نجم العروض الضخمة جان ميشال جار يبهر جمهور قلعة بعلبك الرومانية

احتفالات العيد الستين لمهرجانات مدينة الشمس ماضية بنجاح

جان ميشال جار يتنقل بين أجهزته الإلكترونية على مدرجات معبد باخوس في القلعة الرومانية في بعلبك - جانب من ألعاب الضوء وأفلام الفيديو الليزر
جان ميشال جار يتنقل بين أجهزته الإلكترونية على مدرجات معبد باخوس في القلعة الرومانية في بعلبك - جانب من ألعاب الضوء وأفلام الفيديو الليزر
TT

نجم العروض الضخمة جان ميشال جار يبهر جمهور قلعة بعلبك الرومانية

جان ميشال جار يتنقل بين أجهزته الإلكترونية على مدرجات معبد باخوس في القلعة الرومانية في بعلبك - جانب من ألعاب الضوء وأفلام الفيديو الليزر
جان ميشال جار يتنقل بين أجهزته الإلكترونية على مدرجات معبد باخوس في القلعة الرومانية في بعلبك - جانب من ألعاب الضوء وأفلام الفيديو الليزر

أحيا عازف الموسيقى الإلكترونية الفرنسي الشهير جان ميشال جار، حفلاً خلب ألباب جمهوره في القلعة الرومانية في بعلبك. وعلى مدرجات معبد باخوس، وقف جار الذي حمل معه ما لا يقل عن 40 عامًا من الخبرة، وبسنواته التي تجاوزت الستين، ليقفز كما شاب حيوي صغير ويتنقل بين أجهزته الإلكترونية، جيئة وذهابًا، ليعزف عليها بحرارته المعهودة وليرسم في فضاء القلعة التاريخية، وهذه المدينة المتألمة التي تبعد كيلومترات قليلة عن الحدود السورية، ألوانه وجنونه ويملأ الفضاء بموسيقاه الصاخبة.
والعجيب أن موسيقى التكنو التي عرفت باجتذابها للشباب، كان جمهورها العريض هذه المرة قد بلغ الخمسين والستين في قسم كبير منه. أولئك الذين عاصروا صعود جار في السبعينات، حين كان من رواد هذا الإطار الحديث من الموسيقى يومها جاءوا للقائه، رقصوا طويلاً، أضاءوا هواتفهم، أشعلوا ولاعاتهم أحيانًا، ليواكبوا هذا الموسيقي الموهوب الذي لا يشيخ.
جان ميشال جار المعروف بعروضه الضخمة التي تخلط بين موسيقى التكنو بأزيزها وضجيجها وزعيقها، بألعاب الضوء ومشاركة أفلام الفيديو الليزر، الذي قدم عروضًا أمام الملايين، وفي مناسبات دولية كبيرة، وله جمهور عريض في العالم، يعرف جيدًا حساسية المكان الذي يعزف فيه. ومع ذلك قال إنه أتى إلى بعلبك لأن الجميع يجب أن يأتوا إلى هنا ويقدموا أعمالهم، كما أنه أهدى إحدى مقطوعاته لمدينة الشمس، احتفاء بالعيد الستين لمهرجاناتها.
من قديمه وألبومه الأخير «ذي هارت أوف نويز»، قدم ما يقارب 20 مقطوعة، صاحبها بطبيعة الحال، وكما هو معتاد، عرض كامل يغطي المسرح وفضاء المكان، لتبقى الموسيقى ترقص الضوء وتعبث به، راسمة أشكالاً بديعة، فمرة نحن أمام أهرامات بكل الألوان، ومرة أخرى يبدو للحضور كأنهم أمام أقواس قزح، أو أن الخطوط التي ترتسم تصاحب مركبة فضائية آتية من كوكب آخر تحط في المكان.
هذا هو نمط جان ميشال جار الذي كان سباقًا إليه قبل أن تغزو هذه الموسيقى العالم، حيث وصلت مبيعاته خلال الثمانينات حتى اليوم إلى 80 مليون ألبوم في العالم. وهو مبتكر هذا النوع من العروض الضخمة الأخاذة التي تقام في الهواء الطلق لتكون متعة للجماهير الغفيرة، لذلك دخل مرتين موسوعة غينيس، بسبب عدد الجماهير الكبير والقياسي، الذين يحضرون حفلاته التي تقام عادة في مناسبات كبيرة وأماكن عامة.
جمهور جار في بعلبك كان متناسبًا وحجم البلد الصغير، ومع ذلك بدا الفنان الكبير متحمسًا، وأعلنت لجنة المهرجانات عن بطاقات بأسعار صغيرة لم تتجاوز 50 ألف ليرة لبنانية، لتشجيع الشباب على حضور الحفلات.
تمكن هذا الفنان الرائد من أن يرقص أعمدة المعابد، وأن يضيف إليها أعمدته ويحركها في كل اتجاه، وأن يجعل السماء تلمع طوال فترة العرض فوق رؤوس متفرجيه، وأن يجعل الأجواء مجنونة، لا، بل هسترية لهؤلاء الذين لم يتوقفوا عن التفاعل مع موسيقى، وإن بدا صريرها وأزيزها هائلاً أحيانًا، فإن ما يرافقها من عروض بصرية، ولوحات تشكيلية، وخطوط لا محدودة، يسرق البصر، ويدخل الحضور في حالة من النشوة الفنية العارمة.
حفل تاريخي بالتأكيد لمهرجانات بعلبك. عيد ستيني يمضي بنجاح من حفل إلى حفل، رغم كل الظروف الصعبة التي يعاني منها البقاع أكثر من أي منطقة أخرى في لبنان.
التحية كبيرة لرئيسة المهرجانات الشجاعة والجريئة نايلة دو فريج، التي أتت بنجم عالمي من فرنسا، في الوقت الذي لا يجرؤ فيه مواطن فرنسي عادي على زيارة بعلبك.
بعد فرقة «كركلا» التي افتتحت هذه الاحتفالية الستينية، الموعد المقبل مع فرنسي عالمي آخر، له أصول لبنانية هو ميكا، في الرابع من أغسطس (آب) الحالي، يليه بوب جيمس كوارتت في الثاني عشر منه، ومن ثم عبير نعمة، التي تغني المتنبي ومنوعات طربية أخرى يوم 19، وليزا سيمون، نجلة المغنية الأسطوريّة الراحلة نينا سيمون في 21، لتليها شيرين عبد الوهاب يوم 26، والختام مع خوسيه فان دام، مغنيًا الكبير كارلوس غارديل.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».