدات تابعة لقوات النظام السوري في محيط قرية الحويز، جنوب غربي حلب، بعد استعادة السيطرة على تلتها، ليل الثلاثاء، لافتة إلى أن الاشتباكات لا تزال مستمرة في المنطقة. وتحدث «الإعلام الحربي لحزب الله» عن مقتل 250 مسلحا منذ بدء معركة «فك الحصار عن حلب»، مشيرا إلى أنّها المرة الأولى التي يشارك فيها 22 فصيلا معارضا في معركة واحدة.
وعلى صعيد متصل، نقلت «روسيا اليوم» عن مسؤول محلي في مدينة حلب قوله إن 48 امرأة وطفلا غادروا، الأربعاء، منطقة الشيخ سعيد المحاصرة في حلب، وذلك عن طريق الممر الإنساني الذي أقامته السلطات السورية من أجل تأمين خروج المدنيين. وأضاف المسؤول أن 12 مسلحا غادروا حلب عن طريق الممر نفسه، وسلموا أنفسهم وأسلحتهم إلى السلطات الحكومية.
ونددت منظمات غير حكومية، أمس، بـ«الممرات الإنسانية المزعومة» التي أقامها النظام السوري، وحليفته روسيا، في محيط الأحياء الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، والمحاصرة في حلب (شمال)، في عرض اعتبرته «غير ملائم».
وقالت 39 منظمة سورية وإقليمية ودولية، في بيان لها، إن «الاقتراح المشترك من روسيا وسوريا، الهادف إلى إقامة ممرات إنسانية في شرق حلب، غير ملائم على الإطلاق على الصعيد الإنساني». واعتبرت هذه المنظمات، وبينها عدة هيئات ناشطة في مجال المساعدة الإنسانية (كير وكريستشان ايد وغول واوكسفام وسايف ذي تشيلدرن وتيرفاند وإنترناشونال ريسكيو وورلد فيجن)، أن هذا العرض «يسبب صدمة»، مشددة على أن «أي عملية إنسانية حقيقية لا ترغم سكان حلب على الاختيار بين الفرار نحو مهاجميهم، أو البقاء في منطقة محاصرة تتعرض لقصف مستمر».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».