الحكومة تعترف بوجود أخطاء في حملة الاعتقالات الموسعة

محافظ يطلب العفو من 20 أكاديميًا اعتقلوا ظلمًا

الحكومة تعترف بوجود أخطاء في حملة الاعتقالات الموسعة
TT

الحكومة تعترف بوجود أخطاء في حملة الاعتقالات الموسعة

الحكومة تعترف بوجود أخطاء في حملة الاعتقالات الموسعة

اعترفت الحكومة التركية للمرة الأولى بوقوعها في أخطاء في حملة الاعتقالات الواسعة وتطهير المؤسسات التي شنتها في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم بشأن عشرات الآلاف ممن سرحوا من مناصبهم وأعمالهم: «من المؤكد أن بعض هؤلاء تعرضوا لإجراءات ظالمة»، مؤكدا أن أعمال التدقيق المفصل جارية بشأنهم.
وطالت حملة اعتقالات وتصفيات وتطهير أكثر من 60 ألفا في مختلف مؤسسات الدولة التركية من القوات المسلحة إلى القضاء، والشرطة، والتعليم، والإعلام بزعم انتمائهم لما يسمى بمنظمة «فتح الله غولن» (الكيان الموازي) المتهمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
وقال يلدريم: «نحن لا نؤكد الإجراءات المجحفة، ونؤكد أنها لم تحدث.. سنميز بين المذنبين وغير المذنبين».
في الوقت نفسه قال محافظ أنطاليا (جنوب تركيا) منير كارا أوغلو لدى مشاركته في مظاهرات «حراسة الديمقراطية» التي تنظمها بلدية أنطاليا إنه تم اعتقال 20 أكاديميا في جامعة أكدنيز عن طريق الخطأ في إطار عمليات حالة الطوارئ موجها اعتذاره إليهم.
وطالب المحافظ الأكاديميين الذين اعتقلوا بأن يسامحوا السلطات على ما قامت به، وأضاف: «هذه الاعتقالات لم تتم عمدا».
من جهته قال نائب رئيس الوزراء نعمان كورتولموش في مؤتمر صحافي عقب اجتماع لمجلس الوزراء أمس الاثنين: «إذا كانت وقعت أخطاء فسنصححها على المواطنين الذين لا علاقة لهم معهم (اتباع غولن) أن يطمئنوا، لن يصيبهم أي مكروه لكن الذين ينتمون إلى منظمة غولن يجب أن يخافوا، وسيدفعون الثمن».
وأدت حملة التطهير التي تنفذها السلطات التركية إلى اعتقال أكثر من 18 ألفا في الأسبوعين الماضيين، وبدأت ملاحقات قضائية بحق نحو 10 آلاف منهم، وتم حبسهم احترازيا وبينهم صحافيون، كما طرد أكثر من 50 ألفا من مناصبهم
في سياق مواز، برر كورتولموش إعادة هيكلة الجيش التركي وربط قيادات القوات المسلحة المختلفة بعدد من الوزارات، بالحيلولة دون تجمع كل القوى تحت إمرة جهة واحدة.
وقال: «إعادة هيكلة الجيش التركي ليست مجرد رد فعل على محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت منتصف الشهر الماضي، إنما هي نتيجة دراسة دقيقة تم التحضير لها، ومن أجل منع تجمع كل القوى بيد جهة واحدة، تم إلحاق قيادتي خفر السواحل وقوات الدرك بوزارة الداخلية، وإلحاق قيادات القوات البرية والبحرية والجوية بوزارة الدفاع».
ولفت إلى وجود تحضيرات لتحويل الجيش التركي إلى جيش محترف، يضع نصب عينيه مسألة الدفاع عن الوطن، بدل احتواء أعداد كبيرة داخل القوات المسلحة.
على صعيد آخر انتقد كورتولموش موقف السلطات الألمانية التي منعت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان من الحديث عبر دائرة تلفزيونية إلى حشد جماهيري نظم فعالية في مدينة كولونيا الألمانية أول من أمس الأحد للتنديد بمحاولة الانقلاب الفاشلة واصفا هذه الخطوة بأنها تعكس ازدواجية المعايير.
وعن موعد انتهاء مظاهرات «حراسة الديمقراطية» قال كورتولموش إن يوم الأحد السابع من أغسطس (آب) الحالي، سيكون موعدا لختام هذه المظاهرات، عبر إقامة تجمع كبير في ميدان «يني كابي» في إسطنبول، يحضره عامة الشعب دون تمييز بين انتماءاتهم الحزبية.
وفي شأن آخر، لفت كورتولموش إلى أن بلاده عازمة على مواصلة مسيرة مكافحة جميع المنظمات الإرهابية، وأن محاولة الانقلاب الفاشلة لن تعرقل هذه المسيرة، مبينا أن التطورات الأخيرة التي تشهدها البلاد، تظهر مدى أهمية مكافحة الإرهاب بالنسبة إلى أنقرة.
وشدد على إصرار الحكومة التركية على متابعة الانفتاح والإصلاحات الاقتصادية ضمن البرنامج المحدد من قبلها سابقا، مشيرًا إلى سعي الحكومة إلى تطوير منهجها الاجتماعي والسياسي إلى مستويات أرقى.
وقال كورتولموش: «الحكومة التركية ستستمر بكل حزم في العمل على تحسين فرص الاستثمار وجذب المستثمرين الأجانب إلى البلاد، إضافة إلى العمل على رفع القدرة التنافسية لمنتجاتنا ذات التقنية العالية، مع نظيراتها العالمية، وعلى صعيد السياسة الخارجية، سنعلن عن مقترحاتنا وتطلعاتنا الجديدة حول حل أزمات المنطقة، وبهذه الخطوة سنعمل على التقليل من أعداء تركيا، وزيادة عدد أصدقائها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟