الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»

تعدد القوميات والطوائف أبرز العراقيل.. والفيدرالية تمهيد لشكل حكم مستقبلي مقترح

الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»
TT

الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»

الديموغرافيا تمنع قيام «كردستان سوريا»

لم تسفر نهاية المهلة التي منحتها «قوات سوريا الديمقراطية» لتنظيم «داعش»، والقاضية بإخلاء مدينة منبج، عن عملية عسكرية تنهي وجود التنظيم في المدينة. كما لم تسمح بربط مناطق نفوذ الأكراد في شرق سوريا بمعقلهم الشمالي في عفرين.. فالعوائق التي تحول دون التقدم العسكري، ليست إلا جزءًا بسيطًا من موانع استراتيجية تحول دون ربط تلك المناطق، ليست أقلها العوائق السياسية الدولية والإقليمية، فضلاً عن العوائق الديموغرافية.
فالأكراد يتشاركون مع عدد من الإثنيات والقوميات والطوائف في شمال شرقي سوريا، الميدان الجغرافي نفسه. هم أكبر خليط من القوميات والطوائف في سوريا، وتتداخل مناطق النفوذ، مما يمنع حكما أن يُطبق نموذج كردستان العراق في سوريا. أما من الناحية السياسية، فإن العوائق الدولية، تمنع قيام كيان مشابه، على ضوء ارتباط معظم أكراد سوريا بحزب العمال الكردستاني الذي تحظره تركيا. وهو ما دفع الأكراد إلى بدائل، تمثلت في المساعي لتطبيق الفيدرالية في شمال سوريا، وقيام نموذج حكم مشترك بين العرب والأكراد والسريان، مثل «الحاكمية المشتركة» في مقاطعة «الجزيرة» أو «عفرين» أو «كوباني».
يجمع الأكراد على أن النظام الفيدرالي، الذي أعلن في مارس (آذار) الماضي بالتزامن مع مفاوضات «جنيف3» التي استبعدوا منها، هو لتنظيم العلاقات بين مكونات مجتمع مناطق شمال سوريا، وأنه «لا يعني أننا سنكون نسخة عن كردستان العراق». أما ضمّ ما كانت تعرف بمناطق «روج آفا» إلى تلك الأخيرة في شمال سوريا، فباتت اليوم مجتمعة تحت اسم «الاتحاد الديمقراطي روج آفا وشمال سوريا»، وهي خطّة كان قد بدأ البحث فيها قبل أربعة أشهر من مفاوضات جنيف، وأعلن عنها بعد اجتماعات ومشاورات مكثفة بين مختلف المكونات في هذه المناطق، بحسب ما واظب كبار المسؤولين الأكراد على تأكيده.
منذ إعلان تلك الخطوة، برزت تغييرات ميدانية تعزز الاعتقاد بأن الهدف من معركة منبج، هو ربط مناطق سيطرة الأكراد بعضها ببعض. لكن الواقع أن مرحلة ما بعد معارك ريف حلب الشرقي، وتحديدًا معركة منبج، تبدو ضبابية بالنسبة للأكراد و«قوات سوريا الديمقراطية». وترى مصادر كردية واسعة الاطلاع أن معركة منبج «لم تدخل مرحلة الحسم بعد»، وأنها «ستطول عسكريًا بالنظر إلى الألغام المزروعة داخل المدينة، والمدنيين الذين يلوذون بالفرار داخلها».
بدأت «قوات سوريا الديمقراطية»، بدعم من التحالف الدولي، هجوما منذ 31 مايو (أيار) الماضي لاستعادة السيطرة على منبج، وتمكنت من محاصرة أكثر من 79 قرية ومزرعة في محيط المدينة، والسيطرة عليها. وأدت محاصرة المدينة، إلى قطع طريق التواصل والإمداد المباشر من جرابلس الحدودية مع تركيا الخاضعة لسيطرة «داعش»، إلى معاقل التنظيم في الباب ودير حافر، وصولاً إلى الرقة. وبعد السيطرة على الطرقات المحيطة بمنبج، يضطر التنظيم لسلوك أكثر من 140 كيلومترًا لنقل إمداداته بين جرابلس والباب، بدلاً من 60 كيلومترًا. وبات ضروريًا للقادمين من الرقة كمحطة من دير الزور والأراضي العراقية، باتجاه جرابلس، المرور في مدينة الباب وريفها الغربي، وصولاً إلى الريف الجنوبي لمدينة مارع، قبل الانتقال إلى مدينة الراعي الحدودية مع تركيا ثم مدينة جرابلس.
وتعد تلك العملية «الأوسع» ضد تنظيم «داعش» في شرق سوريا، وتتبع المسار العسكري باتجاه الغرب، وراء ضفة نهر الفرات الغربية، وليس جنوبًا باتجاه الرقة، بهدف وصل مناطق سيطرة الأكراد بين الإدارة الذاتية في كوباني والإدارة الذاتية في عفرين، كما يرى المتابعون للملف، وسط استبعاد لأن يكون هذا التوسع يهدف للاقتراب من الشريط الحدودي مع تركيا بسبب الحساسيات مع أنقرة، علمًا بأن القوات التي تخوض المعارك في منبج «تتألف بشكل أساسي من المجلس العسكري في منبج الذي يتضمن قوات عربية وأخرى كردية تنحدر من المدينة»، إلى جانب و«حدات حماية الشعب» الكردية.

مخاوف السوريين
غير أن دخول «قوات سوريا الديمقراطية» إلى المدينة، حتى لو استغرق وقتًا إضافيًا، يثير هواجس المعارضة السورية التي تعبر عن مخاوفها من أن تسهّل هذه العملية للأكراد إعلان «كانتون» لهم في شمال سوريا، رغم أن الأكراد ينفون ذلك، مؤكدين أن النطاق الجغرافي في سوريا «متداخل بين القوميات والأعراق، خصوصًا بين العرب والأكراد في شمال سوريا، مما يمنع قيام دولة قومية غير تشاركية، ومن هنا تأتي (الحاكمية المشتركة) للفيدراليات التي تم الإعلان عنها».
وتتشارك المعارضة السورية الهاجس التركي حول قيام دولة كردية على حدودها، وباتت أكثر قربًا، مع إحراز «قوات سوريا الديمقراطية» التي يغلب عليها الأكراد، تقدمًا باتجاه الريفين الشرقي والشمالي لمدينة حلب على حساب تنظيم «داعش»، الذي سيكون معزولاً عن العالم خارج سوريا والعراق، إذا تمكنت تلك القوات من السيطرة على مناطق نفوذه.
وبانتظار تحقيق حسم عسكري، لا ينفي مستشار القيادة العامة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» الدكتور ناصر الحاج منصور، أن مرحلة «ما بعد منبج»، مسألة معقدة جدا، موضحًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تعقيداتها «تنطلق من أن الأزمة السورية يؤثر فيها لاعبون دوليون وإقليميون ومحليون، نظرًا لأن هناك توازنات إقليمية ودولية والتحالف الدولي، كما أن هناك مجموعة قوى متداخلة ومتصارعة وتعاني مشكلات كثيرة».
وتنتشر في مناطق شمال سوريا فصائل متعددة الولاءات، إضافة إلى «جبهة النصرة»، وتنظيم داعش، وقوات النظام السوري التي تحيط بمناطق سيطرة ونفوذ الأكراد، إلى جانب دخول العاملين الأميركي والروسي على خطوط التأثير بالملف السوري.
وإذ أكد الحاج منصور: «إننا لن نكون العامل الوحيد في صناعة الأحداث أو تسجيلها، رغم أننا جزء أساسي منها في شمال سوريا»، أشار إلى أن الخيارات المتاحة، في مرحلة بعد منبج، «لم تتبلور بعد»، وأنها «رهن الانتظار والتوافق عليها مع التحالف الدولي سياسيا وعسكريا».
يقول كثيرون إن الأكراد يفوضون التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، والولايات المتحدة الأميركية، لاتخاذ القرارات عنهم، في ضوء مساعدتهم عسكريًا للقضاء على «داعش»، وقد أثبتوا أنهم يمتلكون قدرة كبيرة على تحقيق ذلك، من خلال انتصارات أحرزوها في جبهات عدة في شمال سوريا وشمال شرقيها، مثل جبهات ريف الحسكة وريف الرقة وتحرير مدينة كوباني (عين العرب) الحدودية مع تركيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 2015.
وفي حين ينفي الحاج منصور أن يكون أكراد سوريا قد فوضوا التحالف تقرير الخطوات المناسبة، قال إن العلاقة «تفاوض وليس تفويضا، بمعنى أننا نتفق معهم على كل الخطوات، والتعامل بيننا يتم على أساس النقاش والتوافق والتقاطعات المشتركة»، لافتًا إلى أن أهمية التنسيق مع التحالف تزداد أيضًا بالنظر إلى «دوره على الصعيد الإقليمي في كبح جماح تركيا أو النظام، أو غيرها من العوامل الأخرى»، لجهة التعامل معهم.
ولا ينفي الأكراد نيتهم وصل الفيدرالية في كوباني بالفيدرالية في عفرين، لتكون «فيدرالية شمال سوريا»، المعروفة باسم «روج آفا»، متصلة، وتمتد من محافظة الجزيرة أو الحسكة السورية في شمال شرقي البلاد، على طول الشريط الحدودي مع تركيا، وصولاً إلى رف حلب الشمالي في عفرين، على مساحة تناهز العشرين ألف كيلومتر مربع.
وقال الحاج منصور: «من المبكر جدًا الحديث عن هذا الأمر حتى الآن، كون معركة منبج وما بعدها ستستغرق وقتًا إضافيًا، رغم أن المعركة الحالية هي بداية نهاية (داعش)، وتطلق العدّ العكسي ضد وجود التنظيم، لكنني أؤكد أن الفيدرالية التي نسعى لإنشائها في شمال سوريا لن تكون كردية أبدًا، بل ستكون فيدرالية مشتركة تضم بالتأكيد عربًا وأكرادا وأشخاصًا ينتمون إلى كل الطوائف والمذاهب».
وتناقل كثيرون الحديث عن أن الأكراد بدأوا بتغيير اسم منبج، مع اقترابهم منها وحصار تنظيم «داعش» فيها، وبدأوا يطلقون عليها اسما كرديًا. لكن القيادي الكردي ناصر الحاج منصور، نفى أن يكون هناك أي توجه لتغيير اسمها، قائلاً إن اقتراب «قوات سوريا الديمقراطية» من طرد «داعش» منها، لا يمكن أن يلغي حقيقة منبج بأن الأغلبية الساحقة من أهلها وسكانها من العرب، وبالتالي لا يمكن تغيير اسمها، وليس هذا الأمر مطروحا بتاتًا. وأوضح أن «المساحات الجغرافية في سوريا متداخلة وتعيش فيها كل القوميات، وكل قومية تطلق عليها اسمًا باللغة المعتمدة، كذلك منبج، التي نؤكد أن اسمها العربي هو اسمها الرسمي».

مخاطر تقسيم سوريا
يرى المعارضون السوريون الفيدرالية، نقيضًا لما يطالب به الائتلاف، وهو إبقاء سوريا موحدة وإنشاء نظام ديمقراطي تعددي. ويقول عضو الائتلاف السوري المعارض سمير نشار، إن «ما يصرّح به قادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يحمل مخاطر شديدة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من السابق لأوانه وقبل سقوط نظام بشار الأسد أن تعتقد أي قوة أنها قادرة على تحديد مستقبل سوريا»، مشيرًا إلى أن «مستقبل سوريا يحدده كل السوريين من عرب ومسيحيين وتركمان وأكراد وسنّة وشيعة، لأن الشعب السوري متنوع وسوريا دولة متعددة الأديان والمذاهب».
وقال: «أي تصور أو خطة يطرحها أي مكون تحمل مخاطر كبيرة، لأنه داخل كل كيان، توجد عناصر متطرفة تدفع نحو اقتتال طويل، ومن الخطأ أن يحاول الأكراد الاستفادة من التطورات على الأرض، وأن يلجأوا إلى اتخاذ قرار منفرد»، لافتًا إلى أن «الطموح الكردي الذي يجنح نحو التقسيم، سيقابل برد فعل عنيف من المكون العربي والتركماني، لكن موقف المكون العربي سيكون حادًا».
وأضاف نشار: «مخاطر تقسيم سوريا كبيرة جدًا، وعليهم أن يعلموا أن العرب السنّة هم أم الصبي، والحريصون على وحدة سوريا، ولا يقبلون بأن يقوم البعض، بدعم قوى دولية، بطرح مشاريع خطيرة يصعب التنبؤ بنتائجها». ونبّه إلى أنه «إذا صحت التصريحات المنقولة عن مسعود بارزاني، حول مطالبته بتقسيم العراق إلى ثلاث دول؛ شيعية وسنية وكردية، فإن ذلك سيدفع أكراد سوريا إلى طرح مثل هذه الأفكار أيضًا».
وشدد عضو الائتلاف على أن «الوقت الآن ليس لطرح مستقبل سوريا، فلتبقَ الأفكار في النفوس إلى ما بعد سقوط النظام، وكل من يصر على طرح هذه الرؤى الآن هو متواطئ ومتآمر على الشعب السوري وعلى الثورة السورية».

فيدرالية التشارك الإثني والطائفي
لا يبدو أن الفيدرالية التي أعلنها الأكراد، التفاف على الوقائع الجيوسياسية في شمال سوريا لإعلان الانفصال التام، أو إقصاء القوميات والإثنيات الأخرى عن السلطة في أي نظام مستقبلي تستقر عليه سوريا، بالنظر إلى استحالة قيام «كردستان سوريا» كما يسميها مؤيدو هذا الطرح. فقد أثارت خطوة إعلان «النظام الفيدرالي» في مناطق سيطرة «حزب الاتحاد الديمقراطي» في شمال سوريا، في شهر مارس الماضي، كثيرا من المخاوف، حتى إن البعض اعتبرها مقدمة لاعتماد نظام مماثل في الأراضي السورية كافة بعد الحرب، وهو ما رفضه كل من النظام والمعارضة.
الخبير الاستراتيجي اللبناني ومدير معهد الأبحاث الجيوسياسية، خطّار بو دياب، ذكّر بأنه «لم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، يعلن فيه أنه يريد دولة كردية مستقلة في شمال سوريا».
وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كل ما قيل حتى الآن هو إعلان فيدرالية (روج آفا)، من ضمن نظام فيدرالي في كل سوريا، وهم يعتبرون أن هذه الفيدرالية لا تخص الأكراد وحدهم، إنما المجموعات العربية والآشورية والتركمانية وغيرها». وقال: «في ظلّ التحولات التي حصلت في الماضي ومنها (سايكس – بيكو)، تلقى الأكراد وعودًا بإقامة دولتهم المستقلّة، لكن كل هذه الوعود سقطت، باستثناء ما تحقق في كردستان العراق، ومن هنا يُفهم أن الكرد في سوريا يأملون بتكرار تجربة العراق، لكن تحقيق ذلك يبقى رهنًا بميزان القوى على الأرض»، مشيرًا إلى أن «الدول الغربية المؤثرة في الأزمة السورية لا تدعم أي تقسيم، لكنها لا تمانع قيام دول اتحادية، بخلاف بعض المتشددين الأكراد الذين لديهم نزعة نحو إحياء ما كان يعرف بالدولة الكردية التي كانت ممتدة من شمال حلب إلى تركيا».
وأضاف الخبير الاستراتيجي: «لا يستطيع أي طرف من الأطراف إعادة صياغة ما هو تاريخي، وإلا عندها يمكن للبعض أن يطالبوا باستعادة الأندلس». ولفت إلى أن «أكراد سوريا يحاولون الاستفادة من دعم الدول الكبرى لهم، لأنهم أثبتوا أنهم القوّة الأقدر على قتال (داعش)، ولكن إذا قرأنا نظريات (زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا) عبد الله أوجلان، نفهم أنه يطرح مزيدا من الحكم الذاتي للأكراد ضمن دولهم، بما يؤمن حقوقهم القومية والثقافية، لكنه لا يحلم بهدم حدود الدول القائمة حاليًا».

معارك منبج مستمرة
بعد شهرين من انطلاق معركة منبج، لا يزال المدنيون يعوقون العمليات العسكرية في داخل المدينة، نظرًا لأن القوات التي تنوي مهاجمتها، مدعومة بالطائرات الحربية التابعة للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، وتشن غارات جوية أمام وخلف القوات المهاجمة لإسنادها في تقدمها.
ومع أن «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، تمكنت من دخول منبج، لكنها تواجه مقاومة تحول دون طرد «الجهاديين» الذين يستخدمون التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة. وتتركز المعارك في الأحياء الغربية من المدينة، حيث يتصدى تنظيم داعش «بشراسة لمحاولات (قوات سوريا الديمقراطية) التقدم إلى داخل المدينة، ويزج بالأطفال على خطوط المواجهات».
المدينة الاستراتيجية التي كانت تضم أكبر صوامع الحبوب والقمح في شمال سوريا، تقع في وسط زراعي، ويقع فيها مركز المدينة الإداري لعشرات القرى والبلدات التي يعمل سكانها بالزراعة. بلغ تعداد سكان المنطقة 408.143 نسمة حسب التعداد السكاني لعام 2004، ويسكن أريافها خليط من العرب والأكراد والتركمان، كما يسكنها بعض الشركس والمسيحيين والأرمن، علمًا بأن القسم الأكبر من سكان منبج ونواحيها، من القبائل والعشائر العربية المختلفة التي هاجرت إليها من ضفاف الفرات واستقرت فيها. وقد قصدها في العصر الحديث، عائلات كثيرة من المهنيين والتجار والموظفين والعلماء قدموا إليها من مدينتي حلب والباب ومناطق أخرى مجاورة؛ للعمل فيها، واختاروها مستقرًا لهم.
بعد سيطرة «داعش» على المدينة وريفها في أواخر عام 2014، شهدت المدينة حركة نزوح ثانية بعد النزوح الأول إثر سيطرة قوات المعارضة عليها، وتقلص عدد السكان إلى نحو 40 ألف نسمة، ما لبثوا أن تقلص عددهم أيضًا إثر الهجمات الأخيرة التي شنتها «قوات سوريا الديمقراطية» إلى نحو 20 ألف نسمة، بحسب ما قالت مصادر عسكرية معارضة لـ«الشرق الأوسط». وفر آلاف المدنيين مطلع الأسبوع من مدينة منبج مع اقتراب «قوات سوريا الديمقراطية» من مشارفها خوفا من المعارك والغارات الجوية التي يشنها التحالف الدولي.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».