مع الاقتراض من صندوق النقد.. بدء إجراءات مؤلمة في الاقتصاد المصري

الجنيه يرتفع في تعاملات السوق السوداء

مزارعون في حقول الأرز بمحافظة القليوبية في مصر (رويترز)
مزارعون في حقول الأرز بمحافظة القليوبية في مصر (رويترز)
TT

مع الاقتراض من صندوق النقد.. بدء إجراءات مؤلمة في الاقتصاد المصري

مزارعون في حقول الأرز بمحافظة القليوبية في مصر (رويترز)
مزارعون في حقول الأرز بمحافظة القليوبية في مصر (رويترز)

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة المصرية العمل على ثبات سعر صرف الجنيه أمام الدولار في السوقين الرسمية والموازية، التقط الجنيه المصري أنفاسه خلال الساعات القليلة الماضية في السوق الموازية للعملة، ليصل إلى ما بين 12.5 جنيه 12.7 جنيه للدولار، بعد إعلان الحكومة عن مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل لبرنامجها الاقتصادي، بنحو 21 مليار دولار على ثلاث سنوات.
ويعني برنامج الاقتراض من صندوق النقد أن على مصر أن تمضي قدما في إصلاحات اقتصادية مؤلمة، تتضمن فرض ضريبة القيمة المضافة، وخفض الدعم الذي توقف حينما هبطت أسعار النفط العالمية.
وتراجع سعر الدولار في السوق الموازية من مستويات بين 13 جنيها و13.25 جنيه للدولار يوم الاثنين الماضي. وذكرت بعض الصحف والمواقع الإخبارية المحلية أن الدولار تراجع إلى 10.9 جنيه 10.8 جنيه في السوق الموازية، بعد تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي ومناقشته الأزمة أول من أمس مع المجموعة الاقتصادية الوزارية، لكن الصحف لم تخض في أي تفاصيل عن كيفية تدخل الرئيس.
وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة محلية أمس «السجن 10 سنوات ومصادرة الأموال عقوبة المضاربين في السوق السوداء». لكن الصحيفة لم تشر في متن الخبر إلى أي تفاصيل عن تلك العقوبات.
وتستقبل القاهرة اليوم (الجمعة) بعثة رسمية من صندوق النقد لاستكمال مفاوضات الحصول على التمويل، وصرح نائب وزير المالية المصري للسياسات النقدية أحمد كوجك، أن بلاده عليها التزامات تتراوح بين سبعة مليارات وثمانية مليارات دولار، تعتزم سدادها في السنة المالية الحالية 2016 - 2017 (تبدأ السنة المالية في مصر في الأول من يوليو (تموز) الجاري)، مضيفا أن مصر ستحصل على شريحة أولى بقيمة لا تقل عن ملياري دولار من قرض صندوق النقد الدولي خلال شهرين إذا توصلت إلى اتفاق مع الصندوق.
وذكر كوجك، خلال مؤتمر صحافي أمس (الخميس)، أن قرض صندوق النقد البالغة قيمته 12 مليار دولار يعتبر تمويلا طبيعيا في حدود حصة مصر، وليس استثنائيا وسيجذب استثمارات سواء في البورصة أو في شركات، قائلا: «نقترض من الخارج بفائدة أقل، لكي ينزل سعر الفائدة المحلي وبالتالي يتراجع التضخم».
وحول ما يتعلق بقروض أخرى ذكر نائب وزير المالية، أن المسؤولين قابلوا البنك الأفريقي للتنمية خلال الأسبوعين الماضيين للتفاوض على الشريحة الثانية من قرض قيمته 1.5 مليار دولار، وكان البنك الأفريقي وافق على تقديم القرض لمصر في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتلقت مصر بالفعل الشريحة الأولى منه وقدرها 500 مليون دولار، وأشار كوجك إلى أن المسؤولين المصريين التقوا مسؤولي البنك الدولي للتفاوض على قرض لتنمية الصعيد، ولم يخض في أي تفاصيل عن هذا القرض، وعن برنامج الإصلاح الاقتصادي، قال كوجك إن مصر لن تجري أي إصلاح اقتصادي إلا بالتزامن مع إصلاحات اجتماعية.
فيما أوضح وزير المالية المصري الثلاثاء الماضي، أن الحكومة تسعى للحصول على 12 مليار دولار من الصندوق على مدى ثلاث سنوات بفائدة سنوية تتراوح بين واحد وواحد ونصف في المائة.
وأضاف الجارحي أن بلاده تستهدف الحصول على باقي التمويل من إصدار سندات وتمويل من البنك الدولي ومصادر أخرى، وطرح ما بين خمس إلى ست شركات حكومية في البورصة خلال 2016 - 2017.
وكانت توقعات بخفض وشيك في سعر صرف الجنيه أسهمت في تفاقم حدة نقص الدولار بشدة على مدى الأيام القليلة الماضية، ليقفز سعر الدولار في السوق الموازية إلى أكثر من 13 جنيها، قبل أن يتراجع عقب أنباء التفاوض على تمويل مع صندوق النقد.
وقال أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين في اتحاد الغرف التجارية في مصر: «المستوردون يشترون الدولار من السوق السوداء بأسعار تتراوح بين 12.3 12.5 جنيه. لم تحدث انفراجه من قبل البنوك لتوفير الدولار للمستوردين، ولذا اتجهوا للسوق السوداء».ويبلغ السعر الرسمي للجنيه في تعاملات ما بين البنوك 8.78 جنيه، بينما يبلغ السعر للأفراد في البنوك 8.88 جنيه، ويسمح البنك رسميا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشا فوق أو دون سعر البيع الرسمي، لكن من المعروف أن مكاتب الصرافة تطلب سعرا أعلى للدولار عندما يكون شحيحا.
ورفع «المركزي» أسعار الفائدة الرئيسية 100 نقطة أساس إلى أعلى مستوى لها في سنوات خلال الاجتماع الماضي للجنة السياسة النقدية في 16 يونيو (حزيران) الماضي، وهي خطوة قال خبراء الاقتصاد إن الهدف منها كبح معدل التضخم المتصاعد وتخفيف الضغوط النزولية عن الجنيه.
غير أن التضخم قفز في يونيو للشهر الثالث على التوالي، مع ارتفاع طلب المستهلكين خلال شهر رمضان، وإن كان معدل التضخم الأساسي الذي يستثني سلعا متقلبة الأسعار مثل الفواكه والخضراوات لم يزد إلا قليلا، ليصل إلى 12.37 في المائة في مقابل 12.23 في المائة في مايو (أيار) الماضي.
وخفض البنك المركزي قيمة الجنيه بنحو 14 في المائة في مارس (آذار)، ليقلص الفارق بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية لفترة قصيرة، لكن الجنيه تراجع بعد ذلك إلى مستويات قياسية في السوق السوداء، مما زاد الضغط على «المركزي» لخفض العملة مجددا. ويقول مصرفيون وخبراء اقتصاد إن خفض العملة بات حتميا، لكن يتعين جذب دولارات إلى الاقتصاد لتجنب الدخول في فترة طويلة من الغموض وتعديل أسعار الصرف بشكل متكرر.
ورغم أن البنك المركزي قال إنه سيتبنى سعر صرف أكثر مرونة عقب تخفيض العملة في مارس (آذار)، فإن السعر الرسمي لم يتغير منذ ذلك الحين.
ولم ينجح البنك المركزي في القضاء على السوق السوداء أو حتى تخفيف حدة هبوط الجنيه من خلال الإجراءات التي اتخذها خلال الفترة الماضية، سواء بخفض سعر العملة في مارس، أو العطاءات الاستثنائية أو سحب تراخيص نحو 23 شركة صرافة في الأشهر الستة الأولى من العام.
ونما الاقتصاد المصري 4.5 في المائة في النصف الأول من السنة المالية 2015 - 2016 التي انتهت في يونيو (حزيران). ولم تعلن بعد بيانات رسمية بشأن العام بأكمله، وتوقع خبراء اقتصاديون نموا قدره 4.1 في المائة.
ودفع نقص الدولار مصر إلى فرض قيود رأسمالية أضرت بالتجارة والنمو، وتسبب في ضعف الجنيه المصري في السوق السوداء، حيث سجل انخفاضا قياسيا إلى 13 جنيها مقابل الدولار، مع تنامي التوقعات بخفض ثان في قيمته هذا العام.
وتوقع محللون، في مسح لـ«رويترز»، أن يبلغ مؤشر أسعار المستهلكين 11.5 في المائة في السنة المالية الحالية ارتفاعا من تقديرات سابقة عند 11 في المائة. ويتوقعون أن يتراجع المؤشر إلى 11.2 في المائة في 2017 – 2018، ثم إلى تسعة في المائة في 2018 - 2019.
ومشروع قانون ضريبة القيمة المضافة في مراحله النهائية، لكنه يواجه معارضة في البرلمان، نظرا لمخاوف بشأن التضخم الذي لامس أعلى مستوياته في سبع سنوات بعد خفض قيمة الجنيه.



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.