الوحش طليقا

الوحش طليقا
TT

الوحش طليقا

الوحش طليقا

وحش فرانكنشتاين، في رواية ميري شلي الشهيرة، الصادرة قبل 200 سنة في مثل هذه الأيام، لا يزال حيًا يجول بيننا، أو كأنه يبعث في عصرنا من جديد أقوى مما كان، وأكثر وحشية. لم يكن يعرف طالب العلم، فيكتور فرانكنشتاين، أن مسخه، الذي كان يتلهى بصنعه في مختبره، والذي لم يمنحه اسمًا، أو لم تمنحه شلي اسمًا لتبقيه شيئًا مجردًا، صالحًا لكل زمان ومكان، سينطلق من مختبره إلى العالم والتاريخ، فيسمهما بدمه، وإنه سيخلد كل هذا الزمن الطويل، بل إنه سيأخذ حتى اسم خالقه.
ولكن حتى لا نظلم ذلك المخلوق المسخ، علينا أن نقول إنه ثار على صانعه، فيكتور فرانكنشتاين، لأنه لم يُطلِقه في العالم سويًا، بل مسخًا في الجسد والروح. كان يريد أن يكون مثل باقي البشر. لم يكن محظوظًا مثل «انكيدو» الذي روضته الطبيعة الإنسانية، ممثلة بصاحبة الحانة: سيدوري.
كان عنوان رواية ماري شلي أساسًا هو «فرانكنشتاين أو بروميثيوس حديثًا» (للشاعر برسي شلي، زوج ميري، قصيدة شهيرة هي من أجمل قصائده بعنوان «بروميثيوس طليقًا»). إذن، كان هناك عنوانان في عنوان واحد، الصانع أو صنيعته، ولكن دور النشر البريطانية، ومنها دار «بنغوين» العريقة، حذفت لاحقًا العنوان الثاني، إذ طغى اسم فرانكنشتاين، وكأنه الوحش، وليس صانعه الذي أراده أن يكون بروميثيوس حديثًا، مخلوقًا ساميًا، كاملاً، ولو من أعضاء الموتى!
اختفى اسم بروميثيوس من عنوان الرواية بعد شهرتها الكاسحة في كل طبعاتها اللاحقة، وكذلك فعلت الأفلام الكثيرة التي استلهمتها. وينطبق الأمر أيضًا على جميع الترجمات العربية لهذه الرواية حد علمنا. وبروميثيوس في الأساطير الإغريقية، كما هو معروف، كان محبًا كبيرًا للبشر، فسرق من آلهة الأولمب فنون العمارة والبناء والنجارة، وأهم شيء سرق النار، ليمنحها للبشر، فعاقبته عقابًا أليمًا على فعلته تلك، بتقييده على صخرة وإرسال صقر عملاق يأكل من كبده، إلى آخر الأسطورة المعروفة.
اختفى بروميثيوس، وبقي اسم فرانكنشتاين على أنه الوحش، وكأن الناشرين وصناع السينما عرفوا منذ زمن بعيد، بحاستهم التجارية القوية، أن البشر في عصرنا هذا لم يعد يجذبهم اسم بروميثيوس، على الرغم من كل ما فعله من أجلهم في عراكه مع الآلهة، بل وحش فرانكنشتاين، ممثل غرائزنا وأهوائنا المنفلتة، التي لم تنجح الحضارة الإنسانية في ترويضها بعد.
لقد بشر الشعراء والكتاب والفلاسفة، ما قبل ماري شلي وبعدها، ببروميثيوس جديد، وسيبقون طويلاً، ولكننا لا نرى سوى مسخ يجول في الأرض ليملأها رعبًا ودمًا، وحش خلقناه نحن على طريقة فيكتور فرانكنشتاين في مصانعنا العصرية. أردنا منه شيئًا، لكنه كبر، واشتد عوده، ولم يعد خاضعا لإراداتنا. صار له وجوده الخاص، وقوته الخارقة، ومملكته البهية، ولم تعد الغابة مأواه الوحيد، والعشب غذاءه، والظلام غطاءه، بل هو يسرح في وضح النهار في شوارعنا، ومدننا، وقرانا كما يشاء، وينقض على فرائسه حين يشاء، فيحصد من البشر في ضربة واحدة ما تحققه حرب كاملة، ويبدو أننا لا نملك فعل أي شيء سوى البكاء على قتلانا. فن نجيده أكثر من غيره، ونبرع فيه أكثر من سوانا.
أمثلة كثيرة في تاريخنا تقول لنا نحن الذين خلقنا هذا الوحش، الذي خرج من بين أيدينا، وفجوات واقعنا، وتاريخنا، وتراثنا، ومن فراغات رؤوسنا، وأوهامنا الباطلة عن أنفسنا، ودفاتر مدارسنا البالية، ومساجدنا وجوامعنا. وإلا فمن أنجب هذا الوحش الخرافي الرهيب؟



مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

مجلة «الفيصل» السعودية: هل منع الرجل المرأة من التفلسف؟

صدر العدد الجديد من مجلة الفيصل وتضمن العديد من الموضوعات والمواد المهمة. وكرست المجلة ملف العدد لموضوع إقصاء المرأة من حقل الفلسفة، وعدم وجود فيلسوفات. شارك في الملف: كل من رسلان عامر: «غياب المرأة الفلسفي بين التاريخ والتأريخ». خديجة زتيلي: «هل بالإمكان الحديث عن مساهمة نسائية في الفلسفة العربية المعاصرة؟» فرانك درويش: «المرأة في محيط الفلسفة». أحمد برقاوي: «ما الذي حال بين المرأة والتفلسف؟» ريتا فرج: «الفيلسوفات وتطور الأبحاث الحديثة من اليونان القديمة إلى التاريخ المعاصر». يمنى طريف الخولي: «النساء حين يتفلسفن». نذير الماجد: «الفلسفة نتاج هيمنة ذكورية أم نشاط إنساني محايد؟» كلير مثاك كومهيل، راشيل وايزمان: «كيف أعادت أربع نساء الفلسفة إلى الحياة؟» (ترجمة: سماح ممدوح حسن).

أما الحوار فكان مع المفكر التونسي فتحي التريكي (حاوره: مرزوق العمري)، وفيه يؤكد على أن الدين لا يعوض الفلسفة، وأن الفلسفة لا تحل محل الدين، وأن المفكرين الدينيين الحقيقيين يرفضون التفلسف لتنشيط نظرياتهم وآرائهم. وكذلك تضمن العدد حواراً مع الروائي العربي إبراهيم عبد المجيد الذي يرى أن الحزن والفقد ليس مصدرهما التقدم في العمر فقط... ولكن أن تنظر حولك فترى وطناً لم يعد وطناً (حاوره: حسين عبد الرحيم).

ونطالع مقالات لكل من المفكر المغربي عبد العزيز بومسهولي «الفلسفة وإعادة التفكير في الممارسات الثقافية»، والكاتب والأكاديمي السعودي عبد الله البريدي «اللغة والقيم العابرة... مقاربة لفك الرموز»، وضمنه يقول إننا مطالبون بتطوير مناهج بحثية لتحليل تورط اللغة بتمرير أفكار معطوبة وقيم عدمية وهويات رديئة. ويذهب الناقد سعيد بنكراد في مقال «الصورة من المحاكاة إلى البناء الجمالي» إلى أن الصورة ليست محاكاة ولا تنقل بحياد أو صدق ما تمثله، لكنها على العكس من ذلك تتصرف في ممكنات موضوعاتها. وترجم ميلود عرنيبة مقال الفرنسي ميشال لوبغي «من أجل محبة الكتب إمبراطورية الغيوم».

ونقرأ مقالاً للأنثروبولوجي الفرنسي فرانك ميرمييه بعنوان «مسار أنثربولوجي فرنسي في اليمن». ومقال «لا تحرر الحرية» (أريانا ماركيتي، ترجمة إسماعيل نسيم). و«فوزية أبو خالد... لم يزل الماء الطين طرياً بين أصابع اللغة» (أحمد بوقري). «أعباء الذاكرة ومسؤولية الكتابة» (هيثم حسين). «العمى العالمي: غزة بين فوضى الحرب واستعادة الإنسانية» (يوسف القدرة). «الطيور على أشكالها تقع: سوسيولوجيا شبكة العلاقات الاجتماعية» (نادية سروجي). «هومي بابا: درس في الشغف» (لطفية الدليمي).

ويطالع القارئ في مختلف أبواب المجلة عدداً من الموضوعات المهمة. وهي كالتالي: قضايا: سقوط التماثيل... إزاحة للفضاء السيميائي وإعادة ترتيب للهياكل والأجساد والأصوات (نزار أغري). ثقافات: «هل يمكن أن تحب الفن وتكره الفنان؟» ميليسا فيبوس (ترجمة خولة سليمان). بورتريه: محمد خضر... المؤلف وسرديات الأسلوب المتأخر (علي حسن الفواز). عمارة: إعادة تشكيل الفضاءات العامة والخاصة في جدة بين التراث والحداثة (بدر الدين مصطفى). حكايتي مع الكتب: الكتب صحبة رائعة وجميلة الهمس (فيصل دراج). فضاءات: «11 رصيف برنلي»... الابنة غير الشرعية لفرنسوا ميتران تواجه أشباح الحياة السرية (ترجمة جمال الجلاصي). تحقيقات: الترفيه قوة ناعمة في بناء المستقبل وتنمية ثقافية مؤثرة في المجتمع السعودي (هدى الدغفق). جوائز: جوائز الترجمة العربية بين المنجز والمأمول (الزواوي بغورة). المسرح: الكاتبة ملحة عبد الله: لا أكتب من أجل جائزة أو أن يصفق لي الجمهور، إنما كي أسجل اسمي في تاريخ الفن (حوار: صبحي موسى).

وفي باب القراءات: نجوان درويش... تجربة فلسطينية جسورة تليق بالشعر الجديد (محمد عبيد الله). جماليات البيت وسردية الخواء... قراءة في روايات علاء الديب (عمر شهريار). «أغنية للعتمة» ماتروشكا الحكايات والأنساب تشطر التاريخ في صعودها نحو الأغنية (سمية عزام). تشكيل: مهدية آل طالب: دور الفن لا يتحقق سوى من خلال الفنان (هدى الدغفق). مسرح: المنظومة المسرحية الألمانية يؤرقها سوء الإدارة والتمييز (عبد السلام إبراهيم)

ونقرأ مراجعات لكتب: «وجه صغير يتكدس في كل ظهيرة» (عماد الدين موسى)، «مروة» (نشوة أحمد)، «خاتم سليمي» (نور السيد)، «غراميات استثنائية فادحة» (معتصم الشاعر)، «أبناء الطين» (حسام الأحمد)، «حساء بمذاق الورد» (جميلة عمايرة).

وفي العدد نطالع نصوص: «مارتن هيدغر يصحو من نومه» (سيف الرحبي)، «مختارات من الشعر الكوري» (محمد خطاب)، «سحر الأزرق» (مشاعل عبد الله)، «معرض وجوه» (طاهر آل سيف)، «سارقة الذكريات» (وجدي الأهدل)، «أوهام الشجر» (منصور الجهني).