هل تستحق الشهادات الجامعية عناء الحصول عليها؟

«الركود» يقلب نسب شرائح القوى العاملة في السوق الأميركية

ملصق دعائي عملاق عن الوظائف معلق على واجهة غرفة التجارة الأميركية في العاصمة واشنطن («واشنطن بوست»)
ملصق دعائي عملاق عن الوظائف معلق على واجهة غرفة التجارة الأميركية في العاصمة واشنطن («واشنطن بوست»)
TT

هل تستحق الشهادات الجامعية عناء الحصول عليها؟

ملصق دعائي عملاق عن الوظائف معلق على واجهة غرفة التجارة الأميركية في العاصمة واشنطن («واشنطن بوست»)
ملصق دعائي عملاق عن الوظائف معلق على واجهة غرفة التجارة الأميركية في العاصمة واشنطن («واشنطن بوست»)

تسبب التحول الهيكلي في سوق العمل، إثر الركود الاقتصادي الأخير، في تغييرات جذرية في تركيبة القوى العاملة الأميركية، حيث أصبح خريجو الكليات ذات الأربع سنوات (ولأول مرة) يشكلون أكبر شريحة من القوى العاملة، وبنسبة أعلى من أولئك الحاصلين فقط على شهادة الثانوية العامة ومن دون الشهادة الجامعية، وفقا لتقرير نشر قبل نحو أسبوع عن مركز التعليم التابع لجامعة جورج تاون.
وخلص الباحثون في المركز إلى أنه من أصل 11.6 مليون فرصة عمل جديدة في اقتصاد ما بعد الركود، هناك 11.5 مليون فرصة عمل حصل عليها أولئك الحاصلين على قدر ما من التعليم الجامعي. ومن تلك الوظائف، هناك 8.4 مليون فرصة عمل ذهبت إلى العاملين من أصحاب الدرجات الجامعية أو الحاصلين على الدراسات العليا. وحاز أولئك الحاصلين على دبلومة إتمام الدراسة الثانوية على 80 ألف فرصة عمل في فترة التعافي الاقتصادي، كما أفاد التقرير.
يقول أنتوني كارنفالي، مدير مركز التعليم التابع لجامعة جورج تاون والمؤلف الرئيسي للتقرير المذكور: «تسارعت وتيرة الاتجاه بعيدا عن الاقتصاد المستند إلى درجة الشهادة الثانوية إلى الاقتصاد المرتكز على مرحلة ما بعد التعليم الثانوي والتدريب خلال حالات الركود الاثنين أو الثلاث الأخيرة. فإذا كنت تستطيع إرسال ابنك إلى الكلية، فتلك من قبيل الأنباء السارة. وإن كنت غير مستطيع، فهي من الأنباء السيئة».
والحاصلون على درجة البكالوريوس على الأقل يشكلون الآن 36 في المائة من القوى العاملة في البلاد، وهي أكبر شريحة مسجلة حتى الآن. وأولئك الحاصلون على دبلومة الثانوية العامة ومن دون التعليم الجامعي يشكلون نسبة 34 في المائة من القوى العاملة فقط، بينما الذين حصلوا على بعض الدورات التدريبية الجامعية يشكلون نسبة 30 في المائة المتبقية.
ويحصل أصحاب الدراسات العليا على 3.8 مليون فرصة عمل خلال فترة الانتعاش الاقتصادي، في حين أن أصحاب المؤهلات الجامعية فقط يحصلون على 4.6 مليون فرصة عمل، وأصحاب الدرجات الجامعية المشاركة يحصلون على أكثر من 3 ملايين فرصة عمل، وفقا للتقرير. وهناك ما يقرب من 5.8 مليون فرصة عمل للوظائف التي تتطلب مهارات عالية خلال فترة التعافي تذهب إلى الحاصلين على درجة البكالوريوس على الأقل، بينما الوظائف التي تستلزم مهارات عادية أصبحت مجال النمو الوحيد للعمال من أصحاب شهادات التعليم الثانوي أو أقل.
وأهدر الركود الاقتصادي فرص العمال من أصحاب الياقات الزرقاء والوظائف الكتابية، مما أدى إلى تقلص شريحة من سوق العمل ظلت تواجه الانخفاض على مدى عقود. وفي الصناعات، مثل الصناعات التحويلية، والتشييد والبناء، والموارد الطبيعية، تحولت تلك القطاعات من توظيف ما يقرب من نصف القوى العاملة في البلاد في عام 1947 إلى ما لا يزيد على 19 في المائة فقط منهم في عام 2016، وفقا للتقرير. وأضافت الصناعات التحويلية ثاني أعلى عدد من الوظائف - بمقدار 1.7 مليون فرصة عمل - خلال فترة التعافي الاقتصادي، على الرغم من أن القطاع لا يزال يعاني من نقص في الوظائف بمقدار مليون وظيفة كما كان الحال قبل وقوع الركود. وعلى نحو مماثل، في قطاع التشييد والبناء، الذي أضاف 834 ألف وظيفة خلال فترة التعافي، ولا يزال يعاني من نقص يبلغ 1.6 مليون وظيفة في إحصائيات ما قبل الركود.
أما بالنسبة لوظائف الدعم الإداري، وهي تشكل أكبر شريحة مهنية في الاقتصاد الأميركي، فقد فقدت 1.4 مليون وظيفة خلال الركود والتعافي على حد سواء نظرًا للارتفاع المشهود في قطاع تخزين المعلومات الرقمية والأتمتة، كما أفاد التقرير. وتلك الوظائف كانت من المصادر الرئيسية للعمل بالنسبة للناس من ذوي التعليم المحدود، وهو السبب وراء معاناة تلك الشريحة من الموظفين من احتفاء هذا النوع من الوظائف من سوق العمل، كما قال السيد كارنفالي.
والتقرير (كما يقول) «يؤكد على التوجه الذي يضع مؤيدي المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب في الخلفية. فهم يميلون لأن يعملون في صناعات محددة، ومن ذوي التعليم الثانوي في الغالب، ويتذكرون الأيام الخوالي في فترة السبعينات حينما كانوا يمثلون قوة العمل المهيمنة في البلاد.. ولكنه عالم جديد الآن».
وكان التعافي الاقتصادي يشكل نعمة كبيرة على الوظائف الإدارية والمهنية، أي أولئك العاملين في قطاع الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والتعليم، والخدمات الحكومية. وارتفعت نسبة الموظفين في هذه المجالات من 28 في المائة في عام 1947 إلى 46 في المائة من القوى العاملة في العام الحالي. وأضافت الخدمات الاستشارية والتجارية العدد الأكبر من الوظائف خلال فترة التعافي بمقدار 2.5 مليون فرصة عمل. وأضاف المتخصصون في مجال الرعاية الصحية والمهنة التقنية 1.5 مليون فرصة عمل في اقتصاد البلاد.
ويحمل المشهد العام المتغير للقوى العاملة الأميركية آثارا بعيدة المدى بالنسبة للتعليم العالي. وروح العصر الحالي تؤكد على ضرورة اتساق برامج التعليمية مع احتياجات سوق العمل بالنسبة للطلاب من أجل الاستفادة القصوى من درجاتهم الجامعية. وسخر صناع القرار السياسي في بعض الأحيان من دراسات الفنون الحرة ولم يروا لها قيمة تُذكر في سوق العمل، مما دفع ببعض الكليات والجامعات، ولا سيما كليات الفنون الحرة، إلى اتخاذ موقف الدفاع أو حتى تغيير رسالتها التعليمية استجابة لاحتياجات المزيد من الخريجين في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات. غير أن البيانات الصادرة تناقض الرأي العام السائد بأن خريجي الجامعات من مختلف المجالات يواجهون أدنى معدلات للبطالة.
يقول السيد كارنفالي: «هناك نوع من التوتر في هذا الشأن. فمن الواضح في أذهان أغلب الأميركيين أن الرسالة الدائمة للكليات والجامعات هي تعزيز الازدهار الإنساني، وليس مجرد تخريج جنود المشاة لخوض حرب الرأسمالية».
وفي عصر الديون الدراسية ذات الأرقام الخمسة، تتزايد صعوبة الجدال في مواجهة أهمية التوظيف المستدام، والخريجين من مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات يحظون بأعلى الأرباح المحتملة في سوق العمل. وخلصت دراسة سابقة عن جامعة جورج تاون إلى أن نسبة 25 في المائة الأولى من العاملين ذوي الدرجات الجامعية يتوقعون جني الأرباح التي تتساوى مع نسبة 25 الأخيرة من أصحاب الدرجات الجامعية الهندسية، وحتى أولئك الذين يمرون بمنتصف حياتهم المهنية حاليا. والحصول على درجة جامعية متقدمة سوف يحسن من توقعات المتعلمين، ولكنه لن يفيد كثيرا في تضييق فجوة الأجور مع المهندسين، كما تقول الدراسة.
ويقول السيد كرنفالي: «إن نظام التعليم العالي لدينا عبارة عن ماكينة تتكلف 500 مليار دولار، من دون نظام تشغيل من وجهة نظر الاقتصاد. وهناك ميل متزايد نحو التوظيف بصفته المعيار النهائي للكليات والجامعات في الولايات المتحدة.. ولسوف يعني ذلك دائمًا أن العائلات الثرية تحصل دائما على التعليم والتدريب، بينما العائلات الأقل ثراء لا تحصل سوى على التدريب فحسب».
* خدمة «واشنطن بوست» ــ خاص بـ {الشرق الأوسط}



تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن
TT

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

تحقيق يكشف تردي أوضاع 1500 مدرسة غير مرخصة في لندن

أثار تحقيق تربوي مستقل، صدر منذ أيام، موجة جدل في بريطانيا بعد كشفه عن تردّي أوضاع أكثر من 1500 مدرسة غير مرخصة في مقاطعة هاكني اللندنية.
هذا التحقيق الذي استغرق عاماً من العمل، انتقد سلامة الطلاب والمناهج التعليمية في تلك المدارس اليهودية «المتشددة دينياً»، وأسند معلوماته إلى إثباتات وبيانات من وزارة التعليم، وهيئة تقييم المدارس البريطانية (أوفستيد) إلى جانب شهادات من بلدية هاكني ورابطة المدارس العبرية، ودعا بإلحاح إلى تحرك حكومي.
وقال التقرير إن القوانين البريطانية لا تتعامل بحزم مع المدارس غير المرخصة، معبراً عن استيائه من رد الفعل اللامبالي من الحكومة.
ووفقاً لما نقلته «بي بي سي» على موقعها الجمعة الماضي، فإن القائمين على التحقيق أجروا استفتاءً بين أهالي الجالية اليهودية «المتشددة» لمشاركة تجاربهم، من دون الكشف عن هوياتهم. ووجدوا أنّ التعليم الذي يتلقاه طلاب أبناء الجالية لا يتماشى مع معايير التدريس في البلاد.
وكشفت هيئة «أوفستيد» أنّ نحو 6 آلاف طالب في إنجلترا يدرسون في مؤسسات تعليمية غير مرخصة معظمها مدارس دينية، يهودية ومسيحية وإسلامية.
من جانبها، طالبت بلدية هاكني في العاصمة البريطانية، بتشديد القوانين على تلك المدارس، لكنّ وزارة التعليم في البلاد لم تبد نيّة لإجراء أي تعديلات. ودعا التقرير المستقل بتشديد القوانين على التدريس المنزلي، ومنح البلديات الصلاحية لضمان تعليم ذات جودة تتماشى مع الأسس البريطانية لمرتادي هذه المدارس، ولمن اختار أهلهم تدريسهم في المنزل. كما حثّ البلدية أن تطوّر آلية موحدة للتعامل مع الكم الهائل من مدارسها غير المرخصة التي تزيد من التفرقة الاجتماعية في البلاد، وتؤدي بالتالي إلى إنتاج فكر متشدد.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُوضع فيها المدارس الدينية في بريطانيا تحت المجهر، حيث أفاد تقرير لأوفستيد في فبراير (شباط) 2016، بأنّ أداء تلاميذ مدرسة «بيس أهارون» الابتدائية، يُجمعون على فكرة أنّ دور المرأة يقتصر على «الاهتمام بالأطفال وتنظيف المنزل وتحضير الطعام»، منتقداً مستوى التعليم في المدرسة الذي «لا يرقى إلى المستوى المنتظر من مدرسة مستقلة»، ويقدّم «الشعائر الدينية على المعايير التعليمية» المتعارف عليها. واعتبرت الهيئة الحكومية أنّ هذه المدرسة الابتدائية الخاصة التي تكلّف ما يقارب الـ3000 جنيه إسترليني في السنة (أي نحو 4300 دولار أميركي)، لا تحضّر تلاميذها بشكل مناسب للانخراط في «الحياة البريطانية الحديثة».
وفي السياق ذاته، قال مفتشو هيئة «أوفستيد» إن نقاشاتهم مع التلاميذ كشفت أن «معظمهم عبّروا عن آراء في الأدوار التي يلعبها كل من المرأة والرجل في المجتمع، لا تتوافق ومبادئ المجتمع البريطاني الحديث»، كما «فشلوا في إظهار الاحترام والتسامح تجاه أشخاص من ديانات مختلفة»، فضلاً عن أنّ معرفتهم بديانات أخرى وثقافات مغايرة «محدودة للغاية».
يذكر أن الهيئة نفسها كانت قد انتقدت 7 مدارس إسلامية مستقلة في منطقة «تاور هاملتس»، شرق لندن، لفشلها في أداء واجبها لحماية الأطفال من التطرف. وأشارت «أوفستيد» في تقريرها الذي نشر بتاريخ 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، إلى تساهل بعض هذه المدارس مع ممارسات قد تعتبر مشجعة للتطرف، وعبرت عن مخاوف جدية تجاه تدابير حماية التلاميذ ورعايتهم من خطر الانجرار وراء الفكر التطرفي، حسبما أفادت «الشرق الأوسط» سابقاً.