انعكاسات «بريكست» على مستقبل الثقافة البريطانية

جمعيات ومؤسسات ومتاحف ومواقع أثرية قد تخسر الملايين

جي كيه رولينغ  - جون لا كاريه -  توسعة «تيت مودن» أريد منها قبل الخروج أن تكون فضاء مخصصًا للإبداع الفني الأوروبي والعالمي
جي كيه رولينغ - جون لا كاريه - توسعة «تيت مودن» أريد منها قبل الخروج أن تكون فضاء مخصصًا للإبداع الفني الأوروبي والعالمي
TT

انعكاسات «بريكست» على مستقبل الثقافة البريطانية

جي كيه رولينغ  - جون لا كاريه -  توسعة «تيت مودن» أريد منها قبل الخروج أن تكون فضاء مخصصًا للإبداع الفني الأوروبي والعالمي
جي كيه رولينغ - جون لا كاريه - توسعة «تيت مودن» أريد منها قبل الخروج أن تكون فضاء مخصصًا للإبداع الفني الأوروبي والعالمي

قبل أسبوع تقريبًا من الاستفتاء الشعبي البريطاني، افتتحت في لندن وبحضور ستة آلاف شخص توسعة «تيت غاليري للفن الحديث»، وهي فضاء مخصص لتوسيع دائرة تذوق الإبداع الفني العالمي من أوروبا والعالم. كانت تلك الليلة بمثابة إعلان رمزي لنهاية عهد بريطانيا في الانفتاح وتقبل الآخر وقدرتها الاستثنائية على الفهم المتبادل. بعدها بأيام كان الاستفتاء - الصدمة عندما صوتت أغلبية بسيطة لمصلحة الخروج من الاتحاد. كانت صدمة للخاسرين والفائزين أيضا كما للمراقبين، بعد استقطاب حاد في الشارع بين معسكرين بدا أن لا مناطق التقاء بينهما، فالمدن الكبرى والأغنياء والأطراف غير الإنجليزية في المملكة منحت صوتها لصالح البقاء في حين اندفع سكان الأرياف والفقراء والمناطق الإنجليزية - بمعناها الجغرافي - إلى التصويت للقطيعة مع الاتحاد. ودشَّن العهد الجديد بهجوم عنصري وتخريب للمركز الثقافي البولندي. بين الحدثين، تغيرت بريطانيا، وإلى الأبد.
لم يتغير شيء بعد على الأرض فيما يتعلق بالعمل الثقافي، هناك خسارة متوقعة تلوح في الأفق لعدة ملايين يورو تستفيد منها حاليًا جمعيات، مؤسسات ثقافية، متاحف ومواقع أثرية بريطانية، كما من المتوقع أيضًا نشأة صعوبات ملموسة في انتقال المبدعين والفنانين والمثقفين في الاتجاهين، وبالطبع لن تكون لندن عاصمة الثقافة الأوروبية في 2023، كما كان مخططًا، وستلهب حمى التراجع مكانة اللغة الإنجليزية على نحو حاسم في مؤسسات الاتحاد الأوروبي - لمصلحة الألمانية والفرنسية بالطبع - وربما سيغادر نحو 15 في المائة من أساتذة الجامعات البريطانية الذين يحملون جوازات أوروبية إلى دول أخرى، ولا شك أن عشرات الآلاف من الطلاب الأوروبيين سيعيدون النظر في جاذبية الالتحاق في التعليم البريطاني مستقبلاً.
وهكذا سيكون على عاتق القطاع الثقافي عمومًا إعادة تنظيم أموره من جديد للتعامل مع كل هذه المتغيرات المحتملة. لكن الأخطر من ذلك كله هو مناخ الاستقطاب الحاد بين المثقفين الذي ساد الحملات التي سبقت الاستفتاء، والذي بدا كأنه مجرد التحاق بالمواقف السياسية للمعسكرين حول قرار الاستفتاء.
المثقفون والعاملون في الصناعات الثقافية البريطانية من فنانين وموسيقيين، وروائيين وشعراء ومؤرخين وعلماء واقتصاديين انقسموا، متماهين مع شارعهم، بين مؤيد ومعارض لفكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي في بلاد يمثل المنتج الثقافي فيها بكل أشكاله (سينما، تلفزيون، مسرح، تعليم، كتب وقصائد) مصدر دخل مهمًا للبلاد، ومشغلاً لملايين العاملين في قطاعاته المختلفة.
بالطبع كان كل طرف من أطراف الاستفتاء قد استدعى نجومه في عالم الإبداع والثقافة، محاولاً توظيف ثقلهم المعنوي لكسب الأنصار والمؤيدين، في وقت تراجعت فيه أسهم الخبراء والبيروقراطيين بشدة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، التي أفقدت المواطن البريطاني الثقة بكل من يرتدي ربطة عنق!
البداية كانت من رسالة إلى صحيفة «التيلغراف» البريطانية وقعها نحو 250 من نجوم التمثيل والأدباء والموسيقيين والفنانين أعربوا فيها عن قلقهم الشديد لاحتمالية خروج بريطانيا من الاتحاد؛ لأن ذلك سيكون بمثابة «قفزة في المجهول» سواء لملايين العاملين في قطاعات الثقافة البريطانية أم لجمهورهم على مستوى العالم كله. وأضافوا «أن معظم المشاريع الإبداعية البريطانية لم تكن لتكون دون الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي أو دون التعاون مع نظرائنا على البر الأوروبي». من الموقعين كان النجم (بنيديكت كمبرباتش) - بطل مسلسل شيرلوك هولمز، و(جود لوو) - الممثل البريطاني المعروف، و(إدريس ألبا) - بطل الدراما البريطاني الأسود، و(كيت موس) - نجمة هوليوود، و(فيفيان ويستوود) - مصممة الأزياء الأولى في المملكة، و(بالوما فييث) - المغنية المعروفة عالميًا وعشرات غيرهم من الوجوه المألوفة على كل الشاشات وصفحات الجرائد اليومية في بريطانيا. الروائيون وإن وقع بعضهم على الرسالة المذكورة، فإنهم اختاروا التعبير عن تأييدهم للبقاء في الاتحاد بطرق أخرى منفردة، ومنهم جي كيه رولينغ، الروائية الأكثر مبيعًا في تاريخ العالم ومؤلفة سلسلة هاري بوتر، التي كتبت رسالة طويلة على موقعها الخاص، وأطلقت عدة تغريدات على «تويتر» دعت فيها إلى البقاء ضمن الأسرة الأوروبية الواحدة التي أثرت وتثري الحياة الشخصية لكل البريطانيين، وأيضا هيلاري مانتل، الروائية المعروفة بأعمالها ذات الصبغة التاريخية الإنجليزية، التي أعربت في مقابلة صحافية مهمة معها عن تأييدها بقاء المملكة ضمن الاتحاد، وكذلك فيليب بولمان، كاتب روايات الأطفال الشهير، وجون لا كاري، الروائي الأكثر مبيعًا في كتب الجاسوسية، اللذان تحدثا في مقابلات ومقالات عامة عن موقفهما الداعم للبقاء. ظن البعض أن مشهد «الكتاب يأخذون موقفًا» الذي شهدته الحروب الثقافية في أوروبا (في الثلاثينات ضد الفاشية) و(في الستينات ضد حرب فيتنام) يتكرر الآن في مواجهة موضوع الخروج من الاتحاد. لكن المعسكر الآخر الداعي إلى مغادرة الاتحاد، ما لبث أن استدعى نجومه هو الآخر، ولعل أبرزهم على الإطلاق كان (مايكل دوبز)، صاحب النسخة البريطانية الأصلية من مسلسل (هاوس أوف كاردز)، وعضو مجلس اللوردات الذي صرح بأن نجاح الصناعة الخلاقة في بريطانيا يعود إلى المواهب البريطانية وثقافة الشعب البريطاني ذاته، وليس للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي أي تأثير حاسم في ذلك. وفي رأيه فإن مشروع الاتحاد هو بمثابة حلم فشل، وربما آن الأوان لتجاوزه إلى شيء آخر، كما تحدث بتهكم عن رسالة الـ 250 مبدعًا، معتبرا إياهم مستفيدين من العلاقة مع الاتحاد. وكذلك فعل جوليان فيللوز، الروائي النجم في الساحة البريطانية، وسايمون جينكيز، الصحافي العريق، اللذان عبرا في مقالات لهما عن اقتناعهما بأن مصلحة البلاد هي في الخروج من الاتحاد واسترداد السيادة البريطانية الكاملة، وإن كان جينكيز يرى أن البقاء في الاتحاد قد يكون مفيدًا فقط في كبح جماح ألمانيا.
المؤرخون البريطانيون انقسموا بدورهم إلى معسكرين متناقضين: المجموعة الداعية للخروج من الاتحاد نظمت نفسها في تجمع أسموه (مؤرخون من أجل بريطانيا) وأطلقوا موقعًا نشيطًا على الإنترنت لنشر أفكارهم، وقد قادهم نخبة من ألمع الأسماء في مجال التاريخ، مثل ديفيد ستاركي، وتشارلز مور، وغيرهما من العشرات من الأسماء المعروفة في الجامعات ومراكز الأبحاث والصحافة. وفي الجانب الآخر تجمع معسكر مضاد أعلن أنه يدعم فكرة البقاء في المملكة، وقد نشر رسالة مفتوحة بهذا الخصوص ذكر فيها دواعي تاريخية لموقفه، وشارك ممثلون عنه في برنامج احتفالي خاص لدعم حملة البقاء كان نظمه 10 داوننيغ ستريت (مقر رئاسة الوزراء في لندن). الانقسام وصل أيضًا إلى صفوف العلماء فوقع فريق من أشهر علماء بريطانيا ومنهم ستيفن هاوكينغ ومارتن رييز رسالة تأييد مفتوحة للبقاء في الاتحاد، بينما دعا «علماء من أجل بريطانيا» إلى التصويت على الخروج. والاقتصاديون البريطانيون كذلك انقسموا إلى فريقين متعارضين وفق استطلاع خاص لحساب جريدة «الأوبزرفور» الأسبوعية.
على صعيد الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، أصدر تحالف العاملين المستقلين في السينما والتلفزيون بيانا قالوا فيه إن صناعة التلفزيون في بريطانيا سوف تتأثر سلبيًا على العموم بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإن التراجع المتوقع للتمويل الأوروبي الرسمي والاستثماري في الأعمال السينمائية والتلفزيونية سيتسبب في أضرار كبيرة للصناعة الإبداعية ككل. لكن أكبر ستوديوهات تصوير في لندن (باين وود) التي أنتجت أعمالاً عالمية، مثل حرب النجوم وجيمس بوند قالت: «إن هبوط الإسترليني الحاد بسبب نتيجة الاستفتاء سيساعدها على تحقيق معدل أرباح قياسية هذا العام وسيمكنها من اجتذاب أعمال عالمية أخرى للتصوير في بريطانيا».
هو إذن شرخ عمودي بين فئات المثقفين جميعًا، واستقطاب لم تشهد له بريطانيا مثيلاً ربما منذ أيام حرب الوردتين. القلق الآن ليس على مآلات الأمور بعد تقوقع بريطانيا والخروج من الاتحاد، فهذا أمر لن يحسم قبل شهور على الأقل، ولن تلمس آثاره على اقتصاد البلاد سريعًا. ما يقلق حقًا هو استمرار مناخ الاستقطاب على نحو أسوأ من ما قبل الاستفتاء وتكرار حوادث الكراهية والعنف العنصري ضد الرموز الثقافية لغير الإنجليز، وما يقلق أكثر هو أن المثقفين البريطانيين في عصر العولمة - وغالبًا هو حال مثقفي البلاد الأخرى - صاروا يتبعون شارعهم في أخذ المواقف، لا العكس كما يتوقع من قادة الرأي والفكر.
المأساة هنا أن الشارع يتلاعب به تجار سياسة شعبويون، غايتهم مصالح النخبة لا غير. ربما يكون القادم أسوأ.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.