التيسير الكمي.. سياسة «طبع الأموال» غير مجدية لاقتصادات الدول

لم تأت بالنتائج المرجوة في أوروبا واليابان.. وتعافٍ متواضع في أميركا

آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)
آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)
TT

التيسير الكمي.. سياسة «طبع الأموال» غير مجدية لاقتصادات الدول

آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)
آلة طبع النقود في اليابان (رويترز)

زاد المعروض النقدي في معظم الدول الكبرى، عن مثيله خلال السنوات الماضية، إلا أن نسب الإنفاق وبالتالي معدلات التضخم فيها ما زالت دون المستهدف وأقل مقارنة بمعدلات الأعوام السابقة، فيما كشفت حجم تأثيرات وتداعيات الأزمة المالية العالمية الأخيرة على الاقتصاد العالمي.
وجاء ارتفاع المعروض من النقود في دول مثل: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي واليابان والصين، نتيجة التيسير الكمي أو التحفيز النقدي - طبع أموال لضخ سيولة في السوق مباشرة أو من خلال شراء أصول حكومية - في محاولة لإنعاش اقتصاداتها، بعد التباطؤ الاقتصادي الذي ضرب الأسواق العالمية، إلا أنها لم تأت بالنتائج المرجوة –منذ اتباعها في 2008 - حتى الآن، وإن اختلفت نتائجها العامة من دولة لأخرى.
فبينما حذت الولايات المتحدة الأميركية طريق التعافي الاقتصادي التدريجي (حققت معدل نمو 2.4 في المائة العام الماضي)، لم تفلح حتى الآن في تحقيق معدلات إنفاق تستطيع من خلالها ضبط معدل التضخم الذي يضمن معدل النمو المستهدف، وبالتالي تقل معه نسب البطالة.
أما الاتحاد الأوروبي الذي ينتهج سياسة التيسير الكمي أيضًا، ما زال يعاني من نسب نمو ضعيفة ومعدلات تضخم قليلة، وقد يكون السبب أن الاتحاد الأوروبي لديه سياسة نقدية واحدة - متمثلة في البنك المركزي الأوروبي - بينما تتعدد السياسات المالية للدول الأعضاء، مما يتطلب توحيد السياسة المالية لدول الاتحاد. وهناك بعض الجدل في أوروبا حول فعالية التيسير الكمي، بينما فشلت اليابان في تحقيق الأهداف التضخمية المنشودة من البرنامج.
والتسهيل الكمي هو سياسة نقدية غير تقليدية تستخدمها البنوك المركزية لتنشيط الاقتصاد عندما تصبح السياسة النقدية التقليدية غير فعالة. حيث يشتري البنك المركزي الأصول المالية لزيادة كمية الأموال المعروضة في الاقتصاد.
وقد ذكر رؤساء البنوك المركزية في اليابان والمملكة المتحدة وأوروبا - بعد أزمة 2008 - أن سياسات التيسير الكمي ستزيد من الإقراض والمعروض النقدي، وبالتالي تمكنهم من الوصول إلى أهداف التضخم الخاصة بهم.
وقال بول فيشر، وهو مسؤول في بنك إنجلترا، عندما كشفت إنجلترا عن برنامج التيسير الكمي في مارس (آذار) 2009، إن سياسة التيسير الكمي كان المقصود منها أن تؤدي إلى الانتعاش الاقتصادي عن طريق زيادة الإقراض المصرفي وزيادة المعروض من النقود. كذلك صرح هاروهيكو كورودا محافظ بنك اليابان - في 12 أبريل (نيسان) 2013 في أول خطاب له بعد أن أصبح محافظًا للبنك - بأن سياسة التيسير الكمي من شأنها أن تُزيد الإقراض، ومن ثم تسمح بالوصول لمعدل التضخم المستهدف عند 2 في المائة في غضون عامين. وبالمثل، قال ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي، الذي تأخر حتى أعلن عن التيسير الكمي في 22 يناير (كانون الثاني) من عام 2015، إن هذه السياسة سوف «تدعم المعروض النقدي والنمو الائتماني، وبالتالي تسهم في عودة معدلات التضخم نحو 2 في المائة».
رغم ذلك لم تؤت سياسة التيسير الكمي التي انتهجها البنك المركزي الياباني على مدى ثلاثة أعوام، ثمارها المرجوة - يعتبر ثلاثة أضعاف برنامج التيسير الكمي لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (نسبة إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي) - ولا يزال المسؤولون لم يصلوا إلى النتائج المستهدفة؛ وفي موازاة للعمل بالبرنامج، ضعفت قيمة العملة المحلية «الين» من 80 ين مقابل الدولار إلى 125 ين مقابل الدولار في عام 2015.
وخفض البنك المركزي الياباني توقعاته للنمو الاقتصادي للعام المالي 2016، وسط مخاوف حول ارتفاع قيمة الين وتباطؤ النمو في الصين، ويتوقع البنك المركزي أن يشهد ثالث أكبر اقتصاد في العالم نموا بنسبة 1 في المائة حتى مارس 2017، متراجعًا عن تقييمات سابقة بمعدل نمو نسبته 1.2 في المائة في أبريل.
وأظهرت توقعات الحكومة اليابانية، أنها لن تتمكن من تحقيق هدفها المتمثل في الوصول إلى ناتج محلي إجمالي اسمي يبلغ 600 تريليون ين ياباني في السنة المالية 2020، وقد لا يتحقق ذلك حتى بحلول السنة المالية 2024، إذا بقي النمو البطيء مستمرًا على الوتيرة ذاتها، مما يزيد من الضغوط على صناع السياسات الذين يجاهدون لإنعاش الاقتصاد. ووفقًا لتقارير - تم نشرها من مكتب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي - فإن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لليابان سيبلغ 551 تريليون ين في السنة المالية التي تبدأ في أبريل 2020 على افتراض الوتيرة الحالية للنمو.
وكان الناتج المحلي الإجمالي لليابان في عام 2015 نحو 500 تريليون ين ياباني، وهذا يعني أن اليابان لديها هدف بزيادة الناتج المحلي الإجمالي بنحو 100 تريليون ين على مدى السنوات الأربع المقبلة لتلبية هدف آبي. ويستتبع ذلك الحفاظ على معدل نمو سنوي قدره نحو 3 في المائة، ومع ذلك، في عام 2015، تمكنت اليابان فقط من زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5 في المائة.
وتتوقع الحكومة أيضًا أن تحقق اليابان عجزًا أوليًا يبلغ 9.2 تريليون ين، إذا ظل النمو ضعيفًا، وبالتالي ستفشل في الوصول إلى هدفها المتمثل في تحقيق فائض أولي في الميزانية حتى في السنة المالية 2024. وعلى الرغم من انتهاج الحكومة اليابانية سياسة التيسير الكمي الضخم، والتحفيز المالي والإصلاحات الهيكلية، قامت الحكومة بتقليص توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي الاسمي ثلاث مرات متتالية منذ أواخر عام 2012.
وقالت الحكومة اليابانية: «إن أسعار المستهلكين تراجعت بنسبة 0.5 في المائة خلال يونيو (حزيران) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في تراجع للشهر الرابع على التوالي على الرغم من إجراءات التيسير النقدي». وأظهرت قراءة يونيو مجددًا أن الاقتصاد الياباني عاد إلى الانكماش وسط تراجع أسعار الطاقة. كما كانت القراءة بعيدة عن المستوى المستهدف للتضخم الذي حدده بنك اليابان منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وكانت اليابان قد اتخذت إجراءات التيسير النقدي للتغلب على الانكماش المزمن في أبريل 2013، بعد أربعة أشهر من تولي شينزو آبي رئاسة الحكومة، وقرر البنك المركزي الياباني في يناير الماضي اعتماد أسعار فائدة سلبية للمرة الأولى على الإطلاق لتنشيط ثالث أكبر اقتصاد في العالم.
وأظهر تقرير حكومي أيضًا أن معدل الإنفاق الاستهلاكي للأسر اليابانية، مؤشر رئيسي للإنفاق الاستهلاكي الخاص، تراجع بنسبة 2.2 في المائة في (يونيو) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في تراجع للشهر الرابع على التوالي. وأظهر تقرير حكومي أيضًا أن معدل الإنفاق الاستهلاكي للأسر اليابانية، مؤشر رئيسي للإنفاق الاستهلاكي الخاص، تراجع بنسبة 2.2 في المائة في يونيو مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، في تراجع للشهر الرابع على التوالي.
وفي ضوء البيانات الاقتصادية السلبية، تعهد بنك اليابان المركزي بمراجعة برنامجه للتحفيز النقدي في سبتمبر (أيلول) بالتوقعات بأن يتبنى أحد أشكال سياسة طبع النقود للإنفاق الحكومي، بما يقود إلى تحفيز التضخم. ويتوقع الاقتصاديون أن تصدر الحكومة سندات لأجل 50 عامًا، وإذا تعهد البنك المركزي بالاحتفاظ بها فترةً طويلة فسيكون ذلك شكلاً من أشكال طبع النقود، لكن بعض الاقتصاديين يخشون أن تقود هذه الخطوة إلى بلوغ التضخم مستويات مرتفعة جدًا، وبالتالي خفض غير محكوم لقيمة العملة. ووسع بنك اليابان المركزي برنامج التحفيز النقدي بزيادة طفيفة في مشتريات صناديق المؤشرات، في استجابة لضغوط من الحكومة وأسواق المال لاتخاذ إجراء أكثر جرأة، من أجل تحفيز النمو، وتسريع وتيرة التضخم صوب المستوى المستهدف البالغ 2 في المائة.
فمن المفترض اقتصاديًا أن يقوم البنك المركزي بطبع كميات من النقود تتوازى مع النمو في حجم المعاملات التي تتم في الاقتصاد المحلي، بحيث يحدث البنك المركزي التوازن المناسب بين النمو في عرض النقود والنمو في حجم المبادلات في الاقتصاد. بالتالي يُفترض طباعة النقود باعتبارها وسيلة لضمان عدم تأثر مستويات النشاط الاقتصادي، وحدوث ضغوط انكماشية نتيجة نقص العرض في السيولة عن احتياجات المبادلات. لكن في حال أصدر البنك المركزي مزيدًا من النقود دون أن تكون هناك حاجة حقيقية في الاقتصاد لها، فذلك يؤدي بالتبعية إلى انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية بفعل ارتفاع الأسعار.



أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
TT

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)
حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

أعلنت الولايات المتحدة، أنها وسّعت مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينجيانغ الصينية، أو التي يُشتبه في أنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

وقد اتُّهمت نحو 30 شركة صينية جديدة باستخدام مواد خام أو قطع صنِعَت أو جمِعَت بأيدي أويغور يعملون قسراً، أو بأنها استخدمت هي نفسها هذه العمالة لصنع منتجاتها.

وبهذه الإضافة، يرتفع إلى 107 عدد الشركات المحظورة الآن من التصدير إلى الولايات المتحدة، حسبما أعلنت وزارة الأمن الداخلي.

وقالت الممثلة التجارية الأميركية، كاثرين تاي، في بيان: «بإضافة هذه الكيانات، تواصل الإدارة (الأميركية) إظهار التزامها بضمان ألّا تدخل إلى الولايات المتحدة المنتجات المصنوعة بفعل العمل القسري للأويغور أو الأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في شينجيانغ».

وفي بيان منفصل، قال أعضاء اللجنة البرلمانية المتخصصة في أنشطة «الحزب الشيوعي الصيني» إنهم «سعداء بهذه الخطوة الإضافية»، عادّين أن الشركات الأميركية «يجب أن تقطع علاقاتها تماماً مع الشركات المرتبطة بالحزب الشيوعي الصيني».

يحظر قانون المنع الذي أقرّه الكونغرس الأميركي في ديسمبر (كانون الأول) 2021، كل واردات المنتجات من شينجيانغ ما لم تتمكّن الشركات في هذه المنطقة من إثبات أن إنتاجها لا ينطوي على عمل قسري.

ويبدو أن المنتجات الصينية ستجد سنوات صعبة من التصدير إلى الأسواق الأميركية، مع تهديدات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية تزيد على 60 في المائة على السلع الصينية جميعها، وهو ما أثار قلق الشركات الصينية وعجَّل بنقل المصانع إلى جنوب شرقي آسيا وأماكن أخرى.

كانت وزارة التجارة الصينية، قد أعلنت يوم الخميس، سلسلة من التدابير السياسية التي تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية للبلاد، بما في ذلك تعزيز الدعم المالي للشركات وتوسيع صادرات المنتجات الزراعية.

وكانت التجارة أحد المجالات النادرة التي أضاءت الاقتصاد الصيني في الآونة الأخيرة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد من ضعف الطلب المحلي وتباطؤ قطاع العقارات، مما أثقل كاهل النمو.

وقالت الوزارة، في بيان نشرته على الإنترنت، إن الصين ستشجع المؤسسات المالية على تقديم مزيد من المنتجات المالية؛ لمساعدة الشركات على تحسين إدارة مخاطر العملة، بالإضافة إلى تعزيز التنسيق بين السياسات الاقتصادية الكلية للحفاظ على استقرار اليوان «بشكل معقول».

وأضاف البيان أن الحكومة الصينية ستعمل على توسيع صادرات المنتجات الزراعية، ودعم استيراد المعدات الأساسية ومنتجات الطاقة.

ووفقاً للبيان، فإن الصين سوف «ترشد وتساعد الشركات على الاستجابة بشكل نشط للقيود التجارية غير المبررة التي تفرضها البلدان الأخرى، وتخلق بيئة خارجية مواتية لتعزيز الصادرات».

وأظهر استطلاع أجرته «رويترز»، يوم الخميس، أن الولايات المتحدة قد تفرض تعريفات جمركية تصل إلى 40 في المائة على وارداتها من الصين في بداية العام المقبل، مما قد يؤدي إلى تقليص نمو الاقتصاد الصيني بنسبة تصل إلى 1 نقطة مئوية.