إيران وتكريس الفشل.. من نظام بشار إلى ميليشيا الحوثي

طهران وأتباعها أمام سد قرارات المجتمع الدولي

يغرر الحوثيون بأنصارهم كما تغرر بهم إيران بسياساتها التي تزعزع استقرار المنطقة وترنو للنيل من المنطقة بتصدير ثورتها (رويترز)
يغرر الحوثيون بأنصارهم كما تغرر بهم إيران بسياساتها التي تزعزع استقرار المنطقة وترنو للنيل من المنطقة بتصدير ثورتها (رويترز)
TT

إيران وتكريس الفشل.. من نظام بشار إلى ميليشيا الحوثي

يغرر الحوثيون بأنصارهم كما تغرر بهم إيران بسياساتها التي تزعزع استقرار المنطقة وترنو للنيل من المنطقة بتصدير ثورتها (رويترز)
يغرر الحوثيون بأنصارهم كما تغرر بهم إيران بسياساتها التي تزعزع استقرار المنطقة وترنو للنيل من المنطقة بتصدير ثورتها (رويترز)

رهانات فاشلة من الجمهورية الإيرانية، تبلورت أخيرًا في اليمن بعد إعلان حليفي الانقلاب في اليمن: جماعة الحوثي، والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بإنشاء «مجلس سياسي» من الحوثي وحزب صالح، لإدارة شؤون البلاد، في محاولة للالتفاف على القرار الأممي 2216، الذي يُحمّل الانقلابيين مسؤولية تدهور الحالة اليمنية، ويطالبهم بنزع السلاح والانسحاب من عدة مناطق يمنية.
التوجه الإيراني خريطته معدة بدعم أذرعه وحلفائه، تارة لتحقيق مكاسب سياسية تفاوضية في برنامجه النووي، وتارة لمحاولة الضرب على وتر الطائفية في بلدان المنطقة، تحقيقًا لغايات الثورة الإيرانية، وتنصيب نفسها حامية للشرق الأوسط، وأخرى لمحاولة تقوية ما يسمى «حزب الله» اللبناني الخادم المطيع له للاستفراد بلبنان وما يجاورها.
عبر اليمن.. ترى إيران في الحوثي أساسًا في الخريطة السياسية اليمنية، وسبق لها أن أعلنت على لسان، اللواء نائب قائاني، نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، عن دعمها وتقديمها استشارات للجماعة الحوثية، مضيفًا بقوله: «ندعم بقوة كل من يقاتل تحت راية الجمهورية الإسلامية.. ومدافعو اليمن (الحوثي) تربوا على يد الجمهورية الإسلامية ولن يستطيع الأعداء مواجهتهم».
هذه التحركات تعيد وضع إيران أمام قوة القرار والتوافق الدولي، حيث أدانت الأمم المتحدة الإعلان عن تأسيس المجلس السياسي، مبينة أن الإعلان عن ترتيبات أحادية الجانب لا يتسق مع العملية السياسية، ويعرض التقدم الجوهري المحرز في محادثات الكويت للخطر.
وعلى الفور بعد إعلان الحوثي وحزب صالح عن خطوته التعقيدية للأزمة اليمنية، كانت الأمم المتحدة مسرعة في طرح اقتراح لمعالجة الأزمة، أعيد ترتيب بنوده بروح قرار مجلس الأمن الدولي 2216، حيث يشمل تسليم الحوثيين وحلفائهم الموالين لعلي عبد الله صالح، السلاح وحل المجلس السياسي الذي شكلوه، والانسحاب من العاصمة ونطاقها الأمني، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وأن يمهد ذلك لبدء حوار سياسي يبدأ بعد 45 يوما من التوقيع على الاتفاق المقترح، وجاءت موافقة الحكومة اليمنية فورية على المقترح، بينما لا يزال الوفد الحوثي على الانتظار في مهلة الأوامر الموجهة.
لكن القرار الحوثي، مرتبط بأجندة دقيقة كما تشرحه الأوضاع وطول مشاورات الكويت التي يمر عليها 100 يوم دون تحقيق أي تقدم، إذ إن الانقلابيين يمارسون أدوارًا عدة للحصول على مكاسب سياسية تضمن لهم البقاء في جزء من السلطة، عوضا عن إخراجهم من دائرتها بدعم مباشر من النظام الإيراني الحريص على الحفاظ على الحالة المتوترة في اليمن.
وفي ذلك ما تشير إليه التحليلات أن السعي الإيراني يتمثل في دعم الحوثيين من منطلق طائفي ومصلحي أساسي للتمكن من إيجاد موطئ قدم في العمق العربي الجنوبي ذي الأهمية الاستراتيجية على منافذ التجارة العالمية ودول القرن الأفريقي، وسعيها الحثيث إلى ابتلاع الكيان اليمني وزرع جماعة تشبه «حزب الله» اللبناني بمكاسب سياسية وعسكرية، وهو ما أكده رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن دغر، الشهر الماضي من عدن، بأن إيران وراء ضخ الصراعات والأحقاد في اليمن، مشددًا على أن بلاده «لن تسمح بوجود (حزب الله) ثانٍ في اليمن، ليهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة».
ويسبق ذلك الرهان والاتجاه، مواقف طهران الداعمة سياسيًا وعسكريًا، للنظام السوري، ومحاولة نصب جحافل حرسها الثوري والمرتزقة من الخارج، لمنع سقوط بشار الأسد، ودفعت بالمئات من المستشارين والعسكريين للقتال منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس (آذار) 2011، إلى جانب «حزب الله» اللبناني، الداعم للأجندات الثورية الخمينية، في فلسفة سياسية توسعية تقوم عليها إيران منذ عقود.
وإن كان الوضع السوري مختلفًا إلى حد ما عن اليمن، كون النظام لا يزال في دمشق حاكما بمساعدة المحور الروسي - الإيراني، سياسيا وعسكريا، إلا أن ذلك يصطدم بما آلت إليه قرارات دولية ومنها جنيف 1، مدافعة إيران عن وجودها في سوريا، ومتحدية بأن «الأسد خط أحمر».
وأعلنت إيران مرارًا، أنها لن تقف مكتوفة اليدين في حال التطرق إلى النظام السوري، وفي حال استهدفت دول أهدافا محددة في دمشق، مهددة على لسان عدد من قادتها العسكريين إلى تحويل الوضع نحو حرب إقليمية. مهددة أيضا عبر رجال دين إيرانيين أن أثر أي مساس بالأسد والنظام العلوي سيكون وخيمًا على الدول، وجاء التهديد قبل عامين بذكر واشنطن وباريس، بإطلاق يد مجموعات موالية لطهران لاستهداف قوة الأمم المتحدة (اليونيفيل) في لبنان، في وقت تزداد كماشة العقوبات على «حزب الله» اللبناني بفعل قرارات قضائية.
وليس تنظيم «حزب الله» وحده من تراهن عليه إيران للإبقاء على حضورها، فهناك الرئيس بشار الأسد الذي لا تزال تعتبره خطًا أحمر لا يمكن المساس به، عند الحديث عن أي حل سياسي في سوريا، وأوضح كبير مستشاري المرشد الإيراني، الجنرال يحيى رحيم صفوي، أن تقديم الدعم للحزب اللبناني سياسيا وعسكريا يصب في صالح تعزيز ثقل إيران السياسي وتأثيرها إقليميًا، وأن منع سقوط بشار الأسد وتقسيم سوريا هما من الخيارات الاستراتيجية لإيران.
ويترافق ذلك التصعيد الدبلوماسي الذي بدأ يرهق طهران، مع تدريب إيراني متواصل لميليشيات محلية صممت على نمط ميليشيا الباسيج في إيران، لدعم الحكومة السورية، وأبرز الحضور الإيراني في الداخل السوري، تحولات واضطرابات سياسية وأمنية في المنطقة بفعل الدعم الإيراني، وتحويل القضية من صراع شعبي مع النظام إلى حرب إقليمية وأمنية تزايدت معها التنظيمات الإرهابية.



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.