10 سنوات على «حرب الصيف» مع إسرائيل حرب أخرى تهدد «حزب الله»

خسائره حتى الآن أكثر من ألف مقاتل.. وتتجاوز ما فقده في قتال الاحتلال

10 سنوات على «حرب الصيف» مع إسرائيل حرب أخرى تهدد «حزب الله»
TT

10 سنوات على «حرب الصيف» مع إسرائيل حرب أخرى تهدد «حزب الله»

10 سنوات على «حرب الصيف» مع إسرائيل حرب أخرى تهدد «حزب الله»

في القرى الواقعة على الخطوط الأمامية في جنوب لبنان، لا تزال اللافتات التي تحمل صور أعضاء ما يسمى «حزب الله» الذين قتلوا أثناء القتال مع إسرائيل قبل 10 سنوات باقية، لكن خفت بريقها الآن، ويرتفع حولها جيل جديد من الملصقات واللافتات التي تحمل وجوه مقاتلين شباب من الجماعة المتشددة، ممن قتلوا في سوريا.
وتعكس هذه الملصقات النقلة الجذرية للجماعة الشيعية بعد عقود من القتال ضد إسرائيل، وهو سبب أكسبها في فترة من الفترات تأييدا شعبيا كبيرا في أنحاء العالم العربي والإسلامي، إلى الدور الأقل شعبية إلى حد بعيد، والمتعلق بقتال بني جلدتهم من العرب دفاعا عن الرئيس بشار الأسد. وهي مغامرة غالية الثمن كما هو واضح. إذ ستنزف الحرب في سوريا المجاورة قدرات ما يسمى «حزب الله» من المقاتلين والقادة العسكريين المخضرمين، وقد عرضت الجماعة بشكل أكبر إلى انتقادات بالخنوع والتبعية الكاملين لإيران التي حشدت «حزب الله» للتدخل في الحرب. وقتل حتى الآن أكثر من ألف من مقاتلي «حزب الله»، بمن في ذلك الكثير من أعضائه المؤسسين في سوريا، وهي حصيلة أعلى من تلك التي تكبدتها الجماعة الشيعية على مدار ما يقرب من عقدين من قتال قوات الاحتلال الإسرائيلي.
كما غير تدخل «حزب الله» في سوريا من الخطاب العام حول الجماعة في العالم العربي بشكل عام، وفي الداخل اللبناني على وجه الخصوص، حيث يواصل الحزب السيطرة على الحياة السياسية، لكنه أصبح أكثر عرضة للانتقادات العلنية بشكل أكبر كثيرا. وثمة استقطاب حاد في الرأي العام بين من يرون أن الحزب يجر لبنان إلى المستنقع السوري، والآخرين الذين يؤيدونه.
تقول مها يحيي، مديرة مركز كارنيغي، لـ«الشرق الأوسط» في بيروت: «أعتقد أننا نسمع أصوات استياء عالية. وأعني بعض العائلات التي من الواضح أنها غير راضية. ولقد سمعنا الكثير من القصص حول العائلات التي تتساءل لماذا يموت أبناؤنا في سوريا، نستطيع أن نستوعب أن يموتوا في القتال ضد إسرائيل لكن لماذا يموتون في القتال في سوريا».
لكن أيا ما يكون حجم الانتقادات لما يسمى «حزب الله» في أوساط شيعة لبنان، فإن ذلك يميل إلى أن يبقى داخل المجتمع الشيعي؛ إذ ما زال الدعم الشعبي للحزب كما هو لم يتغير إلى حد بعيد؛ لأن أغلبية الشيعة لا يزالون يعتبرون دعم الأسد أمرا مهما وحيويا لمصالحهم.
ويعود هذا جزئيا إلى الكيفية التي يسوق بها «حزب الله» الحرب إلى أنصاره. فقد قدم الحزب نفسه على أنه يقاتل في مواجهة المتشددين السنة الذين يريدون محو الشيعة، ويدفع بأنه لا بد من قتالهم في سوريا لإبقائهم بعيدا من لبنان. كما ويصف الحرب بأنها امتداد للقتال ضد إسرائيل، قائلا إن سوريا تحت الهجوم من القوى الغربية الساعية للتخلص من الأسد باعتباره «مركزا للمقاومة».
قال بلال صعب، الزميل الأول المتخصص في أمن الشرق الأوسط في مركز «المجلس الأطلسي»: «كانت سوريا أسوأ خبر يمكن تخيله بالنسبة إلى (حزب الله). وهي تحد حول الحزب إلى شيء لا يريده: الفكرة المأخوذة عنه كقاتل للسنة».
ومن الصعوبة بمكان قياس المشاعر داخل «حزب الله»، فهو تنظيم سري ومنظم. وفي الذكرى العاشرة لحرب 2006 مع إسرائيل، حصل فريق من وكالة «أسوشيتد برس»، على وصول نادر إلى منازل القتلى من المقاتلين في جنوب لبنان؛ حيث كان أقاربهم يعيشون في حالة من الحزن لكنهم قالوا إنهم يؤيدون مبررات «حزب الله» للقتال في سوريا.
في أحد المنازل، يوضع جورب وبيادة مقاتل من «حزب الله» سقط في 2006، ملطخين بالدماء، في غرفة الجلوس بمنزل والديه. وفي منزل آخر، يوضع الزي العسكري لمقاتل قضى في سوريا على سريره، حيث تضعه بعناية والدته الثكلى.
تقول حنان إبراهيم التي قتل ابنها خليل قرب دمشق في 27 ديسمبر (كانون الأول) 2013: «كان خليل هو روحي، لكنني لن أخفي ابني، وأقول فليرسل الناس الآخرون أبناءهم». ومضت الأم الجالسة في غرفة معيشتها، المزينة بصورة كبيرة لابنها خليل في أحد الخطوط الأمامية في سوريا، قائلة: «كان عليه أن يذهب للقتال في سوريا، وابني الآخر سيذهب أيضا، ولو كان لديَّ ابن ثالث لأرسلته».
وتلقت شعبية «حزب الله» في أنحاء العالم العربي وفي لبنان ضربة كبيرة بداية من 2005، عندما اتهم البعض الحزب بالوقوف وراء عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، في تفجير هائل في بيروت. وفي 2008، سيطر الحزب لوقت قصير على الكثير من الأحياء السنية غربي بيروت بعد أن أغلقت الحكومة شبكة اتصالاته السرية، ووجه سلاحه إلى الداخل للمرة الأولى منذ نهاية الحرب الأهلية اللبنانية 1975 - 1990.
وتسبب تدخل «حزب الله» في الحرب السورية، بحسب ما يقول منتقدون، بجعل الجماعة تبدو بشكل أكبر أداة إيرانية تقاتل من أجل مصالحها الخاصة. وهذا أبعد ما يكون عما كان عليه الحال في عام 2000. عندما كان «حزب الله» محل احتفاء في كثير من أنحاء العالم العربي، بما في ذلك من قبل السنة، بسبب حرب العصابات التي خاضها ضد القوات الإسرائيلية، التي انتهت بانسحاب إسرائيل من جزء من جنوب لبنان احتلته إسرائيل طوال 18 عاما. وعلى رغم بعض الانتقادات، لكن التنظيم كان يحظى بدعم أغلبية اللبنانيين خلال حرب 2006 مع إسرائيل، التي بدأت بغارة حدودية لـ«حزب الله» وخطف جنود إسرائيليين، مما استدعى حملة عسكرية جوية وبرية إسرائيلية واسعة النطاق.
أدت حرب 2006 إلى مقتل 1200 لبناني، بمن في ذلك مئات المدنيين، ونحو 160 إسرائيليا، معظمهم من الجنود. غير أن الحرب أخفقت في تحييد التهديد الصاروخي للحزب، ويقول مسؤولون إسرائيليون إن ترسانة «حزب الله» الصاروخية التي شهدت تحسنا، باتت الآن قادرة فعليا على ضرب كل مكان في البلاد.
على أن قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين آخرين، يقولون: إن الحرب نجحت في إعادة تأسيس الردع الإسرائيلي، وكانت سببا في عقد من الهدوء على جبهتها الجنوبية، ويلفتون مبتهجين إلى أن زعيم التنظيم حسن نصر الله ما زال يعيش في مخبئه منذ 10 سنوات بعد الحرب.
كما يعترف المسؤولون الإسرائيليون أن التنظيم يكتسب مزيدا من الخبرة القتالية وزاد من ترسانته العسكرية عبر التهريب من سوريا. ويعتبر خط الإمداد هذا من الأسباب الرئيسية، لأن الحفاظ على النظام السوري القائم يعتبر أمرا وجوديا للغاية بالنسبة إلى «حزب الله».
*خدمة واشنطن بوست - (خاص بالشرق الأوسط)



قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
TT

قتال عنيف في منبج... وتوتر في حمص والساحل

رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)
رجال موقوفون في إطار حملة على خلايا موالية للنظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

بينما واصلت السلطات السورية الجديدة حملاتها لملاحقة خلايا تتبع النظام السابق في أحياء علوية بمدينة حمص وفي الساحل السوري، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، بأن قتالاً عنيفاً يدور بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد في منطقة منبج شمال سوريا.

وأشار «المرصد السوري» الذي يتخذ من بريطانيا مقراً له، إلى مقتل ما لا يقل عن 28 عنصراً من الفصائل الموالية لتركيا في الاشتباكات في محيط مدينة منبج. وذكر «المرصد» أيضاً أن الجيش التركي قصف بعنف مناطق تسيطر عليها «قسد».

وجاء ذلك في وقت قالت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» إن القوات الموالية لتركيا شنّت هجوماً واسع النطاق على عدة قرى جنوب منبج وشرقها، مؤكدة أنها نجحت في التصدي للمهاجمين الذين يحاولون منذ أيام السيطرة على المنطقة المحيطة بسد تشرين على نهر الفرات.

جانب من تشييع مقاتلَيْن كرديين قُتلا في معارك منبج ودُفنا في القامشلي بشمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وتريد تركيا طرد «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكّل عماد «قوات سوريا الديمقراطية» من المنطقة؛ بحجة أنها فرع سوري لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً.

إلى ذلك، في حين كان التوتر يتصاعد في الأحياء ذات الغالبية العلوية في حمص خلال عمليات دهم بحثاً عن عناصر من النظام السابق وتصل ارتداداته إلى الساحل السوري، اجتمع نحو خمسين شخصية من المجتمع الأهلي بصفتهم ممثلين عن طوائف دينية وشرائح اجتماعية في محافظة طرطوس مع ممثلين سياسيين من إدارة العمليات العسكرية (التي تولت السلطة في البلاد الآن بعد إطاحة نظام الرئيس السابق بشار الأسد). وعلى مدى أربع ساعات، طرح المشاركون بصراحة مخاوف المناطق الساحلية؛ حيث تتركز الغالبية الموالية للنظام السابق، وتم التركيز على السلم الأهلي والتماسك المجتمعي في سوريا عموماً والساحل السوري خصوصاً، بعد تقديم إحاطة سياسية حول الوضع في الداخل السوري والوضع الدولي، والتطورات الحالية وتأثيرها في الواقع السوري.

قوات أمنية خلال عمليات التمشيط في حمص الجمعة (أ.ب)

قالت ميسّرة الجلسة الصحافية، لارا عيزوقي، لـ«الشرق الأوسط»، إن المشاركين في الجلسة التي نظّمتها «وحدة دعم الاستقرار» (s.s.u) مثّلوا أطيافاً واسعة من المجتمع المحلي، من مختلف الطوائف الدينية، والشرائح الاجتماعية، بالإضافة إلى مشاركة ممثلين سياسيين من إدارة العمليات. وأكدت لارا عيزوقي أن أبرز مطلب للوفد الأهلي كان ضرورة إرساء الأمن، مشيرة إلى تقديم اقتراح بتفعيل لجان حماية محلية؛ بحيث تتولى كل منطقة حماية نفسها في المرحلة الراهنة لمنع الفوضى، مع الاستعداد لتسليم المطلوبين، على أن تُمنح ضمانات فعلية لمنع الانتقامات.

معتقلون يُشتبه بأنهم من النظام السابق في حمص الجمعة (أ.ب)

وتابعت لارا عيزوقي أن الافتقار إلى الأمن، وحالة الانفلات على الطرقات، أديا إلى إحجام كثير من الأهالي عن إرسال أولادهم إلى المدارس والجامعات، وبالتالي حرمانهم من التعليم. وأشارت إلى أن الجلسة الحوارية تضمّنت مطالبات بالإفراج عن المجندين الإلزاميين الذين كانوا في جيش النظام السابق رغماً عنهم، وجرى اعتقالهم من قِبل إدارة العمليات.

ولفتت إلى أن الوفد الأهلي شدد أيضاً على ضرورة وضع حد لتجاوزات تحدث، مضيفة أنه جرت مناقشة مطولة لما جرى في قرية خربة معزة؛ حيث أقر الأهالي بخطأ حماية المطلوبين، وأن ذلك لا يبرر التجاوزات التي حصلت أثناء المداهمات.

يُشار إلى أن اشتباكات حصلت في طرطوس في 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي لدى ملاحقة قوى الأمن الضابط في جيش النظام السابق محمد حسن كنجو الملقب بـ«سفاح سجن صيدنايا»، وهو رئيس محكمة الميدان العسكري التي تُتهم بأنها السبب في مقتل آلاف المعتقلين.

ومما طرحه أهالي طرطوس، في الجلسة، مطلب صدور عفو عام، إذ إن هناك مئات من الشباب المتعلم اضطرهم الفقر إلى العمل في الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام. ويريد ممثلو الأهالي بحث إمكانية ضم هؤلاء إلى وزارة الدفاع مجدداً، لتجنّب الانعكاسات السلبية لكونهم عاطلين عن العمل. وحسب لارا عيزوقي، كشف ممثل الإدارة الجديدة عن نية «إدارة العمليات» إصدار عفو عام يستثني المتورطين بشكل مباشر في جرائم النظام السابق.

مواطنون في حمص خلال قيام قوات أمن الحكم الجديد بعمليات دهم الجمعة بحثاً عن عناصر من النظام السابق (أ.ب)

ولفتت لارا عيزوقي إلى وجود ممثلين عن شباب بأعمار تتراوح بين 20 و30 سنة، وقالت إنهم يعتبرون أنفسهم ينتمون الى سوريا، لا إلى طائفة معينة ولا يريدون الهجرة ويتطلعون الى لعب دور في مستقبل سوريا، متسائلين عن كيف يمكن أن يحصل ذلك إذا تمّ تأطيرهم داخل مكوّن طائفي.

وحول تسريح الموظفين، عبّر مشاركون عن مخاوف من تسريح آلاف الموظفين لا سيما النساء من ذوي قتلى النظام واللواتي تعلن عائلاتهن -مع لفت النظر إلى اتساع رقعة الفقر وتعمّقها في الساحل خلال سنوات الحرب- حالة الإفقار الممنهجة التي طالت محافظة طرطوس بصفتها محافظة زراعية تدهورت زراعتها في السنوات الماضية.

أطفال في شاحنة بمدينة حمص الجمعة (أ.ب)

وشهدت مدينة طرطوس، بين مساء الخميس وصباح الجمعة، حالة توتر مع توارد أنباء عن جريمة قتل وقعت قرب «شاليهات الأحلام» حيث تستقر مجموعات من «فصائل إدارة العمليات». وحسب المعلومات، أقدم مجهولون على إطلاق نار على شخصين، مما أدى إلى مقتل أحدهما وإصابة الآخر. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» إن الأهالي طالبوا «هيئة تحرير الشام» التي تقود إدارة العمليات العسكرية، «بوضع حد للاعتداءات والانتهاكات التي تُسهم في زعزعة الاستقرار وضرب السلم الأهلي الذي تعيشه المنطقة».

وأشار «المرصد» إلى أن ملثمين مسلحين أعدموا أحد أبناء حي الغمقة الشرقية في مدينة طرطوس، وهو شقيق شخص مطلوب بقضايا جنائية، وذلك خلال تفقد القتيل شاليهاً يملكه في منطقة «شاليهات الأحلام».

وتشهد مناطق تركز العلويين في محافظات حمص وطرطوس واللاذقية انفلاتاً أمنياً بسبب انتشار السلاح، وتحصّن مطلوبين من عناصر النظام السابق في أحياء وقرى، مما يثير مخاوف من تأجيج نزاع مناطقي.

يُشار إلى أن «إدارة العمليات العسكرية» استكملت، الجمعة، حملة التمشيط التي بدأتها في حمص يوم الخميس، وشملت أحياء العباسية والسبيل والزهراء والمهاجرين، بحثاً عن فلول ميليشيات النظام السابق. وأفيد باعتقال عشرات الأشخاص بينهم من أُفرج عنهم بعد ساعات فقط.