الصومال 2016: صراع الأجندات المحلية والأجنبية

على أبواب التجربة السياسية المقبلة

الصومال 2016: صراع الأجندات المحلية والأجنبية
TT

الصومال 2016: صراع الأجندات المحلية والأجنبية

الصومال 2016: صراع الأجندات المحلية والأجنبية

يُقبل الصومال على مرحلة سياسية جديدة بحلول أغسطس (آب) 2016. تختلف عن جميع مراحل العملية السياسية السابقة، التي بدأت قبل عقد ونصف، تغير اللاعبون المحليون في السياسة الداخلية كما تغير اللاعبون الإقليميون والدوليون الذين يؤثرون في سير العملية السياسية في الصومال ونتائجها خلال الأربع سنوات القادمة وربما إلى أبعد من ذلك. وحسب الجدول الانتخابي الذي اتفقت عليه الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم الفيدرالية، فإن العملية السياسية الحالية ستمتد لشهرين على الأقل، يتم خلالها إجراء الانتخابات البرلمانية بغرفتيها (مجلس الأعيان ومجلس الشعب)، واستكمال تشكيل الأقاليم الفيدرالية (6 أقاليم) وكذلك الانتخابات الرئاسية، وكلها تسير وفق ترتيبات معقدة تتداخل فيه المصالح القبلية والسياسية وتأثيرات الدول المجاورة ومنظمات إقليمية ودولية.
تجري العملية السياسية، الانتخابية والتشكيلية - التنظيمية، في الصومال بينما تتقاسم الحكومة الصومالية النفوذ على أراضيها مع مجموعة من الدول الداعمة ماديا وعسكريا، فالاتحاد الأفريقي لديه قوات يزيد عددها قليلا عن 22 ألف جندي ينتمون إلى خمس دول، وهي بالترتيب: أوغندا (6223 جنديا) وبوروندي (5432 جنديا) وإثيوبيا (4395 جنديا) وكينيا (3664 جنديا) وجيبوتي (960 جنديا) إضافة إلى 552 عنصرا من قوات الشرطة تنتمي إلى كل من نيجيريا وأوغندا وغانا وكينيا وسيراليون.
وتضم البعثة المدنية التابعة للاتحاد الأفريقي أيضا مجموعة من الدوائر المدنية، أبرزها: دائرة الشؤون السياسية ودائرة الشؤون الإنسانية، وشعبة المعلومات، ودائرة الشؤون المدنية ودائرة الأمن والسلامة، ودائرة النوع (الجندر) وشعبة الدعم الفني. وهذه القوات مقسمة علي ستة قطاعات عسكرية في وسط وجنوب الصومال، واسمها الرسمي هو قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال، وتعرف اختصارا بالـ«أميصوم»، وهي بمثابة الحاكم الفعلي للصومال منذ عام 2007.
أما الدعم المالي فيأتي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات الأمم المتحدة، ودول عربية من بينها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر، إضافة إلى تركيا التي تعتبر الدولة الأكثر انخراطا في الشأن الصومالي خلال السنوات الماضية. وكل هذا يجعل من العملية السياسية الحالية في الصومال خاضعة لأجندات محلية وإقليمية ودولية يتم اتخاذ معظم ترتيباتها وقراراتها خارج الصومال، مع إتاحة هامش ضئيل من المناورة للأطراف الصومالية.
ولقد بدأت عملية «فدرلة» الصومال منذ سنوات، وهي أقرب حاليا إلى «فيدرالية الأمر الواقع» ذات الصبغة القبلية، واعتمدت في الدستور الانتقالي الذي لم يتم طرحه للاستفتاء الشعبي بعد. واستقرت هذه الفيدرالية على ستة أقاليم، لكن حدود هذه الأقاليم لم تحدد بعد، ستنظر اللجنة الوطنية المستقلة بشأن الحدود بين الأقاليم، وهي لجنة لم يتم تفعيلها حتى الآن.
وللعلم، ينص الدستور الصومالي الانتقالي على أنه «يحق لأي اثنتين أو أكثر من المحافظات الصومالية (18 محافظة) تشكيل إقليم فيدرالي، ويصبح هذا الإقليم عضوا في الدولة الفيدرالية الصومالية». ويترك الدستور للبرلمان تحديد عدد الأقاليم الفيدرالية التي تتكون منها الجمهورية. ورغم ذلك فإن الأقاليم التي تشكلت حتى الآن تشكلت بالأمر الواقع حسب الديموغرافية القبلية، مع وجود امتدادات قبلية في هذا الإقليم أو ذاك.
ومع أن الدستور أيضا يجعل شؤون «السياسة الخارجية، والدفاع، والجنسية والهجرة، والسياسة النقدية» من اختصاصات الحكومة الاتحادية، فإن النموذج الفيدرالي الصومالي الحالي يبدو وكأنه دول مستقلة لا يصرح أطرافها بذلك، في الوقت الذي يرتبطون فيه بعلاقات ظاهرة وغير ظاهرة بالخارج بعيدا عن نفوذ الحكومة الاتحادية.
وقد وجهت انتقادات كثيرة إلى النظام الفيدرالي الصومالي بشكله الحالي بأنه نظام يناقض التركيبة السكانية المتجانسة للصومال، حيث لا توجد فيه تنوعات دينية أو عرقية أو لغوية، أو حتى عوازل جغرافية فالصوماليون يتحدثون لغة واحدة وينتمون إلى عرق واحد ويعتنقون ديانة واحدة هي الإسلام، إذ يتبع كلهم المذهب الفقهي الشافعي. ويرى المنتقدون أن حماسة القادة السياسيين للفيدرالية هدفه تقوية نفوذهم على حساب الحكومة الاتحادية أكثر منه تأسيس نظام يقود إلى تعزيز الوحدة والاستقرار.
كذلك يثير كثير من الصوماليين علامات استفهام حول التصميم الحالي للأقاليم الفيدرالية في الصومال، الذي يخالف جميع التقسيمات الإدارية المعروفة منذ الاستقلال. ويجري تداول شرطين أساسيين (غير معلنين) في الأوساط الشبيه الصومالية لتشكيل أي إقليم فيدرالي صومالي هما: أن يكون له منفذ بحري، وأن تكون له حدود مع إثيوبيا (بلد مغلق)، ما يوفر لهذا الإقليم استقلالا اقتصاديا نسبيا ويعطي لإثيوبيا نفوذا سياسيا وعسكريا عليه بحكم الجوار. بغض النظر عن صحة هذه المعلومات فإن هذين الشرطين ينطبقان على الأقاليم الستة الموجودة حاليا في الساحة.
والأقاليم التي تشكلت حتى الآن هي خمسة أقاليم فيدرالية هي: بونت لاند (شمال شرق) وجوبا لاند (جنوب) وإقليم الجنوب الغربي، وغلمدغ (وسط) وهيران شبيلي (وسط - وقيد الإنشاء). أما الإقليم السادس فهو إقليم «أرض الصومال» أو صومالي لاند (شمال) الذي أعلن الانفصال عن بقية الصومال تحت اسم «جمهورية أرض الصومال» لكنه إقليم غير معترف به إقليميا ودوليا. ولقد رفض هذا الإقليم الانضمام إلى العملية السياسية في الصومال منذ إعلانه الانفصال عام 1991.
أما الانتخابات البرلمانية لغرفتي البرلمان الأولى والثانية فتجرى على مرحلتين في شهر أغسطس المقبل، حسب الجدول المتفق عليه حتى الآن. وتتكون الغرفة الأولى (أي مجلس الأعيان) من 56 عضوا يصار إلى اختيارهم على أساس الأقاليم الفيدرالية الستة المعترف بها، حيث تكون الكلمة الأخيرة في اختيارهم لرؤساء الأقاليم الفيدرالية مع مراعاة التوازن القبلي أيضا، بينما تستمر المفاوضات بين الأطراف السياسية الصومالية حول تخصيص مقاعد إضافية للعاصمة مقديشو، التي لم يتم حسم موقعها في النظام الفيدرالي حتى الآن.
أما الغرفة الثانية من البرلمان الصومالي (أي مجلس الشعب) فتتكون من 275 عضوا يجري انتخابهم وفقا للمحاصصة القبلية التي تعرف محليا بنظام «الأربعة والنصف» الذي يصنف القبائل الصومالية إلى أربع مجموعات قبلية كبيرة، وتحالف للقبائل الصغيرة اعتبر نصف قبيلة.
ويتم اتباع نظام انتخابي جديد غير مباشر، حيث أنشئ ما يشبه دائرة انتخابية قبلية خاصة تتكون من 51 ناخبا لكل دائرة التي تنتخب نائبا واحدا في البرلمان. ويترشح الأعضاء الذين يسعون لدخول الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الشعب) في هذه الدوائر الانتخابية الخاصة بقبيلتهم كل على حدة، فيما يبلغ عدد الناخبين الذين سينتخبون أعضاء البرلمان المقبل 14 ألف ناخب يمثلون القبائل الصومالية المختلفة سينتخبون الأعضاء الـ275 في البرلمان.
وبشأن توزيع الدوائر الانتخابية القبلية فإنه تحقق في الأقاليم الستة لانتخاب الغرفة الثانية من البرلمان، على الترتيب التالي: إقليم أرض الصومال (47 مقعدا)، إقليم بونت لاند (40 مقعدا) إقليم غلمدغ (36 مقعدا)، إقليم جوبا لاند (39 مقعدا)، إقليم هيران شبيلي (37 مقعدا)، إقليم جنوب غربي (69)، إضافة إلى قبائل البنادريين من سكان العاصمة (7 مقاعد).
ولكن تدور حاليا معركة أخرى في الأوساط السياسية حول تحديد أعضاء الدائرة الانتخابية الخاصة بكل نائب، حيث يسعي المرشحون للبرلمان وللرئاسة إلى فرض أعضاء موالين لهم في هذه الدوائر لوضع بصماتهم على نتيجة الانتخابات بشقيها البرلماني والرئاسي.
وتبدأ عملية تحديد أعضاء الدوائر الانتخابية القبلية من زعماء العشائر المعترف بهم ويبلغ عددهم 135 زعيم عشيرة، وتشرف عليهم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وممثلون عن الاتحاد الأفريقي ومنظمات المجتمع الدولي، ثم يتوجه الناخبون إلى عواصم الأقاليم الفيدرالية لانتخاب النواب، حيث من المقرر أن تعقد هذه الانتخابات في وقت متزامن، وبعدها ينتقل النواب المنتخبون إلى العاصمة مقديشو لأداء اليمين الدستورية ثم انتخاب الرئيس في العاشر من سبتمبر (أيلول) المقبل حسب الجدول الانتخابي. ولأول مرة يقوم البرلمان الصومالي بغرفتيه بانتخاب الرئيس.
وقد استبعدت الأحزاب السياسية الناشئة عن المشاركة في العملية السياسية الحالية التي حصرت بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم الفيدرالية. ورغم مصادقة البرلمان مؤخرا على قانون الأحزاب السياسية في البلاد، فإن الأحزاب الموجودة لن تشارك في الانتخابات بصفتها الحزبية بل أجّل ذلك إلى عام 2020، ولكن يحق لأعضاء الأحزاب الترشح للبرلمان عن طريق قبائلهم في الانتخابات المرتقبة.
ويشكل موقف إقليم «جمهورية أرض الصومال» (شمال البلاد) الرافض للعملية السياسية الحالية برمتها مشكلة أخرى للحكومة الاتحادية ولحكومات الأقاليم الفيدرالية الأخرى. وكما سبق فإن «أرض الصومال» تعتبر نفسها دولة مستقلة ذات سيادة، وحقًا أعلنت أنه لا علاقة لها بما يجري في الصومال، وأن لها نظامها السياسي والانتخابي الخاص بها، وفشلت المفاوضات - التي ترعاها تركيا منذ سنوات - بين «أرض الصومال» والحكومة المركزية في مقديشو، في ضم الإقليم إلى العملية السياسية الحالية في البلاد.
وفيما يبدو أنه محاولة للتغلب على مشكلة تمثيل «أرض الصومال» في البرلمان المرتقب، تقرر تخصيص 58 مقعدا من غرفتي البرلمان للقبائل الساكنة في الإقليم، كما كان الحال في الانتخابات السابقة، ومن المتوقع أن تجري عملية انتخاب هؤلاء النواب في العاصمة مقديشو في وقت لاحق من أغسطس المقبل.
وفيما يتعلق بالعاصمة مقديشو فإن الخلافات لا تزال قائمة حول وضعها المستقبلي في النظام الفيدرالي الجديد، حيث تأجل حسم وضعها إلى أجل غير مسمى.
وما يجدر ذكره أن القبائل التي تشكل الأغلبية من سكانها تطالب باعتبارها إقليما فيدراليا قائما بذاته نظرا للثقل السكاني والاقتصادي والسياسي التي تتمتع به (نحو مليوني نسمة)، في حين تطالب قبائل أخرى بتخصيص مقاعد لها في غرفتي البرلمان لكن بشرط أن يكون التمثيل القبلي لهذه المقاعد متساويا بين القبائل الصومالية، لأن مقديشو هي العاصمة القومية للبلاد. وثمة قبائل تطالب أيضًا بجعل مقديشو «منطقة محايدة» لا تمثيل لها في العملية السياسية على أن تحتفظ بمكانتها كعاصمة للبلاد، ومقر للحكومة المركزية والمؤسسات الوطنية الأخرى.
ورغم الطابع القبلي الخالص للانتخابات البرلمانية والرئاسية المرتقبة في الصومال فإن الصراع ينحصر في ثلاثة أطراف رئيسية في البلاد، هي: التيارات الإسلامية، ومجموعات رجال الأعمال على اختلاف قبائلهم، وباقي الفئات. ولقد سطع نجم الإسلاميين في السياسة الصومالية منذ قيام «حركة المحاكم الإسلامية» (2006) التي أطاح بها التدخل العسكري الإثيوبي الذي كان يحظى بدعم جهات دولية وإقليمية عدة، وتولي الرئيس السابق شريف شيخ أحمد الرئاسة (2009) مدعومًا من التيار الإسلامي، ثم مجيء الرئيس الحالي حسن شيخ محمود إلى السلطة (2012) بدعم من التيار الإسلامي أيضا.
ويعتبر الإسلاميون الصوماليون على اختلاف مشاربهم تيارات عابرة للقبائل نسبيًا، الأمر الذي قد يمكّنهم من بناء تحالفات سياسية فيما بينهم، ومع أنه سادت حالة من العداء والتنافس الشديد المشهد الإسلامي في الصومال في التسعينات، لكن تجربة المحاكم الإسلامية وما أعقبها من تطورات، خلقت جوا من التقارب بين الإسلاميين وخاصة بين التيارات المحافظة والإخوانية بأطيافها المختلفة. كذلك مع أنه قد يكون الوقت مبكرا للحكم على خريطة التحالفات السياسية والقبلية والآيديولوجية للتأثير على الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال، إلا أن تيارات الإسلام السياسي هي الأكثر تنظيما واستعدادا لهذا الحدث، ومن شبه المؤكد أن يكون لممثليها وجود ملحوظ في مجلسي البرلمان.
أما مجموعات رجال الأعمال الذين تعزز نفوذهم المالي والسياسي في السنوات الماضية بسبب ضعف الحكومات في مقديشو وفي الأقاليم، فإنهم يشعرون بتهديد مصالحهم في حالة مجيء برلمان وحكومة لا يخضعان لنفوذهم. وبناءً على ذلك فإن عشرات من رجال الأعمال وأصحاب الشركات العملاقة يترشحون الآن لغرفتي البرلمان، وفي نفس الوقت يدفعون بمرشحين مدعومين من طرفهم لدخول البرلمان، بهدف تشكيل كتلة برلمانية مؤثرة تدافع عن مصالحهم، كما أنهم يسعون إلى دخول الحكومة أيضا وكذلك دعم أحد المرشحين للرئاسة.
والحقيقة أن رجال الأعمال الصوماليون بنوا إمبراطوريات مالية بسبب غياب النظام الضريبي والتنظيم التجاري في البلاد، واستطاعوا التأثير على قرارات الحكومات والبرلمانات عند إثارة القضايا المتعلقة بالضرائب وتنظيم النشاط التجاري والاقتصادي في البلاد، والآن يسعى كثيرون منهم إلى حماية مصالحهم المالية مهما كان الثمن.
وبناء على هذه المؤشرات فإن البرلمان الصومالي القادم وكذلك الحكومة الاتحادية سيضمان وجوها من التيارات الإسلامية المختلفة، ورجال الأعمال المؤثرين أكثر من أي وقت مضي. وليس مستبعدا أن يفوز مرشح من التيارات الإسلامية أو مدعوم من قبلها بمعركة الرئاسة التي تتحكم فيها مجموعة من المؤثرات المحلية والإقليمية والدولية أيضا، تتضح معالمها كلما اقتربنا أكثر من موعد الانتخابات.
وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات المرتقبة فإن أي سلطة قادمة في الصومال ستواجه نفس التحديات التي واجهتها الحكومات السابقة بما فيها تلك المنتهية ولايتها بعد شهرين. فالوضع الأمني رغم التحسن الملحوظ لا يزال متعثرا، فبناء الجيش الوطني لم ينجز بعد، الأمر الذي يحتم على السلطة القادمة الاستمرار في الاعتماد على قوات الاتحاد الأفريقي. ثم إن «حركة الشباب» رغم خسارتها معظم المناطق الحضرية التي كانت تحكمها، فإنها لا تزال تسيطر على مساحات واسعة من وسط وجنوب البلاد، وتشكل تهديدا أمنيا واضحا في العاصمة والمدن الرئيسية في البلاد.
أضف إلى ما سبق أنه بسبب غياب مصادر دخل وطنية، فمن المتوقع أن تستمر السلطة الجديدة المقبلة في الاعتماد على المعونات الخارجية بشكل أساسي، وهي معونات غير ثابتة ترتفع وتنخفض حسب المزاج السياسي الدولي، كما أن هذا الدعم سيتأثر بحسب لون البرلمان والرئيس والحكومة التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة، ومعنى ذلك أن الصومال سينتقل إلى مرحلة جديدة بتحديات قديمة.



القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
TT

القضايا الرئيسية في انتخابات 2024 الكشميرية

طابور اقتراع في كشمير (رويترز)
طابور اقتراع في كشمير (رويترز)

برز إلغاء المادة 370 وتأسيس دولة مستقلة في جامو وكشمير قضيتَين رئيسيتين في هذه الانتخابات، بينما تشكّل البطالة مصدر قلق مزمن كبير. الصحافي زاهور مالك قال: «ثمة استياء عميق في العديد من الدوائر تجاه إلغاء المادة 370. إلا أنه بدلاً من مقاطعة الانتخابات، دفع القرار الكشميريين إلى التصويت على نحو يتناقض مع الـ30 إلى الـ40 سنة الماضية. في وقت سابق، جرى استغلال مثل هذا الاستياء لدعم النزعة الاستقلالية والتطرف؛ ما أدى إلى صعود تهديدات وتحذيرات من مقاطعة الانتخابات، لكن هذه المرة، لم تسمح الطوابير الطويلة للناخبين بحدوث ذلك. وتبقى الميزة الأهم في هذه الانتخابات، أنها جاءت سلمية تماماً. وتكشف حقيقة خروج حشود من الناس للتصويت كيف أصبح التصويت في حد ذاته عملاً من أعمال المقاومة والتضامن».

وشرح مالك أن «السنوات الست الماضية من الحكم المستمر لنيودلهي دفع شعب جامو وكشمير للشعور بالتهميش السياسي. وأثار تنفيذ الحاكم غير المنتخب بل المعيّن مركزياً للعديد من القوانين مخاوف عامة الناس. إذ يرى أهل جامو وكشمير أن البيروقراطية التي تديرها الحكومة المركزية - حيث يتولى مسؤولون غير محليين المناصب الإدارية العليا - لا تتناسب مع القضايا والحساسيات المحلية».

من جهته، علّق المحلل السياسي مفتي شوكت فاروقي بأن «قرار الحكومة الهندية إجراء انتخابات يبدو ظاهرياً بمثابة خطوة نحو استعادة الوضع الطبيعي في الإقليم. ولكن، من دون معالجة السبب الجذري للصراع في كشمير - الوضع السياسي غير المحلول، وتطلعات الشعب الكشميري، وانعدام الثقة العميق بين الدولة ومواطنيها - فإن هذه الانتخابات لن تعدو مجرد ممارسة سطحية للديمقراطية».

والحقيقة، كان إلغاء المادة 370 عام 2019، الذي جرّد جامو وكشمير من وضعها الخاص واستقلالها كولاية داخل الاتحاد الهندي، سبباً في تفاقم التوترات. بل تسبّب القرار في انهيار الثقة بين السكان الكشميريين والحكومة الهندية. ونظر كثيرون إلى العملية الانتخابية في ظل الإطار السياسي الحالي، باعتبارها «غير شرعية»؛ لأنها لم تعد تمثل الهوية المميزة للإقليم أو تطلعات أبنائه للحكم الذاتي.

وفي قلب القضية، تكمن الحاجة إلى حل سياسي شامل يعالج تاريخ كشمير الفريد وتطلعاتها ومظالمها. ولا يمكن تحقيق ذلك عبر الانتخابات فقط، بل عبر الحوار الهادف بين الحكومتين الهندية والباكستانية والجهات السياسية المحلية وجماعات المجتمع المدني، بما في ذلك أولئك الذين يدافعون عن فكرة تقرير المصير، ويدعون إلى استقلال كشمير.

وبالانتقال إلى الانتخابات في كشمير، نجد أن حلبة التنافس راهناً تضم الأحزاب الإقليمية الكشميرية، على رأسها «المؤتمر الوطني» و«حزب الشعب الديمقراطي»، والعديد من الاستقلاليين الذين يتنافسون بصفتهم «مستقلين» سعياً إلى استعادة المادة 370 والوضع الخاص لجامو وكشمير. ويتواجه هؤلاء عملياً مع حزب «بهاراتيا جاناتا». وفي تصريح له، قال الرئيس السابق لحكومة الإقليم عمر عبد الله إن كشمير في حاجة إلى «استعادة هويتها» عبر إلغاء الخطوة التي اتخذتها حكومة مودي عام 2019. وفي المقابل، صرح أميت شاه، وزير داخلية مودي، خلال الشهر، بأن وضع الإقليم شبه المستقل «أصبح تاريخاً ولا أحد يستطيع إعادته». وأضاف أنه «لا يمكن للساعة أن تعود إلى وضع 370 عندما كان لدينا دستوران وعَلمان».

في سياق موازٍ، بين القضايا الرئيسية الأخرى في الانتخابات، احتجاز العديد من الشباب الكشميريين في السجون الهندية، وتحديات محلية مثل تفشي المخدرات والبطالة. وتشير تقديرات الحكومة منذ يوليو (تموز)، إلى أن معدل البطالة في كشمير يبلغ 18.3 في المائة، أي أكثر عن ضعف المتوسط الوطني.

وفي هذا الصدد، قال خورشيد أحمد (50 سنة): «هناك الكثير من القضايا التي نواجهها هنا. نحن سعداء لأننا سنرى تغييراً. نريد حكومتنا الإقليمية ونهاية حكم ممثل نيودلهي. قد تفهمنا حكومتنا الإقليمية، لكن لا أحد من الخارج يستطيع ذلك. أنا أدلي بصوتي اليوم لأننا نتعرض للقمع، وقد سُجن الأطفال، ويتعرضون لأفعال غير عادلة. نحن نصوّت اليوم ضد تصرفات مودي في كشمير».

وقال فايز أحمد ماجراي (46 سنة): «كانت السنوات الأربع الماضية صعبة. لقد اتخذت قوات الأمن إجراءات صارمة، والإذلال الذي ألحقه المسؤولون من الخارج بالسكان غرس شعوراً بالعجز. صيغت القوانين المعادية للشعب من دون استشارة السكان المحليين. أنا أصوّت لإنهاء عجزنا. نحن في مرحلة حرجة من التاريخ، والتصويت وسيلتي للتعبير عن رفضي ضد القوى العازمة على تدمير جامو وكشمير مع كل يوم يمرّ».

مع ذلك، يبدو أن بعض مواطني كشمير فقدوا الأمل باستعادة استقلال منطقتهم، مثل سهيل مير - وهو باحث - الذي قال: «لا أعتقد أن المادة 370 ستعود ما لم تحدث أي معجزة»، وتابع أن الأحزاب كانت تقدم وعوداً بشأن استعادة الحكم الذاتي في خضم أجواء «مشحونة سياسياً» للحصول على الأصوات.

في هذه الأثناء، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، دعت سلطات نيودلهي دبلوماسيين أجانب إلى جامو وكشمير لمتابعة الانتخابات. وبالفعل، زار ما يقرب من 20 دبلوماسياً من سفارات مختارة، بينها سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وسنغافورة والفلبين وماليزيا، جامو وكشمير لمراقبة الانتخابات.