بعد هجومين إرهابيين خلال 12 يومًا.. فرنسا تعيش أجواء «حرب سياسية مفتوحة»

فالس يؤيد حظر التمويل الخارجي للمساجد.. ويقر بتقصير القضاء في اعتداء الكنيسة

بعد هجومين إرهابيين خلال 12 يومًا.. فرنسا تعيش أجواء «حرب سياسية مفتوحة»
TT

بعد هجومين إرهابيين خلال 12 يومًا.. فرنسا تعيش أجواء «حرب سياسية مفتوحة»

بعد هجومين إرهابيين خلال 12 يومًا.. فرنسا تعيش أجواء «حرب سياسية مفتوحة»

التراشق وتبادل الاتهامات بين السلطة الاشتراكية واليمين الفرنسي بلغا مستويات غير مسبوقة من العنف إلى درجة أن رئيس الحكومة مانويل فالس اتهم نيكولا ساركوزي، رئيس الجمهورية السابق ورئيس حزب «الجمهوريون» بأنه «فقد أعصابه»، بعد الانتقادات غير المسبوقة التي وجهها الأخير للحكومة والرئاسة معا. وبعد هجومين إرهابيين ضربا فرنسا خلال 12 يوما «هجوم بالشاحنة على كورنيش مدينة نيس ليل 14 يوليو (تموز) وحصيلته 84 قتيلا و150 جريحا ثم عملية احتجاز رهائن ثم ذبح كاهن كنيسة مدينة سان إتيان دو روفريه، يوم الثلاثاء الماضي» عادت فرنسا لتعيش أجواء «حرب سياسية مفتوحة» بين يمين كلاسيكي ومتطرف يتهم الحكومة بانعدام الكفاءة والفشل في وضع حد للعمليات الإرهابية، ويسار ينصب نفسه حارسا لـ«دولة القانون» بوجه التيارات «الشعبوية» التي تسعى لبناء شعبية لها على حساب دماء القتلى والضحايا. وفي هذه الأجواء المسمومة، بقيت دعوات الرئيس هولند للمحافظة على الوحدة الوطنية والاصطفاف لمحاربة الإرهاب والدفاع عن قيم الجمهورية بلا صدى، بعكس ما عرفته فرنسا في خريف العام الماضي عقب العمليات الإرهابية المتزامنة التي ضربت باريس وضاحية سان دوني «130 قتيلا و350 جريحا».
أمس، ولج التحقيق بصدد مقتلة الكنيسة بابا جديدا من خلال توقيف لاجئ سوري لم تكشف المصادر الأمنية هويته ولا دوره في العملية الإرهابية التي يرى فيها كثيرون في فرنسا محاولة من تنظيم داعش لإشعال حرب أهلية عن طريق مهاجمة كنيسة كاثوليكية وذبح كاهنها خلال قيامه برتبة القداس. فقد عثرت القوى الأمنية في منزل أحد الإرهابيين «عادل كرميش»، الواقع على مسافة ألفي متر من الكنيسة على صورة لجواز سفر عائد للشخص المذكور الذي يقيم في أحد مراكز استقبال اللاجئين وسط فرنسا، ويريد المحققون التأكد أولا من هويته والتحري عن سبب وجود صورة جوازه في منزل كرميش، حيث عثر أيضا على تذكرة هوية الإرهابي الثاني «عبد الملك نبيل بوتيجان» في المنزل نفسه. وبذلك يبلغ عدد الموقوفين ثلاثة، أحدهم قريب لعبد الملك بوتيجان، وقد رافقه في سفرته إلى تركيا في العاشر من مارس (آذار) 2016. ويسعى المحققون لمعرفة ما إذا كان على علم بمخططاته الإرهابية. والثاني مراهق عمره 16 عاما وهو شقيق لأحد معارف كرميش الذي تمكن من الوصول إلى سوريا في شهر مارس من العام الماضي، ويظن أنه موجود حاليا في مكان ما على الحدود العراقية - السورية. ويريد المحققون أن يعرفوا ما إذا كانت عملية الرهائن وذبح الكاهن قد تمت بناء على طلب «خارجي» جاء من سوريا أو من العراق أم أنها تمت بمبادرة شخصية من الإرهابيين اللذين سعى كلاهما للذهاب إلى سوريا لكنهما لم ينجحا. وبعد شريط مبايعة أبو بكر البغدادي الذي بثه «داعش»، مساء الأربعاء الماضي، أفاد المركز الأميركي لمراقبة المواقع الجهادية «SITE» أن وكالة «أعماق» التي تبث أخبار «داعش» قد أفرجت عن شريط فيديو مدته دقيقتان ونصف، وفيه يظهر عبد الملك بوتيجان موجها تهديدات لفرنسا باللغة الفرنسية مع جمل بالعربية ويخص بها رئيسي الجمهورية والحكومة.
حتى أمس، كانت الحكومة تنفي وجود أي نقص أو خلل في المنظومة الأمنية. لكن رئيس الحكومة «اعترف»، أمس، بحصول «فشل» في موضوع إخلاء سبيل عادل كرميش الذي أودع السجن لعشرة أشهر، ولكن أخلي سبيله رغم تبيان نياته الجهادية، إذ حاول الذهاب إلى سوريا مرتين. وقد أمسكت المعارضة بهذه الواقعة لتشن أعنف هجوم على الحكومة وعلى «تساهلها» في موضوع الإرهاب، علما أن الادعاء العام «الذي يمثل الحكومة» اعترض على إخلاء سبيل كرميش بانتظار مثوله أمام المحكمة. بيد أن القضاء المختص لم يأخذ بالاعتراض وفرض على كرميش الإقامة الجبرية وحمل السوارة الإلكترونية والحضور مرة في الأسبوع إلى مقر الشرطة مع حق الخروج أربع ساعات في اليوم. وصبيحة الثلاثاء، ارتكب كرميش أثناء فترة السماح بالخروج مع عبد الملك بوتيجان جريمة الكنيسة.
بيد أن فالس، رغم اعترافه بتقصير القضاء في اعتداء الكنيسة، اتخذ موقفا هجوميا إزاء اليمين وطروحاته وعلى رأسه نيكولا ساركوزي، رافضا الأفكار التي يروج لها وداعيا إياه إلى الابتعاد عن ثلاثة أمور: التخويف والمزايدة والشعبوية. واعتبر رئيس الحكومة، في مقابلة مطولة مع صحيفة «لوموند» المستقلة أن الأعمال الإرهابية «لن تتوقف» وأن عمليات أخرى «ستحصل» كذلك، فإن «درجة الصفر» فيما يخص المخاطر الإرهابية «غير موجودة». لكنه في المقابل شدد على أن فرنسا قوية و«ستنتصر»، مكررا أن حكومته ملتزمة بعدم تخطي «الخطوط الحمراء التي لا يجوز تجاوزها» ولن تقبل مطلقا أن تتخلى عن «دولة القانون» كما أنها ترفض إقامة «غوانتانامو على الطريقة الفرنسية» الأمر الذي يعني تخطي النصوص الدستورية وشريعة حقوق الإنسان.
واقع الأمر، أن فالس سعى إلى هدم مقترح اليمين الفرنسي الداعي إلى «احتجاز» جميع الذين تضمهم لائحة البيانات الموجودة تحت الحرف «S» أي الذين يمكن أن يشكلوا تهديدا أمنيا. ويرى اليمين الساعي إلى استعادة السلطة من اليسار في الانتخابات القادمة أن الحل الأنجع هو حجز الذين يظن أنهم يتبنون أفكارا متشددة أو أبدوا في لحظة من اللحظات الرغبة في الالتحاق بتنظيمات إرهابية كـ«داعش» و«النصرة». وبرهانهم على ذلك أنه لو احتجز عادل كرميش وعبد الملك بوتيجان «وهما على اللائحة المذكورة» لما تمكنا من ارتكاب جريمتهما في كنيسة سان إتيان. والحال أن القانون الفرنسي لا يسمح بحجز حرية فرد ما إلا بناء على قرار قضائي كما أن الدستور يمنع ذلك. ورد ساركوزي أن الاحتجاز يمكن أن يتم بأمر إداري، وإذا كان الدستور يمنع ذلك سيتعين عندها تعديل النص الدستوري.
في المقابلة المذكورة، سرد فالس مجموعة من الأرقام التي تبين أن القوى الأمنية فاعلة وكذلك القضاء. ومما أورده أنه منذ هجمات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وفرض حالة الطوارئ، قامت القوى الأمنية بـ3609 عمليات دهم وطردت 80 إماما وأغلقت 71 موقعا متطرفا ومنعت الوصول إلى 256 موقعا إضافيا، في حين قامت طائراتها بـ800 طلعة جوية فوق العراق وسوريا.
يرى فالس أن وقف العمليات الإرهابية على الأراضي الفرنسية يتطلب العمل على صعيدين: سحق «داعش» في الخارج، وهو ما تدفع إليه باريس عن طريق تكثيف عملياتها الحربية الجوية في سوريا والعراق عبر تعزيز حضورها الجوي مع إعادة إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول إلى المنطقة أوائل سبتمبر (أيلول) المقبل، وتوفير المدفعية الحديثة للقوات العراقية. وفي الداخل، من خلال تشديد العمل الأمني ومد حالة الطوارئ. لكن فالس يرى أن «الجواب الأمني» وحده لا يكفي وأن محاربة الإرهاب تعني جميع المواطنين، دولة ومجتمعا مدنيا ومدرسة وشركات وسجونا ومصحات عقلية، من غير أن ينسى الدور الذي يتعين أن يضطلع به المسلمون أنفسهم. وفي رأي رئيس الحكومة الفرنسي أن محاربة ظاهرة التطرف والراديكالية المفضية إلى الإرهاب تتطلب «ثورة» فكرية وبناء «نموذج آيديولوجي» يدحض الفكر التكفيري والراديكالي من خلال «بناء خطاب مختلف».
مع كل عهد جديد، تعود إلى الواجهة قصة العلاقة بين الدولة الفرنسية والإسلام. فالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لا يبدو قادرا على رفع التحدي الإرهابي، لا بل إن رئيسه السابق وعميد مسجد باريس يطالب بإعادة النظر بالمؤسسات الإسلامية. ووضع فالس الإصبع على مشكلتين مزمنتين للإسلام الذي يريده «فرنسيا» وليس «الإسلام في فرنسا» وهما من جهة تمويل بناء المساجد، ومن جهة ثانية تأهيل الأئمة. وفي النقطة الأولى، أبدى فالس انفتاحا على منع «التمويل الخارجي» لتشييد المساجد لفترة «غير محدودة» من أطراف ودول خارجية. وفي النقطة الثانية، طالب بأن يتم تأهيل الأئمة في فرنسا نفسها. والحال، أن فالس يثير مشكلتين لم تجد أي حكومة الحلول الناجعة لهما.
تفيد الأرقام المتوافرة أن في فرنسا 2200 مسجد وقاعة صلاة «بينها 90 مسجدا تصح عليهم هذه التسمية». ويريد بو بكر مضاعفة هذا العدد إلى 4400 مسجد وقاعة صلاة. وعندما يتخطى المسلمون في المدن الفرنسية الصعوبات الإدارية، تبرز بوجههم الصعوبات التمويلية إذ لا يحق للدولة بموجب قانون العام 1905 الفاصل بين الدين والدولة تمويل المؤسسات الدينية. ولذا، يجهد الساعون لبناء المساجد للحصول على التبرعات من المؤمنين، وبما أنها لا تكفي يتوجهون لطلب المساعدة من الدول العربية أو المسلمة. وهذا الأمر ترى فيه السلطات وصاية على الإسلام الفرنسي وبابا لدخول التأثيرات الخارجية التي يريدون كفها عن مواطنيهم المسلمين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟