الإرهاب يسرق «البريقة».. «عدن الصغرى»

تحولت من مزار سياحي إلى ملاذ لـ«القاعدة» و«داعش»

مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)
مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)
TT

الإرهاب يسرق «البريقة».. «عدن الصغرى»

مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)
مقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية المساندة للشرعية في تعز أمس (رويترز)

كان يطلق عليها رسميا وإلى وقت قريب اسم عدن الصغرى كما سماها الإنجليز في عام 1839. وهي الآن تنادى «البريقة»، ولها من اسمها نصيب. فهي تضاريس جبلية بركانية ورمال ساحلية مشكلة شبه جزر متناثرة في خليج عدن الذي يربط بحر العرب والبحر الأحمر. البريقة حديثا هي مدينة ومديرية، يقدر سكانها بنحو 80 ألف نسمة، وتزخر بنحو 12 جزيرة غير مسكونة.. وتبدو المدينة الوادعة ككل المدن، لكنها في الوقت نفسه، ليست ككل المدن.
تقابل البريقة مدينة كريتر، التي تقاسمها بعض السمات التضاريسية المتشابهة، مثل القلاع والجزر والجبال البركانية وأيضا بكونهما شبه جزيرة ويدخلها زوارها من طريقين يخترقان مياه البحر من الضفتين الغربية والشرقية. وأبرز الحصون والقلاع الموجودة على شاطئ الغدير بمواجهة الشاطئ الأزرق، جنوب المدينة، وتتكون القلعة التاريخية من دورين مبنية من أحجار صخرية، في ذروتها آثار دفاعية يربطها مدرج من الأسفل إلى القمة البالغ ارتفاعها نحو 1204 أمتار مرصوصة بالأحجار.
ويتداول أهالي المدينة الصغيرة أن الاستعمار البريطاني استخدم القلعة خلال فترة قرن وثلث قرن، لدى وجوده كموقع وقاعدة عسكرية لحماية ومراقبة السفن العابرة في المحيط، إذ ترتفع عن سطح البحر بنحو ألف قدم، فيما طولها يتراوح ما بين 300 و400 متر، وهو ما جعلها موقعا متقدما لحماية ميناء المدينة من الجهة الغربية.
وتعد منطقة الغدير من أجمل الشواطئ في البريقة، نظرا لتميزها بموقعها الذي يقع وسط المياه الزرقاء، ما جعلها متنزها سياحيا يضم شاليهات واستراحات توفر الخدمات السياحية والتي كانت وإلى وقت قريب تفي بمتطلبات الزوار الذين يرتادون الشاطئ أيام العطل الأسبوعية والأعياد وكذا السياح والزوار المحليين الذين يقضون أياما وساعات في الشاطئ الذي يعد مع شاطئ غولد مور «الساحل الذهبي» في مدينة التواهي من أفضل وأجمل الشواطئ اليمنية.
بدأت قصة هذه المدينة مع إنشاء الإنجليز لمصفاة النفط الضخمة التي أنشأتها شركة بيريتيش بتروليم «BP» عام 1953 وبطاقة تكريرية قدرها مائة ألف طن نفط خام، ليلج المكان حقبة تاريخية جديدة جعلته مثوى للعشرات من الباحثين عن فرصة عمل في المنشأة النفطية التي باتت بمضي الوقت وتقدم السنين الوجه الآخر الذي بدل حال المكان وأحاله إلى كائن ينبض بالحيوية والازدهار والصخب اليومي، وأيضا بالكفاح المناهض للاستعمار البريطاني، والذي مثلت النقابات العمالية في مصفاة النفط شرارته الأولى.
وتم بناء واستيراد كثير من المساكن الخشبية لإيواء الآلاف من العمال المهرة لبناء المصفاة، وفي وقت لاحق استعملت الأبنية لإيواء أسر موظفي إدارة المصفاة، وضمت المنطقة أحواضا للسباحة ونادي الشاطئ. تضم المنطقة أيضًا ميناءً لتصدير النفط المكرر.
وقبل أن تنشأ المصفاة كانت «ﺍﻟﺒﺮيقا» وفقا للهجة السكان، مجرد أكواخ متناثرة لصيادي سمك في منطقة الخيسة جنوبي المدينة أو هناك في ساحل فقم غربي المدينة، وإلى جانب المصفاة وميناء الزيت في شاطئ «الغدير» أجمل سواحل مدينة عدن قاطبة من جهة مياهه الفضية المتكسرة عند أقدام جبال بركانية متوغلة في أعماق بحر العرب من جهتي الغرب والشرق مانحة مساحة الوسط رونقا وجمالا قلما يعثر عليه الإنسان في موطن آخر.
ومع تدفق العمال وزيادة إنتاجية المصفاة وتوسعة خدماتها، زادت الحاجة لبناء وحدات سكنية خاصة بالعمال القادمين من مختلف مناطق البلاد، ومع ازدهار جيب العامل اقتضت الحاجة للتفكير بالاستقرار العائلي وبناء أسرة، فتصير الوحدات السكنية رويدا رويدا مستقرا لعشرات العائلات الوافدة إلى المساكن الصغيرة التي تشبه علب الكبريت في ضيقها واستيعابها.
وعلاوة على المصفاة كان الإنجليز أقاموا معسكرات للجيش في النواحي المحيطة في المدينة من جهتي الشمال، إذ باتت كامل تلك الجبال الخلفية ومساحتها مكانًا لقوات الجيش وعتاده الحربي وحتى مثوى رفاة الموتى والقتلى. وأهم هذه المعسكرات معسكر صلاح الدين الذي أخذ مسماه يكبر ويتوسع إلى أن صار اليوم يعرف بمنطقة صلاح الدين وهي المنطقة الممتدة من معسكر الدروع والكلية العسكرية سابقا وكذا ورشة صيانة الدبابات وحتى ساحل فقم غربا مرورا بحي صلاح الدين المتشكل من مساكن أقامها الإنجليز للضباط وبيوت خشبية قطنها الخبراء الروس وعائلاتهم في حقبة السبعينات والثمانينات.
في الضفة الشرقية لمنطقة صلاح الدين يقع معسكرا سبأ والجلاء وكلاهما أطلق ما بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 67م وهذان المعسكران عرفا حقبة بسلاح المدفعية والصواريخ، يواجه المعسكران من جهة الشمال القاعدة الجوية للطائرات العمودية وحول هذه المعسكرات جميعا يحيطها مياه البحر وعلى شاملة كورنيش طبيعي، وهذه المناطق العسكرية إبان عهد الإنجليز ومن بعده النظام الحاكم في عدن تم تحزيمها بطريقين من الإسفلت يشكلان دائرة ملتوية على الجبال الشاهقة.
في السنوات العشرين الأخيرة ومع انفلات وتراخي القبضة الأمنية الحديدية التي سادت خلال حكم النظام الاشتراكي في الجنوب؛ انتشرت الجماعات الجهادية التكفيرية في المدينة الساحلية كالنار في الهشيم، مستقطبة عشرات الفتيان الذين كانوا لقمة صائغة لكثير من الخطباء والوعاظ الذين ركبوا موجة الفتح التي اجتاحت محافظات الجنوب عقب هزيمة نظامه وقادته صيف 94م.
هذه الهزيمة العسكرية والسياسية للنظام الحديدي في محافظات الجنوب على يدي التحالف الثلاثي المكون من نظام الرئيس المخلوع وإخوان اليمن «الإصلاح» ومجاهدي أفغانستان العائدين لتوهم من جبال أفغانستان إلى اليمن بهدف تحرير الجنوب من الشيوعية والإلحاد وفق الاعتقاد لدى الأفغان العرب وعلى رأسهم أسامة بن لادن والشيخ طارق الفضلي وسواهما من العناصر المتطرفة؛ مكن الجماعات الدينية المتطرفة من استباحة مدن الجنوب وتراثها ومكتسباتها التي تم القضاء عليها وبشكل عبثي انتقامي ثأري تسبب في انحدار الإنسان الجنوبي ثقافيا وتعليميا وفكريا وإنسانيا.
ومع بروز تنظيم «القاعدة» الإرهابي ومن ثم تنظيم داعش المنسلخ من ذات الفكرة الإرهابية، بتوحشها وبربريتها؛ ظهرت في المدينة جماعات إرهابية، فمن جامع ابن القيم الذي تسيطر عليه جمعية الحكمة ولدت الأفكار المتطرفة وتناسلت مشكلة جماعات جهادية ملأت المدينة وصدرت أتباعها إلى بقية مدن عدن وإلى أبين ولحج وشبوة وحضرموت.
وقال أهالي المدينة في أحاديثهم لـ«الشرق الأوسط» إن جامع ابن القيم مثل بوقت من الأوقات مكانا لغرس أفكار «القاعدة» وإن كان بأسلوب لا يوحي للمتلقي بأن الخطب بأنها ستكون حاصدة لأرواح اليمنيين والمسلمين عموما.
وكشف هؤلاء عن أن المدينة تعد الوكر الأكبر في محافظة عدن من ناحية نشاط عناصر «القاعدة» وشقيقها «داعش»، موضحين أن جامع ابن القيم والقائمين عليه تسببا في تصدر المدينة في إﻋﺪﺍﺩ قرابين الانتحار، وكذا بكثافة الجماعات المتطرفة المنتشرة في المدينة وبكل حرية.



الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.