تونس: البرلمان يواجه الحبيب الصيد بالتحفظ عن التصويت

أكثر من 170 برلمانيًا أعلنوا التزامهم الاحتفاظ بأصواتهم

جانب من اجتماعات البرلمان التونسي (رويترز)
جانب من اجتماعات البرلمان التونسي (رويترز)
TT

تونس: البرلمان يواجه الحبيب الصيد بالتحفظ عن التصويت

جانب من اجتماعات البرلمان التونسي (رويترز)
جانب من اجتماعات البرلمان التونسي (رويترز)

أعلنت مجموعة من الأحزاب المشاركة في مبادرة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، أنها لن تصوت ضد حكومة الحبيب الصيد خلال الجلسة البرلمانية المخصصة لتجديد الثقة في حكومته، وأكدت أنها أوصت أعضاء كتلها في البرلمان بالاحتفاظ بأصواتهم، و«عدم الانجرار إلى حلبة الصراع السياسي»، التي يبحث عنها الصيد من خلال توجهه إلى البرلمان، عوضًا عن تقديم استقالته.
ومن بين هذه الأحزاب التي تتجه للاحتفاظ بأصواتها والتحفظ عن المشاركة الإيجابية في عملية التصويت، كتلة حركة النهضة (69 نائبا)، وحركة نداء تونس (67 مقعدا برلمانيا)، وتحالف الجبهة الشعبية اليساري (15 مقعدا برلمانيا)، وكتلة «الحرة» المحسوبة على محسن مرزوق (نحو 26 نائبا برلمانيا)، وهو ما يعادل 177 صوتا برلمانيا من إجمالي 217 مقعدا في البرلمان.
ويقترب هذا العدد تقريبا من عدد الأصوات التي منحت الثقة لحكومة الحبيب الصيد مطلع شهر فبراير (شباط) 2015، حين حصل على 186 صوتا.
وتحتاج حكومة الحبيب الصيد لأغلبية مطلقة من الأصوات داخل البرلمان للبقاء في السلطة، وهي محددة دستوريا بـ109 أصوات، إلا أنها تبقى بعيدة المنال في مثل هذه الحالة، بالنظر إلى تصريحات أحزاب الائتلاف الحاكم (157 صوتا) التي رفعت دعمها السياسي عن الحكومة الحالية.
ويفتح قرار الاحتفاظ بالأصوات الأبواب أمام المفاوضات حول تركيبة الحكومة المقبلة وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وحجم تمثيل كل طرف سياسي في هذه الحكومة بعد مشاركة 9 أحزاب، و3 منظمات نقابية في الجولة الأولى من المشاورات.
ومن المنتظر أن تنطلق النقاشات الرسمية حول الرئيس الجديد للحكومة وأعضائها مباشرة إثر جلسة تجديد الثقة في حكومة الصيد، أي بعد 30 يوليو (تموز) الحالي، في إطار لجنة تجمع مختلف الأطراف التي ستشارك في هذه الحكومة.
وكان محمد الناصر، رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان)، قد أعلن أن مكتب المجلس قرّر خلال اجتماعه أول من أمس البقاء في حالة انعقاد، استعدادا لأي مستجدات قد تطرأ، ولاتخاذ القرارات السياسية المناسبة في حال تقدم المفاوضات حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وذلك خلال العطلة البرلمانية التي تنطلق غدا الأحد، وتتواصل حتى نهاية الشهر المقبل.
وبخصوص ما ستؤول إليه الجلسة البرلمانية المخصصة لتجديد الثقة في حكومة الصيد، قال جمال العرفاوي، المحلل السياسي، لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا الإجراء المتمثل في الاحتفاظ بالأصوات لن يخدم بقاء حكومة الحبيب الصيد، وهو بمثابة تصويت ضدها، إلا أنه سيحفظ، في المقابل، لرئيس الحكومة الحالية ماء الوجه، على حد تعبيره، ويحول دون تصويت الأغلبية الساحقة من الأصوات المناهضة له، خصوصا من حزب النداء، حيث إن هناك توقعات تشير إلى أن جلهم سيسحب الثقة من حكومة الصيد، وسيطالب بترؤس الحكومة الجديدة.
وأضاف العرفاوي أن التصويت ضد الصيد بأغلبية ساحقة سيفتح أبواب المحاسبة ضد أحزاب الائتلاف الحاكم الأربعة، واتهامها بالفشل وعدم قدرتها على تنفيذ برامج الحكومة.
وفيما يتعلق بالخطوات التي ستلي جلسة تجيد الثقة، قال عصام الشابي، القيادي في الحزب الجمهوري، إن «حقبة حكومة الحبيب الصيد ومرحلتها السياسية انتهت، ومن الضروري تهيئة الظروف السياسية المناسبة لنجاح الحكومة الجديدة، وأساسها اختيار رئيس حكومة له ما يكفي من الكفاءة السياسية العالية، والخبرة والقدرة على تنفيذ ما جاء من أفكار في وثيقة قرطاج، على غرار محاربة الإرهاب والفساد والقضاء على التفاوت بين الجهات وتشغيل العاطلين».
وتلمح أحزاب المعارضة في تصريحاتها إلى أن الأزمة قد تعود بشكل آخر إذا لم تتغير البرامج السياسية والاقتصادية، وتؤكد على أن الأزمة ليست مرتبطة بالأشخاص بقدر ما هي مرتبطة بالبرامج والاختيارات.
ويمهل الدستور الجديد في فصله الـ98 الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أسبوعا فقط لاختيار رئيس جديد للحكومة، وفي حال عدم تجديد الثقة في حكومة الحبيب الصيد فإنها تتحول بصفة آلية إلى حكومة تصريف أعمال في انتظار التوافق على شخصية سياسية جديدة، رجحت التخمينات كافة أنها قد تكون هذه المرة من حزب نداء تونس، الفائز في الانتخابات البرلمانية التي أجريت سنة 2014.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم