واشنطن: التغطية الإعلامية.. القتل «أبيض وأسود» وزيادة اعتقالات داعشيين أميركيين

الصحف الأوروبية: تراجع الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط أمام أحداث دالاس

واشنطن: التغطية الإعلامية.. القتل «أبيض وأسود» وزيادة اعتقالات داعشيين أميركيين
TT

واشنطن: التغطية الإعلامية.. القتل «أبيض وأسود» وزيادة اعتقالات داعشيين أميركيين

واشنطن: التغطية الإعلامية.. القتل «أبيض وأسود» وزيادة اعتقالات داعشيين أميركيين

مع نهاية الأسبوع الماضي، ناقش صحافيون أميركيون كيف غطوا أحداث الأسبوع الماضي العاصفة: قتل شرطة بيضاء لسود، وقتل سود لشرطة بيضاء، وزيادة اعتقالات داعشيين أميركيين، وزيادة حرارة المنافسة بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.
قال تلفزيون «سي إن إن»، بعد أن قدم طريقة تسلسل تغطية قتل أسود لـ5 رجال شرطة وجرح 5 آخرين في دالاس (ولاية تكساس): «وأخيرًا، يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تفوز على الصحافيين المهنيين». وأشار التلفزيون إلى أن أول خبر عن القتل كان في صفحة في موقع «فيسبوك». وأول فيديو كان في صفحة في موقع «تويتر».
وسأل تلفزيون «سي إن إن»: «هل تغطية الصحافيين المثيرة لاشتباكات الشرطة والسود تعكس ما يحدث، أم تزيده»؟ لم يقدم إجابة محددة، كأنه يطرح الموضوع للنقاش وسط الصحافيين، وغيرهم.
في نهاية الأسبوع، عقدت السوداء فانيسا براون، عضو كونغرس ولاية بنسلفانيا، مؤتمرًا صحافيًا، انتقدت فيه الصحافيين الأميركيين لأنهم «ينشرون صورًا تدعو للتقزز لآبائنا وأولادنا وإخواننا السود بعد أن يقتلهم رجال الشرطة قتلاً وحشيًا». وقالت إن هذه الصور «في الحقيقة، تزيد غضب السود، وتجعل بعضهم يريد الانتقام».
وكان هناك جدل عن تغطيات إعلامية أخرى مثيرة، وفيها مبالغات.
وتنوعت الموضوع التي اهتمت بها الصحف الأوروبية ما بين ملفات تتعلق بحوادث ذات صلة بالإرهاب والعنف، وأخرى تتعلق بالقضايا الدولية والإقليمية، ومنها قمة حلف الناتو في وارسو وانعقاد قمة أوروبية أميركية على هامش الاجتماعات. ونبدأ جولتنا من لندن حيث خلت الصحافة البريطانية تقريبًا من قضايا الشرق الأوسط، باستثناء تداعيات تقرير تشيلكوت، وركزت على التنافس على زعامة حزب المحافظين وأحداث دالاس. في صحيفة «تايمز» نطالع تقريرا أعده شون أونيل بعنوان «الجواسيس الحريصون على إرضاء رئاسة الوزراء.. خدعتهم مصادرهم». ويستهل الكاتب تقريره بالحديث عن تقرير أعدته الاستخبارات البريطانية في الذكرى الأولى لأحداث سبتمبر (أيلول)، يتحدث عن تخطيط العراق لإنتاج واستخدام أسلحة كيماوية وبيولوجية. كان التقرير هو ما يحتاج إليه رئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، توني بلير، لتبرير المشاركة في الحرب ضد العراق.
وفي صحيفة «غارديان» تكتب دبورا أور مقالاً بعنوان «حزب العمال.. حزب النساء الذي يقوده رجال». تقول الكاتبة: «منذ الانهيار الاقتصادي قالوا لبريطانيا أن تلتزم الهدوء وتتابع طريقها، وكان السياسيون هم من أخذوا هذه النصيحة بشكل حرفي». وتتابع قائلة: «يجب أن نضحك حين نسمع بوريس جونسون يقول إن حزب المحافظين هو الحزب البريطاني الأكثر تقدمية، ويعبر مايكل غوف عن سروره من كون المتنافسين على قيادة الحزب هم امرأتان. في الحقيقة كلا الرجلين كان يعتبر نفسه أجدر من أي امرأة بالمنصب». لكن الحقيقة أن إحدى المرأتين ستكون رئيسة وزراء بريطانيا المقبلة.
وفي زاوية الرأي في صحيفة «غارديان» نطالع مقالاً بعنوان «العدالة من حق ضحايا دالاس.. وكذلك من حق السود»، كتبه غاري يونغ. يقول الكاتب: «هناك ثلاث حقائق يجب التأكيد عليها، أولها أنه لا يمكن تبرير جريمة قتل رجال الشرطة أو قبولها كانتقام مشروع من مقتل رجلين من أصول أفريقية أميركية على أيدي شرطة بيض. وفي الحقيقة فإن أحداثًا كهذه لا تساعد حركة مناهضة العنصرية بل تعيقها. ثانيا العدالة لا يمكن تجزئتها، فإن منحت لطرف دون آخر لا يمكن تسميتها عدالة بل امتياز. لذلك لا يمكن استخدام حادث دالاس للتغطية على إلحاح قضية قتل الشرطة لمواطنين سود».
وثالثًا حين يكون الحصول على السلاح سهلاً فلا يجب الاستغراب من وقوع حوادث كهذه، بل يجب معالجة الظاهرة الكامنة وراءها، وهي سهولة الحصول على السلاح. ويقول كاتب المقال إنه يجب الحداد على ضحايا حادث دالاس واستيعاب ما حصل لهم، لكن يجب أن لا يغطي هذا على 566 شخصًا قُتلوا بأيدي الشرطة خلال هذه السنة لوحده.. وننتقل إلى باريس ومن المواضيع التي نقرأها في الصحف الفرنسية: أزمة المهاجرين وقمة الناتو في وراسو، لكن نصيب الأسد كان لموضوع بطولة أمم أوروبا لكرة القدم والمباراة النهائية بين المنتخبين الفرنسي البرتغالي.
صحيفة «لوفيغارو» قالت إن فرنسا تحبس أنفاسها أمام البرتغال وبأن لاعبي المنتخب الفرنسي سيحاولون دخول التاريخ من أوسع أبوابه بمساندة بلد بأكمله. وفي موضوع آخر قالت صحيفة «لوموند» إن الأزمات تنسى بعضها البعض بشكل سريع لدى الاتحاد الأوروبي، حيث أصبح تركيز الأوروبيين على موضوع خروج بريطانيا وتداعياته، وتناسوا تماما أزمة المهاجرين.
وأوضحت «لوموند» أنه منذ منتصف فصل الربيع شهد الطريق الليبي تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين وبأن حصيلة القتلى مأساوية. اعتبرت «لوموند» أن أوروبا التي تعاني من تقدم سكانها في السن، ستكون بحاجة إلى نحو عشرين مليون أجنبي، من أجل ضمان توازنها الديموغرافي. لكن تفاقم الأوضاع الاقتصادية قد يقف حجر عثرة أمام وصول هذا العدد من الأجانب، في ظل تنامي اليمينيين المتطرف المعادي للهجرة، الذي ينذر بتغير المكتسبات الديمقراطية في أوروبا بشكل جذري.
وفي شأن آخر كتبت صحيفة «لوفيغارو» أن الناتو يريد إغلاق ثغرات «ملف الخروج من أوروبا». وأوضحت الصحيفة أن ديفيد كاميرون الذي يستعد لمغادرة منصبه فشل في إقناع قادة حلف الناتو الثمانية والعشرين.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.