الدولار يتصدر أسواق العملات.. والإسترليني الخاسر الأكبر

في تعاملات شديدة التقلبات.. والأعين على الاقتصاد العالمي

الدولار يتصدر أسواق العملات.. والإسترليني الخاسر الأكبر
TT

الدولار يتصدر أسواق العملات.. والإسترليني الخاسر الأكبر

الدولار يتصدر أسواق العملات.. والإسترليني الخاسر الأكبر

بدأت أسواق العملات العالمية تعود إلى الأساسيات، حيث مشاهدة أداء الاقتصاد الكلي بصورة أكبر من تابعة الأحداث السياسية حول العالم، لتحديد اتجاهات أسعار صرف العملات خلال الوقت الراهن. ومن الواضح أن الدولار الأميركي ما زال هو العملة الأكثر ترجيحًا لتصبح الأقوى، في حين أن الجنيه الإسترليني سيكون الخاسر الأكبر خلال العام.
وسجل الدولار الأميركي مكاسب أسبوعية بعدما أظهر تقرير تجاوز نمو الوظائف الأميركية في يونيو (حزيران) الماضي التوقعات بأكثر من 100 ألف وظيفة، وهو الأمر الذي رفع من احتمال زيادة معدل الفائدة الاحتياطي الفيدرالي هذا العام.
وأضاف الاقتصاد الأميركي 287 ألف وظيفة جديدة في يونيو الماضي، وفقًا لوزارة العمل ليتخطى توقعات تنبأت بارتفاع بنحو 175 ألف وظيفة فقط. وكان هذا أعلى مجموع في ثمانية أشهر؛ مما قضى على شكوك بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي قد يخفض أسعار الفائدة الأميركية في الأشهر المقبلة.
وقال ألان راسكين، رئيس قسم أبحاث الصرف الأجنبي في «دويتشه بنك» بنيويورك: «إذا كانت البيانات قوية بما فيه الكفاية لسحب توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الأمام، فذلك من شأنه أن يحقق قوة أكبر للدولار». ويُضيف راسكين، أن «النقاش الذي يدور في السوق حاليًا هو: هل هذه البيانات قوية بما فيه الكفاية لسحب بنك الاحتياطي الفيدرالي لرفع الفائدة، أو أنها تشير فقط إلى أن الاقتصاد ينمو بوتيرة معقولة، ولكن بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يتخذ قرارا برفع الفائدة في أي وقت قريب».
وكلما زادت فرص رفع الفائدة لمجلس الاحتياطي الاتحادي، أعيد إحياء تكهنات الارتفاع في الدولار على أساس سياسة نقدية أكثر تشددًا في الولايات المتحدة، في حين أن البنوك المركزية في أوروبا وآسيا ستضيف المزيد إلى إجراءات التحفيز لتحسين الأوضاع الاقتصادية بها. ويرى التجار، أن هناك احتمالا 21 في المائة أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة قبل نهاية العام، حيث يبدو أن اقتصاد الولايات المتحدة أصبح أكثر مرونة في مواجهة الرياح المعاكسة العالمية.
وارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس قوة العملة الأميركية مقابل 10 عملات رئيسية، بنسبة 0.3 في المائة هذا الأسبوع. وزاد الدولار 0.8 في المائة ليصل إلى 1.1051 دولار لكل يورو، في حين تراجع 1.9 في المائة أمام الين ليصل إلى 100.54 ين لكل دولار.
ويواصل الدولار ارتفاعه أمام الين بعدما جاء من اليابان بيان ميزانها التجاري الذي يظهر تحقيق فائض في مايو (أيار) الماضي بلغ 39.9 مليار ين فقط مقابل فائض بـ697.1 مليار ين في أبريل (نيسان) الماضي، والذي تلى فائضا بـ927.2 مليار ين في مارس (آذار). كما أظهر بيان الحساب الجاري الياباني غير المُعدل موسميًا تحقيق فائض بـ1809.1 مليار ين، في حين كان المُتوقع فائض بـ1750 مليار ين بعد فائض بـ1878.5 مليار ين في أبريل، وفائض في مارس بـ2980.4 مليار ين.
ورغم معاناة اليابان - ثالث أكبر قوة اقتصادية على مستوى العالم - من تباطؤ النمو الاقتصادي، فقد ارتفع الين بما يقرب من 20 في المائة خلال عام 2015، حيث يتجه المستثمرون نحو أصول الملاذ الآمن. وارتفع الين مقابل الدولار بأكثر من 5 في المائة منذ إعلان بريطانيا نتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو الماضي.
والين القوي يمثل أنباء سيئة بالنسبة لكثير من الشركات اليابانية والاقتصاد، فهذا يضر المصدرين عن طريق جعل السلع المنتجة في اليابان أكثر تكلفة في الخارج. ويجعل أسعار الواردات أرخص من السلع المحلية؛ مما يجعل من الصعب كثيرًا معالجة الانكماش الذي أصاب اقتصاد اليابان على مدى عقود.
لكن صناع السياسة قد يكونون عاجزين عن كبح جماح الضغوط الصعودية على العملة، وهذا ما ينظر إليه المستثمرون في العملة باعتباره رهانا آمنا في أوقات الاضطراب. وقد ارتفع الين بشدة مقابل جميع العملات الرئيسية منذ إعلان نتيجة استفتاء الـBrexit في 24 يونيو الماضي.
أما الجنيه الإسترليني؛ فمن المرجح أن يصبح الضحية الكبرى خلال العام الحالي ليفقد مكانته باعتباره العملة الأولى في العالم، وذلك هو الشيء الأكثر مأساوية بالنسبة للمملكة المتحدة منذ حافظت هذه العملة العالمية على قوتها من براثن الضعف في منطقة اليورو.
وقد تصبح قضية جانبية غير متوقعة، أن الانفصال البريطاني من الاتحاد الأوروبي قد لا يؤثر فقط في قيمة الجنيه باعتباره الدعامة الأساسية في أسواق العملات العالمية، ولكن سيرفع تكلفة الإقراض من رأس المال المستخدم بصفته احتياطي عملات في صندوق النقد الدولي. وهذا من المتوقع أن يؤدي إلى اتخاذ وكالة التصنيف الائتماني (ستاندرد آند بورز) قرارا بإزالة الجنيه الإسترليني من التصنيف الممتازAAA ، وانخفض إلى أقل من ذلك بكثير ويصل إلى - A.
واستقر سعر الجنيه الإسترليني بنهاية تداولات الجمعة الماضي، بعد أن وصل إلى أدنى سعر له في 31 عاما، بعدما سجل أسوأ أداء على مدى ثلاثة أسابيع كاملة عقب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. وتضرر الجنيه بعد صدور بيانات قوية بشأن الوظائف في الولايات المتحدة. ولا يزال الجنيه الإسترليني منخفضًا 13 في المائة مقابل الدولار و10 في المائة مقابل اليورو منذ التصويت البريطاني. وهبط الإسترليني دون 1.30 دولار للمرة الأولى منذ 1985 في وقت سابق من الأسبوع الماضي، وظل إلى حد بعيد دون ذلك المستوى منذ ذلك الحين.
وعلى صعيد آخر، تراجع سعر الذهب عالميًا بشكل حاد نهاية تعاملات الجمعة، بعد نشر بيانات الوظائف الأميركية لشهر يونيو، التي جاءت أفضل من التوقعات، لكنه تعافى سريعًا مدعومًا بالمخاوف بشأن آفاق الأسواق المالية عقب تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وبعد ارتفاعات متواصلة بأكثر من 100 دولار للأوقية، منذ الإعلان عن استفتاء بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي، هوى سعر الذهب إلى 1335.68 دولار للأوقية (الأونصة) عقب صدور البيانات التي أظهرت نمو الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة بأكبر زيادة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2015 في الشهر الماضي. ودفع ذلك الدولار للارتفاع لأعلى مستوى له في أسبوعين مقابل اليورو.
لكن الذهب استطاع تعويض التراجع وتعافى سريعًا ليغلق مرتفعًا عند مستوى 1366.09 دولار للأوقية. وهناك مراهنات من «بنك أوف أميركا ميريل لينش» تشير إلى أن الذهب سترتفع 10 في المائة من الآن وحتى نهاية العام المقبل، ويتوقع أن يقترب من 1500 دولار للأونصة. ولم يستبعد البنك إمكانية أن يختبر الذهب مستويات قياسية عند 1900 دولار للأونصة التي شهدتها أسعار الذهب في عام 2011. وغالبًا ما ينظر إلى الذهب بصفته ملاذا آمنا في أوقات الأزمات الاقتصادية، ذلك في الوقت الذي تلجأ فيه البنوك المركزية إلى تخفيف السياسات النقدية؛ مما يعني أسعار فائدة منخفضة أو فائدة سلبية.
ولمح «بنك إنجلترا» بالفعل إلى خفض معدل الفائدة خلال هذا الصيف، و«بنك اليابان» سيلجأ إلى تكثيف الحوافز الخاصة به مع الين المرتفع ليحد من ارتفاع العملة ليدعم الصادرات. ذلك يعني أن أسعار الفائدة عالميا ستظل منخفضة، وهذا بدوره يقلل من تكاليف الفرصة البديلة، وبالتالي زيادة المشتريات من الذهب.
وصغار المستثمرين يشترون الذهب أيضًا لحماية مدخراتهم من التضخم الذي يمكن أن يثير بعض القلق من برامج التيسير الكمي من البنوك المركزية. وسجل الذهب أعلى مستوى في أكثر من عامين الأربعاء الماضي، ليسجل سادس مكسب أسبوعي على التوالي خلال الأسبوع المنتهي في 7 يوليو (تموز) الحالي.



وزير المالية السوري: السياسات الاقتصادية للدولة ستعزز استقرار العملة الجديدة

مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
TT

وزير المالية السوري: السياسات الاقتصادية للدولة ستعزز استقرار العملة الجديدة

مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)
مركبات في أحد ميادين دمشق التي ستشهد قريباً طرح عملة جديدة (رويترز)

أكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية، السبت، دعم وزارته الكامل والمساندة لمصرف سوريا المركزي في إجراءاته وجهوده قبل وأثناء وبعد عملية استبدال العملة الوطنية. مؤكداً أن «السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية التي تنتهجها السلطات السورية، ستعزز بعون الله من استقرار العملة الوطنية، لتكون ركناً مهماً من أركان دعم التنمية والنمو الاقتصادي في سوريا».

وقال برنية في منشور على حسابه في «لينكد إن»، إن هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز السيادة الوطنية واستقرار الاقتصاد، مشيراً إلى أن «العملة الوطنية رمز مهم من رموز السيادة الوطنية التي نعتز بها، وهي عملة الدولة السورية وعملة كل مواطن سوري».

وأوضح أن الهدف من هذه العملية، ومن السياسات النقدية والمالية المصاحبة، هو تعزيز استقرار العملة الوطنية، لتكون ركناً أساسياً لدعم التنمية والنمو الاقتصادي في سوريا.

وأضاف أن «ما نحتاجه أيضاً هو مشاركة قطاع الأعمال والمجتمع والمواطنين جميعاً للتمسك والاعتزاز بالعملة الوطنية كعملة أساسية للتعاملات والتداول والادخار»، داعياً إلى التعامل معها بالاعتزاز ذاته الذي يتعامل به مع العلم الوطني.

وحث برنية المواطنين والقطاعات الاقتصادية كافة على التقيد بالتعليمات والإجراءات التي سيعلن عنها المصرف المركزي لضمان سير عملية الاستبدال بسلاسة، وعدم الانجرار وراء الشائعات، مؤكداً أن المصرف المركزي قد وضع كل السياسات اللازمة لمواجهة التحديات وضمان نجاح العملية.

وأكد أن هذه الإجراءات تأتي ضمن رؤية شاملة لتعزيز الاقتصاد الوطني واستقراره، داعياً المواطنين إلى الافتخار والاعتزاز «بليرتنا الجديدة» والتفاؤل بمستقبل سوريا واقتصادها.

كان حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أعلن أن إطلاق العملة الوطنية الجديدة ليس مجرد طرح لنقود ورقية، بل هو احتفاء بسيادة البلاد وهويتها الوطنية، معتبراً أن الليرة تمثل رمزاً لنجاح الثورة وانتماء الشعب وثقته بقدرته على النهوض.

وأشار برنية إلى أن الجهود الكبيرة التي بذلها مصرف سوريا المركزي، «تستحق الشكر والتقدير»، في الشهور الماضية للتحضير لاستبدال الليرة السورية.

لكنه أضاف: «ما نحتاجه أيضاً هو مشاركة قطاع الأعمال والمجتمع والمواطنين جمعياً للتمسك والاعتزاز بالعملة الوطنية كعملة أساسية للتعاملات والتداول والادخار. كما نعتز بعلمنا، سنعتز بعملتنا الوطنية. ولنحرص جميعاً على التقيد بالتعليمات التي سيصدرها المصرف المركزي بشأن إجراءات الاستبدال وعدم الالتفاف للشائعات».

وأكد أن هناك «تحديات كبيرة رافقت التحضير وتحديات سترافق الاستبدال، مصرف سوريا المركزي وضع السياسات والإجراءات اللازمة لنجاح عملية الاستبدال، لنكن على مستوى الوعي المطلوب...».


ألمانيا: تحول الطاقة مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء

مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
TT

ألمانيا: تحول الطاقة مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء

مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)
مزرعة رياح في ألمانيا وسط دعوات لاستخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي (رويترز)

حذر مسؤولون وخبراء من فشل سياسات تحول الطاقة في ألمانيا، نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة في أكبر اقتصاد بأوروبا.

وفي هذا الصدد، حذر رئيس حكومة ولاية براندنبورغ الألمانية، ديتمار فويدكه، من أن التحول إلى اقتصاد محايد مناخياً في ألمانيا مهدد بالفشل إذا لم يتم خفض أسعار الكهرباء بشكل ملموس.

وقال السياسي، الذي ينتمي للحزب «الاشتراكي الديمقراطي»، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إذا لم ننجح في خفض أسعار الكهرباء، فإن التحول في ألمانيا سيفشل».

وأوضح فويدكه أن التحدي الأكبر أمام الحكومة الاتحادية هو ضمان أسعار كهرباء تنافسية، مؤكداً أن ذلك يمنح الأمان للاستثمارات، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل صناعة الصلب، والكيمياء، والدواء.

وأضاف: «اتخذت الحكومة قرارات صحيحة، مثل تحديد سعر الكهرباء الصناعي، وخفض رسوم الشبكة، لكن هذه الخطوات غير كافية. نحتاج إلى مزيد من الإجراءات».

ودعا فويدكه إلى استخدام الطاقة المتجددة بشكل إقليمي، قائلاً إن سكان براندنبورغ يستحقون الاستفادة من التوسع في الطاقة الخضراء عبر أسعار كهرباء منخفضة، مشيراً إلى أن ذلك سيكون أيضاً ميزة لولايات شمالية أخرى مثل ميكلنبورج-فوربومرن، وشليزفيج-هولشتاين، وسكسونيا السفلى، لكنه أشار إلى وجود عقبات قانونية تحول دون ذلك حالياً.

ورحب فويدكه بقرار المفوضية الأوروبية السماح بمزيد من الدعم الحكومي للصناعات كثيفة الطاقة، لكنه شدد على أن الهدف يجب أن يكون تحقيق أسعار تنافسية من دون دعم دائم.

وفي الوقت نفسه، دافع فويدكه عن أداء الحكومة الاتحادية في وجه الانتقادات الموجهة إليها، قائلاً: «تعمل الحكومة أفضل بكثير مما توحي به سمعتها»، مؤكداً أن المهمة الأساسية لحزبه هي إعادة النمو الاقتصادي، وضمان الحفاظ على الوظائف في القطاع الصناعي.


الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
TT

الأصول الرقمية في 2025... من فوضى النمو إلى مرحلة النضج المؤسسي

تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)
تعد عملات «الميم» نوعاً من الرموز الرقمية التي غالباً ما ترتبط بالنكات أو الصور الساخرة (رويترز)

شهد عام 2025 منعطفاً مفصلياً في مسار أسواق الأصول الرقمية؛ إذ انتقل القطاع من مرحلة «النمو العشوائي» إلى مرحلة «النضج المؤسسي والتنظيمي». وجاء هذا التحول نتيجة تفاعلٍ معقّد بين تسارع الابتكار التكنولوجي، وتوسع مشاركة المؤسسات المالية الكبرى، وصعود الأطر التنظيمية الفيدرالية التي أعادت رسم حدود العلاقة بين العملات الرقمية والنظام المالي التقليدي.

وفي المقابل، لم تخلُ هذه المرحلة الانتقالية من اضطرابات؛ إذ تعرضت الأسواق لهزات مضاربية وأحداث أمنية كشفت هشاشة بعض الشرائح، ولا سيما عملات «الميم» والعملات المستقرة مرتفعة المخاطر، ما عزّز القناعة بأن مرحلة «إعادة التوازن الهيكلي» باتت جزءاً لا يتجزأ من رحلة تحوّل القطاع نحو نموذج أكثر انضباطاً واستدامة.

جاء اسم «عملات الميم» (Meme Coins) من نكت أو ميمات الإنترنت، وهي عملات مشفرة تعتمد بشكل أساسي على الضجيج على وسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات الرقمية لجذب المستثمرين، أشهرها «دوجكوين» (Dogecoin) و«شيبا إينو» (Shiba Inu). وتتميز بتقلبات سعرية عالية جداً لقلة قيمتها الأساسية وغياب المنفعة الملموسة أحياناً، مما يجعلها استثماراً مضارباً عالي المخاطر.

الربع الأول: الانطلاقة وأولويات السيادة الرقمية

افتُتح عام 2025 بإطلاق عملة «ترمب» في 17 يناير (كانون الثاني)، والتي مثلت أكثر من مجرد أداة مضاربية؛ فقد عكست التغلغل الثقافي والسياسي للعملات الرقمية، وأظهرت كيف يمكن للأحداث السياسية أن تخلق ديناميات سعرية مؤثرة. اعتبر البعض أن الإطلاق سحب سيولة من النظام البيئي، في حين رأى آخرون أنه يمثل علامة على تقبل العملات الرقمية على نطاق واسع. وبعد ثلاثة أيام، مع تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، بدأت الأسواق تشهد تحولاً استراتيجياً في موقف المؤسسات تجاه العملات الرقمية؛ إذ تزايد اعتمادها تدريجياً، مما ساهم في تقليل التقلبات السعريّة وتعزيز النضج السلوكي للأسواق.

وفي 23 يناير من العام، وقع ترمب أمراً تنفيذياً لإنشاء استراتيجية وطنية للأصول الرقمية واحتياطي «بتكوين» استراتيجي، مؤكداً وضع الأصول الرقمية ضمن الاستراتيجية المالية والسيادية الأميركية. تضمن الأمر تعزيز الحفظ الذاتي للأصول الرقمية، ودعم العملات المستقرة المدعومة بالدولار، ورفض العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDCs)، وهو ما عزز الشفافية التنظيمية، وأرسى مفهوم «الاحتياطي الوطني الرقمي» لأول مرة على المستوى المؤسسي والدولي.

الاضطرابات الأمنية وانهيارات السوق

مع هذا الانطلاق، لم يكن الطريق مفروشاً بالاستقرار. ففي 14 فبراير (شباط)، شهدت الأسواق انهيار عملة الميم «ليبرا» المدعومة سياسياً؛ إذ فقدت أكثر من 90 في المائة من قيمتها السوقية في ساعات قليلة بعد إعلان الرئيس الأرجنتيني دعمها. أظهرت الحادثة هشاشة سوق عملات «الميم» أمام المضاربة والسيولة المرتبطة بالمبادرات السياسية المفاجئة؛ إذ تكبد 86 في المائة من المستثمرين خسائر تجاوزت 250 مليون دولار. وفي 21 فبراير، واجهت منصة «بايبت» أكبر اختراق أمني في تاريخها؛ إذ سرق قراصنة مرتبطون بكوريا الشمالية نحو 1.5 مليار دولار من الأصول الرقمية. على الرغم من ضخامة الرقم، ساعدت الاستجابة المؤسسية الشفافة في الحد من عدوى مالية واسعة، مؤكدة أهمية إدارة الأزمات في الأسواق اللامركزية.

النصف الأول من العام: تحديثات تقنية واكتتابات عامة

شهد مايو (أيار) 2025 ترقية «بيترا» لشبكة «إيثيريوم»، والتي حسنت من كفاءة تنفيذ المعاملات واستقرار البروتوكول، مؤكدة مكانة «إيثيريوم» كبنية تحتية مؤسسية قابلة للاعتماد. في 5 يونيو (حزيران)، أكملت شركة «سيركل» اكتتابها العام في بورصة نيويورك، محققة طلباً مؤسسياً قوياً مع ارتفاع أسعار السهم أكثر من 150 في المائة في يوم التداول الأول، وهو ما يعكس رغبة المستثمرين المؤسساتيين في الدخول إلى السوق الرقمي ضمن أطر منظمة وواضحة.

وفي 17 يونيو، أقر مجلس الشيوخ الأميركي قانون «جينيوس»، ليصبح الإطار الفيدرالي الشامل الأول للأصول الرقمية في الولايات المتحدة. قدم القانون قواعد واضحة لإصدار العملات المستقرة والإشراف عليها، ووضع معايير للبنية السوقية للوسطاء، ما قلل بشكل كبير من عدم اليقين القانوني وعزز الثقة المؤسسية في الأسواق الرقمية.

نهاية يونيو شهدت إطلاق منصة «إكس ستوكس» للأصول المرمّزة، والتي أتاحت تداول أكثر من 60 سهماً أميركياً على «البلوكشين» بشكل مباشر، مما وفر للمستثمرين أداة جديدة للوصول إلى الأسهم التقليدية في بيئة رقمية، مع ضمان التغطية الكاملة للأصل الأساسي. وسرعان ما ارتفعت القيمة الإجمالية للأصول على الشبكة من 35 مليون دولار إلى أكثر من 100 مليون دولار خلال أسبوعين، ما أبرز الاهتمام المبكر بالأسهم المرمّزة.

الربع الثالث: المنافسة والتوسع المؤسسي

في 18 يوليو (تموز)، وقع ترمب قانون «جينيوس» ليصبح نافذاً، مؤكداً تحويل الأطر التنظيمية من غموض إنفاذ القوانين إلى تنظيم واضح وقائم على القواعد، ما عزز دمج الأسواق الرقمية ضمن النظام المالي الأميركي التقليدي.

وشهد شهر سبتمبر (أيلول) إطلاق منصة «أستر» على شبكة «بي إن بي تشاين»، بدعم علني من «سي زد»، مع ارتفاع رموز «أستر» عشرة أضعاف خلال أسبوعها الأول. جذب هذا النشاط الكبير انتباه المحللين، الذين أشاروا إلى ضرورة مراجعة مصداقية البيانات المتعلقة بأحجام التداول وتركيز توزيع الرموز.

الربع الرابع: تسجيل الأرقام القياسية واختبارات السيولة

في 6 أكتوبر (تشرين الأول)، بلغت «بتكوين» أعلى مستوى تاريخي عند 126,038 دولاراً، مدفوعة بتدفقات صناديق المؤشرات المتداولة وضعف الدولار خلال فترة عدم اليقين السياسي. ومع إعلان تعريفات على الصين، عادت العملات الرقمية إلى مرحلة تصحيح؛ إذ شهدت عمليات تصفية كبيرة في الأسواق المركزية واللامركزية، مؤكدة الترابط بين الأسواق الرقمية والاقتصاد العالمي.

وفي 7 أكتوبر، جمعت منصة «بولي ماركت» تمويلاً بقيمة مليارَي دولار عند تقييم 9 مليارات دولار، ليصبح إجمالي التمويل 2.28 مليار دولار، مما يعكس الطلب المؤسسي المتزايد على أدوات التنبؤ الرقمية. وفي 11 أكتوبر، شهدت الأسواق أكبر انهيار منذ «إف تي إكس»، مع موجة بيع حادة تضمنت الأسهم والعملات الرقمية والسلع، ما أبرز أهمية إدارة المخاطر والسيولة في البيئات عالية التقلب.

في 28 أكتوبر، أُطلق أول منتجات «سول إي تي إف»، لتوفير وصول منظم للمستثمرين المؤسساتيين إلى نظام «سولانا» البيئي. وسجلت التدفقات الصافية في اليوم الأول نحو 69.5 مليون دولار، وتراكمت حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) إلى نحو 750 مليون دولار، ما يعكس الطلب المستمر على الأصول الرقمية ضمن أطر منظمة.

تحديات العملات المستقرة

شهدت أسواق «ديفاي» في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) صدمة كبيرة عندما انفصلت العملة المستقرة «إكس يو إس دي» عن قيمتها المرجعية بنسبة تجاوزت 43 في المائة بعد الكشف عن خسارة بقيمة 93 مليون دولار مرتبطة بمدير أصول خارجية. أدى ذلك إلى تجميد السحوبات والاستردادات مؤقتاً، مع انعكاسات على أصول مرتبطة مثل «دي يو إس دي» و«إس دي دي يو إس دي»، مؤكداً أهمية الأطر التنظيمية واستقرار السيولة للحفاظ على ثقة المستثمرين.

اتجاهات 2026

مع نهاية عام 2025، بات جلياً أن أسواق الأصول الرقمية تجاوزت مرحلة المضاربة البحتة، لتتحول إلى مكوّن محوري في البنية المالية العالمية، مدعومةً بتوسع الحضور المؤسسي وتبلور الأطر التنظيمية. ومع دخول عام 2026، يُرجَّح أن يتمحور مسار النمو حول ترسيخ الصلة بين قيمة الرموز الرقمية والتدفقات النقدية الحقيقية التي تولدها البروتوكولات، إلى جانب تطوير آليات الحوكمة، وتعزيز الشفافية، وترسيخ استدامة نماذج التمويل اللامركزي.

وفي هذا السياق، تتشكل ملامح مرحلة جديدة تجمع بين مرونة ابتكارات «البلوكشين» وانضباط الأسواق التقليدية، بما يعيد تعريف دور الأصول الرقمية كأدوات مالية ناضجة، لا مجرد رهانات عالية المخاطر.