أكيهيتو.. والقرار الحاسم

إمبراطور اليابان.. هل يقدم على أول تنازل على العرش منذ 200 سنة

أكيهيتو.. والقرار الحاسم
TT

أكيهيتو.. والقرار الحاسم

أكيهيتو.. والقرار الحاسم

تناقلت وكالات الأنباء العالمية خلال الأيام القليلة الفائتة أخبارا وشائعات عن اعتزام إمبراطور اليابان أكيهيتو التنازل عن العرش، وتحدثت عن أن الإمبراطور البالغ من العمر 82 سنة الذي اعتلى «عرش الأقحوان» في مطلع 1989، الذي يعاني منذ بعض الوقت متاعب صحية، يفكر في التنحي خلال فترة غير بعيدة. ولو حصل هذا الأمر فإن أكيهيتو سيغدو أول إمبراطور لليابان يتنازل عن عرشه منذ نحو 200 سنة.

كانت النهاية المأساوية للحرب العالمية الثانية بالنسبة إلى اليابان، في عام 1945، مفصلا تاريخيا بالنسبة إلى دور الإمبراطور. ولئن كان تعرض مدينتي هيروشيما وناغاساكي للقصف بقنبلتين نوويتين، أحد أشهر الأحداث في تاريخ العالم العسكري، وهو الحدث الذي أجبر اليابان على الاستسلام وتجرع طعم هزيمة مريرة بجانب الخسائر البشرية الضخمة، فإن مكانة الإمبراطور التقليدية المقدسة كـ«ابن الشمس» انتهت؛ إذ بعد الهزيمة في الحرب ورضوخ اليابان للهيمنة الأميركية تحول الإمبراطور فعليا إلى ملك دستوري قريب من نموذج الملكيات الأوروبية في بلد تحكمه حكومات حزبية منتخبة، ويقوم فيه برلمان منتخب.
الإمبراطور الذي حدث في عهده هذا التحول التاريخي عام 1945 كان هيروهيتو (1901 - 1989) والد أكيهيتو، ولقد توفي الإمبراطور هيروهيتو يوم 7 يناير (كانون الثاني) 1989، وفور وفاته خلفه ابنه الأكبر وولي عهده على العرش.
* الإمبراطور الـ125
أكيهيتو هو الإمبراطور الـ125 بين أباطرة اليابان، ووفق التقاليد التي تقضي بإطلاق اسم على عصور هؤلاء (أي فترة توليهم العرش) عهد أكيهيتو بـ«عصر هايساي الإمبراطوري»، وسيُطلق على أكيهيتو نفسه بعد وفاته بأمر حكومي اسم «الإمبراطور هايساي»، وعندها سيطلق اسم جديد على عصر خلفه.
ولد أكيهيتو في القصر الإمبراطوري بوسط العاصمة اليابانية طوكيو يوم 23 ديسمبر (كانون الأول) 1933، وهو خامس أولاد الإمبراطور هيروهيتو (أو الإمبراطور شووا، كما يُعرف اليوم بعد وفاته) والإمبراطورة ناغاكو (الإمبراطورة كوجون)، لكنه الأكبر بين الذكور، ولقد عرف في صغره باسم الأمير تسوغو. ولقد تلقى تعليمه على أيدي معلمين خاصين في القصر قبل أن يلتحق بين العامين 1940 و1952 بمدرسة غاكوشوين - التي أسست في طوكيو لتعليم أبناء النبلاء - حيث أنهى دراسته الابتدائية والثانوية، وبعدها التحق لفترة بجامعة غاكوشوين؛ حيث درس العلوم السياسية من دون أن يتخرج.
وما يستحق الإشارة إليه هنا أنه إبان الحرب العالمية الثانية وبسبب تعرض العاصمة اليابانية للقصف عام 1945 أجلي أكيهيتو وشقيقه الأمير ماساهيتو خارج المدينة، وبعد الاحتلال الأميركي درس اللغة الإنجليزية وأصول اللياقة (الإيتيكيت) الأوروبية والغربية على أيدي مُدرسة أميركية. ومن ناحية أخرى، مع أن أكيهيتو كان الوريث الطبيعي للعرش منذ ولادته، فإنه لم يصبح وليا للعهد بصورة رسمية إلا في خريف عام 1952، وفي العام التالي، قام بأول مهمة رسمية دولية له بهذه الصفة عندما حضر مراسم تتويج الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا. غير أنه بخلاف أسلافه في العائلة الإمبراطورية لم يحمل رتبة عسكرية في الجيش بناء على رغبة أبيه.
وفي صيف العام 1957 التقى الأمير الشاب بحسناء من عامة الشعب اسمها ميتشيكو شودا في ملعب لكرة المضرب في منتجع كارويزاوا قرب مدينة ناغانو السياحية والرياضية. وبعد تطور العلاقة بينهما، أقر «مجلس شؤون البلاط الإمبراطوري» الذي يضم رئيسي الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان «الداييت» وكبير القضاة إلى جانب عضوين من الأسرة الإمبراطورية الخِطبة رسميا في نوفمبر (تشرين الثاني) 1958، وبعد الاحتفال بها في 14 يناير (كانون الثاني) 1959. أجريت مراسم الزواج يوم 10 أبريل (نيسان) من العام نفسه، وبهذا بات ميتشيكو شودا أول فرد من عامة الشعب تنضم إلى الأسرة الإمبراطورية. واليوم تتكون عائلتهما من ولدين وبنت هم: الأمير ناروهيتو، ولي العهد الحالي، وفوميهيتو (أو الأمير أكيشينو)، وساياكو (المعروفة سابقا بالأميرة نوري).
* النهضة اليابانية
أقام الإمبراطور أكيهيتو وقرينته الإمبراطورة ميتشيكو قبل أن يعتلي العرش بالكثير من الزيارات الرسمية لدول العالم، كما لعبا في اليابان دورا نشطا في تقريب العائلة الإمبراطورية التي كانت التقاليد تبعدها عن المواطنين. وبعد وفاة هيروهيتو الذي ارتبط بتاريخ كإمبراطور لأكثر من 62 سنة، خلفه أكيهيتو على «عرش الأقحوان»، وتواصلت في عهده مسيرة تعزيز الديمقراطية والحياة الحزبية التي يسيطر عليها منذ عقود الحزب الديمقراطي الحر (يمين الوسط) بأجنحته المختلفة. ولقد توج أكيهيتو رسميا (في احتفال رسمي) كإمبراطور يوم 12 نوفمبر 1990.
وفي عهد أكيهيتو استمرت، بل تعززت مكانة اليابان كعملاق اقتصادي عالمي بعدما كانت اللبنات الأولى للنهضة الصناعية والثقافية قد بدأت عمليا في «العصر الميجي» (1868 - 1912)، الذي يحمل اسم الإمبراطور «ميجي» (ماتسوهيتو)، جد هيروهيتو ووالد جد أكيهيتو. ومع أن المؤسسة العسكرية ذات الطموح الإمبريالي الذي تنامى كثيرا في النصف الأول من القرن الـ20 فرضت وجودها، وحظيت بنفوذ كبير أدى إلى زج البلاد في الحرب العالمية الثانية، فإن كارثة الهزيمة في تلك الحرب أثمرت لاحقا نقلة اقتصادية في الاقتصاد والصناعة والسياسة والثقافة.
ذلك أنه في أعقاب التغييرات البنيوية التي فرضها الأميركيون على اليابان المهزومة انطلقت في البلاد حياة حزبية سليمة. وفي المقابل أدى اندلاع الحرب الكورية (1950 - 1953) إلى اضطرار واشنطن إلى تشجيع نهضة الصناعة اليابانية التي وجدت ضروريا في مرحلة ما ضربها وتقليص حجمها وفرط تكتلاتها الكبرى، وذلك في ضوء تصاعد الخطر الشيوعي في شرق آسيا عبر الصين والاتحاد السوفياتي.
وبالفعل، أسهمت تحديات الحرب الكورية في إقناع الأميركيين بالتعامل مع اليابان كحليف في وجه «الأعداء الجدد» في مناخ «الحرب الباردة». وهكذا، عاشت اليابان نهضة من وسط الركام والرماد في فترة عهد هيروهيتو نفسها. ومن ثم، جاء عهد أكيهيتو عهد تثبيت للاستقرار وتأكيدا لدور اليابان كلاعب عالمي مؤثر، في مختلف المجالات.
أكثر من هذا، منذ تولي أكيهيتو العرش فإنه حرص على الانفتاح ليس على الداخل فحسب؛ حيث زار كل محافظات اليابان الـ47، بل على جيران اليابان أيضا، ولا سيما الجيران الذين عانوا حقبة تسلطها الحربي عليهم، وبالأخص كوريا، وبلغ عدد الدول التي زارها في نطاق زياراته الرسمية الخارجية 18 دولة.
* متاعب صحية
في مطلع العام 2003، مع تقدم السن، أجرى الإمبراطور الياباني عملية جراحية لعلاج سرطان في البروستاتا. غير أن وضعه الصحي قلما أثر في التزاماته وحرصه مع زوجته الإمبراطورة ميتشيكو على تشارك المواطنين في مسرَّاتهم ونكباتهم، وظهر هذا عبر إطلالاته وتشجيعه المواطنين بعد كارثتين حلتا بشمال اليابان، هما زلزال توهوكو وأزمة التسرب النووي في فوكوشيما عام 2011، ولكن في نهاية العام تعرض لالتهاب رئوي حاد استدعى نقله إلى المستشفى، ثم في مطلع العام التالي أجرى عملية جراحية في القلب.
وحقا خلال الأسبوع الفائت راجت تقارير عن اعتزام أكيهيتو التنازل «خلال بضع سنوات» عن العرش لولي عهد الأمير ناروهيتو، وذلك بسبب وضعه الصحي غير المساعد، غير أن مصادر في القصر الإمبراطوري بادرت إلى نفي صحة هذه التقارير. ولكن في حال قرر الإمبراطور حقا التنازل، فإنه سيقدم على خطوة على الأولى من نوعها منذ تنازل الإمبراطور كوكاكو عام 1817.
* أباطرة اليابان منذ «العصر الميجي»
الإمبراطور ميجي (ماتسوهيتو) 1867 - 1912
الإمبراطور تايشو (يوشهيتو) 1912 - 1926
الإمبراطور شوا (هيروهيتو) 1926 - 1989
أكيهيتو 1989 – حتى الآن
* رؤساء وزراء اليابان في عهد أكيهيتو
(السواد الأعظم من الحزب الديمقراطي الحر أو ائتلافات يتزعمها)
سوسكي أونو 3-6-1989 – 10-8-1989
توشيكي كايفو 10-8-1989 – 5-11-1991 (حكومتان)
كيئيتشي ميازاوا 5-11-1991 – 9-8-1993
موريهيرو هوسوكاوا 9-8-1993 – 28-4-1994 (تحالف ليبرالي معارض)
تسوتومو هاتا 28-4-1994 – 30-6-1994 (حزب اليابان الديمقراطي)
توميئيتشي موراياما 30-6-1994 – 11-1-1996 (الحزب الاشتراكي)
ريوتاريو هاشيموتو 11-1-1996 – 30-8-1998 (حكومتان)
كييزو اوبوتشي 30-8-1998 – 5-4-2000
يوشيرو موري 5-4-2000 – 26-4-2001 (حكومتان)
جونيتشيرو كويزومي 26-4-2001 – 26-9-2006 (3 حكومات)
شينزو آبي 26-9-2006 – 26-9-2007
ياسوو فوكودا 26-9-2007 – 24-9-2008
تارو آسو 24-9-2008 – 16-9-2009
يوكيو هاتوياما 16-9-2009 – 8-6-2010
ناوتو كان 8-6-2010 – 2-9-2011
يوشيهيكو نودا 2-9-2011 – 26-12-2012
شينزو آبي 26-12-2012 حتى الآن



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.