قراءة في هجمات أوروبا

بين الجهاد الفردي والتبني المشبوه لـ«داعش»

انتشار امني اثر تهديد ارهابي في  فرانكفورت (رويترز)
انتشار امني اثر تهديد ارهابي في فرانكفورت (رويترز)
TT

قراءة في هجمات أوروبا

انتشار امني اثر تهديد ارهابي في  فرانكفورت (رويترز)
انتشار امني اثر تهديد ارهابي في فرانكفورت (رويترز)

في شهر رمضان الماضي، الموافق 21 مايو (أيار) الماضي، كانت رسالة وتوجيه أبو محمد العدناني المتحدث باسم تنظيم داعش واضحين بتنفيذ هجمات ضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حين قال: «اجعلوا هذا الشهر شهر المصائب على الكفار، في كل مكان، والدعوة موجهة خصوصًا لأنصار الخلافة في أوروبا وأميركا». وهو ما أتت استجابته وترجمته في عمليات غير مسبوقة تتوالى في كثير من العواصم الأوروبية بشكل واضح، كان آخرها في فرنسا وألمانيا، التي شهدت 4 حوادث خلال أسبوع، وهو ما قد تصح نسبة بعضها لـ«داعش» بوضوح. ولكن لا شك أن بعضها الآخر يصح الشك فيه كذلك، وأنها تبنٍ مشبوه من «داعش» أو تجنيد وتوظيف لعناصر لا تنتمي إليه أصلاً، بهدف تأكيد رسائله التهديدية، بغية تخفيف الضغط عليه.
كان خطاب العدناني المذكور أكثر تعبيرًا عن أزمة «داعش» وانحصاره، وانطفاء جذوته وانتحاريته العدمية المصرة على الموت والإماتة معًا ضد معنى الحياة والأمن. فلم تنجح محاولات إنكاره، في خطاب موجه لعناصره، الهزائم والخسائر التي تعرض لها التنظيم، مقرًا فيها بخسارة مدن ومناطق في العراق وسوريا، وبمقتل عدد من أبرز قيادات تنظيمه، مثل أبي عمر الشيشاني وغيره، لكنه شأن كل خطاب آيديولوجي مصمت ومنغلق لا يستطيع مجاوزة شعاراته وصلابته المدعاة. ويترافق مع ذلك ويؤكد حضور هذه الأزمة تسجيل آخر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي 2015 لأبو بكر البغدادي، أمير «داعش»، بعنوان «فتربصوا إنا معكم متربصون»، حمل على مدار 24 دقيقة، دلالات كثيرة على تراجع التنظيم وأزمته بعد الهزائم والخسائر التي مُني ويمنى بها تنظيمه في الآونة الأخيرة، جرّاء الضربات الجوية الأميركية والروسية التي لم تضعفه، مركزًا على دعوة المؤمنين به للثبات والفعل وإنهاك الخصم، وتشتيت جهوده أمنيًا واستنزافه في اتجاهات مختلفة وتصدير شعور الخوف والرهبة لخصومه.
قبل حادثة ذبح الراهب في فرنسا، امتدت جرائم الإرهاب والعنف إلى ألمانيا في الآونة الأخيرة، رغم التدابير الأمنية المكثفة، حيث كان متوقعًا حدوثها، قبل أسبوع واحد من وقوعها في تصريحات مسؤوليها، فضلاً عن حالة الاستنفار العامة في أوروبا، عامة، عقب الهجمات التي ضربت فرنسا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، وبلجيكا مطلع العام الحالي.
وتمثل جميعها حالة براغماتية لما يسمى «الجهاد الفردي» أو «الذئاب المنفردة»، حسب وصف بعض المراقبين، ولكنها عكس ما يفهم «داعش» لا تمثل تهديدًا للتحالف الدولي أو دول العالم الغربي، بل تزيده إصرارًا على المواجهة والشعور بالخطر والتحدي الماثل أمامه، قدر ما تمثل رسالة طمأنة لعناصر التنظيم المأزوم والمحاصر الفاقد مناطق سيطرته وعددًا من أبرز قيادييه.
إنها حالة إفاقة مؤقتة من الانحصار والانكسار، عبر نشوة نجاح عملية هنا أو هناك، بعيدًا عن الضغط العسكري لدول التحالف الدولي. ولكن ما جد في العمليات الأخيرة أنها أتت من عناصر لم يعرف عنها من قبل سجل إرهابي، بل بعضهم غير متدينين بالمرة، ما يطرح فرضية واحتمال توظيفهم وتجنيدهم من قبل تنظيم داعش لصالح تحقيق هذا الهدف.
جرائم غير مسبوقة، منذ العصور الوسطى، تصدم الوعي الإنساني والأوروبي الحديث، لا يصح عليها إلا وصف التوحش. فهي لا تقتل على الهوية بل تقتل عشوائيًا. تنتحر في معنى الحياة والاستقرار والأمن، هي فظاعات فاجأت العالم والدول والحكومات والمجتمع الدولي، الذي ظن أن تردده في حل الأزمة السورية وعدم الحسم بفرض الاستقرار فيها، يجعله بمنأى عن تداعياتها اللعينة، التي صارت تطارد الإنسان في شوارع أوروبا وغيرها.
ولكن طبيعة الهجمات التي شهدتها مدن فرنسية وألمانية في أقل من أسبوعين، تؤكد أيضًا أن منفذيها مجرد «هواة» وأشخاص غير أسوياء، وبالتالي، فإن «داعش» الذي يسارع إلى تبنيها لم يخطط لها، بل يستغلها لإثبات وجوده الإرهابي في أوروبا.
ويبدو أن عجز «داعش» عن شن هجمات تقليدية على غرار اعتداءات باريس وبروكسل، دفعته للبحث عن شبان في أوروبا يمرون بظروف اجتماعية ونفسية صعبة، لتحريضهم «إلكترونيًا» على تنفيذ هجمات لا تحتاج لعمليات تخطيط. كما تبرز فرضية أخرى مفادها أن «داعش» لا يعلم مسبقًا بتوقيت وطبيعة وموقع أو حتى هوية المهاجم، ويكتفي بالإعلان عن مسؤوليته، مدركًا أن منفذي الاعتداءات متعاطفون مع أفكاره الشاذة. ولقد أصبح من المعروف أن منفذي هذه الاعتداءات كل منهم يعاني ظروفًا صعبة دفعت بهم للقتل، أحدهم كان يسعى للجوء في ألمانيا ورفض طلبه، وآخر كان مريضًا بالاكتئاب الحاد.
من هنا نرى أن «داعش» يحاول الاستثمار وتوظيف سياقات المهاجرين واللاجئين وأزمات الهوية والاندماج في المجتمع الغربي أيضًا، والشعور العدمي الذي يشمل بعض الأفراد، كما يستثمر في المتحولين دينيًا الجدد الذين يمثلون 25 في المائة من عناصره، في سابقة لم تعرف في تنظيمات التطرف العنيف من قبل. مرحلة التوحش والعدمية التي يصنعها ويوظفها التنظيم وسائر جماعات الإرهاب والفوضى في العالم أجمع، وتنتجها الأزمات السياسية العالقة في سوريا والعراق، كما تنتجها منذ نوفمبر الماضي إلى اليوم، تجسدت أمامنا في سلسلة من الجرائم. ففي ذلك الشهر قتل الإرهابيون 130 شخصًا، وكان بذا الأكثر دموية في تاريخ العاصمة الفرنسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لقد بدت باريس ساحة حرب؛ الدماء من ملعب كرة، إلى قاعة احتفالات، وحي مكتظ بالمطاعم.
بعدها، هاجموا بروكسل، قتلوا أكثر من 30 شخصًا وجرحوا 300، وهذا رقم دموي تاريخي لعاصمة بلجيكا. وتكررت الهجمات وكان أبشعها، وأكثرها إشاعة للرعب بين ملايين الناس، المسلح الذي قاد شاحنة ودهس 84 شخصًا وجرح مئات الناس العائدين من احتفالاتهم في مدينة نيس.
وفي هذا الشهر (يوليو «تموز» الماضي) أيضًا انتقل الهجوم إلى ألمانيا، حيث جرت 5 عمليات إرهابية، بينها طعن امرأة حامل، وقتل ركاب في قطار. ثم عاد الرعب إلى منطقة النورماندي الفرنسية بذبح كاهن في كنيسته، وهو ما شوه الإسلام وأحرج المسلمين وكل الإنسانيين في كل العالم معًا.
صك تعبير «الجهاد الفردي» محمد خليل الحكايمة في رسالة له بنفس العنوان، كأساس فكري لعمليات «الذئاب المنفردة» الانتحارية أو غيرها، بينما لا يوجد أي أساس أو نص شرعي يبرر لهذا الإرهاب العشوائي الأعمى، الذي يقتل بلا تمييز لغاية القتل فقط! وهو ما بدأته «القاعدة» وتوسعت فيه ما بعد، ولكن تمدد فيه «داعش» بشكل كبير في عملياته الأخيرة.
وتقوم فكرة «الجهاد الفردي» - وفق تفسير الحكايمة - على اعتبار أن هذا النوع يتم اللجوء إليه على مر التاريخ الإسلامي، في ظل غياب منظومة متكاملة لـ«الجهاد»، والعجز عن الوضوح، وهو النمط الذي يقول الحكايمة، دون توضيح أو أمثلة، إنه «تكرر في زمن الحروب الصليبية، وفساد الأمراء وانحلال الأمة، حيث تصدت جموع المجاهدين المقاومين للأزمة من خلال السرايا والمجموعات المنعزلة»، حيث تستطيع الخلايا الصغيرة والأفراد القيام بعمليات اغتيال أو تفجير ضخمة تحدث أثرًا إعلاميًا ضخمًا. كما تجلى في عملية عضو الكتائب أيوب الطيشان حين استهدافه الناقلة اليابانية «إم ستار»، في مضيق هرمز في يونيو (حزيران) 2010. وتكرر بشكل جلي في عمليات أوروبا الأخيرة عام 2016 وعام 2015، التي راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وغيرها.
ويقر شرعيو الإرهاب والتطرف العنيف أن العمليات الانتحارية - التي يصفونها بـ«الاستشهادية» - مسألة جديدة، أو بدعة محدثة إذا أرادوا الدقة، لم يسبق أن أتى فيها نص أو سند من قرآن أو سنة. لكنهم توسعوا فيها كل توسع كسلاح إرهابي غير مسبوق، لا يخشى الموت، ويفاجئ الأحياء به منتحرًا فيهم وبهم وفق شعار «مت لتقتل».
ولقد جمع منظّر «داعش» الأشهر تركي البنعلي في رسالة له بعنوان «الأقوال المهدية في العمليات الاستشهادية» - صادرة عام 2012 - أقوال شرعيي «القاعدة» حينئذ والجماعات الراديكالية المتطرفة ومؤيديهم، وكان تبريرهم لها في البداية كاستراتيجية مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ولكن انتهت كوسيلة وأداة ضد كل مخالفيهم ومعارضيهم من الدول والحكومات والجماعات، والأخطر ضد الشعوب والمواطنين دون تمييز.
ويقول في ذلك أحد مراجع الجماعات الراديكالية، الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي: «لا بد أن تعلم أن مثل هذه العمليات المذكورة من النوازل المعاصرة التي لم تكن معروفة في السابق بنفس طريقتها اليوم، ولكل عصر نوازله التي تحدث فيه، فيجتهد العلماء على تنزيلها على النصوص والعمومات والحوادث والوقائع المشابهة لها، التي أفتى في مثلها السلف. قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، فهي من النوازل الحديثة التي لم يعرف لها أصل سابق، ولكنها بدعة صار العالم أجمع يعاني منها، بل تعاني منها (القاعدة) ويعاني (داعش) حين يستهدف كل منهما الآخر».
ويرفض البنعلي، أكبر شرعيي «داعش» سابقًا، إنزال هذا تحريم التحريق بالنار حينئذ على العمليات الانتحارية، قبل أن يكون هناك «داعش» أو حرق للكساسبة، فهو يرفض الحرق قبل 4 سنوات، ولكن يجيزه ويفتي به ويبرر له عام 2015، فيرى أن الربط بين الحرق بالنار والعمليات الانتحارية خطأ فاحش، لأنه ليست فقط هذه العمليات التي تقوم على النار، بل إن جل الأسلحة الحديثة اليوم لا تخلو من النار، وإذا قلت كلها لم أكن كاذبًا في ذلك، فهذا الأمر يقتضي إيقاف الجهاد بالكلية، أو الجهاد بالسيوف والحراب! وكلا الأمرين سقيم لا يصح بحال.
ويستدل في ذلك بما رواه ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حرق نخل بني النضير وقطع. وهي البويرة، فأنزل الله عز وجل فيه: «ما قطعتم من لينةٍ أو تركتموها قائمةً على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين» [الحشر: 5]، أو ما روي من آثار مقيدة في حرق بعض الخونة للنبي في حادث العرنيين، أو ما روي في بعض أحداث حروب الردة. وهكذا تحكم الهوامش والاستثناءات القواعد وتعمّم عليها دون ضبط في مثل هذا الوعي السقيم، حيث يقول البنعلي: «ولا يمنع أن يكون في النخل رجال احترقوا فيه، والله أعلم»، وهكذا يساوي عنده في عقله المثقوب حرق النخل للعدو الخصم مع حرق المسلمين!
لكن تبقى فتوى «التترس» السند الأبرز والأكبر لهؤلاء في تبرير العمليات الإرهابية. ويستشهد هؤلاء بما كان يقوله بعض الفقهاء عامًا غير مخصوص، أو مخصوصًا غير عام في جوازها، حين لا يكون سبيل سوى القتل. حيث ينقل البنعلي عن الإمام ابن النحاس قوله: «ويجوز نصب المنجنيق على الكفار، ورميهم بالحجارة والنار، وإرسال الماء عليهم، ولو كان فيهم مسلمون أسرى، لأن هذا من ضرورات القتال». أ.ه [تهذيب مشارع الأشواق لصلاح الخالدي ص370 وانظر مغني المحتاج 4 / 223]. لكنه يتجاهل في هذا السياق حرمة قتل المدنيين التي أكد عليها الإسلام وأخلاق وآداب الحرب فيه، ببيان ظاهر ونصوص واضحة. كما أنه يتجاهل كلية أن الحروب القديمة كانت فاصلة وبيّنة بين طرفيها، بينما يكون التداخل والاندماج في المجتمعات المعاصرة، خصوصًا مع وسائل النقل الحديثة الميسرة للانتقال والعيش والزيارة.
إن بدعة العمليات الانتحارية التي سنها من سنها ضد احتلال، لم تعد تضرب احتلالاً، ولكنها تضرب في كل صوب وحدث. تضرب في ثاني الحرمين، كما تضرب في أوروبا وسيناء وأفغانستان وتركيا وكل مكان.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».