الإرهاب يسرق «البريقة».. «عدن الصغرى»

تحولت من مزار سياحي إلى ملاذ لـ«القاعدة» و«داعش»

مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)
مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)
TT

الإرهاب يسرق «البريقة».. «عدن الصغرى»

مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)
مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)

كان يطلق عليها رسميا وإلى وقت قريب اسم عدن الصغرى كما سماها الإنجليز في عام 1839. وهي الآن تنادى «البريقة»، ولها من اسمها نصيب. فهي تضاريس جبلية بركانية ورمال ساحلية مشكلة شبه جزر متناثرة في خليج عدن الذي يربط بحر العرب والبحر الأحمر. البريقة حديثا هي مدينة ومديرية، يقدر سكانها بنحو 80 ألف نسمة، وتزخر بنحو 12 جزيرة غير مسكونة.. وتبدو المدينة الوادعة ككل المدن، لكنها في الوقت نفسه، ليست ككل المدن.
تقابل البريقة مدينة كريتر، التي تقاسمها بعض السمات التضاريسية المتشابهة، مثل القلاع والجزر والجبال البركانية وأيضا بكونهما شبه جزيرة ويدخلها زوارها من طريقين يخترقان مياه البحر من الضفتين الغربية والشرقية. وأبرز الحصون والقلاع الموجودة على شاطئ الغدير بمواجهة الشاطئ الأزرق، جنوب المدينة، وتتكون القلعة التاريخية من دورين مبنية من أحجار صخرية، في ذروتها آثار دفاعية يربطها مدرج من الأسفل إلى القمة البالغ ارتفاعها نحو 1204 أمتار مرصوصة بالأحجار.
ويتداول أهالي المدينة الصغيرة أن الاستعمار البريطاني استخدم القلعة خلال فترة قرن وثلث قرن، لدى وجوده كموقع وقاعدة عسكرية لحماية ومراقبة السفن العابرة في المحيط، إذ ترتفع عن سطح البحر بنحو ألف قدم، فيما طولها يتراوح ما بين 300 و400 متر، وهو ما جعلها موقعا متقدما لحماية ميناء المدينة من الجهة الغربية.
وتعد منطقة الغدير من أجمل الشواطئ في البريقة، نظرا لتميزها بموقعها الذي يقع وسط المياه الزرقاء، ما جعلها متنزها سياحيا يضم شاليهات واستراحات توفر الخدمات السياحية والتي كانت وإلى وقت قريب تفي بمتطلبات الزوار الذين يرتادون الشاطئ أيام العطل الأسبوعية والأعياد وكذا السياح والزوار المحليين الذين يقضون أياما وساعات في الشاطئ الذي يعد مع شاطئ غولد مور «الساحل الذهبي» في مدينة التواهي من أفضل وأجمل الشواطئ اليمنية.
بدأت قصة هذه المدينة مع إنشاء الإنجليز لمصفاة النفط الضخمة التي أنشأتها شركة بيريتيش بتروليم «BP» عام 1953 وبطاقة تكريرية قدرها مائة ألف طن نفط خام، ليلج المكان حقبة تاريخية جديدة جعلته مثوى للعشرات من الباحثين عن فرصة عمل في المنشأة النفطية التي باتت بمضي الوقت وتقدم السنين الوجه الآخر الذي بدل حال المكان وأحاله إلى كائن ينبض بالحيوية والازدهار والصخب اليومي، وأيضا بالكفاح المناهض للاستعمار البريطاني، والذي مثلت النقابات العمالية في مصفاة النفط شرارته الأولى.
وتم بناء واستيراد كثير من المساكن الخشبية لإيواء الآلاف من العمال المهرة لبناء المصفاة، وفي وقت لاحق استعملت الأبنية لإيواء أسر موظفي إدارة المصفاة، وضمت المنطقة أحواضا للسباحة ونادي الشاطئ. تضم المنطقة أيضًا ميناءً لتصدير النفط المكرر.
وقبل أن تنشأ المصفاة كانت «ﺍﻟﺒﺮيقا» وفقا للهجة السكان، مجرد أكواخ متناثرة لصيادي سمك في منطقة الخيسة جنوبي المدينة أو هناك في ساحل فقم غربي المدينة، وإلى جانب المصفاة وميناء الزيت في شاطئ «الغدير» أجمل سواحل مدينة عدن قاطبة من جهة مياهه الفضية المتكسرة عند أقدام جبال بركانية متوغلة في أعماق بحر العرب من جهتي الغرب والشرق مانحة مساحة الوسط رونقا وجمالا قلما يعثر عليه الإنسان في موطن آخر.
ومع تدفق العمال وزيادة إنتاجية المصفاة وتوسعة خدماتها، زادت الحاجة لبناء وحدات سكنية خاصة بالعمال القادمين من مختلف مناطق البلاد، ومع ازدهار جيب العامل اقتضت الحاجة للتفكير بالاستقرار العائلي وبناء أسرة، فتصير الوحدات السكنية رويدا رويدا مستقرا لعشرات العائلات الوافدة إلى المساكن الصغيرة التي تشبه علب الكبريت في ضيقها واستيعابها.
وعلاوة على المصفاة كان الإنجليز أقاموا معسكرات للجيش في النواحي المحيطة في المدينة من جهتي الشمال، إذ باتت كامل تلك الجبال الخلفية ومساحتها مكانًا لقوات الجيش وعتاده الحربي وحتى مثوى رفاة الموتى والقتلى. وأهم هذه المعسكرات معسكر صلاح الدين الذي أخذ مسماه يكبر ويتوسع إلى أن صار اليوم يعرف بمنطقة صلاح الدين وهي المنطقة الممتدة من معسكر الدروع والكلية العسكرية سابقا وكذا ورشة صيانة الدبابات وحتى ساحل فقم غربا مرورا بحي صلاح الدين المتشكل من مساكن أقامها الإنجليز للضباط وبيوت خشبية قطنها الخبراء الروس وعائلاتهم في حقبة السبعينات والثمانينات.
في الضفة الشرقية لمنطقة صلاح الدين يقع معسكرا سبأ والجلاء وكلاهما أطلق ما بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 67م وهذان المعسكران عرفا حقبة بسلاح المدفعية والصواريخ، يواجه المعسكران من جهة الشمال القاعدة الجوية للطائرات العمودية وحول هذه المعسكرات جميعا يحيطها مياه البحر وعلى شاملة كورنيش طبيعي، وهذه المناطق العسكرية إبان عهد الإنجليز ومن بعده النظام الحاكم في عدن تم تحزيمها بطريقين من الإسفلت يشكلان دائرة ملتوية على الجبال الشاهقة.
في السنوات العشرين الأخيرة ومع انفلات وتراخي القبضة الأمنية الحديدية التي سادت خلال حكم النظام الاشتراكي في الجنوب؛ انتشرت الجماعات الجهادية التكفيرية في المدينة الساحلية كالنار في الهشيم، مستقطبة عشرات الفتيان الذين كانوا لقمة صائغة لكثير من الخطباء والوعاظ الذين ركبوا موجة الفتح التي اجتاحت محافظات الجنوب عقب هزيمة نظامه وقادته صيف 94م.
هذه الهزيمة العسكرية والسياسية للنظام الحديدي في محافظات الجنوب على يدي التحالف الثلاثي المكون من نظام الرئيس المخلوع وإخوان اليمن «الإصلاح» ومجاهدي أفغانستان العائدين لتوهم من جبال أفغانستان إلى اليمن بهدف تحرير الجنوب من الشيوعية والإلحاد وفق الاعتقاد لدى الأفغان العرب وعلى رأسهم أسامة بن لادن والشيخ طارق الفضلي وسواهما من العناصر المتطرفة؛ مكن الجماعات الدينية المتطرفة من استباحة مدن الجنوب وتراثها ومكتسباتها التي تم القضاء عليها وبشكل عبثي انتقامي ثأري تسبب في انحدار الإنسان الجنوبي ثقافيا وتعليميا وفكريا وإنسانيا.
ومع بروز تنظيم «القاعدة» الإرهابي ومن ثم تنظيم داعش المنسلخ من ذات الفكرة الإرهابية، بتوحشها وبربريتها؛ ظهرت في المدينة جماعات إرهابية، فمن جامع ابن القيم الذي تسيطر عليه جمعية الحكمة ولدت الأفكار المتطرفة وتناسلت مشكلة جماعات جهادية ملأت المدينة وصدرت أتباعها إلى بقية مدن عدن وإلى أبين ولحج وشبوة وحضرموت.
وقال أهالي المدينة في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط» إن جامع ابن القيم مثل بوقت من الأوقات مكانا لغرس أفكار «القاعدة» وإن كان بأسلوب لا يوحي للمتلقي بأن الخطب بأنها ستكون حاصدة لأرواح اليمنيين والمسلمين عموما.
وكشف هؤلاء عن أن المدينة تعد الوكر الأكبر في محافظة عدن من ناحية نشاط عناصر «القاعدة» وشقيقها «داعش»، موضحين أن جامع ابن القيم والقائمين عليه تسببا في تصدر المدينة في إﻋﺪﺍﺩ قرابين الانتحار، وكذا بكثافة الجماعات المتطرفة المنتشرة في المدينة وبكل حرية.



محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.