ما بين العنكبوت والمرأة الجميلة

ما بين العنكبوت والمرأة الجميلة
TT

ما بين العنكبوت والمرأة الجميلة

ما بين العنكبوت والمرأة الجميلة

* يترك بعض صانعي الأفلام وراءهم حين يغادرون الحياة على هذه الأرض أفلامًا قليلة تعبّر عنهم. لكل مثلاً فيلم واحد، وبالأكثر اثنان، هو ما اشتهر به كل منهم رغم أنه بدأ العمل قبل هذا الفيلم المميز وواصل العمل بعده أيضًا.
* مخرجان من هذا النوع توفيا في الأسبوع الماضي: هكتور بابنكو مات في الثالث عشر من هذا الشهر، وغاري مارشال توفي في التاسع عشر منه. كل منهما مخرج معروف لكن شهرته بُنيت على فيلم واحد.
* هكتور بابنكو توفي عن 70 سنة وفي جعبته 14 فيلمًا من إخراجه وأقل من ستة أفلام شارك فيها بالكتابة أو الإنتاج. لكن فيلمًا واحدًا برز من بينها وتألق على ما عداه هو «قبلة المرأة العنكبوت».. والدا هكتور يهوديان قدما من أوروبا: الأم بولندية والأب أوكراني التقيا في مار دل بلاتا في الأرجنتين وتزوّجا وأنجبا ذلك الصبي هكتور الذي وقع في حب السينما منذ أن كان صغيرًا.
* انتقل للعيش في إسبانيا لفترة. تزوّج هناك وأنجب ابنة، ثم طلّق وانتقل إلى البرازيل حيث قام بإخراج عدد من الأفلام. أعماله الأولى، من عام 1973، كانت تسجيلية ثم روائية معتمدة على أحداث حقيقية كما الحال في «بيكشوت» سنة 1981 وبعد أربع سنوات أنجز «قبلة المرأة العنكبوت» حول سجينين أحدهما مثلي (ويليام هيرت الذي نال جوائز مختلفة عن دوره منها «أوسكار» و«غولدون غلوب» و«بافتا») والثاني سجين سياسي (راوول جوليا).
* هذا الفيلم هو الذي قدر له أن يعيش أكثر من أفلامه الأخرى بمن فيها فيلمه الأميركي «ايرونويد» (1987) الذي أسند دوريه الأولين إلى ميريل ستريب وجاك نيكولسون. بعده أنجز بضعة أفلام لا تقل جدارة عن «قبلة المرأة العنكبوت» أو أهمية عن «آيرونويد» (Ironweed) لكنها لم تعش طويلاً، لا على الشاشة ولا في بال النقاد.
* حالة المخرج الأميركي غاري مارشال شبيهة إنما على مساحة أكبر. فالمخرج الأميركي المولود سنة 1934 أخرج 30 فيلما كمخرج وكتب 46 فيلمًا ومثل في 68 فيلمًا آخر. لكن المجتمع الهوليوودي يتذكره بفيلم واحد من بينها جميعًا: «امرأة جميلة» (بريتي وومان).
* «امرأة جميلة» واحد من أنجح أفلام العام 1990 وأكثرها سخفًا: جوليا روبرتس فتاة ليل لكنها مختلفة عن كل النساء في أنها تنتقي من ناحية كما أن قلبها من صياغة أفلام حسن الإمام في هذا الجانب، فهو قلب أبيض يحمل براءة متناهية. في أحد الأيام تلتقي بفارس الأحلام ريتشارد غير الذي سيراها على حقيقتها ويتيح لها فرصة الانتقال من واقع إلى آخر.
* أفلامه الأخرى مخرجًا كانت كوميدية غالبًا. هو جيد في استحواذ الفرص وأعاد جوليا وريتشارد إلى بعضهما البعض في «عروس هاربة» سنة 1999، ومنح في العام التالي جسيكا ألبا وجسيكا بايل وبرادلي كوبر بطولة «يوم فالنتاين» وكلها أفلام رشيقة ومنمّقة ولا تقول الكثير.
* في النهاية هو موت واحد يصيب كل الناس وأهل السينما ليسوا متميزين إلا في جانب واحد: أفلامهم تبقى لتتحدث عنهم. «قبلة المرأة العنكبوت» سيبقى مثالاً بين الأفلام ذات الاهتمام الخاص، بينما «امرأة جميلة» سيبقى الفيلم الذي قدم جوليا روبرتس لمعجبيها.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.