كاميرون يكافئ المقربين منه بألقاب ملكية.. ويثير استياء داعمي «البريكست»

مستشارة زوجته للأزياء ورجال أعمال موّلوا «البقاء» ضمن لائحة التكريم

ديفيد كاميرون وأسرته يغادرون مقر رئاسة الوزراء في لندن في 13 يوليو الماضي (رويترز)
ديفيد كاميرون وأسرته يغادرون مقر رئاسة الوزراء في لندن في 13 يوليو الماضي (رويترز)
TT

كاميرون يكافئ المقربين منه بألقاب ملكية.. ويثير استياء داعمي «البريكست»

ديفيد كاميرون وأسرته يغادرون مقر رئاسة الوزراء في لندن في 13 يوليو الماضي (رويترز)
ديفيد كاميرون وأسرته يغادرون مقر رئاسة الوزراء في لندن في 13 يوليو الماضي (رويترز)

بعد قرابة شهر على تسليمه مهام رئاسة الوزراء إلى تيريزا ماي وخروجه من 10 داونينغ ستريت، عاد ديفيد كاميرون ليتصدّر عناوين الصفحات الأولى البريطانية بعد أن انهالت عليه الاتهامات بتوزيع الألقاب والأوسمة الملكية على «أصدقائه» بناء على المحسوبية لا الاستحقاق.
وتوالت ردود الفعل الغاضبة من طرف كبار السياسيين البريطانيين أمس ومساء أول من أمس بعد تسرّب لائحة تكريم ملكية تضم 48 شخصا طالب كاميرون بمنحهم أوسمة وألقابا بدرجات مختلفة، معتبرين أنه قلّل من قيمة منظومة «التكريم»، واستغل منصبه لمكافأة «أصدقائه». ويعد إعداد لائحة تكريم بالأوسمة والامتيازات من طرف رؤساء الوزراء البريطانيين المغادرين مناصبهم حقّا مشروعا وليس مثيرا للجدل في حدّ ذاته، رغم تفضيل كل من توني بلير وغوردن براون عدم استخدامها، إلا أن اختيار كاميرون للأفراد الذين يودّ مكافأتهم أثار غضب النواب، محافظين وعمالا على حدّ السواء.
وتشمل اللائحة المحدّثة لهؤلاء، التي سرّبت لصحيفة «صنداي تايمز» في سابقة من نوعها، رجل أعمال ساهم بمبالغ طائلة في حملة البقاء في الاتحاد الأوروبي التي قادها كاميرون، ومستشارة أزياء زوجته سامنثا، ومساعد وزير ماليته جورج أوزبورن التي ذاع صيتها بعد أن ساعدت الأخير على الالتزام بحمية غذائية ناجحة.
وردّا على هذه التسريبات، قال توم واتسون نائب زعيم حزب العمال المعارض إنه يتمنى ألا تخاطر رئيسة الوزراء تيريزا ماي بسمعتها لصالح «أصدقاء كاميرون»، داعيا إياها ضمنيا إلى التدخل لعرقلة منح الأوسمة والامتيازات. وأضاف واتسون: «هذه محسوبية واضحة، ودليل جديد على أن المحافظين يقدّمون مصالحهم على مصالح البلاد».
من جانبه، قال وزير رفض تعريفه لصحيفة «ديلي تلغراف» اليمينية أمس: «لست ضد مكافأة موظفين تفانوا في العمل وأدوا خدمة طويلة في مكتب كاميرون. إلا أنني أعارض فكرة استمالة أفراد حول موقفهم من الاتحاد الأوروبي بإمكانية مكافأتهم بنظام التكريم»، في إشارة إلى ويل سترو رئيس حملة «أقوى في الاتحاد» الذي «لم يساعد رئيس الوزراء في شيء، بل تسبب في إيذاء حزب المحافظين في الحكومة»، على حدّ قوله. واعتبر أن هذه الممارسة «تستهين بالنظام وستغضب الكثير من الأشخاص».
وجاءت تصريحات وزير سابق آخر فضّل التكتم على هويته لصحيفة «ديلي ميل» داعمة للمواقف السابقة واستغلّ الوضع سياسيا لمهاجمة حملة البقاء التي فشلت في إقناع البريطانيين بمساوئ الانسحاب من التكتل الأوروبي، حيث اعتبر أن «كاميرون يكافئ بوقاحة من كانوا موالين له، ويتجاهل كل الوزراء الذين عملوا بجد وإخلاص من أجل المصلحة الوطنية، ويكرر وقاحته بشكل فج بتكريم أولئك المشاركين له في معسكر البقاء داخل الاتحاد الأوروبي». بينما علق نايجل فاراج، رئيس حزب الاستقلال البريطاني المستقيل، بأن لائحة التكريم الأخيرة منحت «مكافآت كثيرة على الفشل».
بدوره، قال أندرو بريدجن، نائب من حزب المحافظين، إن قائمة التكريم وتوزيع الألقاب والأوسمة الملكية التي أعدّها كاميرون تسيء إلى سمعة التكريم، كما أنها تكافئ «أشخاصا حشدوا لحملة ضد رغبة الشعب البريطاني»، في إشارة واضحة لحملة البقاء في الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، اعتبر المشرع المحافظ ديزموند سواين، الذي قلد لقب فارس على خدماته السياسية، أن المنتقدين أعطوا للائحة التكريم أكثر من حجمها. وقال لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إن «السبب وراء إعداد قائمة تكريم عند الاستقالة هو أن رئيس الوزراء يتعين عليه خلال فترة ولايته استمالة بعض الأشخاص والحصول على تأييدهم، ومن ثم يصبح مدينا لهم بالتكريم».
وتضع فضيحة «لائحة التكريم» ضغوطا كبيرة على تيريزا ماي التي طالبتها شخصيات بارزة في الساحة السياسية بالتدخل لعرقلتها. ورفضت المتحدّثة باسم مقر رئاسة الوزراء بلندن (10 داونينغ ستريت) الاستجابة لسؤال «الشرق الأوسط» حول موقف وزيرة الداخلية السابقة من ذلك، مكتفية بتصريح عام يفيد بأن «رئيسة الوزراء لن تتدخل في لائحة التكريم، حيث إن ذلك سيشكّل سابقة سيئة». إلا أن المراقبين يتوقّعون أن ترتفع حدة الضغوط على ماي في الفترة المقبلة، في حال وافقت لجان التكريم على اللائحة المقترحة من كاميرون. وينصّ نظام التكريم الملكي أن يتم منح الأوسمة والألقاب لأفراد قدموا خدمة عامة حقيقية.
يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تثير فيها «لائحة التكريم» جدلا في بريطانيا، حيث إن لائحة رئيس الوزراء الأسبق هارولد ويلسون نالت قسطها من الانتقادات بمنحها ألقابا لرجال أعمال أثرياء اتهموا بالفساد.
ومن أبرز الأسماء المثيرة للجدل في لائحة كاميرون: إيزابيل سبيرمان، المساعدة الشخصية لسمانثا كاميرون ومستشارتها للأزياء ولتنظيم حفلات في «10 داونينغ ستريت» التي كافأها بلقب «ضابط الإمبراطورية في البريطانية»، وثيا روجرز، مساعدة جورج أوزبورن وزير المالية السابق، التي شجعته على اتباع حمية غذائية وإنقاص وزنه بلقب «ضابط في الإمبراطورية البريطانية»، والنائب المحافظ ووزير سابق للشؤون الأوروبية ديفيد ليدينغتن بلقب «فارس»، ووزير الخارجية السابق فيليب هاموند بلقب «فارس لوسام القديس ميخائيل والقديس جرجس»، ووزير الدفاع مايكل فالون بوسام «»فارس لوسام باث»، ورجل الأعمال أندرو كوك الذي تبرع بـ250 ألف جنيه إسترليني لحملة البقاء وما يفوق المليون جنيه للحزب خلال العقد الماضي بلقب «فارس».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟