برلمانيو بلجيكا: استمرار نشر الفكر المتشدد يعني هجمات إرهابية جديدة

«الشرق الأوسط» ترصد غياب الرقابة على الكتب الدينية في المكتبات الإسلامية ببروكسل

إجراءات أمنية في شوارع بروكسل بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت عاصمة الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في شوارع بروكسل بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت عاصمة الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

برلمانيو بلجيكا: استمرار نشر الفكر المتشدد يعني هجمات إرهابية جديدة

إجراءات أمنية في شوارع بروكسل بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت عاصمة الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي («الشرق الأوسط»)
إجراءات أمنية في شوارع بروكسل بعد التفجيرات الإرهابية التي ضربت عاصمة الاتحاد الأوروبي في مارس الماضي («الشرق الأوسط»)

يزداد الإقبال في بلجيكا على الكتب الدينية في فترات محددة، منها على سبيل المثال فترة العطلة الصيفية للمدارس حاليا، وأيضا خلال شهر رمضان. وهناك الكثير من التساؤلات طرحتها الفعاليات السياسية والحزبية والإسلامية، حول الرقابة على المكتبات الإسلامية، ومن يتحمل مسؤوليتها، خصوصا في أعقاب الهجمات الأخيرة التي عرفتها بروكسل؟. وأبدت أحزاب بلجيكية على لسان أعضائها، تخوفها من حدوث عمليات إرهابية جديدة في ظل وجود مكتبات توزع كتبا تنشر الفكر المتشدد، بينما ترى أحزاب أخرى أن الرقابة مسؤولية مشتركة بين السلطات وأولياء أمور شباب الجالية المسلمة.
«الشرق الأوسط» زارت بعض المكتبات وحاولت رصد عملية الرقابة، والتعرف إلى وجهة نظر الأطراف كافة، ومنها أصحاب المكتبات الإسلامية والشباب من أبناء الجالية المسلمة، والقيادات الحزبية في الحكومة، واليمين المتشدد المعارض وأيضا القيادات الدينية. وكانت مكتبة «الرسالة» واحدة من المكتبات الإسلامية الموجودة في العاصمة البلجيكية بروكسل، وتضم الكثير من الكتب الدينية وغيرها.
وخلال شهر رمضان يزداد الإقبال على شراء هذه الكتب من أبناء الجالية المسلمة من مراحل سِنية مختلفة، خصوصا الشباب، يقول أحمد المجاهدي، صاحب مكتبة الرسالة في بروكسل: «أغلب الشباب يشترون الكتب الدينية المعتدلة، ومعظم صغار السن من الشباب يتحدثون الفرنسية، ويبحثون عن الكتب المترجمة إلى الفرنسية، حيث اللغة التي يجيدونها، ونحن نشتري هذه الكتب من فرنسا وبفواتير رسمية وبعلم السلطات الفرنسية، فإذا كانت هذه الكتب ممنوعة أصلا لكانت السلطات الفرنسية قد منعتها». واعترف الشخص نفسه بأنه «لا أحد يأتي للتفتيش على محتوى هذه الكتب»، مضيفا «لكن الغالبية من الجالية المسلمة تحرص في رمضان على شراء المصاحف للتبرع بها للمساجد، وبخاصة من الرجال كبار السن، وأيضا كتب الطبخ بالنسبة للسيدات، لكن الكتب الأخرى يأتي الشباب للحصول عليها من المكتبة؛ أملا في زيادة المعرفة في المجالات المختلفة». في الوقت نفسه، يرى بعض الشبان أنهم لا يحتاجون إلى الرقابة، ويعرفون الطريق إلى من يستطيع أن يقدم لهم النصيحة ويوضح لهم الأمور بعيدا عن التطرف. وداخل المكتبة كان يقف شاب في العشرين من عمره يدعى محمد، سألته وهو يتصفح أحد الكتب «ماذا تفعل لو قرأت كتابا وكانت فيها أفكار مغايرة لما تعلمته في المنزل أو في أي مكان آخر؟ من يوضح لك الأمور؟»، فرد الشاب قائلا: «أتوجه إلى الإمام في حال واجهت صعوبات في فهم محتوى الكتاب، وهناك كتب أخرى من السهل فهم محتواها ولا تحتاج إلى توضيح أو نصيحة». وقال شاب آخر إنه «لا يظن أن هناك تركيزا حاليا على الكتب داخل المكتبات، وبخاصة أن معظم الكتب موجودة على الإنترنت».
يقول الشيخ عبد الهادي عقل، إمام مسجد المركز الإسلامي في بروكسل: «دور الإمام مهم للغاية في توعية الناس ونشر الفكر المعتدل وإقناع الشباب بأن الدعوة إلى العنف تتعارض مع مبادئ الإسلام التي تركز على السلام والتسامح والتعايش مع الآخرين». أما المؤسسات الإسلامية بدورها فتقول «أولياء الأمور يواجهون صعوبات في مراقبة كل تصرفات الأبناء»، داعية إلى ضرورة وجود لجنة مشتركة من المسؤولين الحكوميين والمنظمات الإسلامية للتأكد من عدم وجود خطاب متشدد في الكتب المعروضة في المكتبات الإسلامية.
من جهته، قال خالد حجي، رئيس المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة في بروكسل، في تصريحات «لـ«الشرق الأوسط» «السلطات الحكومية لا تستطيع أن تميز وحدها الموجود في محتوى هذه الكتب؛ لأنها لا تملك الأدوات المطلوبة لغربلة هذا المحتوى، ولذلك لا مناص من لجوء السلطات البلجيكية إلى المؤسسات العلمية للجالية المسلمة للتعامل مع هذا الأمر».
وعقب تفجيرات بروكسل التي وقعت في مارس (آذار) الماضي، وأدت إلى مقتل 32 شخصا وإصابة 300 آخرين، وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» حول هذا الصدد، قال الشيخ نور الدين الطويل، أحد أبرز القيادات الدينية في بلجيكا ورئيس جمعية المسلمون الجدد: «مصالح المسلمين في خطر، وسبق أن حذرنا من خطر الفكر المتشدد، وطالبنا بتجديد الخطاب الديني ليتسم بشكل أكبر بالوسطية والاعتدال، وهؤلاء الشباب، للأسف، أساءوا لنا وللمسلمين جميعا، وبدأنا نسمع أصواتا في بعض الحكومات تطالب بإغلاق المساجد، وهذه خطوة خطيرة جدا، وهنا مصالح الجالية المسلمة في خطر، وللأسف ما سبق أن حذرنا منه قبل سنوات نحن فيه الآن، فهناك تشديد الرقابة على المساجد وعلى الأئمة، ويواجه بعضهم خطر الملاحقة أو الإبعاد إلى خارج البلاد».
هذه هي وجهة نظر أصحاب المكتبات الإسلامية والقيادات الدينية، فماذا عن وجهة نظر الفعاليات السياسية والحزبية. أحزاب المعارضة، ومنها الحزب اليميني المتشدد، ترى أن الحكومة لا تراقب المكتبات؛ مما يعني أن التطرف مستمر، وبالتالي فرص حدوث هجمات جديدة في البلاد قائمة.
في المقابل، تقول الأحزاب الحكومية: «يمكن الاعتماد على بلاغات المواطنين مع وجود قوانين للتعامل مع مثل هذه المخالفات»، وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» قال سام فان روي، متحدث باسم حزب فلامس بلانغ اليميني: «إنها مشكلة حقيقية، وسبق أن حذرنا منها منذ سنوات، وهي وجود مكتبات كثيرة تبيع الكتب في بروكسل وإنتويرب وغيرهما وتنشر الفكر المتشدد، وظل الأمر على ما هو عليه حتى بعد تفجيرات بروكسل، ولا تخضع المكتبات للمراقبة، وبالتالي يستمر التشدد وقد تقع هجمات إرهابية جديدة».
أما فيليب جوفين، عضو البرلمان البلجيكي من حزب حركة الإصلاح الليبرالي، فقال في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»: «الرقابة مسؤولية مشتركة للسلطات الحكومية وللمسلمين، ومنهم أولياء الأمور، وفي الوقت نفسه يجب على المواطنين الإبلاغ عن مثل هذه المخالفات، ومن الجيد أن هناك عقوبات قضائية للتعامل مع جرائم نشر الفكر المتشدد، ولابد من الاتفاق على أهمية الحوار والعمل المشترك في إطار مواجهة التشدد، وبالتالي ضمان الأمن والسلام والتعايش السلمي بين كل مكونات المجتمع».
وحسب التقديرات الرسمية، من المتوقع أن يشكل المسلمون نصف سكان بروكسل عاصمة بلجيكا والاتحاد الأوروبي في أفق عام 2050، ويعيش مليون مسلم تقريبا في بلجيكا التي يبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة، وكانت من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بالإسلام في سبعينات القرن الماضي، وكان أول فوج من الجاليات الإسلامية وصل إلى بلجيكا في نهاية الخمسينات وجاءوا بصفتهم عمالا لإعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية، وشكّل المغاربة والأتراك العدد الأكبر منهم وأصبح هناك جيل ثانٍ وثالث منهم.
وتتنوع جنسيات المهاجرين العرب في بلجيكا ما بين المغرب، الجزائر، تونس، لبنان، ومصر وجنسيات أخرى. ويتمركزون في مناطق محددة، منها مولنبيك، إندرلخت وبوكستل للمغاربة، وسخاربيك وسان جوس للأتراك. ووصل أعداد من ذوي الأصول العربية والإسلامية لعضوية البرلمان البلجيكي ويحتلون أيضا مناصب مرموقة في مجالات مختلفة، مثل الطب والهندسة والتدريس الجامعي.



الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.