سلطات أنقرة تلاحق الانقلابيين خارج البلاد

الإمارات سلمت تركيا جنرالين يخدمان في أفغانستان

الميجر جنرال جاهد باكير قائد القوات التركية العاملة في القوة الأمنية الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي لدى تسلمه قيادة «إيساف» في أفغانستان في ديسمبر 2014 «أ.ف.ب»
الميجر جنرال جاهد باكير قائد القوات التركية العاملة في القوة الأمنية الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي لدى تسلمه قيادة «إيساف» في أفغانستان في ديسمبر 2014 «أ.ف.ب»
TT

سلطات أنقرة تلاحق الانقلابيين خارج البلاد

الميجر جنرال جاهد باكير قائد القوات التركية العاملة في القوة الأمنية الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي لدى تسلمه قيادة «إيساف» في أفغانستان في ديسمبر 2014 «أ.ف.ب»
الميجر جنرال جاهد باكير قائد القوات التركية العاملة في القوة الأمنية الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي لدى تسلمه قيادة «إيساف» في أفغانستان في ديسمبر 2014 «أ.ف.ب»

امتدت حملة التطهير التي تشهدها تركيا عقب المحاولة الانقلابية في 15 يوليو (تموز) إلى خارج البلاد، حيث اعتقلت سلطات الإمارات جنرالين تركيين يخدمان ضمن قوات الحلف الأطلسي بأفغانستان، فيما تتواصل حملة التطهير في الداخل، ويفترض أن يتم نقل الجنرالين إلى تركيا لاستجوابهما. كما تواصلت الحملة على الصحافيين مع احتجاز السلطات الصحافية المعروفة نازلي إليجاك بعد صدور مذكرات اعتقال بحق 42 صحافيًا، أول من أمس. وتثير الحملة التي بدأها الرئيس التركي رجب إردوغان على «فيروس» التمرد الذي نسبه للداعية التركي المقيم في المنفى بالولايات المتحدة فتح الله غولن، قلقًا كبيرًا في الخارج وفي تركيا. واعتقلت السلطات ما يزيد على 13 ألف تركي إثر المحاولة الانقلابية التي فاجأت النظام وخلفت 270 قتيلاً، وأكثر من تسعة آلاف أودعوا الحبس الاحتياطي. وضمن هؤلاء 143 جنرالاً يشتبه في تورطهم في الانقلاب الفاشل، بحسب أرقام جديدة نشرتها أول من أمس الصحافة الحكومية التركية. وكان مسؤول تركي صرح، طالبا عدم كشف هويته، بأن سلطات الإمارات أوقفت في مطار دبي الدولي اللواء جاهد باقر قائد القوات التركية في أفغانستان، والعميد شنر طوبشو قائد مكتب التدريب والدعم والاستشارة ضمن القوات التركية في كابل. وقالت وكالة أنباء الأناضول إن «عملية التوقيف جاءت بعد تعاون بين أجهزة الاستخبارات التركية والإماراتية». ويتولى الجنرالان منصبين عاليين في عملية «الدعم الحازم» الهادفة لتدريب قوات الأمن الأفغانية وتقديم المشورة إليها، بحسب موقع الحلف الأطلسي. واكتفى متحدث باسم مهمة الحلف بأفغانستان بتأكيد أن «الفيلق يواصل مهمته» رافضًا تقديم أي تفاصيل. ويتوقع الإعلان غدا إثر اجتماع المجلس العسكري الأعلى بأنقرة عن تحوير مهم في الجيش.
واعتقل نحو ثلث جنرالات تركيا الذين لا يزالون في الخدمة وعددهم نحو 360 منذ الانقلاب الفاشل، ووجه لأكثر من 100 منهم اتهامات بالفعل وينتظرون المحاكمة. وذكر تلفزيون «سي إن إن تورك»، أمس، نقلاً عن مصادر دبلوماسية أن سلطات دبي احتجزت اثنين من القادة العسكريين الأتراك العاملين في أفغانستان. وذكرت أن الاثنين هما الميجر جنرال جاهد باكير قائد القوات التركية العاملة في القوة الأمنية الدولية التي يقودها حلف شمال الأطلسي بأفغانستان، والبريجادير شينر توبوك الذي يشرف على التعليم والمساعدات في البلاد.
ومن جهته، قال وزير الطاقة وصهر إردوغان بيرات ألبيراق في مقابلة تلفزيونية: «إن هناك شبكة من أتباع غولن يجري تقييم جميع المؤسسات وستقيم». وأضاف أن رد السلطات التركية سيكون «عادلاً» و«لن يصل إلى حد المطاردة».
وتابع ألبيراق أن محاولة الانقلاب أثارت أسئلة خاصة بشأن القوة الجوية المتورط بعض أعضائها بشدة في الانقلاب، وقد تؤدي إلى إعادة التحقيق في الوقائع السابقة، ومنها إسقاط الجيش التركي طائرة حربية روسية قرب الحدود السورية العام الماضي.
ودفعت تلك الواقعة روسيا إلى فرض عقوبات تجارية على تركيا، لكن هناك دلائل على التقارب بين البلدين مع توجيه تركيا الشكر لموسكو على دعمها القوي خلال الانقلاب الفاشل. وخلافًا لذلك شاب التوتر علاقاتها مع أوروبا التي انتقدت الحملة التي أعقبت الانقلاب ومع الولايات المتحدة التي تحثها على تسليم غولن. وأدلى ألبيراق بهذه التصريحات في الوقت زار فيه أعلى وفد تركي موسكو منذ إسقاط الطائرة، وأعلن مسؤولون عن اجتماع مقرر بين إردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشهر المقبل.
وقال تيم إش، وهو واضع استراتيجيات في مؤسسة نومورا ومتابع مخضرم للأوضاع في تركيا: «إردوغان سيكون حريصًا على إرسال رسالة إلى واشنطن وعواصم الاتحاد الأوروبي مفادها أن تركيا لديها خيارات أخرى».
واحتجزت السلطات أمس الصحافية المعروفة نازلي إليجاك مثل سبعة من زملائها بعد صدور مذكرات اعتقال بحق 42 صحافيا الاثنين بينهم بشرى أردال الصحافية في صحيفة زمان اليومية التي كانت تتبع غولن، بحسب وكالة الأناضول. وقال تورغاي أولجيتو رئيس جمعية الصحافيين الأتراك: «هذا محزن وغير مقبول». وكانت إليجاك عضوا في البرلمان بين 1999 و2001 ممثلة عن حزب الفضيلة».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟