12 ألفًا و96 شخصًا حصيلة المحبوسين على خلفية انقلاب تركيا الفاشل

الإفراج عن 758 جنديًا واعتقال مسؤولين وأطباء

12 ألفًا و96 شخصًا حصيلة المحبوسين على خلفية انقلاب تركيا الفاشل
TT

12 ألفًا و96 شخصًا حصيلة المحبوسين على خلفية انقلاب تركيا الفاشل

12 ألفًا و96 شخصًا حصيلة المحبوسين على خلفية انقلاب تركيا الفاشل

تواصلت حملات الاعتقالات في كثير من المجالات في تركيا على خلفية محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة منتصف يوليو (تموز) الماضي.
وألقت قوات الأمن التركية أمس القبض على 33 شخصا من أصل 44 صدر بحقهم قرارات اعتقال في إطار حملة الاستجوابات التي بدأتها السلطات في أعقاب محاولة الانقلاب. وتضمنت قرارات الاعتقال الصادرة ولاة ونواب ولاة ومستشارين قانونيين ومفتشي ملكية. ولا تزال قوات الأمن تجري عمليات تفتيش لمواقع مختلفة في ظل استمرار عمليات التحقيق. كما ألقت قوات الأمن التركية القبض على جراحين مشهورين عالميا شاركوا في عمليات نقل أعضاء، وذلك في إطار حملات الاعتقالات المتواصلة منذ ثلاثة أيام في مستشفى جامعة أكدنيز (البحر المتوسط) في محافظة أنطاليا جنوب تركيا. وأصدرت النيابة العامة قرارات باعتقال 147 شخصا في مدينة أنطاليا من بينهم جراحون مشهورون دوليا بجامعة أكدنيز سبق وأن أجروا عمليات نقل وجه وذراع وساق، كما تضمنت قائمة المعتقلين مساعدين لرئيس الجامعة الأسبق والعميد السابق وعدد من الأكاديميين والإداريين.
وكانت قوات الأمن ألقت القبض على 130 شخصا الجمعة يوم الماضي في إطار قرارات الاعتقال الصادرة بحق 150 شخصا فيما اعتقلت اليوم 17 آخرين.
ومن بين المعتقلين رئيس قسم جراحة العظام الدكتور سردار ت، الذي أجرى أول جراحة نقل وجه وذراع وساق في عام 2012. وعضو قسم جراحة العظام ليفنت أ. وعضو هيئة التدريس في قسم التخدير والإنعاش الدكتور أتيلا ر. ورئيس قسم جراحة الفك في كلية الأسنان الدكتور سنان ت. والمدير السابق لمركز نقل الأعضاء الدكتور إبراهيم أ. ونائب رئيس الجامعة الأسبق وعضو قسم الكلى الدكتور رمضان ش. وجراح الأطفال الدكتور عبد الرحمن ك. والدكتور عدنان أ، وعضو قسم القلب الدكتور رمزي ي، بالإضافة إلى العميد الأسبق لكلية الاتصالات بلال أ، والعميد الأسبق لكلية التربية.
وبلغ عدد المحبوسين بموجب قرارات قضائية على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، التي شهدتها تركيا منتصف يوليو 12 ألفًا و96 شخصًا، بحسب مصادر قضائية. ومن بين المحبوسين حتى أول من أمس، ألف و446 قاضيًا، و768 مدعيا عاما، و155 جنرالاً، و4 آلاف و185 ضابطا وضابط صف، فضلاً عن 642 جنديًا و881 طالبًا عسكريًا. وبلغت حصيلة المحبوسين من الشرطة، ألفًا و744 عنصرًا، فيما وصل عدد المحبوسين من مسؤولي السلطات المحلية كالولاة والقائمقامين والموظفين الحكوميين إلى ألفين و275 شخصًا. في الوقت نفسه، أخلت محكمة الصلح والجزاء الأولى في إسطنبول السبت الماضي سبيل 758 جنديًا وطالبًا بالمدارس العسكرية من أصل 989 أوقفوا في إطار التحقيقات المتعلقة بمحاولة الانقلاب الفاشلة. وطالب مكتب الجرائم المنظمة والإرهاب التابع لنيابة إسطنبول في إطار التحقيقات التي أجراها، وبعد الاستماع لإفادة المعتقلين، بإخلاء سبيل 758 شخصًا منهم قضت محكمة الصلح والجزاء بالإفراج عنهم عقب تقييمها التحقيقات وأخذها بعين الاعتبار الأدلة الموجودة معللة قرارها بأن استمرار تدابير احتجازهم لم يعد لها داعٍ. بينما تقرر حبس الباقين وعددهم 231 على ذمة التحقيق. في الوقت نفسه، أعلن نائب المدير العام لمديرية الصحافة والنشر والإعلام التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التركي أردم أوكتان إلغاء البطاقات الصحافية لـ296 صحافيا.
وبهذا بلغ إجمالي عدد البطاقات الصحافية التي تم إلغاؤها للصحافيين في تركيا 330 بطاقة اعتماد. وقال أوكتان إن المديرية العامة للإعلام والنشر قامت بفحص البطاقات عقب محاولة الانقلاب الفاشلة وتم إلغاء بطاقات 34 صحافيا الأسبوع الماضي قائلا: «تم إلغاء بطاقات 296 صحافيا آخرين، وبهذا يبلغ إجمالي البطاقات التي تم إلغاؤها نحو 330 بطاقة». وأضاف أوكتان أن عمليات التدقيق في حاملي البطاقات الصحافية لا تزال مستمرة. في سياق متصل، نفت الكاتبة التركية نازلي إليجاك، المحبوسة على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة صلتها بما يسمى منظمة فتح الله غولن أو (الكيان الموازي) التي تتهمها السلطات التركية بتدبير المخطط الانقلابي. وأكدت إليجاك في إفادتها أمام الادعاء العام بمدينة إسطنبول قبل إحالتها إلى المحكمة أنها «ضحية الانقلاب». وأشارت إليجاك، إلى عدم تيقنها بطبيعة الجهة (المؤسسات الإعلامية التابعة لغولن) التي كانت تعمل فيها، إلا عقب المحاولة الانقلابية. وأضافت أنها «كانت على الدوام تقف إلى جانب الضحايا وتدافع عنهم»، نافية ارتباطها بأي منظمة أو جماعة، وتابعت: «إن كنت كذلك لكنت حصلت على بعض المكاسب المادية والمعنوية على الأقل».
وأشارت الصحافية التركية إلى أنها عملت في صحيفة «صباح» المقربة من الحكومة إلى جانب إعدادها برامج في قنوات تلفزيونية، غير أنها اضطرت لاحقًا إلى ترك عملها بالمؤسسات الإعلامية المذكورة. وتابعت: «بعد ذلك بحثت عن عمل آخر أقوم به، وبدأت العمل في قناة وصحيفة (بوجون)، إلى جانب عروض تلقيتها من قناة (صمان يولو) وجريدة (زمان) وجميعها وسائل إعلام تابعة لغولن». وقالت إليجاك إنه «في اللحظة التي رأيت جنودًا على جسر البوسفور، أبديت رأيي بمعارضة الانقلاب، وقمت بنشر تغريدات على حسابي في (توتير)»، معربة عن أسفها لـ«اكتشاف حقيقة (الكيان الموازي) غير الدينية». وأمرت محكمة الصلح والجزاء المناوبة في مدينة إسطنبول التركية، مساء أول من أمس، بحبس 6 صحافيين بينهم إليجاك، على ذمة تحقيقات متعلقة بالأذرع الإعلامية لمنظمة «الكيان الموازي» المتهمة بالتخطيط لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
تجدر الإشارة إلى أن محكمة الصلح والجزاء المناوبة أصدرت، الاثنين الماضي، قرارًا بإلقاء القبض على 42 صحافيًا، في إطار التحقيقات ذاتها. في سياق مقارب، نقل التلفزيون التركي عن مسؤول بارز أول من أمس أن السلطات رصدت رسائل مشفرة أرسلها أتباع الداعي فتح الله غولن قبل محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف الشهر الحالي، ما أتاح للأجهزة الأمنية معرفة أسماء نحو أربعين ألفا من أتباع غولن، بينما أفرج عن مئات المتهمين بالتورط في الانقلاب. وأضاف المسؤول التركي أن جهاز المخابرات التركي بدأ بفك شفرة الرسائل التي أرسلت عبر تطبيق «بايلوك» في مايو (أيار) من العام الماضي، ما مكنه من معرفة أسماء نحو 40 ألفا من أتباع غولن، بينهم 600 من كبار قادة الجيش.
وأضاف أن أتباع غولن استخدموا تطبيقات الرسائل المشفرة للتواصل بشكل سري منذ أواخر عام 2013. وأنهم بدأوا باستخدام تطبيق بايلوك في 2014. ثم تحولوا إلى استخدام تطبيق آخر عندما أدركوا أنه تم اعتراض التطبيق، حيث سبق الكشف عن تواصل الانقلابيين لحظة محاولة الانقلاب عبر تطبيق «واتساب». وشكك محللون أتراك في صحة هذه الرواية قائلين إنه إن كانت المخابرات تعلم بأمر قادة الجيش التابعين لغولن منذ مايو 2015 فلماذا لم تتم الإطاحة بهم في اجتماع مجلس الشورى العسكري في أغسطس (آب) من العام الماضي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟