إسرائيل تستهدف رفع أسعار السلاح لتخريب تصنيع الأسلحة المحلية

الحرب على «مخارط السلاح» في الضفة تجعله شحيحًا وباهظ الثمن

إسرائيل تستهدف رفع أسعار السلاح لتخريب تصنيع الأسلحة المحلية
TT

إسرائيل تستهدف رفع أسعار السلاح لتخريب تصنيع الأسلحة المحلية

إسرائيل تستهدف رفع أسعار السلاح لتخريب تصنيع الأسلحة المحلية

من ضمن الحملات الكبيرة التي تشنها إسرائيل داخل مناطق مختلفة في الضفة الغربية، والتي تشمل قتل مطلوبين واعتقال آخرين، هناك القيام بهجمات منظمة تستهدف «سوق السلاح»، التي تعد من أهم وأخطر تجارة يمكن أن يمارسها أي فرد في الأراضي الفلسطينية. ويأتي ذلك فيما يحاول الفلسطينيون التزود بما تيسر من الأسلحة لأهداف وطنية وشخصية وللتجارة.
وتعد تجارة الأسلحة في الأراضي الفلسطينية قديمة ولا يمكن حصرها في فئة التجار فقط، بل تشمل أيضا غالبية الفصائل الفلسطينية التي طالما عملت على جمع وتكديس السلاح، وكذلك العائلات الكبيرة التي تفضل اقتناء بعض أنواع الأسلحة، إضافة إلى الأشخاص الذين يبحثون عن طرق حماية في هذا الوقت، أو في المستقبل.
لكن المعضلة التي تواجه هؤلاء جميعا هو أن هناك سلطتين تعملان على منع اقتناء الأسلحة، الأولى هي إسرائيل التي تستهدف كل سلاح «مقاوم» أو يمكن أن يصل إلى أيدي الفصائل الفلسطينية، والثانية هي السلطة التي تستهدف كل وأي سلاح مهما كان مصدره أو صاحبه، تنفيذًا لمبدأ «سلاح واحد فقط»، في إشارة إلى السلاح الرسمي بيد السلطة الفلسطينية.
وعلى الرغم من ملاحقة سنوات طويلة للأسلحة في الضفة الغربية، فإن ذلك لم يمنع وجود «سوق سوداء» لبيع الأسلحة التي يأتي معظمها من إسرائيل نفسها وبعضها مهرب من الخارج، أما القسم الثالث فهو مصنع في مخارط مدنية في مدن الضفة الغربية. وهذا النوع الثالث الذي ازدهر في الانتفاضة الحالية، أصبح مستهدفا أكثر من غيره، خصوصا وأن كل العمليات الفدائية نفذت به.
وتشن إسرائيل حاليا حملة كبيرة على «السلاح المصنع» مستهدفة المخارط التي يمكن أن تصنعه. وفي هذا السياق كتب الصحافي الإسرائيلي «شبتاي بنديت» في موقع «واللا» الإسرائيلي أمس عن إحدى أضخم الحملات التي شارك فيها لضبط ومصادرة أسلحة مصنعة في الضفة. وقال التقرير الإسرائيلي المطول إن أرتالاً عسكرية انطلقت فجر الاثنين الماضي إلى قرى في شمال الضفة الغربية، من بينها عوريف وعيبنبوس، انتهت بمصادرة أسلحة من مخارط واعتقال أصحابها.
وفي حين تبدو مخارط السلاح عادية وتستخدم عادة لأغراض مدنية، فإن إثبات أنها تعمل في تصنيع الأسلحة يتطلب ضبط السلاح نفسه، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل مؤخرًا.
وجاء في التقرير أن «القوات وصلت إلى القريتين خلال 10 دقائق مع تنسيق مستمر، وحاصرت منازل المشتبهين والمخارط ومواقع أخرى.. وعثروا في أحد المنازل على مسدس وفي منزل آخر على ذخيرة، وفي منزل ثالث عثر الجنود على آلات مختلفة، فيما كانت المخارط داخل ورشات الحدادة عادية لا تثير الشبهات، لكن فحصا دقيقا أسفر عن اكتشاف أدلة وإثباتات حول دورها في تصنيع الأسلحة، حيث عثر الجنود بالقرب من إحدى المخارط على أجزاء حديدية يمكن أن تتحول إلى سلاح ناري ومقبض بندقية وجراب عسكري، وأدى ذلك إلى عمليات حفر في أرضية من الإسمنت، قادت إلى أجزاء من بندقية رشاشة من طراز «كارلو غوستاف». وفي مخرطة أخرى جرى وضع اليد على بيانات تشير إلى عدد الأسلحة المحلية المصنعة فيها. وانتهت العملية بمصادرة أسلحة محلية من نوع «كارلو غوستاف» محلية الصنع، وبنادق «عوزي»، وأخرى من طراز M - 16 إضافة لذخائر.
وقال مصدر أمني إسرائيلي إن أصحاب هذه المخارط، وهم أربعة أشقاء متورطين في تسويق الأسلحة التي ينتجونها في أرجاء الضفة الغربية وبيعها لتجار أسلحة داخل إسرائيل نفسها.
وفي أماكن أخرى في الضفة هاجمت القوات نفسها مخارط أخرى، واعتقلت أصحابها وصادرت أسلحة، واكتشفت أن بنادق الخرز العادية يجري تطويرها كذلك لتصبح قاتلة.
وقالت مصادر فلسطينية وإسرائيلية إن تلك البنادق غير المؤذية يجري تطويرها لتصبح بندقية رصاص، ووصل سعرها إلى 7 آلاف دولار.
وحتى الآن اقتحمت إسرائيل أكثر من 20 مخرطة، وصادرت أكثر من 200 قطعة سلاح منذ بداية العام الحالي. وقد أكد مسؤول أمني إسرائيلي أن أجهزة جمع المعلومات الاستخبارية تحاول رصد جميع المخارط التي تعمل، أو تشارك في إنتاج السلاح بهدف إخراجها من دائرة النشاط على أمل أن تؤدي عمليات مصادرة المخارط إلى تقليص أعمال تصنيع الأسلحة، وبالتالي ارتفاع سعر هذه الأسلحة.
وشهدت سوق السلاح في الشهور القليلة الماضية ارتفاعًا كبيرًا في ظل الهجمات الإسرائيلية على منابع الأسلحة، ومنع السلطة أي تداول للسلاح في الضفة، والطلب المتزايد للفلسطينيين على هذا السلاح. وبلغ سعر بندقية محلية الصنع في الآونة الأخيرة أكثر من 1200 دولار، بعدما كان سعرها 500 دولار فقط، أما السلاح الأكثر تطورًا فشهد ارتفاعا مجنونا.
وتشير الأرقام الفلسطينية والإسرائيلية إلى ارتفاع بندقية الـM4، التي كان ثمنها قبل عدة أشهر 15 ألف دولار، إلى 22 ألف دولار، والـM16 التي كان ثمنها 10 آلاف دولار إلى 15 ألفًا، والكلاشنكوف الذي كان سعره 5 آلاف دولار إلى 8 آلاف، كما شمل ذلك ارتفاعًا على أسعار المسدسات بنحو 2000 دولار وأكثر لكل واحد بحسب نوعه.
وقال الرائد «ليرون فوكس» قائد وحدة الهندسة التابعة للواء الناحال في الجيش: «نأمل أن يؤدي ارتفاع أسعار الأسلحة إلى ضرب قطاع صناعة السلاح الفلسطيني».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.