الانقلاب الفاشل يسرّع من عملية التطهير التي استغرقت سنوات

نقطة تحول كبرى في النضال الذي استمر لأعوام كثيرة بهدف السيطرة على الدولة التركية

الانقلاب الفاشل يسرّع من عملية التطهير التي استغرقت سنوات
TT

الانقلاب الفاشل يسرّع من عملية التطهير التي استغرقت سنوات

الانقلاب الفاشل يسرّع من عملية التطهير التي استغرقت سنوات

دخل المساء وبدأت عطلة نهاية الأسبوع، لكن رئيس الاستخبارات التركية بقي في مكتبه في المجمع الأمني الرئيسي في أنقرة، محاولا تتبع التقارير الواردة بشأن الأنشطة العسكرية غير الاعتيادية في مختلف أنحاء البلاد.
وعلى نحو مفاجئ، اندلع هدير لإطلاق النار في الوقت الذي اخترق فيه أسطول من المروحيات بوابات المجمع الأمني. ومع إطلاق الحراس النار في الهواء، حاولت إحدى المروحيات الهبوط إلى جانب جهاز الاستخبارات، بينما ألقت المروحيات الأخرى بالحبال لإنزال عناصر القوات الخاصة، وفقا لمسؤول أمني كان داخل المجمع في ذلك الوقت، وكان يتحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشته شؤون تتعلق بالاستخبارات.
برزت محاولة الانقلاب خلال هذا الشهر، التي كانت أكثر من مجرد الهجوم المفاجئ على الحكومة، بمثابة نقطة تحول كبرى في النضال الذي استمر لأعوام كثيرة، بهدف السيطرة على الدولة التركية. وكانت خطوط المعركة واضحة: حلفاء الرئيس رجب طيب إردوغان في مواجهة مجموعة من الخصوم، بما في ذلك أعضاء من المؤسسة العسكرية وأنصار فتح الله غولن، رجل الدين الذي يقود حركة دينية سرية من منفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا الأميركية.
خشي العملاء داخل جهاز الاستخبارات التركي ولفترة طويلة من وجود طابور خامس بدأ يتبلور داخل الدولة التركية، ولقد مضت السنوات وهم يحاولون جمع الملفات حول عشرات الآلاف من المواطنين، ومراجعة وتدقيق ماضيهم، بحثا عن أي إشارات للتمرد ذات صلة بالسيد غولن وجماعته.
وبقدر ما حملت تلك الليلة من الإثارة ومن العنف، كانت عواقبها على ذات القدر من الإثارة والعنف أيضا. فلقد شرع السيد إردوغان في حملة تطهير داخلية موسعة، ووصم عشرات الآلاف من موظفي الخدمات المدنية وغيرهم بأنهم من الأعداء المحتملين للدولة التركية.
وفي حين أن المسؤولين الأتراك يقولون إن أنصار غولن كانوا على رأس المؤامرة الفاشلة، فلا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المحاولة قد بدأت بأوامر مباشرة من السيد غولن، وما مقدار الدعم الذي تلقاه المتآمرون من قطاعات أخرى داخل المجتمع التركي. ولقد نفى السيد غولن أي ضلوع له في الأحداث.
ولكن على المدى الطويل، قد يعني الأمر إعادة ترتيب كامل - وربما ثوري - للدولة التركية. وهناك بالفعل أحاديث حول استحداث نظام لجنة معنية تحكم بالبراءة أو بثبوت الاتهام على المتهمين، وهو نوع من العمليات الذي قد يزيد من حدة الانقسامات، ويحول المواطنين بعضهم ضد بعض.
يقول محمد شيمشيك، نائب رئيس الوزراء التركي، مصرحا للصحافيين يوم الخميس الماضي، بأنه يتوقع لبعض كبار الشخصيات أن تكون مخولة لتشكيل نوع من أنواع لجان الحكم.
وفي محاولة لتفهم أوجه الشبه التاريخية، قارن المؤرخون والمحللون عملية التطهير الجارية بالثورة الثقافية التي أعلنها ماو تسي تونغ في الصين في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وبالثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
يقول هنري جي باركي، وهو خبير بارز في الشؤون التركية، ويشغل منصب مدير برنامج الشرق الأوسط لدى مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين: «أول ما خطر ببالي كان ماو والثورة الإيرانية. ولكنها كانت ثورات بالمعنى المعروف. كنت أتوقع ذلك».
وأضاف يقول: «ولذا فإن السؤال المثير للاهتمام الآن هو: هل يعلن إردوغان الآن عن ثورته الخاصة؟ فهو في طريقه لإعادة هيكلة الدولة التركية بالكامل».
أثارت عملية التطهير الداخلية الحالية مخاوف مطاردات الساحرات التي تذكرنا بالحقبة المكارثية في الولايات المتحدة في خمسينات القرن الماضي.
وبالفعل، يمتد نظام التعليم في البلاد، ويضم عشرات الآلاف من المعلمين الذين فقدوا وظائفهم إلى جانب عمداء الجامعات، وأكثر من ألف و500 آخرين أجبروا على الاستقالة.
يقول أوغور تانيلي، عميد كلية الهندسة المعمارية في جامعة بيلغي في إسطنبول: «ليست لدينا أي معلومات عما سوف يحدث بعد ذلك. لقد طلبوا منا الاستقالة فحسب، ولقد استقلنا فعلا».
وتساءل كثيرون كيف يمكن للحكومة وبتلك السرعة معرفة وتحديد هذا العدد الهائل من الخونة. والإجابة، كما يقول المسؤولون الأتراك، هي أنهم كانوا يعدون لهذا الأمر منذ سنوات.
ولم يكن المسؤولون الحكوميون يتمتعون بالصراحة حول هذه النقطة تحديدا، حيث قالوا: إنه قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، كانوا يعملون بالفعل على جمع القوائم حول ضباط الجيش وغيرهم من المسؤولين الذين كانوا يشتبهون في ولائهم للسيد غولن.
ولكن حيث إن المسؤولين الحكوميين ليس لديهم ما يكفي من الأدلة لإدانة الجميع أمام المحاكم التركية، فقد خططوا لتهميشهم بمرور الوقت، كما صرح السيد شيمشيك، نائب رئيس الوزراء، للمراسلين يوم الخميس الماضي، حيث قال: «كنا نعرف الكثير، ولكن إما أننا افتقرنا للأساس القانوني اللازم وإما إلى الوقت الكافي لإزاحة أنصار غولن من الحكومة».
وتابع السيد شيمشيك يقول: «إننا لا نختلق هذه الروايات عليهم، فهي ليست سلسلة من أفلام الحركة الأميركية على أي حال. لدينا تلك الخلايا الضخمة، والشبكات العاملة، والبنك الذي يمولهم. إنهم يمتلكون موارد مالية هائلة».
ولقد حصلت هذه الجهود على دفعة جيدة هذا العام، عندما رصدت الاستخبارات التركية قناة اتصالات سرية مستخدمة من قبل أنصار غولن، وكشفت عن عشرات الآلاف من الأسماء وأرقام الهويات، وفقا لمسؤول أمني تركي كان داخل المجمع الحكومي التركي في أنقرة وقت تعرضه لهجوم المروحيات.
وتضمنت القوائم أسماء 600 ضابط جيش تركي كانت أسماؤهم قد بلغت قيادة القوات المسلحة حتى يمكن تهميشهم عند الإعلان عن الحركة الجديدة للضباط في أغسطس (آب) المقبل. ولكن أنصار السيد غولن علموا بانكشاف أمرهم وخططوا للانقلاب في خطوة استباقية لعملية التهميش الحكومية المزمعة، على حد قول المسؤولين.
* «نيويورك تايمز»



العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
TT

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

بينما يشهد العالم ركوداً في التجارة العالمية وتراجع الاستثمارات عبر الحدود، هناك استثناء صارخ لهذه الفوضى الاقتصادية: العصابات الدولية والجريمة المنظمة التي تشهد ازدهاراً غير مسبوق، مستغلة التكنولوجيا الحديثة وانتشار المخدرات الصناعية لتوسيع نفوذها عالمياً. وفقاً لتقرير لمجلة «إيكونوميست».

الجريمة المنظمة تنمو بمعدلات قياسية

يورغن ستوك، الذي أنهى مؤخراً فترة عمله أمينا عاما لـ«الإنتربول»، أكد أن العالم يشهد نمواً غير مسبوق في احترافية واتساع نطاق الجريمة المنظمة. وبينما أظهرت الإحصائيات انخفاضاً عالمياً في معدلات جرائم القتل بنسبة 25 في المائة منذ بداية القرن، تحذر منظمات دولية من ارتفاع هائل في أنشطة العصابات التي تتجاوز الحدود الوطنية لتتحول إلى شبكات عالمية متعددة الأنشطة.

التكنولوجيا: سلاح جديد في يد العصابات

أسهمت التقنيات الحديثة، مثل التطبيقات المشفرة والعملات الرقمية، في تسهيل عمليات الاتصال ونقل الأموال بين العصابات دون ترك أي أثر. الإنترنت المظلم بات سوقاً مفتوحاً لتجارة البضائع الممنوعة، بينما ظهرت الجرائم الإلكترونية كمجال جديد يدر أرباحاً بمليارات الدولارات.

تقديرات تشير إلى أن عائدات الاحتيال والسرقات الرقمية بلغت 7.6 مليار دولار في عام 2023، في وقت يستغل فيه المجرمون أدوات الذكاء الاصطناعي لابتكار طرق جديدة للاحتيال.

يحمل الناس أمتعتهم أثناء فرارهم من حيهم بعد هجمات العصابات التي أثارت رد فعل مدنياً عنيفاً في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

المخدرات الصناعية تغير قواعد اللعبة

مع التحول إلى المخدرات المصنعة كالميثامفيتامين والفنتانيل، أصبحت العصابات أقل اعتماداً على مناطق زراعة النباتات المخدرة مثل الكوكا أو الأفيون. هذه المخدرات، الأرخص والأقوى تأثيراً، ساهمت في توسيع نشاط العصابات إلى أسواق جديدة، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، حيث زادت المصادرات بأربعة أضعاف بين 2013 و2022.

تنويع الأنشطة والانتشار الجغرافي

لم تعد العصابات تقتصر على نشاط واحد؛ فهي الآن تجمع بين تجارة المخدرات، الاتجار بالبشر، القرصنة الرقمية، وحتى تهريب الأحياء البرية. على سبيل المثال، أصبحت عصابات ألبانيا لاعباً رئيسياً في سوق الكوكايين بالإكوادور، بينما تستغل عصابة «ترين دي أراجوا».الفنزويلية أزمة اللاجئين لتعزيز أرباحها من تهريب البشر.

يستجوب السكان شخصاً ليس من الحي بعد محاولة هجوم ليلي شنتها عصابات على ضاحية بيتيون فيل الثرية ما أثار استجابة مدنية عنيفة في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

العصابات والسياسة: تأثير متصاعد

امتدت أيدي العصابات إلى التأثير على السياسة في بعض الدول. ففي الإكوادور، اغتيل مرشح رئاسي على يد أفراد يُعتقد ارتباطهم بعصابات كولومبية، بينما شهدت المكسيك مقتل عشرات المرشحين السياسيين في الانتخابات الأخيرة.

العالم في مواجهة تحدٍّ عالمي

على الرغم من النجاحات الفردية لبعض الدول في مكافحة الجريمة، يبقى التعاون الدولي في مواجهة العصابات محدوداً مقارنة بتوسعها السريع عبر الحدود. خبراء يؤكدون أن النهج التقليدي لإنفاذ القانون يحتاج إلى تحديث جذري لمواكبة التحديات التي تفرضها الجريمة المنظمة في عصر العولمة.