تركيا تعتزم حل الحرس الرئاسي.. وتؤكد: لسنا بحاجة إليه

إردوغان: عدد الموقوفين حتى الآن في تحقيقات محاولة الانقلاب الفاشلة يتجاوز 13 ألفًا

تركيا تعتزم حل الحرس الرئاسي.. وتؤكد: لسنا بحاجة إليه
TT

تركيا تعتزم حل الحرس الرئاسي.. وتؤكد: لسنا بحاجة إليه

تركيا تعتزم حل الحرس الرئاسي.. وتؤكد: لسنا بحاجة إليه

أعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أن السلطات التركية ستحل الحرس الرئاسي، قائلاً في حديث تلفزيوني إنه لن يكون هناك حرس رئاسي، موضحا: «ليس هناك سبب لوجوده.. لسنا بحاجة إليه».
وتأتي خطوة حل الحرس الرئاسي كواحدة من السياسات التي اتبعتها الحكومة التركية في محاولة منها للقضاء على الانقلابيين بشكلٍ تام، وذلك بعد اعتقال 283 عنصرًا على الأقل من هذا الحرس الذي يضم 2500 عنصر عقب محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقال رئيس الوزراء التركي، في وقت سابق، إن تركيا لا تعتزم تمديد حالة الطوارئ بعد انقضاء الأشهر الثلاثة المقررة لها، إثر محاولة انقلاب فاشلة، لكنها ستفعل ذلك إذا اقتضى الأمر.
وأضاف في مقابلة مع قناة (إيه تي في) التلفزيونية: «هدفنا هو ألا تمد، ولكن إذا اقتضت الحاجة فبالطبع ستمد».
من ناحية أخرى، أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن عدد الموقفين في إطار التحقيقات التي تجريها النيابات العامة التركية في كل الولايات، على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة، يبلغ 13 ألفا و160 شخصا.
ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية، اليوم (الأحد)، عنه القول، الليلة الماضية، إن من بين الموقوفين والمحبوسين 8 آلاف و838 عسكريا، وألفين و101 قاض ومدع عام، وألف و485 شرطيا، و52 موظفا حكوميا، و689 غيرهم.
واتهم إردوغان جهات لم يسمها بـ«عرقلة تقدم تركيا، كلما سنحت لها الفرصة لفعل ذلك».
وشدد إردوغان على أن بلاده عازمة على مواصلة تحقيق أهدافها التي وضعتها ضمن رؤية المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية، وتسعى لتنفيذها بحلول عام 2023، وكذلك رؤيتها لعامي 2053 و2071. وتابع: «تركيا أصبحت من بين الدول الأقوى اقتصاديا في العالم. والآن، نحن غير مرتبطين بالخارج في مجال الصناعات الدفاعية، وسنواصل تنفيذنا للمشاريع العملاقة التي خططنا لها، لذلك يحاولون عرقلتنا».
إلى ذلك، أقدم الضابط التركي إسماعيل جقماق على الانتحار، في محبسه بسجن «سيليفري» الموقوف فيه على ذمة التحقيقات المتعلقة بمحاولة الانقلاب الفاشلة.
ونقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر أمنية قولها إن الضابط في الجيش ضغط على زر جرس النداء في الزنزانة رقم 25، الواقعة ضمن المجمع (B) في السجن، ولدى وصول المسؤولين وجدوه قد شنق نفسه بواسطة شرشفه، مشيرة إلى أن الطاقم الطبي نقله إلى المستشفى، إلا أنه فارق الحياة.
وذكرت المصادر ذاتها أن جقماق كان موقوفًا بناءً على قرار من محكمة الصلح والجزاء الرابعة في إسطنبول، على خلفية اتهامه بـ«محاولة إزالة النظام الدستوري».
واستمرارًا في حملة التطهير، أوقفت تركيا أحد كبار مساعدي الداعية فتح الله غولن الذي تتهمه السلطات بتدبير الانقلاب الفاشل في 15 يوليو (تموز)، حسبما ذكر مسؤول حكومي، السبت.
وقال المسؤول، الذي لم تكشف هويته، إن القوى الأمنية أوقفت هايلز هانجي في محافظة طرابزون (شمال البلاد) على البحر الأسود، مشيرًا إلى أن هانجي هو «الذراع اليمنى» لغولن، والمسؤول عن نقل الأموال التي تصل إليه.
وينفي غولن، المقيم في الولايات المتحدة، أي علاقة له بالانقلاب الفاشل.
وذكر المسؤول أن هانجي دخل «على ما يبدو» البلاد قبل يومين من محاولة الانقلاب.
كما أكد تقرير أوردته وكالة أنباء «الأناضول» توقيف صهر أكين أوزتورك، قائد سلاح الجو سابقًا، بصفته أحد المشتبه بهم الرئيسيين.
وأوضح أن أوزتورك محتجز في أنقرة.
وكانت السلطات قد أوقفت في وقت سابق شخصًا آخر من أقارب غولن.
ميدانيًا، يواصل الأتراك في كل أنحاء البلاد التدفق إلى الميادين والساحات العامة، لليوم التاسع على التوالي، للمشاركة في مظاهرات «صون الديمقراطية ودعم الحكومة الشرعية»، للتنديد بمحاولة الانقلاب الفاشلة.
وفي مدينة إسطنبول، تجمع الآلاف من مشجعي الأندية الرياضية التركية، مرتدين قمصان أنديتهم، في شارع الاستقلال، ليسيروا بعدها إلى ميدان تقسيم الشهير، وسط المدينة، مرددين هتافات منددة بمحاولة الانقلاب.
كما شهد ميدان «قزل آي»، وسط العاصمة أنقرة، تجمعًا شارك فيه الآلاف من مناهضي الانقلاب، وهم يحملون أعلام تركيا، وسط ترديد هتافات منددة بالانقلابيين، وداعمة للحكومة والرئيس رجب طيب إردوغان.
وشهدت المظاهرة التي شارك فيها رئيس بلدية أنقرة مليح كوكجه، ونواب حزب العدالة والتنمية (الحاكم) عن الولاية، معزوفة لفرقة «المهتر» التركية.
وفي ولاية صامصون، نظم السكان مسيرة حملت عنوان «تحت نفس العلم»، شارك فيها قرابة 20 ألف شخص، بينهم وزير الشباب والرياضة عاكف جاغاطاي، وهم يحملون علمًا بلغ طوله ألف و919 مترًا.
وأشرفت الولاية على تنظيم المسيرة التي جابت شوارع المدينة، حيث أعرب المتظاهرون عن تنديدهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة.
كما شهدت ولايات تركية مختلفة تظاهرات مماثلة، منها إزمير، ومانيسا، ودنيزلي، وأوشاك، وآيدن، وبورصة، وبيله جك، وألازيغ، وقونية، ودياربكر، ومرسين، وقيرشهير، ونوشهير، وهكاري، وأسبارتا، وريزة، وغوموشهانة، ويالوفا، ومدن أخرى، ندد المشاركون فيها بالعملية الانقلابية الفاشلة، وأعربوا عن دعمهم للحكومة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟