رئاسة الوزراء اليمنية تلوح بالحسم العسكري بعد انقلاب الميليشيات الثاني

الاتحاد الأوروبي: يجب المضي في العملية السياسية من دون استفزاز

اليمن يعيش على وقع سوء إدارة الانقلاب منذ سبتمبر 2014 (رويترز)
اليمن يعيش على وقع سوء إدارة الانقلاب منذ سبتمبر 2014 (رويترز)
TT

رئاسة الوزراء اليمنية تلوح بالحسم العسكري بعد انقلاب الميليشيات الثاني

اليمن يعيش على وقع سوء إدارة الانقلاب منذ سبتمبر 2014 (رويترز)
اليمن يعيش على وقع سوء إدارة الانقلاب منذ سبتمبر 2014 (رويترز)

قال سياسيون يمنيون لـ«الشرق الأوسط» إن مشاورات السلام اليمنية - اليمنية في الكويت انتهت بالنسبة لهم، إذ عقد وفد الحكومة اليمنية إلى المشاورات، أمس، لقاءات واجتماعات، وصفت بالتوديعية، بعد نسف ميليشيات الحوثي - صالح الانقلابية للمشاورات، بإعلانها للمجلس السياسي لحكم البلاد، كخطوة جديدة لتأكيد انقلابها ولتجاهلها للقرارات الأممية والمجتمع الدولي، وشملت اجتماعات الوفد اللقاء بسفراء بريطانيا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وسفراء مجلس دول مجلس التعاون، ثم بقية سفراء الدول الـ18 الراعية لعملية السلام في اليمن.
وقال مصدر في وفد الحكومة اليمنية لـ«الشرق الأوسط» إن الوفد أكد للسفراء «فداحة ما أقدم عليه الانقلابيون، ونكرر مطالبنا للمجتمع الدولي باتخاذ خطوات أكثر جدية وأن يدينوا هذه الإجراءات التي تنسف ليس فقط مسار المشاورات بل قد تأتي على العملية السياسية برمتها».
في هذه الأثناء، قال مصدر رفيع في رئاسة مجلس الوزراء اليمني إنه «لم يبق لنا أي خيار إلا خيار الحسم العسكري، سوف نمضي إلى تحرير ما تبقى من الأرض اليمنية استعادة الدولة والسلطة الشرعية».
وأكد المصدر أن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية «جاهزان لبدء معركة الحسم وهي تحرير وتطهير العاصمة صنعاء من أيادي الانقلاب، وهما من سوف يسقطان ذلك الانقلاب، بدعم المجتمع الدولي وأشقائنا في التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية».
واعتبر «إعلان تشكيل مجلس سياسي لإدارة البلاد في حقيقة الأمر هو انقلاب جديد على المجتمع الدولي وعلى قراراته وعلى المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وانقلاب على مشاورات الكويت التي حرص الوفد الحكومي على إنجاحها وتمسك بخيار السلام الذي ذهب إليه بعد التزام خطي من المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ بتحديد سقف زمني للمشاورات والتزام الحوثي وصالح بقرارات مجلس الأمن الدولي، ذهبنا لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216 القاضي بانسحاب الميليشيات من المدن وتسليم السلاح وعودة السلطة الشرعية ممثلة بفخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية إلى العاصمة صنعاء وإطلاق سراح كافة المعتقلين». وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن المجلس المعلن «ليس مجلسا سياسيا، كما يسمونه، بل هو مجلس انقلابي آخر مواز لانقلاب اللجنة الثورية التي ارتكبت أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني، وبعد فشل مشاورات السلام وسوف يعود وفدنا بعد الإعلان عن انتهاء المشاورات الذي بحثنا بكل الطرق عن سلام حقيقي وعادل يتطلع إليه شعبنا اليمني ولم تحرص عليه تلك الميليشيات».
وتوقع المصدر الحكومي اليمني الرفيع انضمام عدد من الدول إلى التحالف لإعادة الشرعية إلى اليمن «بعد أن أيقنوا أن وفد الانقلابيين لا يريد السلام، وإنما يراوغون لكسب مزيد من الوقت في كل مرة تجري فيها مشاورات لترتيب صفوفهم وبدعم إيراني علني وواضح»، وأردف المصدر أن «المجتمع الدولي اليوم لا يواجه الحوثيين وصالح في اليمن، فحسب، ولكن يواجه إيران التي تقوم بتهريب السلاح وبدعم تلك الجماعات المسلحة بالمال»، ودعا المجتمع الدولي إلى إدانة ما اعتبر أنه انقلاب على قراراتها الدولية وعلى مشاورات السلام «أما الانقلاب على السلطة في اليمن تم يوم 21 سبتمبر (أيلول) 2014».
إلى ذلك، قال سفير اليمن لدى الولايات المتحدة، الدكتور أحمد عوض بن مبارك إن تشكيل مجلس الحوثيين وصالح «يعد قفزة أخرى للمجهول تستكمل ما بدأه الانقلابيون في سبتمبر 2014، وتقضي على كل جهود الأمم المتحدة لإحلال السلام، وتظهر بشكل جلي دور المخلوع علي صالح في كل ما حدث وإن حاول التستر سابقا خلف ميليشيات الحوثيين».
وقال بن مبارك، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إن «تلك الخطوة تؤكد صحة موقف الحكومة ومطالبتها الدائمة بضمانات لالتزام الانقلابين بما سيتفق عليها، لمعرفتها بنواياهم وسلوكياتهم التي خبرناها منذ الانقلاب وقبله»، مؤكدا أن «هذه جماعة لا تحيا أو تنمو إلا في ظل الصراع والحرب، وهي توقن أن ما حققته كان اختطافا للدولة في ظروف سياسية وعسكرية لن تتكرر، كما تعلم أن مشاركتها في عملية سياسية حقيقية تستلزم أولا تخليها عن السلاح وانسحابها من المدن التي احتلتها، لذا فإنها والمخلوع، الذي كان شريكها الأساسي منذ التحضير للانقلاب، أرادا فرض واقع جديد في المشهد السياسي يمكنهم من المناورة بعد استنفاد كل أوراقهم السياسية والعسكرية».
وأشار السفير اليمني في واشنطن أن «أي قراءة متأنية للوضع الاقتصادي والعسكري الذي يعيشونه، أي تحالف الحوثيين وصالح، ستبين بأنها خطوة مكتوب لها الفشل ولا يمكن أن تضيف إلا المزيد من التعقيد في المشهد السياسي وتقلل بصورة كبيرة فرص الحل السياسي وتزيد من عناصر التواتر والاقتتال التي تجيد هذه الجماعات الاسترزاق والحياة في ظله».
إلى ذلك، وصف الاتحاد الأوروبي توقيع الاتفاق بين جماعة الحوثي وصالح بأنه «يتنافى مع التزاماتها إزاء مشاورات السلام اليمنية» التي تستضيفها الكويت برعاية الأمم المتحدة. وطالب متحدث باسم الاتحاد الانقلابيين إلى الامتناع عن جميع الأعمال الأحادية التي تنتهك المبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار رقم 2216. وأكد المتحدث الذي طلب عدم نشره اسمه أن من شأن تلك الأعمال أن تقوض بصورة أكبر فرص التوصل إلى تسوية سياسية دائمة وشاملة للأزمة اليمنية، وقال، وفقا لوكالة الأنباء الكويتية، إنه «في الوقت الذي نشهد فيه تصاعدا للأزمة في الأيام الماضية فإنه من المهم للغاية في هذه المرحلة الحرجة أن تنخرط جميع الأطراف بحسن نية من أجل التوصل إلى تنازلات صعبة دون أعمال استفزازية»، وشدد على أن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة متفاوض بشأنها في إطار قرارات مجلس الأمن هو السبيل الوحيد لاستعادة سلطة الدولة وإتاحة التحرك بشكل حاسم لمكافحة «الجماعات الإرهابية» وتقديم المساعدات لتخفيف معاناة الملايين من المدنيين في اليمن. وأكد في هذا الإطار أن الاتحاد الأوروبي وجميع شركائه الدوليين يستمرون في دعم الجهود التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد في المشاورات بين الأطراف اليمنية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.